بيان الضباط المتقاعدين.. لماذا كل هذا الجدل بشأن قناة إسطنبول المائية؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحفيتان تركيتان الضوء على قضية نشر ضباط متقاعدين من القوات البحرية برتبة "أدميرال"، بيانا عن اتفاقية "مونترو" (الخاصة بحركة السفن عبر المضايق التركية) والجدل بشأن قناة إسطنبول المائية.

وفي 4 أبريل/نيسان 2021، فتحت النيابة العامة بأنقرة تحقيقا بشأن البيان المنشور تحت عنوان "بيان مونترو من 103 أدميرالات" على بعض المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بتهمة "الاتفاق على ارتكاب جرائم ضد أمن الدولة والنظام الدستوري" بموجب المادة 316/1 من قانون العقوبات التركي.

قصة البيان

وأوضح البيان أن قوات الأمن أوقفت 10 مشتبهين من الشخصيات الموقعة على البيان، مع تبليغ 4 آخرين بضرورة مراجعة قيادة شرطة أنقرة في غضون 3 أيام، في إطار التحقيقات.

ودعا البيان المذكور إلى تجنب جميع أنواع الخطابات والأعمال التي قد تجعل اتفاقية "مونترو" (الخاصة بحركة السفن عبر المضايق التركية) موضوعا للنقاش. 

وأشار إلى أن بعض الصور "غير المقبولة" في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي شكلت مصدر قلق.

وأدان البيان ذاته الجهود الرامية إلى إظهار الجيش التركي وقوات البحرية "بعيدين عن المسار المعاصر الذي رسمه أتاتورك (مؤسس الجمهورية)".

وفي مارس/آذار 2021، صادقت تركيا على مشاريع لتطوير قناة إسطنبول للشحن البحري أسوة بمشاريع قنوات بنما والسويس، مما أدى إلى جدل حول اتفاقية "مونترو" الموقعة في العام 1936.

ويعد شق قناة إسطنبول أحد أبرز مشاريع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإحداث تحول على صعيد البنى التحتية من مطارات وجسور وطرق وأنفاق. 

ويعتبر مسؤولون أتراك أن القناة الجديدة تكتسي أهمية حيوية لتخفيف الضغط عن مضيق البوسفور في إسطنبول، الذي يعد ممرا أساسيا للتجارة العالمية عبرته في العام 2020 أكثر من 38 ألف سفينة.

وحركة عبور المجرى المائي بين أوروبا وآسيا كثيفة وشهدت مؤخرا حوادث كثيرة. لكن معارضي المشروع يعتبرون أنه وبمعزل عن تأثيره البيئي، يمكن أن يقوض اتفاقية "مونترو" التي تضمن حرية عبور السفن المدنية عبر مضيقي البوسفور والدردنيل في السلم والحرب.

لكن الاتفاقية تفرض قيودا على مرور سفن حربية لا تنتمي إلى الدول المطلة على البحر الأسود، عبر المضائق التركية. 

رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري المعارض، هو أيضا من أشد معارضي مشروع قناة إسطنبول لأسباب "مالية وبيئية".

وتم فتح تحقيق إداري في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 ضده بسبب نشره ملصقات في أنحاء المدينة ضد بناء هذا الممر البحري.

ونشرت صحيفة "صباح" التركية مقالا للكاتبة هلال كابلان قالت فيه: بدأ ذلك كله بعد الحوار الذي دار بين رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب الكبير و(الكاتب الصحفي) محرم صاري كايا في البث المباشر على قناة خبر ترك التلفزيونية".

 فقد سأل الأخير: "لا أقصد الرئيس أردوغان لكن هل من الممكن أن يأتي رئيس لتركيا في يوم من الأيام ويقول "سأنسحب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان أو سألغي الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"؟

وكانت إجابة شنطوب "نعم هذا ممكن نظريا وفنيا"، ليسأل صاري كايا مرة أخرى: "وماذا إذا قال سأنسحب من اتفاقية مونترو؟".

ويجيب شنطوب: "نعم يمكنه هذا، ولسنا فقط كرئاسة الجمهورية أو الوزراء في النظام القديم من يمكنه فعل ذلك. بل يمكن لألمانيا وأميركا وفرنسا أن تفعل ذلك أيضا، لكن هناك فرق بين الممكن والمحتمل"، وفق ما نقلت كابلان.

ردود الفعل

فيما يرى الكاتب في صحيفة "ملييت" التركية مليح عاشق، أن البيان المشترك الذي نشره 103 ضباط متقاعدين والذي يبين أهمية اتفاقية مونترو سيشغل جدول الأعمال في تركيا لعدة أيام على الأقل.  

وبين أن المعارضة التي تأمل أن ينقسم التحالف الحاكم بعد كل شاردة وواردة قد انقسمت في داخلها مع هذا البيان.

وأوضح قائلا: فبينما اتخذ حزب الشعب الجمهوري (معارض) موقفه إلى جانب الأدميرالات وقال فائق أوزتراك المتحدث باسم الحزب إن "الأدميرالات عبروا عن رأيهم"، قال كل من حزبي الدواء المستقبل إن البيان يتضمن تهديدا بانقلاب. 

فيما انتقد زعيم حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو نشر البيان ليلا بعد أن أشار إلى أهمية اتفاقية مونترو.

وعلى الناحية الأخرى وصفت رئيسة حزب الخير، ميرال أكشنار البيان بـ "الثرثرة" وقالت إن "الفرصة سانحة أمام الحزب الحاكم ليظهر بموقف الضحية".

بينما قال المتحدث باسم الحزب الجيد يوسف أغرالي أوغلو إنه يرى بأن البيان يتضمن تهديدا بالانقلاب. فيما كان ايرغون مينغي الذي يشغل منصب إداري في ذات الحزب من بين أول من وقع على البيان المذكور، يقول الكاتب التركي.

ويشير الكاتب في صحيفة "صباح" التركية برهان الدين دوران أن ردود الفعل الديمقراطية على التصريحات التي توحي بالانقلاب والتي نشرها الضباط المتقاعدون يتنامى مثل كرة ثلجية، فيما لا تخفي كتابة البيان بلغة مصقولة لهجتها التهديدية.

ويشرح ذلك بالقول: "نعلم جيدا أن التأكيد على مسألة البقاء، والإشارة إلى تهديد الارتجاع (الأصولية)، والاتهام بالابتعاد عن مبادئ وثورات أتاتورك، وانتقاد وهم الانسحاب من اتفاقية مونترو، والتعامل بطريقة فوقية بأسلوب -تم تقييم الأمر- تجاه الإرادة السياسية كانت تشكل عناصر الانقلاب التي ألفناها في تاريخنا".

وتابع: إضافة إلى أنه من الممكن أن نشعر بمخاوف "زوال الجمهورية" وغرور تولي "واجب الحماية والمراقبة" الذي لم يرد ذكرها في البيان بشكل صريح.

 وعلى الناحية الأخرى لا يمكن للجنود المتقاعدين الذين خدموا في مناصب الجيش، أن لا يعرفوا ماذا سيعني أن يقوموا بنشر بيان عند منتصف الليل. 

وهم في الحقيقة، قد اختاروا كلمات لطيفة في إرسال الرسائل القاسية للحصول على دعم من أحزاب المعارضة وليقال "ماذا في هذا، هذه حرية تعبير".

 لكن الأهداف الحقيقية من هذا البيان وأسبابها وتداعياتها ستظهر بعد تحقيق مكتب المدعي العام، يقول الكاتب.

وأردف: "ربما نحن الآن أمام بيان تم تعديله عدة مرات ودراسته جيدا. فعلى الرغم من أنه يأخذ كتابة النص في التقليد الانقلابي إلى مستوى جديد إلا أن هذا هجوم واضح وصريح على إرادتنا الديمقراطية، ومن واجبنا المدني أن نعطي رد الفعل الديمقراطي الضروري على هذا البيان المتغطرس".

ونوه قائلا: لكننا لم نستطع حتى الآن أن نجتمع على أرضية مشتركة من الوعي بواجب الحذر الشديد في موضوعي الانقلاب والإرهاب، كونهما أكثر المواضيع أهمية وحساسية في حياتنا السياسية، لذا يجب أن يظهر جميعنا ردة فعل واحدة مشتركة بصفتنا الشعب.

وواصل الكاتب: "إن حقيقة عدم رؤية أن شعبنا لن يقبل بأي وصاية على إرادته يظهر مدى عمق جينات الانقلاب".

وقد كانت أكثر الجمل إزعاجا في البيان قولهم: "وإلا فإن جمهورية تركيا ستواجه خطر وتهديد أن تعيش أشد وأخطر الأحداث على بقائها والتي شهد التاريخ أمثالها". 

مرحلة صعبة

ويستطرد دوران: "في الواقع لا أجد هذه العملية، التي بدأت ببيان نشره 126 سفيرا متقاعدا واستمر بالبيان المشترك لـ 103 ضباط متقاعدين برتب أدميرال وقيام نواب سابقين بدعم البيان الأخير، طبيعية".

بل هي إعداد لأرضية سياسية من أجل جمع المعارضة حول مشروع قناة إسطنبول والدخول في جدالات قاسية وواسعة مع السلطة، وفق قوله.

وأكد أن "الأجندة الزائفة" لحزب الشعب الجمهوري وإثارة فكرة أن حزب العدالة والتنمية يستفيد من الوضع وقولهم "لا تقدموا أنفسكم بمظهر ضحية" تجعلنا نعتقد أنهم سيستخدمون هذه المسألة في سياقات ونقاشات مختلفة للغاية في الأيام المقبلة.

ويستدرك: فيما يثير دعم بعض أعضاء حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد للبيان التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الأحزاب على علم بالبيان أثناء إعداده. 

وعلى الناحية الأخرى هناك من يحاول تحويل ردود الفعل التي ظهرت تجاه الأدميرالات المتقاعدين إلى "مشكلة ديمقراطية".

ويتابع: ليس من المستغرب بالطبع أن يثير حزب الشعب الجمهوري الذي يرى ملاحقة مدبري انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 بأنه "انقلاب مدني"، الخطاب الذي أتوقعه. 

وأوضح الكاتب: "قد كنت قد قلت مؤخرا إننا قد دخلنا في عملية انتخابات طويلة ستستمر لعامين، أي حتى انتخابات عام 2023".

واستدرك: لكنني يجب أن أذكر أيضا أنه من المحتمل أن تكون العملية التي ذكرتها مؤلمة وصعبة للغاية مع هذا البيان الأخير، حيث تستعد تركيا لدخول مرحلة جديدة قد تجذب انتقادات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المتكررة في قضايا "الديمقراطية وحقوق الإنسان".

وفي 5 أبريل/نيسان، قال الرئيس التركي إن بيان الضباط المتقاعدين ناجم عن نوايا سيئة، و"مثل هذه الخطوات وإن كانت صادرة عن ضباط متقاعدين، تعد إساءة كبيرة إلى قواتنا المسلحة الباسلة".

وأضاف أردوغان في كلمة له بعد اجتماع طارئ عقد في مقر الرئاسة بالعاصمة أنقرة أن بلاده ملتزمة باتفاقية مونترو ولا نية للانسحاب منها، لكن تركيا لن تتوانى عن مراجعة الاتفاقية في المستقبل في حال أصبحت إلى ذلك حاجة.

وأضاف أنه "لا يمكن تقييم بيان الضباط المتقاعدين في إطار حرية التعبير التي لا تشمل توجيه عبارات تهدد الإدارة المنتخبة". وأكد اتخاذ الإجراءات اللازمة حول البيان المنشور.

ووفقا لدوران فقد أوضح أردوغان أن قناة إسطنبول ستعزز سيادة تركيا على المضائق وأشار إلى أنه لا يمكن تقييم البيان على أنه "حرية تعبير".

وذكر بأن جميع الانقلابات التي حدثت في الماضي كانت تتقدمها مثل هذه الأنشطة، وأعاد اقتراحه حول صياغة دستور جديد لأجل مستقبل دون انقلابات.