تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية وتداعياته في العراق

رائد الحامد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 8 أبريل/نيسان، أعلنت الولايات المتحدة إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" اعتبارا من 15 أبريل/نيسان. ويشير القانون الأمريكي إلى إن تقديم الدعم المادي لمنظمة إرهابية أجنبية مصنّفة هو "جريمة جنائية فيدرالية" يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاما.

اعتبارا من 15 أبريل/نيسان، سيكون الحرس الثوري الإيراني عمليا "منظمة إرهابية" مدرجة على اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. وتعد مؤسسة الحرس الثوري المؤسسة الأمنية والعسكرية الأقوى في إيران، واللاعب الاقتصادي الفاعل في الاقتصاد الإيراني إلى جانب كونه المسؤول الأول عن النشاطات الأمنية والعسكرية الإيرانية خارج الحدود عبر فيلق القدس ذراع الحرس الثوري للعمليات الخارجية.

ويتداخل دور الحرس الثوري مع القوات النظامية الإيرانية في مهام حفظ النظام الداخلي، وصد الاعتداءات الخارجية، إذ يمتلك الحرس الثوري قوة عسكرية برية وجوية وبحرية تتفوق في بعض الأحيان على قدرات القوات النظامية. ويتبع الحرس الثوري للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.

منذ تأسيس فيلق القدس بعد عامين من الثورة الإيرانية، تولت هذه القوة تنفيذ سياسات مشروع تصدير الثورة "الإسلامية" باعتماد العمل المسلح وسيلة أولى، وتنشيط الشبكات المرتبطة به في الدول المستهدفة كوسيلة أخرى لإحداث التغيير المنشود بالإطاحة بالحكومات "الظالمة" وإزالتها كفكرة مركزية يعتمدها خطاب الثورة "الإسلامية".

وتشير بعض التقارير إلى إن الحرس الثوري يسيطر على نحو ثلث الاقتصاد الإيراني من خلال العديد من المؤسسات المالية والجمعيات والصناديق الخيرية والشركات العاملة في مختلف المجالات، منها قطاع البناء والصناعات والتصنيع العسكري بشكل خاص، ومنشآت البنية التحتية الرئيسية والبرنامج النووي والقطاع المصرفي وصناعة البتروكيمياويات، وبذلك يشكل الحرس الثوري المؤسسة الأكثر استحواذا على الأموال بعد مؤسسة النفط الإيرانية ووقف الإمام الرضا.

وتقدر أعداد القوات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني بنحو 125 ألف عنصر لمهام متعددة داخل وخارج البلاد. كما أن الحرس الثوري هو المسؤول عن إدارة الصواريخ البالستية وتصنيعها وبرامج تطويرها التي يتم الإنفاق عليها من الموازنة الخاصة به.

ويشكل فيلق القدس الذراع الأهم لقوات الحرس الثوري في إدارة العمليات خارج الحدود وتوصيل شحنات الأسلحة للقوات الحليفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، أو أي دولة أخرى من منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تأمين الدعم لتلك القوات في مجالات التدريب والاستشارة العسكرية والمعلومات الاستخباراتية والتمويل وإدارة العمليات القتالية والإشراف المباشر عليها.

ويمثل قرار إدراج الحرس الثوري على قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" التصعيد الأمريكي الأكثر أهمية في حملة الضغط متعدد الجوانب على الأنشطة الإيرانية في الخارج، بعد إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية "من جانب واحد" اعتبارا من 4 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي 2018.

وخلصت البيانات الرسمية الإيرانية إلى أن طهران مستعدة للرد على ذلك بتصنيف مماثل للقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي وجنوب آسيا، وهي المناطق الجغرافية الواضعة ضمن مسؤوليات القيادة المركزية، وأن هذه القوات "لن تنعم بالسلام".

الخيارات الإيرانية المتاحة للرد على التصعيد الأمريكي تتمثل في التركيز على بعض النشاطات "المعادية" للقوات والمصالح الأمريكية في مناطق تواجد الحرس الثوري أو القوات الحليفة له في عدد من دول المنطقة. وتحتفظ الولايات المتحدة بمئات الجنود في سوريا ضمن مناطق قريبة من سيطرة المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي. وفي العراق يتواجد ما لا يقل عن 5200 جندي أمريكي في مختلف مناطق غرب وشمال غرب العراق، وهي مناطق خاضعة للسيطرة الأمنية لفصائل الحد الشعبي التي تسيطر أيضا على مسافات طويلة من الحدود العراقية السورية.

تحتفظ الحكومة العراقية بعلاقات وثيقة مع إيران والحرس الثوري بشكل خاص وذراعه الخارجي فيلق القدس. أبلغت الحكومة العراقية التي يرأسها عادل عبدالمهدي موقفها الرسمي إلى الجانب الإيراني بأن بلاده لا تريد أن تكون ساحة لصراعات الدول وتصفية حساباتها على الأراضي العراقية، في حين حاولت مع الإدارة الأمريكية إيقاف إصدار القرار. 

وتتمتع إيران بنفوذ واسع في القرار الأمني والعسكري والسياسي في العراق من خلال القوى الحليفة لها المتنفذة في مؤسسات الدولة التي بات الحشد الشعبي وقياداته اللاعب الأقوى في العراق على غرار الدور الذي يلعبه حزب الله اللبناني في لبنان ونفوذه الواسع في مؤسسات الدولة اللبنانية الأمنية والعسكرية. وتفتقر الولايات المتحدة للقدرات اللازمة لكبح نفوذ القوى الحليفة لإيران في العراق.

ساهم اتساع نفوذ قيادات الحشد الشعبي في مؤسسات الدولة العراقية بتعزيز النفوذ والهيمنة الإيرانية بشكل مؤسساتي بات من الصعب التخلص منه رغم الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة ودول عربية مناهضة للنفوذ الإيراني في المنطقة لجر العراق بعيدا عن دائرة النفوذ الإيراني. 

ويمكن لقيادات الحرس الثوري أن تعطي توجيهاتها للقوات الحليفة لها في العراق والمنطقة لتنفيذ بعض الهجمات "الانتقامية" ضد مصالح أو جنود أمريكيين في بعض دول المنطقة، مثل العراق وسوريا ومنطقة مضيق باب المندب في اليمن عن طريق جماعة الحوثي على الرغم من تصريحات لمسؤولين أمريكيين بأنهم اتخذوا ما يلزم من التدابير لحماية مصالح الولايات المتحدة وجنودها في المنطقة.

وتواجه الحكومة العراقية صعوبات "جدية" في التعاملات المالية والتجارية مع إيران بعد القرار الأمريكي الأخير. وستجد تلك الحكومة المزيد من الصعوبات في التعامل مع الشركات الإيرانية التي لم يعد واضحا حقيقة ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني الذي يسيطر على جزء مهم من القطاع الاقتصادي، وسيكون عليها -أي الحكومة العراقية- أن تأخذ بالحسبان حقيقة المخاطرة بتعريض نفسها للعقوبات الأمريكية من خلال تلك التعاملات التي توفر الدعم المالي للحرس الثوري بعد إدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية من قبل الولايات المتحدة.

وكان وزير الخارجية الأمريكية واضحا وصريحا في تصريحاته التي أدلى بها بعد قرار الرئيس الأمريكي، بأن التعامل مع إيران أصبح يشكل "مخاطرة" طالما أن الحرس الثوري متغلغل في جميع مناحي الاقتصاد والمؤسسات المالية الإيرانية، وربما تتحمل الدول أو الشركات المتعاملة مع إيران مسؤولية تصل إلى حد "الجنائية الفيدرالية".

وعلى مدى السنتين الماضيتين وخلافا لما سبقهما، تبنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهجا مختلفا تجاه إيران على مستويات مختلفة من الضغوطات الاقتصادية لرفع تكاليف السياسات الإيرانية الخارجية التي تصفها الولايات المتحدة بأنها سياسات "توسعية" تمتاز بالعنف، ما يعني بالتالي أن مزيدا من "التضييق" على إيران سيصب في مصلحة حماية المصالح والجنود الأمريكيين وكذلك حماية مصالح الدول الحليفة والشريكة في المنطقة.