السودان "بؤرة ساخنة" للجواسيس الروس.. لماذا يستعين باستخبارات بوتين؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

وصفت تقارير لوسائل إعلام متخصصة في الشؤون الاستخباراتية، السودان بأنه بؤرة ساخنة للجواسيس الروس، لا سيما مع زيارات متكررة لضباط استخبارات نشطين إلى العاصمة الخرطوم.

وتقول مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية إن زيارات الضباط هذه تأتي لعرض خدماتهم على الاستخبارات السودانية في ظل المرحلة الحرجة والفترة الانتقالية التي تمر بها البلاد خلال حكم المجلس السيادي بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وإدارة حكومة قوى الحرية والتغيير "قحت" برئاسة عبدالله حمدوك. 

فإلى أين وصل التعاون الاستخباراتي بين الجانبين؟ ولماذا لجأ عسكر السودان إلى روسيا؟ وما هي النتائج الأمنية والسياسية المترتبة على ذلك التعاون في ظل حرب الاستقطابات داخل الدولة؟ 

تعاون استخباراتي 

مورد تقنيات المراقبة عبر الإنترنت للاستخبارات الداخلية الروسية ينفذ تحركات في الخرطوم، هكذا أوردت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، في عددها الصادر بتاريخ 24 مارس/ آذار 2021. 

وذكرت أن موسكو استعانت بالعقيد السابق في الاستخبارات الروسية "أندريه ماسالوفيتش"، للمساعدة في الحملة الناعمة التي تقوم بها في إفريقيا، حيث تسوق شركته "أفالانش" تكنولوجيا الاتصالات الآمنة. 

كما أضافت المجلة أن "أندريه ماسالوفيتش، التي وصفته بـ"المخلص لموسكو" زار الفريق رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية السودانية ياسر محمد عثمان، في 27 فبراير/ شباط 2021.

إذ قدم ضابط الاستخبارات الروسي مجموعة من الأدوات التي يوردها للكرملين، بما في ذلك برمجيات التنقيب عن البيانات، وأدوات الاتصالات الآمنة، بالإضافة إلى برمجيات مراقبة وسائل الإعلام عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي التي تستخدمها الحكومة الروسية خلال أوقات الانتخابات. 

ماسالوفيتش الذي يعرض خدماته على الاستخبارات السودانية، يدير حاليا عدة شركات في تطوير برمجيات التجسس وجمع المعلومات وحماية البيانات، ومن بين أبرز زبائنه، وكالة أمن الدولة الفيدرالية، ووزارات الداخلية والعدل والشؤون الخارجية والاتصالات الروسية. 

وكذلك شركات روسية من أمثال "روسبنك"، و"غازبروم"، و"روساتوم"، و"روس تيليكوم"، وعلى الصعيد الخارجي، "بنك كمبوديا الوطني، والحكومة اليمنية"، بحسب إنتيليجنس أونلاين. 

وأوضحت المجلة أن زيارة ماسالوفيتش إلى السودان تعتبر تذكيرا بالعديد من الشراكات العامة والخاصة التي تعقدها روسيا في إفريقيا. وفي سياق الاهتمامات الاستخباراتية الروسية، تعد الخرطوم، على وجه الخصوص، بؤرة ساخنة للجواسيس الروس. 

تعاون أعمق

التعاون العسكري والأمني بين السودان وروسيا، بدأ منذ عهد الرئيس المعزول عمر البشير، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، خلال زيارة الأخير إلى موسكو.

إذ وقع البلدان حينها اتفاقيات للتعاون العسكري تتعلق بالتدريب، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين.

كما أعلن البشير أنه ناقش مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، وطلب تزويد بلاده بأسلحة دفاعية.

وفي مايو/ أيار 2019، عقب الإطاحة بالبشير كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعد أن دخلت حيز التنفيذ.

بدا حينها أن التعاون الروسي السوداني سيتجه إلى نقاط أعمق، وهو ما حدث بالفعل عندما التقى بوتين، برئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

حينها أعلن بوتين، على هامش القمة الروسية الإفريقية في مدينة سوتشي، دعمه الكامل للسودان من أجل تطبيع الوضع السياسي الداخلي.

عضد ذلك التعاون بين عسكري السودان والروس، ما حدث في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عندما أعلنت الخرطوم عن تلقيها هدية عسكرية من روسيا.

وذكرت وكالة الأنباء السودانية "سونا" عبر صفحتها الرسمية بموقع "تويتر" وقتها أن "قيادة القوات البحرية السودانية تسلمت بقاعدة بورتسودان البحرية، سفينة التدريب الحربية (فلمنجو) المهداة من جمهورية روسيا الاتحادية"، وأضافت: أن "هذه الخطوة تأتي في إطار التعاون العسكري بين الخرطوم وموسكو".

تم تفسير ذلك التعاون بأنه يأتي في إطار سعي الدبلوماسية الروسية لتحقيق مآربها في السودان، إذ توجهت مباشرة إلى دعم المجلس العسكري في الخرطوم، تعزيزا لمنهجية موسكو في استقطاب العسكر، وهو ما ذكره الباحث في مركز "كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط، "سامويل راماني".

راماني كتب في 11 يوليو/ تموز 2019، تقريرا بعنوان "يد موسكو في مستقبل السودان"، قال فيه: إن "روسيا تتطلع إلى بناء قاعدة في الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر لزيادة تأثيرها في القرن الإفريقي وتوسيع حضورها في مضيق باب المندب".

وذكر أن "الدفاع الروسي المستميت عن المجلس العسكري الانتقالي في السودان داخل مجلس الأمن الدولي، يظهر الأهمية المتزايدة التي يكتسيها الاصطفاف الروسي إلى جانب الخرطوم انطلاقا من مصالح موسكو الاقتصادية وتطلعاتها الجيوسياسية في إفريقيا جنوب الصحراء".

صراع نفوذ

ممهدات التعاون الاستخباراتي بين الخرطوم وموسكو، لا تنفصل عن سباق الاستقطابات العسكرية بين روسيا والولايات المتحدة في السودان. 

فمن جانبها دعمت واشنطن، حكومة عبدالله حمدوك في عملية الانتقال الديمقراطي، ضد أي محاولات للتدخل العسكري أو إحكام قبضة العسكريين على الأوضاع بشكل كامل.

وهو ما ظهر في الأول من يناير/كانون الثاني 2021، مع إصدار مشروع "دعم الانتقال الديمقراطي في السودان"، الذي أصبح قانونا رسميا معتمدا، بمصادقة الكونغرس الأميركي عليه، وبدعم كاسح من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وبناء عليه، تم إدراجه ضمن مشروع التمويل الدفاعي الذي مرره الكونغرس.

المشروع الذي جاء تحت مسمى "قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية للعام 2020"، ترتب عليه متغيرات كبيرة على مستوى إدارة الدولة، وإعادة هيكلة المؤسسات، وعملية انتقال وتسليم السلطة، بالإضافة إلى إحكام الرقابة على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وإخضاعها بشكل كامل للحكومات المدنية.

القانون الأميركي نص بوضوح على مراقبة أموال الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية، وأصولها وميزانيتها، والكشف عن أسهمها في جميع الشركات العامة والخاصة.

كما شمل ضرورة وضع لائحة الأسهم في الشركات العامة والخاصة التي تديرها أو تملكها قوى الأمن والاستخبارات، ونقل هذه الأسهم إلى وزارة المالية أو أي هيئة تابعة للحكومة المدنية.

استهدفت واشنطن من خلال مشروعها، تقييم الإصلاحات اللازمة في ملف حقوق الإنسان والمساءلة، مع تضمين تقييم إصلاحات القطاع الأمني في السودان، من قبل الحكومة، وأهمها تفكيك المليشيات المسلحة، وتعزيز السيطرة المدنية على القوات العسكرية.

مع دعم فرص تعزيز السلام الداخلي والاستقرار طويل الأمد، ومساءلة قوى الأمن والاستخبارات السودانية، وكذلك محاسبة المتورطين من تلك القوى في جرائم انتهاكات حقوق الإنسان، واستغلال الموارد الطبيعية، وتهديد عملية الانتقال الديمقراطي. 

بالإضافة إلى وقف أي ضلوع لقوى الأمن والاستخبارات في الاتجار غير الشرعي للموارد المعدنية بما فيها النفط والذهب، وكذلك وضع خطة يمكن من خلالها للحكومة السودانية استرجاع أي ممتلكات أو أرباح للدولة تم تحويلها لحزب المؤتمر الوطني (المنحل) أو لأي مسؤول فيه. 

المشروع الأميركي توعد بفرض عقوبات على المخالفين حتى لو كانوا من المسؤولين. وتتراوح هذه العقوبات بين تجميد الأصول وإلغاء تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة.

تلك السياسة دفعت العسكريين السودانيين بشكل مستمر للبحث عن منافذ أخرى، وأقطاب تحدث توازنا داخل معادلة القوة على مسرح العملية السياسية، وكان التعاون الاستخباراتي والعسكري مع روسيا، من الحلول المطروحة أمامهم بشكل مستمر. 

عمليات قذرة 

السياسي السوداني الدكتور إبراهيم خضر، وصف التعاون مع الروس بأنه أول خطوات (مانيفستو) العمليات القذرة التي تدار في الخفاء وتهدف إلى انتهاكات جسيمة. 

وقال خضر في حديثه لـ"الاستقلال" إن "روسيا تختلف شكلا ومضمونا عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث لا مجال لحقوق الإنسان والديمقراطية، وقد رأينا سلوكها الأثيم في سوريا ودماء مئات الآلاف من الشعب السوري".

وبين أن "موسكو هي المسؤول الأول عنها بدعمها لنظام بشار الأسد وتورطها في المجازر المرتكبة هناك".

وأشار إلى أن "السودان ليس ببعيد عن الوصول لمرحلة مشابهة، مع وجود المليشيات والحركات المتمردة، التي يعسكر بعضها في قلب الخرطوم مثل جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان، غير قوات الدعم السريع الرابضة في كل مكان". 

وذكر أن "التعاون الروسي السوداني مستمر منذ عهد عمر البشير، ولكن استعانة جهاز الاستخبارات السودانية بنظيره الروسي وشركات الدعم السيبراني لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، وتحليل البيانات يؤكد نية سيئة".

فلا ننسى أن الثورة السودانية في أساسها بدأت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وحاولت الحكومة تحجيمها وإغلاقها أكثر من مرة، وفق قوله.

ولفت إلى أن "الخطورة الأساسية تكمن في تحكم شركات أجنبية واطلاعها على بيانات الدولة والأفراد، وهذا فيه تهديد صريح للاستقلالية الوطنية، ويمكن أن يتسبب في كثير من الإشكاليات على المستوى البعيد".

وتساءل خضر: "إذا كانت روسيا هددت أكبر ديمقراطيات العالم في الولايات المتحدة، ومتهمة بالتلاعب في الانتخابات (الرئاسية الأميركية)، فكيف إذن ستصمد دولة مثل السودان".

وتابع: "كيف سيحمي السودان نفسه من المؤامرات الروسية، التي تريد أن تجعله رأس حربة لتدخلات أعمق في القارة الإفريقية، بداية من القواعد البحرية وصولا إلى شركات الاستخبارات والجواسيس".