تمهيدا لإخراجه من سوريا.. كيف تعزز روسيا نفوذ "حزب الله" في لبنان؟

مصطفى العويك | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منتصف مارس/آذار 2021، دخلت روسيا بقوة للمشهد اللبناني الذي يواجه تعقيدات سياسية منذ مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، ومن ثم انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020.

وتلقت موسكو اتصالات عديدة من مستشار الرئيس اللبناني للشؤون الروسية أمل أبو زيد، كما اجتمع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بالرئيس المكلف لتشكيل الحكومة سعد الحريري في أبو ظبي، ومن ثم استقبلت موسكو وفدا من "حزب الله".

وإن كان فحوى الاتصالات بين مستشار عون وموسكو من جهة، وبين الحريري ولافروف من جهة ثانية، دارت حول تطورات تشكيل الحكومة اللبنانية "المنتظرة"، فهي لم تقتصر على هذا الموضوع في اللقاء الذي جمع لافروف برئيس كتلة حزب الله النيابية، محمد رعد، والوفد المرافق في موسكو.

إذ أخبرت مصادر مطلعة وكالة "المركزية" اللبنانية للأنباء، أن "زيارة الحزب للعاصمة الروسية لا تقتصر على الملف اللبناني، إنما تمتد إلى أوسع من ذلك، أي إلى ما هو مرتبط بالأدوار التي يؤديها حزب الله في العواصم العربية".

وتمحورت المباحثات حول دور الحزب في اليمن والعراق، وسوريا بشكل كبير، خاصة في ظل السعي الروسي لتأمين الاستقرار في دمشق، مع ما يعني ذلك من اتخاذ ترتيبات معينة وإجراءات ميدانية، في طليعتها الحد من وجود المليشيات الإيرانية على الأراضي السورية.

مع الإشارة إلى أن لقاء لافروف - حزب الله، أتى بعد جولة خليجية لرأس الدبلوماسية الروسية شملت السعودية، والإمارات وقطر، خلال مارس/آذار الماضي.

كما التقى لافروف خلال وجود وفد الحزب في موسكو، وزير الجيش الإسرائيلي غابي أشكينازي، ما أعطى الزيارة طابعا إقليميا أكثر منه لبنانيا.

ويذكر أن "حزب الله" زار موسكو للمرة الأولى عام 2011 مع بداية الحرب السورية، ونسق معها دخوله الحرب، ويزورها اليوم لـ"ترتيب الحل ضمانة للاستقرار"، كما جاء في البيان الصادر عن الخارجية الروسية عقب الاجتماع مع وفد الحزب، وهو ما أشار إليه رعد أيضا، لكن كثرا يقولون إنه يزورها لتطلب منه الخروج من سوريا.

تغيير النظام

لكن في لبنان، يبدو أن البعض توجس من هذه الزيارة، معتبرا أنها تصب في مصلحة حزب الله، وأن روسيا تريد أن تقايض الحزب لبنانيا على قاعدة "اخرج من سوريا نضمن لك المثالثة في لبنان".

و"المثالثة" مطلب شيعي قديم، يؤمن لها أن تكون صاحبة التوقيع الثالث في الجمهورية اللبنانية، بعد توقيع رئاسة الجمهورية الماروني، ورئيس الحكومة السني، وتتمثل بحصولهم على وزارة المالية بشكل دائم، على اعتبار أن أي قرار في الحكومة لا يصدر إلا بعد توقيع وزير المالية.

وهنا يطرح المراقبون أسئلة بينها، هل تسعى روسيا لتعزيز نفوذ "حزب الله" في لبنان أكثر مما هو عليه اليوم؟ وما هي مواقف الدول العربية والأجنبية من ذلك؟

ليس تغيير النظام في لبنان أمرا عاديا بطبيعة الحال، وهو يحتاج إلى مباحثات دولية وإقليمية، وتوافقات على هذا الصعيد، كما حدث في اتفاق الطائف (دستور لبنان الجديد، بعد الحرب الأهلية في 1989)، الذي جاء نتيجة رضى أميركي وأوروبي وسعودي وسوري بشكل أساسي.

لذا يعتبر البعض أن الحديث في هذا الخصوص يتطلب حوارا عربيا أوروبيا، ومباحثات خليجية مع سوريا على وجه الخصوص، وهذا ما يشير له الكاتب اللبناني علاء الخوري بقوله إن "المحادثات الخليجية - السورية بهذا الخصوص، بدأت قبل سنوات قليلة بمباركة روسية".

وأضاف الخوري لـ"الاستقلال" أن "موسكو طالبت عبرها رئيس النظام السوري بشار الأسد بتأمين خط الجولان السوري على طول الحدود مع إسرائيل وبضمانات دولية ومشاركة أممية، لتتمكن من الحديث مع حزب الله والميليشيات الإيرانية الأخرى للخروج من سوريا، حيث تريد إسرائيل ذلك".

وتابع: "روسيا تبنت تعزيز النقاط العسكرية الروسية هناك لتشرف على أدق تفاصيل الأمور اللوجيستية، شرط انكفاء الدور الإيراني عبر فصائله وانسحابه من سوريا، وهنا يكمن الحديث عن مستقبل حزب الله في المنطقة وتحديدا في لبنان".

ولذلك يرى خوري أن حقيقة الأزمة السياسية في لبنان لم تعد تشكيل حكومة أو حصول فريق على ثلث معطل فيها، "إنما طبيعة النظام السياسي الذي سيبنى على أنقاض الدستور الحالي، ومكانة الأطراف التي سيطالها التغيير ومن بينها حزب الله الخارج من الميدان السوري منتصراً".

وتابع: "المعلومات تشير إلى أن روسيا دخلت على خط الأزمة عبر تسويق فكرة تغيير النظام في لبنان، وإدخال حزب الله كقوة سياسية وازنة في الدولة كشرط أساسي لدمجه في الإطار المؤسساتي وسحب السلاح منه".

وقد وجدت موسكو أن "المثالثة هي المدخل الطبيعي لإغراء الطائفة الشيعية في لبنان، والتي يشكل حزب الله الأكثرية الشعبية فيها لمقايضتها مع السلاح"، على حد قول الخوري.

وفي مقال نشره عبر جريدة الشرق الأوسط في 17 سبتمبر/أيلول 2020، يذكر الباحث اللبناني حنا صالح أن "المثالثة مسألة طرحها وزير خارجية إيران السابق منوشهر متكي على رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة، غداة حرب تموز 2006".

وأوضح أن "فلسفتها أن الشيعة في لبنان يريدون الحصول على التوقيع الثالث في الجمهورية، بعد التوقيع الأول لرئيس الجمهورية المسيحي الماروني، والثاني لرئيس الحكومة المسلم السني، ويقول حنا:" إنها مسألة لا وجود لها في اتفاق الطائف".

ويضيف: "يسعون لفرض المثالثة في السلطة بشكل صريح وواضح كعين الشمس، مع كل ما يعنيه ذلك من انقلاب على الدستور وطعن لوثيقة الوفاق الوطني، وهم يعبرون بذلك عن فائض قوة نتج عن مشاركاتهم في الحروب التي تديرها طهران وتغذيها في أكثر من بلد عربي.

وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، قد طرح عام 2012 في الذكرى الـ23 لرحيل الإمام الخميني إقامة "مؤتمر تأسيسي في لبنان"، الأمر الذي رفضته مباشرة القوى السياسية المناهضة للحزب على اعتبار أنه سيكون لصالح من يمتلك السلاح في لبنان، ومن خلاله سيفرض بالقوة النظام الذي يناسبه.

وأشار الكاتب السياسي اللبناني جوني منير في مقالة له بجريدة "الجمهورية" نشر في 15 مارس/آذار 2021 إلى أن "حزب الله يستعد لمواجهة طويلة مرشحة لأن تشتد قساوتها".

وهو ما يعني أيضا أن "الفوضى مرشحة للتصاعد وأن زوال الجمهورية الثانية أو جمهورية الطائف سيكون هو النتيجة الحتمية لصالح جمهورية ثالثة لم يخف حزب الله مشاعره بالذهاب إليها من خلال مؤتمر تأسيسي يقوم على أساس المثالثة، مع وضع الدسم في حصة الثلث الشيعي"، وفق منير.

روسيا والمثالثة

في المقابل، يرى الخبير في الشأن الروسي، خالد العزي، أن "الحديث عن عودة لحزب الله من سوريا إلى لبنان على حصان أبيض بدعم روسي غير صحيح".

ويضيف العزي لـ"الاستقلال": "لا تستطيع روسيا لاعتبارات سياسية التدخل في لبنان، ولا إبرام اتفاقيات جديدة مرتبطة بطبيعة النظام كتحويله إلى المثالثة".

 وهي تدرك -وفقا للعزي- أن "تحقيق ذلك لا يكون إلا بضرب الاتفاقيات الدولية عرض الحائط، وتعزيز أكبر لحلف الأقليات وإطاحته للكتلة السنية في لبنان، وللوصول إلى هذا يتطلب الأمر حرباً ليست في صالح روسيا، ولا قدرة للحزب على القيام بها".

وقال "روسيا لا تسعى لتعزيز نفوذ حزب الله في لبنان بقدر سعيها إلى ضمان استقرار منطقة الشرق الأوسط، فهي تريد الاستقرار في لبنان وتعمل له، وتدفع باتجاه عودة السير بالمفاوضات البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي".

وأفاد العزي بأن "هذا ما تريده روسيا وهذا ما أبلغته لوفد حزب الله الذي استدعته إليها، حيث أعلمته أن إسرائيل جادة بالرد على أهدافه العديدة في لبنان في حال عمل على زعزعة الاستقرار في جنوب لبنان، وأنها لا تريد (حوثيين) على حدودها".

ولفت إلى أنه "لا مبادرة روسية في لبنان سياسيا، تحت سقف المبادرة الفرنسية، حيث تريد حكومة مؤلفة من اختصاصيين (تكنوقراط) برئاسة سعد الحريري، وهي تسعى لتأمين استقرار نسبي في لبنان، لأن أي حريق يصيبه سيلتهم سوريا معه، وعندها سيسقط الهيكل وسيدفع الجميع الثمن وفي مقدمتهم حزب الله".

فيما ذهب الكاتب الروسي أنطون مرداسوف في تقرير نشره موقع "المونيتور" الأميركي في 11 مارس/آذار الماضي، إلى أن "روسيا تسعى لتعزيز نفوذها في لبنان باستخدام أدوات القوة الناعمة وعبر المشاريع السياسية - الاقتصادية التي تنفذها شركتا روسنفط ونوفاتيك".

من جهته، يقول الكاتب الخوري أن الأميركيين "رحبوا بفكرة المثالثة ضمن شروط محددة يتم التوافق عليها مع الأطراف الإقليمية"، وهذه الفكرة يجري بحثها مع المعنيين لا سيما الفرنسيين والإيرانيين.

واستدرك: "لكن واشنطن تريد أن يؤخذ في الاعتبار وجود قوى سياسية أخرى من مسيحية وسنية في الدولة، وتشترط الرفض المطلق لاستنساخ نظام الخميني في لبنان، عبر تسلل حزب الله أكثر إلى مفاصل الدولة".

ويشير الخوري إلى أن هذا الاقتراح سيكون على "طاولة المفاوضات النووية مع إيران التي ستدخل رفقة الرئيس الأميركي جو بايدن، الميدان التفاوضي، بعد أن اتخذ الأخير المسار السياسي لا العسكري لمواجهة طهران".

وشدد على أن "موسكو لن تفرط بأي جزء من مصالحها وستعمل مع واشنطن وطهران على السواء لحماية أوراق القوة والتضحية ما أمكن بتلك التي لا قيمة لها على طاولة المصالح، وبالتالي تدخل الورقة اللبنانية كعنصر ضاغط على الأطراف المفاوضة".

إلا أن العزي يجزم أن الدور الأميركي لن يسمح لهذا التغيير أن يحدث، ومواقفه واضحة تجاه الحزب وهو فرض العقوبات على الكثير من قياداته "فكيف له أن يشرع حضوره في النظام؟".

وعن الموقف العربي، يقول العزي: "السعودية ترفض أن يشارك حزب الله في الحكومة المرتقبة بوزراء ولو مقربين منه لا منتمين مباشرة إليه، فكيف سترضى بتغيير النظام الحالي بالمثالثة التي تعني إمساك الحزب بكل شاردة وواردة في الدولة اللبنانية؟".

فيما يعتبر منير أن الإشارات الصادرة عن العواصم الغربية "تبدي رفضها النهائي بالمس بدستور الطائف، ولو كان الثمن سلاح حزب الله".

وأرجع سبب ذلك إلى "حرص هذه الدول ومعها موسكو إلى بقاء التنوع في لبنان، والتعددية الدينية الإثنية التي تتفرد بها بيروت في الشرق الأوسط، وأيضا لضمان بقاء المسيحيين فيه وعدم تسجيلهم لهجرة جديدة".