آخرهم عمار سعيداني.. هل يصبح المغرب ملاذا آمنا للهاربين من الجزائر؟

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قائمة الشخصيات الجزائرية المسؤولة (سابقا) الهاربة إلى المغرب كملاذ آمن، تزداد يوما بعد يوم، كان آخرها الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم)، رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) السابق، عمار سعيداني.

في 3 أبريل/ نيسان 2021، نشرت صحيفة "لوسوار" الجزائرية الناطقة بالفرنسية، خبرا سمع صداه في بلد الجار، المغرب، ويفيد بأن سعيداني لجأ إلى المملكة هربا من المتابعة القضائية في تهم فساد وتبييض أموال وجهت إليه بعد الحراك.

مصادر ذهبت إلى أن سعيداني ليس المسؤول الجزائري الوحيد الفار من العدالة الذي يقيم في المغرب، ويرجع اختيارها للبلد الجار إلى الأزمة بين البلدين وعدم وجود تعاون قضائي بينهما يسمح بتسليم المتابعين.

وزير العدل الجزائري بلقاسم زغماتي، دعا مؤخرا لـ"احترام الاتفاقيات الدولية بشأن استرداد الأموال التي جناها أصحابها عن طريق الفساد"، مؤكدا أن رئيس الغرفة البرلمانية الأولى السابق مصنف رسميا كـ"هارب"، كونه يتابع منذ 2018 وجرى استدعاؤه مرتين للاستماع إليه في قضية اختلاس أراض، لكنه لم يستجب.

رؤوس الفساد

تصاعد قلق سعيداني، بحسب الصحيفة الجزائرية عن مصادر وصفتها بـ"الموثوقة"، بعد اعتقال وزير العدل السابق، الطيب لوح، في أبريل/نيسان 2019، باعتبار "الرجل الذي كان يعتمد عليه لم يعد في مكانه".

أدرج اسم عمار سعيداني على لائحة الشخصيات الذين فتحت العدالة بشأنهم تحقيقات منذ سنة 2018، ووجهت له محكمة "الشراقة" بالجزائر استدعاءين متتاليين للاستماع إليه في قضية اختلاس، لكنه لم يستجب.

ووفق "لوسوار" اختار الهارب من العدالة فرنسا كمحطة أولى، لكن التعاون القضائي بين بلده وباريس جعله "يشعر بقلق شديد"، وفق المصدر ذاته، وفي 24 من مارس/ آذار 2021، صادق البلد الأوروبي الذي يضم أكبر جالية جزائرية، على اتفاقية تسليم المطلوبين الموقعة بينه وبين الجزائر في يناير/كانون الثاني 2019، إيذانا بدخولها حيز التنفيذ.

كانت البرتغال إحدى محطات المتورط في الفساد بالجزائر، وأشارت "لوسوار" الناطقة بالفرنسية، إلى صرامة القوانين واحترام الاتفاقيات الدولية في البلد، وهي أيضا واحدة من البلدان التي أرسلت إليها الجزائر خطابات الإنابة القضائية للتحقيق في ممتلكات الأشخاص المتورطين في قضايا الفساد.

قرر سعيداني مغادرة البرتغال، وفق الصحيفة الجزائرية، "طالبا اللجوء من السلطات المغربية، التي قدم لها خدمات هائلة، مسألة الصحراء الغربية واحدة منها". 

الرئيس السابق لجبهة التحرير الوطني هو الآن حليف للمملكة في الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو والذي يستمر في تسميم العلاقات بين الجزائر والرباط. 

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، خالف سعيداني الإجماع الوطني في الجزائر بشأن مسألة الصحراء الغربية من خلال الدفاع عن سيادة المغرب على هذه المنطقة.

"من وجهة نظر تاريخية، الصحراء مغربية، وقد اقتطعت من المغرب في مؤتمر برلين سنة 1878"، قال سعيداني في مقابلة صحفية مع موقع "كل شيء عن الجزائر"، قبل أن يضيف: "الجزائر دفعت طوال 50 عاما مبالغ ضخمة لما يسمى بالبوليساريو، دون أن تقوم الأخيرة بشيء أو تخرج من عنق الزجاجة".

ورأى سعيداني، أن "بلاده دفعت ثمنا غاليا جدا دون جدوى، في حين كان من المفترض استثمارها في تطوير المناطق المحرومة في الجزائر".

ذهبت "لوسوار" إلى حد وصف تصريحات سعيداني بـ"الخيانة العظمى"، باعتبار أنه يحدث "في وقت يقال إن الجزائر مستهدفة من قبل عملية واسعة النطاق لزعزعة الاستقرار من المغرب".

هاربون آخرون

أكدت مصادر أمنية في الرباط لمجلة "جون أفريك" الناطقة بالفرنسية، أن الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني استقر في المملكة، بعد أن تورط في فضائح فساد في الجزائر.

وجد سعيداني (71 عاما)، ملاذا في المغرب، وبحسب مصادر أمنية موجودة في الرباط أكدت المعلومات لـ"جون أفريك"، قرر المسؤول السابق الاستقرار في المملكة.

وأفادت المجلة الفرنسية، أنه "ليس الشخصية الجزائرية الوحيدة التي اختارت العيش في المغرب"، دون أن تقدم مزيدا من التفاصيل حول هوية هذه الشخصيات أو عددها أو وضعها في البلاد.

عندما كان رئيسا للمجلس الشعبي الوطني، أثار عمار سعيداني غضب الرئاسة بالذهاب سرا إلى المغرب، دون إبلاغ سلطات بلاده، وبعد إنذار من المخابرات الجزائرية، أمره الرئيس بوتفليقة بالعودة إلى الجزائر دون تأخير.

أثناء قيادته لجبهة التحرير الوطني، وجد عمار سعيداني نفسه في قلب قضية غسل أموال أخرى عام 2009، حيث حصل على شقة فاخرة في باريس، بمبلغ 665 ألف يورو، لكن الرجل الذي كان مقربا من سعيد بوتفليقة، الشقيق الأصغر للرئيس السابق، لم يضطر أبدا إلى توضيح مصدر الأموال المستخدمة في عملية الشراء.

منذ مغادرته جبهة التحرير الوطني عام 2016، شارك حياته بين فرنسا وإنجلترا والبرتغال وإسبانيا، حيث قيل إنه استثمر في العقارات.

لعب عمار سعيداني دورا رئيسا في تفكيك دائرة المخابرات والأمن (التي تم حلها عام 2016)، وكذلك ساهم عام 2015 في إقالة رئيسه اللواء محمد مدين، وقاد في عام 2013 حملة عنف نادرة ضد المخابرات ورئيسها.

وبمباركة الثنائي سعيد بوتفليقة وقايد صالح، أشار سعيداني إلى مسؤولية رئيس دائرة الاستعلام والأمن في اغتيال الرئيس محمد بوضياف في يونيو/حزيران 1992، وكذلك اغتيال رهبان فرنسيين في مايو/أيار 1996، أو حتى في الهجوم الفاشل على عبد العزيز بوتفليقة في سبتمبر/أيلول 2007.

ذهبت "جون أفريك" إلى القول: "لكونه لسنوات عديدة الشخصية الثالثة في الدولة، وفي قلب هذه العملية ضد دائرة الاستعلام والأمن، ولمعرفته الجيدة بالسياسيين الجزائريين، ينبغي أن يكون سعيداني مصدرا قيما للمعلومات بالنسبة للرباط، في سياق التوترات المتجددة بين الجارتين".

طلب اللجوء

نفت مصادر مغربية لموقع "الصحيفة" الأخبار الرائجة حول قيام عمار سعيداني، بتقديم طلب اللجوء إلى المغرب هربا من المطاردة القضائية في بلاده.

وأكدت مصادر الموقع، أن الرباط لم تتوصل بأي طلب من هذا النوع لحدود الساعة، وقالت مصادر من المعارضة الجزائرية لـ"الصحيفة" إن سعيداني "لم يقم بأي خطوة رسمية أو شبه رسمية للجوء إلى المغرب".

وأبرزت المصادر ذاتها أن المسؤول الجزائري السابق "يعلم مسبقا أن المغرب سيرفض طلبه"، خالصة إلى أن هذا الخبر يدخل في إطار "البروباغاندا التي يروجها النظام الجزائري ويقوم بها من حين لآخر لإذكاء العداء مع المغرب، لمواجهة الحراك الاحتجاجي والمشاكل الداخلية التي يعاني منها".

وأوردت مصادر دبلوماسية مغربية أن سلطات الرباط لم تتوصل بأي طلب لجوء باسم عمار سعيداني، موردة أن هذا الأمر "مستبعد جدا".

وفي حين استند مراقبون إلى ما أفادته "جون أفريك" بأن مسؤولين آخرين يتخذون من المغرب ملاذا للهروب من العدالة في بلادهم التي تربطها علاقات متوترة مع المملكة، شددت المصادر المغربية على أن "موقف الأخيرة مما يحدث في الجزائر واضح جدا، حيث تنأى الرباط بنفسها عن الشؤون الداخلية لهذا البلد وعبرت عن التزامها بموقف الحياد منذ 2019".