ناصر القدوة.. قيادي فلسطيني طردته "فتح" ويعادي "حماس" ويبحث عن دور

خالد كريزم | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعاد مرسوم إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة، القيادي المهمش في حركة التحرير الوطني "فتح"، ناصر القدوة، إلى الواجهة السياسية، حاملا معه مفاجآت صادمة وطروحات جدلية.

القدوة (68 عاما) ارتبط اسمه دوما بخاله، الزعيم الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات، وانتخب عضوا في اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عام 2009، والتي تعد بمثابة الحزب الحاكم، في أراضي السلطة الفلسطينية.

وطوال وجوده في اللجنة، لم يعرف عن القدوة أي نزعة صدامية مع القيادة السياسية الفلسطينية، حتى جاء قرار الانتخابات ليزيح الستار عن خلافات القدوة مع رئيس السلطة وزعيم حركة فتح محمود عباس، وما يحمله من ضغينة لخصمها الأول المتمثل في حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

ومن المقرر إجراء الانتخابات التشريعية في 22 مايو/أيار والرئاسية في 31 يوليو/تموز والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) في 31 أغسطس/ آب من عام 2021، بحسب مرسوم رئاسي أصدره عباس في 15 يناير/كانون الثاني من نفس العام.

خلافات مع "فتح"

في الفترة الماضية، أعلن القدوة نيته خوض الانتخابات التشريعية عبر قائمة منفصلة عن "فتح" تحت اسم "الملتقى الوطني الديمقراطي". وسبق أيضا أن أعلن عزمه دعم القيادي في الحركة الأسير مروان البرغوثي، في حال قرر الترشح للرئاسة، وهو ما قد يضعه في منافسة مع عباس. 

إثر ذلك، قررت اللجنة المركزية لـ"فتح"، في 11 مارس/آذار 2021، فصل القدوة. وقال بيان صادر عن اللجنة حمل توقيع عباس، إن قرار الفصل يأتي بعد انتهاء مهلة تم منحها للقدوة، مدتها 48 ساعة للتراجع عن مواقفه المعلنة "المتجاوزة للنظام الداخلي للحركة وقراراتها والمس بوحدتها".

بعدها مباشرة، وصف القدوة القرار المتخذ بحقه في بيان بأنه "يثير الحزن والشفقة على ما آلت إليه الأمور في حركتنا دون أي احترام للنظام الداخلي أو المنطق السياسي أو التاريخ أو التقاليد المتعارف عليها".

وبناء عليه، مضى القدوة في خطواته وتقدم في 31 مارس/آذار 2021، بطلب ترشيح قائمته للانتخابات التشريعية المدعومة من البرغوثي، المعتقل بسجون إسرائيل، لافتا إلى أن القائمة سجلت تحت اسم "حرية". 

وقال القدوة، في تصريحات للصحفيين عقب تقديم طلب تسجيل القائمة: "نسعى للتغيير المهم والجذري في الحالة الفلسطينية".

قبل ذلك بأيام، وتحديدا في 18 مارس/آذار 2021، أقال الرئيس الفلسطيني ناصر القدوة، من رئاسة مجلس إدارة مؤسسة "ياسر عرفات" وعضوية مجلس أمنائها.

و"ياسر عرفات"، مؤسسة غير ربحية، تأسست بموجب مرسوم رئاسي عام 2007، بهدف المحافظة على تراث الرئيس الفلسطيني الراحل، والذي خلفه عباس عبر انتخابات جرت في 2005 ليبقى في السلطة بعد انتهاء ولايته بذريعة استمرار الانقسام الداخلي.

وتمزق الخلافات والانقسامات حركة فتح بسبب تصاعد فساد السلطة الفلسطينية وسوء إدارتها للقضية خلال السنوات الأخيرة، وهو ما شكل دافعا للقدوة للانفراد بقائمة منفصلة، وفق مراقبين.

وساهم في هذا التشرذم، فصل عباس قبل سنوات من حركة فتح أحد أبرز خصومه الحاليين، وهو محمد دحلان والذي أسس لاحقا ما يعرف بـ"التيار الإصلاحي" داخل الحركة.

ويسيطر التوتر على علاقة القدوة بعباس، حيث تعود الخلافات بين الرجلين إلى اختلاف وجهات النظر حول الرؤية وهيكلية العمل داخل الحركة.

في عام 2018، قدم القدوة استقالته من اللجنة المركزية لحركة فتح احتجاجا على نتائج الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطني، قبل أن يتراجع عنها ويعاود حضور اجتماعات اللجنة.

وحسب البيان الذي أصدره عقب قرار فصله، فإن القدوة "سيبقى فتحاويا حريصا على مصالح الحركة وقبل ذلك مصالح الوطن". وعبر عن أمله في "تصويب وضعنا الداخلي وعودة الحركة لمكانتها الطبيعية، رائدة العمل الوطني ومنتصرة لكرامة شعبنا وحريته".

ولطالما كان ينظر إلى القدوة على أنه خليفة محتمل لعباس البالغ من العمر 85 عاما. إذ شغل القدوة المولود في مدينة خانيونس في قطاع غزة عدة مناصب عليا.

كان القدوة وزيرا للخارجية في السلطة الفلسطينية بين عامي 2005-2006، والمراقب الدائم لفلسطين لدى الأمم المتحدة 1990-2005، كما تمتع بعضوية المجالس المركزية والثورية والوطنية الفلسطينية في مراحل مختلفة، وغيرها من المناصب.

لذلك، يرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، أن طبيعة حركة فتح قائمة على اتساع رقعة الخلافات بين كوادرها، عادا خطوة القدوة وغيره من الشخصيات الأخرى "شكلا من أشكال الاحتجاج على الواقع القائم في النظام السياسي الفلسطيني".

وأوضح في تصريح لصحيفة فلسطين المحلية 6 مارس/آذار 2021، أن رؤية القدوة تقوم على إحداث التغيير في النظام السياسي الذي تسير عليه فتح منذ سنوات طويلة، متوقعا حصوله على مقاعد في المجلس التشريعي، مع انضمام البرغوثي له. 

عدو "حماس"

لم تنته فصول الأزمة بين عباس والقدوة، حتى أثار الأخير جدلا واسعا في الساحة الفلسطينية إثر تصريحات معارضة لما سماه "الإسلام السياسي"، وذلك بعد يوم من إعلان ترؤسه للقائمة المنفصلة عن القائمة الرسمية لحركة "فتح".

وقال القدوة خلال لقاء متلفز مع قناة "فرانس 24" الفرنسية: "كلنا، كل الأطراف (الفتحاوية) الموجودة لديها مشاكل مع الإسلام السياسي بشكل عام أو الإسلاموية السياسية".

ويعارض القدوة اتفاق المصالحة بين "فتح" و"حماس"، والذي بناء عليه ستجرى الانتخابات، قائلا: "جميعنا حريص على الوحدة الوطنية الفلسطينية واستعادة قطاع غزة، جغرافيا وسياسيا، ونحن مصرون على هذا الهدف الوطني المركزي، لكن ليس بالطريقة التي تمت حتى الآن، لأنها غير حقيقية وهشة".

وفي تعقيبهما على أقواله، ردت حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي بشكل حاد على القدوة، حيث تمثل الحركتان رمزا في قطاع غزة لما بات يعرف في الإقليم بـ"الإسلام السياسي". 

وقالت حركة حماس على لسان عضو مكتب العلاقات الدولية فيها، باسم نعيم، إن القدوة "يحاول حل مشكلته التنظيمية وتحقيق إنجازات شخصية على حساب وحدتنا الوطنية".

وتابع نعيم في بيان أصدره 2 أبريل/نيسان 2021، أنه "لا يجوز لأحد أن يكون امتدادا لأية مشاريع خارجية، فالحالة الفلسطينية خاصة جدا ولا تحتمل إثارة مثل هذه النعرات الرخيصة والمستهلكة". 

وأردف موجها حديثه للقدوة: "إذا كنت فشلت في تحقيق مبتغاك داخل تنظيمك، فلا تهرب للأمام بخلق عناوين جديدة للانقسام، فهذا النقاش ليس محله مرحلة التحرير ويجب أن يبقى تناقضنا الرئيس والوحيد مع الاحتلال".

من جهته، قال الناطق باسم حركة "الجهاد الإسلامي" داود شهاب: "تصريحات ناصر القدوة سقوط وانكشاف لمشروع توظيف العمل السياسي لتعزيز التناقضات والخلافات الداخلية، بدلا من توحيد الصف في مشروع التحرير واستعادة الأرض من الاحتلال".  

وأشار شهاب في تصريح نشره على فيسبوك إلى أن "المشروع الوطني لكل الفلسطينيين الأحرار هو استعادة الوطن السليب والمقدسات المغتصبة ومواجهة الاحتلال".

مضيفا في رسالته للقدوة: "يا سيد ناصر غزة ليست محتلة حتى تفكر باستعادتها، والتيار الوطني الإسلامي ليس خطرا ولا غريبا ولا طارئا حتى تصوره أنت وغيرك بالمشكلة". 

وتابع شهاب موجها كلامه للقدوة: "تصريحاتك خارجة عن العرف الوطني ومحددات العلاقات الداخلية.. تصريحات تعبر عن الاغتراب الوطني والسياسي وعدم الفهم لطبيعة وأولويات المشروع الوطني".

تصريحات ناصر القدوة سقوط وانكشاف لمشروع توظيف العمل السياسي لتعزيز التناقضات والخلافات الداخلية بدلاً من توحيد الصف في...

Posted by ‎داود أحمد شهاب‎ on Thursday, April 1, 2021

بدوره، علق المحلل السياسي ياسر الزعاترة في تغريدة على تويتر: "ناصر القدوة يقدم فواتير للصهاينة والغرب، تلميذ فاشل لدحلان. مشكلته ليست مع الاحتلال، بل مع الإسلاميين!! مزايدة في السقوط".

وبعد هذه الانتقادات الحادة، تراجع القدوة قليلا وقال: "نحن شركاء في الوطن مع المقاومة الإسلامية ونريد استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام وشراكة حقيقية بعيدة عن المحاصصة والصفقات السياسية التي تسعى لتجديد الوضع القائم ووجوهه وإشكالياته وقصوره".

وأوضح في تصريح توضيحي نشره في 3 أبريل/نيسان 2021: "تأتي المخاوف من الإسلاموية السياسية، لارتباط الأمر ببعض الصفقات، التي تم عقدها مؤخرا، ونعتقد أنها تتعارض مع حق المواطن الفلسطيني في اختيار ممثليه، ومحاسبتهم بطريقة ديمقراطية وشفافة ودورية".

بدوره، يقول الكاتب خالد صادق في مقال نشره بموقع رأي اليوم اللندني 5 أبريل/نيسان: "ناصر القدوة تربى في أروقة الفنادق وعلى البساط الأحمر ولم يقاوم لا فعليا ولا سلميا ضد الاحتلال، لذلك فإن خطابه موجه لأميركا والغرب والرسميين العرب بأن المعركة ماضية لتقويض الإسلام السياسي ومحاصرته وإضعافه، وأنا معكم في مركب واحد".

فالقدوة بحسب صادق "اتخذ من سلوك الغرب ضد الإسلام قدوة، وظن أن هذا السلوك ضد الإسلاميين سيرفع من أسهمه أمام أميركا والغرب، وأن يكون بديلا شرعيا لأبي مازن (عباس) إذا ما رأوا أنهم يحتاجون لبديل". 

ورأى أن "فشل المشروع السياسي الذي يتبناه ناصر القدوة وإخفاقه في تحقيق أي مكاسب للفلسطينيين هو الذي دفعه للإدلاء بتلك التصريحات الخطيرة التي تعبر عن عقلية موصومة بالكبر والتسلط وازدراء الآخر".