جزيرة فرسان السعودية.. ما حقيقة منحها لمصر تزامنا مع أزمة سد النهضة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت "جزيرة فرسان" السعودية إلى الواجهة مرة أخرى، بعدما زعمت مواقع إعلامية ولجان إلكترونية أن المملكة منحتها إلى مصر، وجرى ربط ذلك بالتصعيد في أزمة سد النهضة الإثيوبي.  

بسبب إطلالها على ثلاث واجهات بحرية هي البحر الأحمر وخليج العقبة والخليج العربي، يوجد في السعودية 1300 جزيرة، وفق هيئة المساحة الجيولوجية للمملكة. 

أشهر وأكبر هذه الجزر على البحر الأحمر هي "جزيرة فرسان" التي يوجد بها أكثر من 150 جزيرة صغيرة، وتتحكم في باب المندب على البحر الأحمر.

جزيرة أو "جزر" فرسان عبارة عن أرخبيل جزر تقع في جنوب البحر الأحمر تابعة لمنطقة جازان جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وتتكون من عدة جزر ذات طبيعة خلابة لهذا يغلب عليها الطابع السياحي وبها مزارات مختلفة.

في أكتوبر/ تشرين أول 2019 روجت لجان إلكترونية مصرية لشائعة تقول إن السعودية قررت رسميا إهداء جزيرة فرسان لمصر لبناء قاعدة عسكرية تسيطر بها على باب المندب وتراقب سد النهضة.

عقب التصعيد المصري الأخير ضد إثيوبيا عادت حسابات على مواقع التواصل لتروج نفس الشائعة أواخر مارس/ آذار 2021، وتضيف أن المملكة أهدتها لمصر "دون قيد أو شرط".

وما بين الترويج الأول والأخير، ظلت تغريدات تظهر على مواقع التواصل خلال عام 2020، تزعم سماح السعودية لمصر ببناء قاعدة عسكرية على جزيرة فرسان وتجهيزها بطائرات رافال وسوخوي 35، ووجود قوات مصرية هناك.

بعض المصادر ربطت بين تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية 29 ديسمبر/ كانون أول 2016، وبين إهداء السعودية جزيرة فرسان لها، لتبرير تنازل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

أطراف أخرى بررت التنازل عن الجزيرتين بأنهما لو ظلتا مصريتين ستبقيان منزوعتي السلاح، بينما "إعادتهما" إلى السعودية يسمح لمصر ببناء قواعد عسكرية بهما، إضافة إلى "فرسان".

شائعة واحتمال

مصدر دبلوماسي بالخارجية المصرية نفى لـ "الاستقلال" وجود أي معلومات حول هذه "الشائعة"، وقال إنه لم يصدر عن مصر أو السعودية شيء رسمي بشأنها.

أوضح أنه مثلما أعلنت الحكومة المصرية رسميا "سعودية" تيران وصنافير 29 ديسمبر/ كانون أول 2016، من المنطقي أن يعلن شيء مماثل "لو صحت هذه الأخبار والشائعات التي تنشر على السوشيال ميديا".

"خبير عسكري" لم يستبعد وجود تنسيق بين القاهرة والرياض لاستغلال مصر الجزيرة "كمنطقة ارتكاز عسكرية لطائرات وقوات مصرية حال حاجة مصر للتدخل في مناطق تهدد أمنها القومي".

قال – دون الكشف عن اسمه – لـ "الاستقلال": "هناك تاريخ من التعاون بين مصر والسعودية لاستغلال جزر سعودية في البحر الأحمر عسكريا من قبل مصر، منها فرسان نفسها في حرب أكتوبر 1973".

أوضح أن الحديث يدور عن "وجود عسكري مؤقت" لا "إهداء" بالكامل و"تنازل عن السيادة" عن "فرسان" على غرار ما فعلت مصر في "تيران وصنافير"، لكن "لا توجد معلومات عن تفاصيل".

نبه الخبير إلى أن أنباء "إهداء وتنازل" السعودية لمصر عن "فرسان" بدأت تظهر قبل تنازل القاهرة للرياض عن تيران وصنافير بعدة أشهر، ما يعني أنها "أخبار موجهة".

لاحظت "الاستقلال" انتشار أخبار هذا التنازل السعودي عن "فرسان" في صحف مصرية حكومية (أخبار اليوم) وشبه حكومية (الدستور)، دون إعلان سعودي أو مصري رسمي، ما قد يشير إلى أنها "خطة إعلامية" متفق عليها ربما لتخفيف غضب الشارع المصري حينئذ.

صحيفة أخبار اليوم نشرت يوم 16 أبريل/ نيسان 2016، وقبل تنازل القاهرة عن تيران وصنافير بعشرة أشهر، تقريرا أكدت فيه: "أعطت السعودية لمصر حق استغلال جزيرة فرسان دون قيد أو شرط للدفاع عن الأمن القومي المصري إذا اقتضت الحاجة".

قالت: "تم هذا دون ضجيج أو إعلان"، و"من واقع الإحساس بالمسؤولية القومية وبأهمية وقيمة هذه الجزيرة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية المصرية التي قد تدعو الحاجة فجأة إلى استخدامها".

أضافت: "ليس سرا أن في الجزيرة عددا من السفن والمدمرات البحرية المصرية وتجهيزات لا يستهان بها".

موقع "الحرة" الأميركي نقل في 30 مارس/آذار 2021 عن مصدرين (لم يحددهما) نفيهما صحة هذه الأخبار المتداولة عن إهداء السعودية جزيرة فرسان لمصر. أضاف المصدران أن "المواقع الإلكترونية المتخصصة ببث الشائعات هي التي تردد مثل هذه الأخبار".

استبعدا أن تقوم السعودية "باستدعاء طرف خارجي ليسيطر على إحدى الجزر الخاصة بها، في وقت تسعى فيه لترسيم حدودها لاستعادة بعضها، مثل تيران وصنافير".

هذا التصريح الأخير لمصدر "الحرة" سبق أن قاله الدكتور نبيل فؤاد الخبير الإستراتيجي لجريدة "الدستور" 30 مايو/ أيار 2016.

"فؤاد" اعتبر حينئذ الفكرة غير صحيحة بدليل أن "السعودية تقوم بعمليات ترسيم حدود منذ أربع سنوات، بهدف استعادة بعض الجزر كما حدث مع تيران وصنافير، فكيف تستدعي طرفا خارجيا ليسيطر على إحدى الجزر الخاصة بها؟".

وظهر أيضا أن السعودية لم تعلن إهداء أي جزر لمصر، ولم ينشر أي موقع إخباري موثوق سواء مصري أو سعودي مؤخرا هذا الخبر، سوى مواقع مغمورة تنقل عن السوشيال ميديا.

نشرت الصحف السعودية تقارير مكثفة عن السياحة في فرسان وأن "المجلس البلدي" للجزر يجتمع باستمرار لمتابعة تنفيذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا.

وفي ظل هذه الشائعات، تقدمت السعودية بطلب لليونسكو أول أغسطس/ آب 2020، لتسجيل ما رصدته من آثار على الجزيرة التي تعتبرها ركنا أساسيا من خطتها لتحقيق "رؤية 2030"، حسبما أعلن وزير الثقافة بدر بن عبد الله بن فرحان.

"فرسان" ليس جزيرة واحدة وإنما سلسلة جزر باسم "جزر فرسان" عددها قرابة 150 جزيرة صغيرة تتصل بشاطئ يمتد حوالي 300 كيلومترا، و"فرسان الكبرى" هي أكبرها مساحة وسكانا وسياحة، ما يصعب تصور تنازل السعودية عنها.

مشاورات جدية

بالمقابل نقل موقع "العربي الجديد" 29 مارس/ آذار 2021 عن "مصادر مصرية خاصة" أن هناك "مشاورات متقدمة بين المسؤولين في مصر والسعودية، بشأن حصول القاهرة على حق الاستغلال العسكري لجزيرة فرسان الكبرى".

"القاهرة تقدمت بطلب للجانب السعودي، لإحياء مشاورات قديمة بشأن الوجود المصري في جزيرة فرسان، القريبة من مضيق باب المندب"، بحسب المصادر.

هدف الطلب المصري بحسب المصادر: "امتلاك أوراق ضغط جديدة ذات فاعلية، في مواجهة التعنت الإثيوبي في ملف سد النهضة".

أضافت: "سبق أن عرضت السعودية على مصر استخدامها كنقطة انتشار للقوات المصرية، خلال مفاوضات تشكيل التحالف العربي في اليمن عام 2015، ورفضت مصر المشاركة حينها بقوات برية في الحرب اليمنية".

عقب تهديدات السيسي لإثيوبيا 30 مارس/آذار 2021، تكثف الحديث عن إهداء السعودية "فرسان" لمصر علي مواقع التواصل.

جري الربط بين "الإهداء"، وبين استخدامها كقاعدة عسكرية بحرية جوية مصرية، ضد سد النهضة باعتبار أنها تقع قبالة ساحل إريتريا جارة إثيوبيا.

ما عزز هذه التكهنات أنه سبق لمصر استغلال ميزة موقع جزيرة فرسان الجغرافي في حرب أكتوبر 1973، والتحكم منها بحركة ميناء إيلات الإسرائيلي، بواسطة خبراء عسكريين مصريين.

خبراء عسكريون مصريون سبق أن أكدوا عدم جدوى بناء قاعدة عسكرية مصرية في جزيرة فرسان، وقللوا من أهميتها أو صحة توجه مصر لوجود عسكري دائم هناك.

قال الخبير الإستراتيجي نبيل فؤاد لجريدة "الدستور" الخاصة المملوكة للمخابرات المصرية 30 مايو/ أيار 2016 إن فكرة إقامة قاعدة عسكرية مصرية على جزيرة فرسان "موضوع مدسوس وغير صحيح".

واعتبر اللواء طلعت مسلم الخبير العسكري الراحل أن تعزيز الحماية المصرية على باب المندب، لا يحتاج لإقامة قاعدة عسكرية في "فرسان" لوجود العديد من السفن الحربية المصرية قرب المضيق منذ بدء عاصفة الحزم.

دشنت مصر عدة قواعد عسكرية جوية وبحرية في الآونة الأخيرة لحماية أمنها القومي وركزت على الجناحين الغربي (تجاه ليبيا والمياه الاقتصادية في البحر المتوسط حيث اكتشافات الغاز) والجنوبي (تجاه السودان وإثيوبيا ونهر النيل).

تم افتتاح قاعدة عسكرية كبيرة في شمال مصر هي "قاعدة محمد نجيب" التي افتتحت 22 يوليه/ تموز 2017 بالمنطقة الشمالية.

ثم جرى افتتاح قاعدة "رأس بيناس" العسكرية البحرية في منطقة برنيس المطلة على جنوب البحر الأحمر 15 يناير/ كانون الثاني 2020.

صحيفة المونيتور الأميركية ذكرت 30 مارس/ آذار 2021 أن مصر تستعد لافتتاح قاعدة بحرية جديدة هي "جرجوب" على البحر الأبيض المتوسط​، بالقرب من حدودها مع ليبيا.

"جرجوب" التي ستكون جزءا من الأسطول الشمالي المصري الذي يحرس ساحل البحر المتوسط ​​المصري تقع على بعد حوالي 250 كيلومترا من حدود ليبيا.