بعد تردد أحاديث بتركيا.. ما موقف روسيا من إمكانية إلغاء اتفاقية "مونترو"؟

12

طباعة

مشاركة

تستمر التفاعلات في تركيا بشأن تصريحات جديدة لرئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، فيما يخص اتفاقية مونترو الخاصة بحركة السفن عبر المضائق التركية، وما نتج عنها من الحديث عن محاولة انقلاب عسكري.

بدأت القصة بعد حوار دار بين رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب والكاتب الصحفي محرم صاري كايا في البث المباشر على قناة خبر ترك التلفزيونية، مطلع أبريل/نيسان.

 فقد سأل الأخير: "لا أقصد الرئيس (رجب طيب) أردوغان لكن هل من الممكن أن يأتي رئيس لتركيا في يوم من الأيام ويقول "سأنسحب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان أو سألغي الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"؟

وكانت إجابة شنطوب "نعم هذا ممكن نظريا وفنيا"، ليسأل صاري كايا مرة أخرى: "وماذا إذا قال سأنسحب من اتفاقية مونترو؟".

ويجيب شنطوب: "نعم يمكنه هذا، ولسنا فقط كرئاسة الجمهورية أو الوزراء في النظام القديم من يمكنه فعل ذلك. بل يمكن لألمانيا وأميركا وفرنسا أن تفعل ذلك أيضا، لكن هناك فرق بين الممكن والمحتمل".

اتفاقية مونترو

ونشرت صحيفة "اندبندنت" البريطانية - النسخة التركية مقالا للكاتب ماييس علي زاده قال فيه: هل كانت جملة "يمكن لمونترو أن تتغير" عبارة تم التخطيط لها مسبقا؟ أنا لا أعتقد ذلك. 

وبينما رأى الجميع ردود الفعل التي ثارت داخل البلاد إلا أنني متأكد تماما أن شنطوب لم يكن ليتمكن من أن يتوقع انعكاس ذلك على الخارج، يقول الكاتب.

وأضاف: فمثلا كيف كان له أن يتوقع أن يكتب كل من ماريان بيلينكا وكيريل كريفوشيف، الخبيران في تركيا والقوقاز والشرق الأوسط والعالم العربي مقالا في صحيفة كوميرسانت الروسية بعنوان "الرئيس أردوغان يكشف عن تآمر المتقاعدين" في 6 أبريل/نيسان؟

فبعد تصريحات شنطوب، أصدر ضباط أتراك متقاعدون بيانا تحت عنوان "بيان مونترو من 103 أدميرالات" يستحضر انقلابا.

وفي 4 أبريل/نيسان 2021، فتحت النيابة العامة بأنقرة تحقيقا بشأن البيان المنشور على بعض المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بتهمة "الاتفاق على ارتكاب جرائم ضد أمن الدولة والنظام الدستوري" بموجب المادة 316/1 من قانون العقوبات التركي.

وأوضح البيان أن قوات الأمن أوقفت 10 مشتبهين من الشخصيات الموقعة على البيان، مع تبليغ 4 آخرين بضرورة مراجعة قيادة شرطة أنقرة في غضون 3 أيام، في إطار التحقيقات. 

ودعا البيان المذكور إلى تجنب جميع أنواع الخطابات والأعمال التي قد تجعل اتفاقية "مونترو" موضوعا للنقاش. وأشار إلى أن بعض الصور "غير المقبولة" في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي شكلت مصدر قلق.

وأدان البيان ذاته الجهود الرامية إلى إظهار الجيش التركي وقوات البحرية "بعيدين عن المسار المعاصر الذي رسمه أتاتورك (مؤسس الجمهورية)". 

وفي مارس/آذار 2021، صادقت تركيا على مشاريع لتطوير قناة إسطنبول للشحن البحري أسوة بمشاريع قنوات بنما والسويس، مما أدى إلى جدل حول اتفاقية "مونترو".

ووقعت اتفاقية مونترو في سويسرا عام 1936 بمشاركة دول من بينها الاتحاد السوفياتي آنذاك وتركيا وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا.

ويعد شق قناة إسطنبول أحد أبرز مشاريع الرئيس التركي لإحداث تحول على صعيد البنى التحتية من مطارات وجسور وطرق وأنفاق. 

ويعتبر مسؤولون أتراك أن القناة الجديدة تكتسي أهمية حيوية لتخفيف الضغط عن مضيق البوسفور في إسطنبول، الذي يعد ممرا أساسيا للتجارة العالمية عبرته في العام 2020 أكثر من 38 ألف سفينة. وحركة عبور المجرى المائي بين أوروبا وآسيا كثيفة وشهدت مؤخرا حوادث كثيرة.

لكن معارضي المشروع يعتبرون أنه وبمعزل عن تأثيره البيئي، يمكن أن يقوض اتفاقية "مونترو" التي تضمن حرية عبور السفن المدنية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل في السلم والحرب. 

لكن الاتفاقية تفرض قيودا على مرور سفن حربية لا تنتمي إلى الدول المطلة على البحر الأسود، عبر المضائق التركية.

أهمية مونترو

ويقول الكاتب علي زاده: تذكرت مقالا آخر كتبته في ذات الصحيفة مع صديقي ألكسندر ريوتوف حول قناة إسطنبول عندما ظهر على جدول الأعمال قبل الانتخابات التي أجريت في 12 يونيو/حزيران 2011. ففي ذلك الوقت، كنا قد قمنا بتقييم هذه المبادرة على أنها "استثمار انتخابي"، كذلك كان تقييم روسيا أيضا. 

وتابع قائلا: لكن وعلى الرغم من استمرار المناقشات على أبعاد مختلفة حتى بعد مرور 10 سنوات، إلا أن روسيا لا تزال تحافظ على حذرها. 

لماذا؟ لقد كان كل من ستيف مانن الممثل الخاص للرئيس جورج بوش الابن في بحر قزوين وفلاديمير جيرينوفسكي، زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي وفيكتور كاليوجني المبعوث الخاص للرئيس بوتين إلى بحر قزوين والبحر الأسود، ونائب وزير الخارجية قد ألقى خطابا في افتتاح الاجتماع حول التعاون في مجال الطاقة في إسطنبول في نهاية مايو/أيار 2003.

وأردف: في الاستراحة، اجتمعنا في غرفة فيكتور كاليوجني في الفندق وتحدثنا بشكل أساسي حول معاهدة مونترو. 

وعندما سألته "هل تفكر في اقتراح تغييرات على المعاهدة؟" رد كاليوجني أحد الدبلوماسيين الروس الأكثر نفوذا قائلا، "لا، إنها معاهدة جيدة جيدا، ولن نرغب أبدا في تغييرها، وفي حال لزم الأمر، يمكننا أن نجلس مع تركيا ونعيد تقييماتنا".

ومما لا شك فيه أن الرئيس أردوغان يملك من الحنكة والخبرة في إدارة الدولة ما يجعله يعرف دور مونترو جيدا في سيادة تركيا على المضائق وأنه لا يمكن أن يقدم على هذا دون أن يكون على اتفاق كامل مع روسيا وأن موسكو لن تقبل أيضا بانسحاب أحادي الجانب من المعاهدة، يقول الكاتب.

 لذلك، يتابع أنه "يجب تقييم بيان رئيس مجلس الأمة التركي الكبير في ضوء إدارة أردوغان للدولة وتجربته السياسية".

ويضيف: تزايدت النقاشات في روسيا حول قناة إسطنبول بعد إعادة الحكومة التركية لطرح المشروع بشكل قوي مرة أخرى في أواخر عام 2019. وبينما كان أحد البعدين للمسألة المطروحة على الطاولة تجاريا، كان الآخر جيوستراتيجيا وجيوسياسيا.

ويلفت قائلا: المثير للاهتمام أن قناة إسطنبول ومونترو لا تحتلان المساحة المتوقعة في الأجندة الروسية. ويعود السبب الأول لذلك إلى رؤيتهم للقناة كمشروع تجاري وتسليمهم بأن "تركيا تملك الحق في تنفيذ أي مشروع تريد على أرضها".

وفيما يتعلق بالاهتمام الجيوستراتيجي بهذا المشروع، فإنه يغلب على رأيهم أن "واشنطن قد تطمح في نقل الأسطول الأميركي إلى البحر الأسود من خلال قناة إسطنبول بما أن تركيا أتاحت نزول الأسطول الروسي من هناك إلى البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق البسفور"، بحسب ما يراه الكاتب.

لكن النقطة الرئيسة التي تهم المعلقين الروس هنا تتمحور حول ما إذا كانت قواعد مونترو المطبقة في المضائق ستكون سارية على قناة إسطنبول بعد الانتهاء من المشروع أم لا، وإن كان الاعتقاد السائد بأنها لن تكون سارية. 

لكن ماذا سيحدث في مثل هذه الحالة؟ هل سيتم منع السفن الروسية من المرور عبر مضيق البوسفور لتوجيهها إلى قناة إسطنبول؟ يتساءل الكاتب.

روابط قديمة

واستدرك قائلا: هذه الاختلافات تذكر بالفترة في عام 1914 عندما قصف الألمان سيفاستوبول وجروا الإمبراطورية العثمانية إلى الحرب العالمية.

فيجب أن نأخذ كل هذه الأمور في الاعتبار حتى نتجنب أي نزاع بين أنقرة وموسكو حول اتفاقية مونترو أو المضائق، وفق الكاتب.

وفي إشارة إلى ملف المضائق بين تركيا وروسيا، يقول علي زاده: بدأ تحرك روسيا القيصرية للحصول على حق المرور عبر المضائق خلال فترة بترو الأولى، وبعد فرض سيادتها على شواطئ بحر البلطيق، تم اتخاذ الخطوات المناسبة وفقا للمعادلة المتغيرة.

وكان الهدف الرئيس للشركة البحرية الحكومية التي تأسست في العاصمة، سانت بطرسبرغ في عام 1856، في أعقاب هزيمة الإمبراطورية العثمانية لروسيا القيصرية في حرب القرم 1853-1854 (ما أسماه لينين "هزيمة مشينة لروسيا") تمكين السفن التجارية في البحر الأسود من الإبحار إلى أوروبا عبر مضيق إسطنبول وتشناق قلعة، وفقا للكاتب.

ويتابع: وذلك حتى وصلت الشركة، التي تم تعزيز هيكل رأس مالها في عام 1862، إلى قوة لا يمكن مقارنتها أبدا بالبحرية العثمانية في ثمانينيات القرن التاسع عشر بعد هزيمة الدولة العثمانية في حرب 1877-1878. 

وبينما تم تجديد جميع السفن الروسية تقريبا كانت نظيرتها العثمانية تقريبا في وضع لا يمكنها من مواكبة العصر.

وأضاف: "كانت العلاقات مع روسيا (على الرغم من احتلالها جزءا من شرق الأناضول)، والتي أسست بنوكا وغرفا تجارية وغرفا تجارية بحرية في نقاط مختلفة من الإمبراطورية العثمانية في بداية القرن الماضي، وشاركت في مناقصات السكك الحديدية ترسم خطا متصاعدا على الرغم من نزول السلطان عبد الحميد عن العرش".

أما في الحرب العالمية الثانية، فقد أدى دعم روسيا الاشتراكية الساحق لحرب الاستقلال في الأناضول إلى فتح حقبة جديدة في العلاقات وأسعدت معاهدة مونترو التي أعطت تركيا حقوقها والتي تعتبر انتصارا كبيرا بالنسبة لها، اتحاد ستالين السوفييتي. 

ويردف الكاتب: لكن وعندما أدرك ستالين الذي كان يرغب في الحصول على المزيد من الامتيازات في المرور عبر المضائق التركية، أن تركيا لن تتنازل عن أي من بنود معاهدة مونترو قبل تسع سنوات، حاول ضم منطقتي كارس وأرضاهان إلى أرمينيا وجورجيا. 

ويختم علي زاده مقاله: هكذا سيكون من المفيد أن يتم وضع المصالح التي تحققها تركيا، أو تلك التي ستستمر في تحقيقها في حال لم تلغ معاهدة مونترو إلى جانب نوايا ورغبات روسيا، في الاعتبار أثناء الحديث عن معاهدة مونترو.

 ولا ينبغي لأحد أن ينسى أن الحقيقة لن تتغير حول كون المصالح والأبواب التي تؤدي إليها هي الأصل في العلاقات الدولية أكثر منها الأيديولوجيات، وفق تعبيره.