موسم الحرب التقليدي في إثيوبيا.. ماذا ينتظر إقليم تيغراي خلال الربيع؟

12

طباعة

مشاركة

يرى موقع "ذا أفريقا ريبورت" أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يواجه مجموعة من الأزمات المتشابكة داخليا وخارجيا مع تصاعد الضغوط الغربية لإنهاء الحرب التي يشنها مع إرتيريا ضد جبهة تحرير تيغراي.

وعلى الرغم من وعد آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، بأن القوات الإريترية ستغادر المنطقة، فمن المرجح أن تستمر الحرب بلا هوادة حتى بداية موسم الأمطار في يونيو/حزيران 2021 على الأقل. 

وقال آبي أحمد في بيان صادر عن مكتبه في 26 مارس/آذار 2021، إن إريتريا وافقت على سحب قواتها في إقليم تيغراي، مقرا بأن حكومته أثارت مؤخرا اتهامات بارتكاب الجنود الإريتريين لأعمال نهب واسعة وانتهاكات حقوقية في الأقليم، وأن الحكومة الإريترية نددت بشدة وتوعدت الجنود المتورطين بالمحاسبة، حد قوله. 

مراوغة دبلوماسية

جاءت هذه الاعترافات بعد تصريحات عدة نفى فيها رئيس الوزراء الإثيوبي مشاركة قوات إريترية في القتال الذي اندلع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 شمالي البلاد بين القوات الحكومية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي تسيطر على الإقليم منذ نحو 3 عقود.

وكانت ضغوط هائلة قد مارستها أطراف ومنظمات دولية على أديس أبابا، متهمة القوات الإريترية بارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية تراوحت بين الاغتصاب والقتل العمد والتهجير القسري. 

ويستمر الوضع الإنساني المتردي في التصاعد في تيغراي، مما يضع 4.5 مليون شخص على شفا المجاعة. 

ومن أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية الهائلة، طالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين بوقف الأعمال العدائية والانسحاب الفوري لكل من قوات الدفاع الإريترية وقوات أمهرة الإقليمية من تيغراي.

ولزيادة الضغط على آبي أحمد، أرسل الرئيس الأميركي جو بايدن لاحقا (خلال مارس/آذار) السيناتور كريس كونز إلى إثيوبيا للتعبير عن القلق العميق بشأن جرائم التطهير العرقي وانتهاكات حقوق الإنسان في تيغراي.

ويبدو أن زيارة السيناتور كونز كان لها بعض التأثير على الحائز على جائزة نوبل للسلام. وفي أعقاب ذلك، اعترف آبي أحمد لأول مرة بوجود القوات الإريترية في تيغراي، وكذلك بضرورة المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب. 

ورحب كونز بحذر بهذه الاعترافات لكنه أصر على أنه منذ أن "قدم رئيس الوزراء التزامات من قبل وفشل في الوفاء بها"، فمن الأهمية بمكان أن تظل الولايات المتحدة منخرطة في الأزمة.

سارع آبي أحمد إلى أسمرة للتشاور مع رفيقه في السلاح الرئيس أسياس أفورقي بعد لقاء كونز، وبعد ذلك أصدر بيانا من جانب واحد بشأن انسحاب القوات الإريترية.

ومع ذلك، فإن الغموض في البيان يترك مجالا للتفسير، حيث يزعم رئيس الوزراء أن القوات الإريترية موجودة فقط على طول الحدود في شمال تيغراي. 

بينما شاهد المراقبون المحليون والدوليون القوات الإريترية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك في ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي.

علاوة على ذلك، لم يذكر بيان صادر عن وزارة الإعلام الإريترية بشأن زيارة آبي أحمد أي اتفاق بشأن انسحاب القوات، بل ركز بدلا من ذلك على "الهجمات العسكرية الشرسة" و"حملات التضليل" ضد إريتريا وضرورة "تعزيز التعهدات المشتركة من قبل الجانبين في الفترة المقبلة". 

لكن ديبريتسيون جبريميشائيل رئيس إقليم تيغراي المخلوع، وهو أيضا رئيس جبهة تحرير تيغراي الشعبية، رفض تعهد آبي أحمد بانسحاب القوات الإريترية، معتبرا إياه حيلة لخداع المجتمع الدولي مع اشتداد قتال قوات  الدفاع عن الإقليم ضد القوات الإريترية على الأرض.

المزيد من الحرب

زادت الحرب في تيغراي من هشاشة النظام الإثيوبي، حيث يواجه العديد من التحديات السياسية الشديدة في وقت واحد، في الوقت الذي كثفت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضغوطهما بشأن إنهاء الحرب.

وهناك أربعة مجالات رئيسة للقلق يجب على رئيس الوزراء الإثيوبي وفق التقرير أخذها في الاعتبار  قبل الانصياع لأية طلبات لوقف إطلاق النار أو المفاوضات.

أكد المتحدث باسم جبهة تحرير تيغراي وعضو اللجنة التنفيذية غيتاشيو رضا في محادثة هاتفية حديثة أن غالبية القوات التي تواجهها قوات الدفاع عن تيغراي هي من القوات الإريترية. 

وتؤكد العديد من التقارير الإعلامية الدولية والعاملين في المجال الإنساني أن قوات الدفاع الإريترية تهيمن على شمال تيغراي، لكنها تقاتل أيضا بمفردها جنبا إلى جنب مع القوات الإثيوبية في وسط وجنوب الإقليم. 

ومن ثم، إذا تم سحب القوات الإريترية من تيغراي الآن، فمن المحتمل أن تستعيد قوات الدفاع عن تيغراي قريبا السيطرة الإقليمية على جزء كبير من المنطقة.

إذ إن قوات الدفاع الوطني الإثيوبية لن تكون لديها القدرة على ملء الفراغ الإستراتيجي الذي يخلفه الإريتريون.

 وتكبدت قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية خسائر واسعة النطاق في تيغاري، وهي تقاتل  أيضا ضد تمرد متزايد في إقليم أوروميا.

بينما أعادت في نفس الوقت نشر العديد من وحدات الجيش على الحدود السودانية استعدادا لتصعيد محتمل للصراع الحدودي في الفشقة. 

ومنذ أشهر، تشهد الحدود السودانية الإثيوبية توترات، بعد إعلان الخرطوم نهاية 2020 السيطرة على "أراض لها" في منطقة حدودية مع أديس أبابا، وسط تأكيد إثيوبيا على "الاستيلاء على 9 معسكرات تابعة لها". 

 ثبت حتى الآن أن القدرة العسكرية لقوة الدفاع الوطني غير كافية للقضاء على تمرد قوات الدفاع عن تيغراي. 

من ناحية أخرى، تستقبل قوات الدفاع عن تيغراي آلاف المتطوعين الجدد والمتحمسين كل أسبوع لحمل السلاح لمحاربة الغزاة وفق تقديرهم. 

يعزى التقدم السريع الذي حققته القوات الإثيوبية في الهجوم الأولي في نوفمبر/تشرين الثاني إلى كفاءة الطائرات بدون طيار في القضاء على نظام الدفاع الصاروخي والمدفعي  لقوات الدفاع عن تيغراي بالاعتماد على قاعدة لدولة الإمارات في مدينة عصب الإريترية المطلة على البحر الأحمر. 

وأدى ضغط إدارة بايدن على الإمارات لتعليق النشاط العسكري في اليمن إلى وقف تشغيل قاعدة الطائرات بدون طيار في عصب، وهو ما كان بمثابة مكسب غير متوقع لقوات الدفاع عن تيغراي.

في ظل الوضع الحالي، يبدو أن قوات الدفاع الوطني الإثيوبية تواجه مشكلة حتى في الدفاع عن مناطق سيطرتها الحالية، ناهيك عن إحراز تقدم للقضاء على مقاومة أهالي تيغراي.  

ويعي آبي أحمد هذا جيدا، حيث أوضح في جلسة البرلمان الأخيرة، أن المسؤولين الإريتريين سيوافقون على سحب قواتهم "بمجرد أن يتمكن الجيش الإثيوبي من السيطرة على الخنادق على طول الحدود". في الأثناء تظل قدرة قوات الدفاع الإثيوبية على بسط السيطرة على هذه المناطق موضع تساؤل.

مستنقعات جديدة

يعد طلب الولايات المتحدة إعادة نشر القوات الخاصة في منطقة أمهرة وفي غرب تيغراي، أيضا أمرا محظورا على آبي أحمد.

إذ صرحت حكومة أمهرة الإقليمية أن الأراضي المنخفضة الخصبة في تيغراي تعود إليها. 

آبي أحمد ليس في وضع يسمح له بمواجهة النخبة السياسية في أمهرة في هذه القضية، لأنه يعتمد على دعمهم للبقاء في السلطة. 

وبهدف إضفاء الطابع المركزي على السلطة السياسية في ظل نظام فيدرالي مصلح، تندمج رؤية آبي أحمد مع مصالح القوميين في أمهرة. 

 وسيستمر آبي أحمد في دعم النخبة القومية القوية في أمهرة التي لطالما كان "يعزف على لحنهم" أما إذا حاول تغيير مواقفه فقد لا يكون مرغوبا فيه كقائد لهم، وفق التقرير.

يستعد حزب الازدهار الذي يقوده آبي أحمد لأول انتخابات له في أوائل يونيو/حزيران، بعد أن تم تعليق الانتخابات المنصوص عليها دستوريا لعام 2020 بسبب كورونا. 

ومع ذلك، فإن الحزب الحكومي مليء بالصراعات الداخلية، حيث أصبحت الفروع الإقليمية والفصائل المختلفة على خلاف حول أمور من بينها النزاعات الإقليمية بين الأقاليم وقضايا السياسة. 

ويعد الخلاف المفتوح بين جبهة تحرير تيغراي وأمهرة حول غرب تيغراي، وكذلك اشتعال الصراع بين قوات أمهرة وعرقية الأورومو في منطقة "ولو" بإثيوبيا أيضا مصدر قلق كبير.

 ويحتاج رئيس الحزب آبي أحمد إلى استيعاب وموازنة مصالح الفصائل المختلفة لمنعه من الانهيار قبل الانتخابات.

أخيرا، يمكن النظر إلى الصراع الحدودي مع السودان باعتباره حلقة الوصل بين الأزمات المتعددة التي يواجهها آبي أحمد. والدافع الرئيس للنزاع هو مطالبات أمهرة بأراض تدعي الخرطوم أنها سودانية وفقا لمعاهدة الحدود لعام 1902. 

وإذا قبل آبي أحمد مطالبات أمهرة بهذه الأراضي من أجل الحفاظ على دعم نخبتها، فمن المحتمل أن يواجه السودان التي ستقدم حينها الدعم لقوات الدفاع عن  تيغراي.

وتم نشر القوات الإريترية أيضا في مثلث الفشقة وفقا للأمم المتحدة، مما خلق وضعا أكثر حساسية يجب على أحمد التعامل معه. 

يضاف إلى كل تلك الأزمات الصراع حول سد النهضة، حيث تقف مصر والسودان معا ضد المطالب الإثيوبية بملء السد وفقا لجدول زمني يناسبهم، مما قد يمنح القاهرة مرة أخرى حافزا لدعم المتمردين المسلحين في منطقتي بني شنقول وأوروميا.

وبالتالي فإن حرب تيغراي لديها القدرة على الامتداد إلى الأزمة الحدودية بين السودان وإثيوبيا.

ويعد الربيع، موسم الحرب الإثيوبي التقليدي، لذلك يجب تسوية الحسابات القديمة أو تشكيل تحالفات جديدة قبل بدء موسم الأمطار الرئيس في يونيو/حزيران الذي سيمنع حركة الجيوش والإمدادات على نطاق واسع، وفق التقرير.

لذلك، سيكون الشهران المقبلان حاسمين لجميع الأطراف المتحاربة لاستعادة أكبر قدر ممكن من المناطق، قبل أن تجمد الأمطار المواقع العسكرية لمدة ثلاثة أشهر.

وفي سياق متصل يشير التقرير إلى أنه ينبغي على الولايات المتحدة التركيز على موسم الأمطار القادم باعتباره نافذة للبحث عن عملية تفاوض بشأن الصراع، وفرصة للمبعوث الأميركي الخاص الجديد إلى إثيوبيا، جيفري فيلتمان  للتحضير لوظيفته.