فضيحة "واير كارد".. ماذا وراء الإطاحة بأهم جهاز استخباراتي في النمسا؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أكثر من عامين من الصراع بين المؤسسات الاستخباراتية والأمنية النمساوية، تمت الإطاحة بجهاز الاستخبارات الداخلية "BvT"، وحل جهازه الإداري ووضعه تحت إدارة وإشراف جهاز أمن الدولة والاستخبارات.

في 24 مارس/آذار 2021، كشفت دورية إنتليجنس أونلاين الاستخباراتية الفرنسية، أن الضغط المتزايد من قبل السياسيين النمساويين والحلفاء الأجانب قد أسفر أخيرا عن حل المكتب الاتحادي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب (BvT)"، في 16 مارس/آذار 2021، وسيتم وضعه تحت إدارة "مديرية أمن الدولة والاستخبارات (DSN)".

وأضافت الدورية الاستخباراتية أن المكتب الذي تم حله مر بضغوط هائلة خلال العامين الماضيين، وصراع داخل المؤسسات الرسمية، اتهم خلالهما بالتدخل في الشؤون السياسية، والفشل في العمل بفعالية ضد الإرهاب، بالإضافة إلى تعرضه  للاختراق من قبل روسيا.

وحسب الدورية الفرنسية فإن الإخفاقات التي وجهتها الحكومة للجهاز تتمثل في عدم اتخاذه عددا من الإجراءات والتقصير في مهامه، كعدم الحيلولة دون وقوع الهجوم الإرهابي الذي وقع في فيينا 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، رغم تلقي الجهاز (المنحل) معلومات من قبل جهاز الاستخبارات السلوفييني حول منفذ العملية الإرهابية.

فضيحة "واير كارد"

كانت المآخذ والإخفاقات التي تم توجيهها من قبل الحكومة النمساوية لجهاز الاستخبارات الداخلية، قد توجت مؤخرا بتورطه بفضيحة "واير كارد"، وهي شركة مالية ألمانية عابرة للحدود تورطت بقضية فساد واختلاس بمليارات الدولارات.

وحسب إنتلجنس أونلاين، فإن رئيس عمليات البنك الألماني يان مارساليك والمطلوب الرئيس في هذه القضية قد تمكن من تطوير أعماله بفضل علاقته بالجهاز الاستخباراتي النمساوي.

كانت شرطة فيينا قد ألقت القبض في 25 يناير/كانون الثاني 2021 على رجلين، أحدهما مسؤول كبير سابق في المخابرات النمساوية، وآخر نائب برلماني يميني سابق، متهمين بتنظيم فرار يان مارساليك، الرجل البارز في واير كارد، والعقل المدبر لعملية احتيال محاسبية، إلى بيلاروسيا الصيف الماضي.

وحسب صحيفة آيريش تايم الأيرلندية، فإن مارساليك قد تمكن من الفرار في يونيو/حزيران 2020، بعد فترة وجيزة من تعليقه من خدمة واير كارد، وقبل أيام من إصدار المدعين العامين في ميونيخ مذكرة توقيف بحقه.

كان ممثلو الادعاء في فيينا قد صرحوا لصحيفة فايننشال تايمز في يناير/كانون الثاني 2021، للصحيفة أنه تم القبض على موظف آخر في المخابرات النمساوية بتهمة إساءة استخدامه السلطة الرسمية عن طريق نقل معلومات سرية إلى شركة المدفوعات.

صراع القيادة

محاولة سيطرة اليمين المتطرف على الوكالة الاستخباراتية، من خلال الإطاحة بها ودمجها ضمن جهاز أمن الدولة والاستخبارات الخاضعة لوزارة الداخلية ولليمين المتطرف، أشعلت الصراع بين تلك المؤسسات، وانسحبت على المستويات العليا في الدولة.

وكشفت صحيفة بولتيكو البلجيكية أن المستشار سيباستيان كورتس أبلغ أجهزة الاستخبارات في الدولة في أبريل/نيسان 2019 باطلاعه بشكل مباشر وحصري على كل التطورات الاستخباراتية.

وحسب الصحيفة، فإن من شأن هذه الخطوة أن تحرم حزب الحرية اليميني المتطرف، الشريك الائتلافي في الحكومة، والذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من إشرافه الحصري على وكالات التجسس في البلاد، مع الإشارة إلى أن كل الوكالات تخضع لوزارتي الداخلية والدفاع، وهما الوزارتان اللتان يترأسهما حزب الحرية المتطرف.

حزب الحرية المتطرف تربطه علاقة بحركة الهوية اليمينية المتطرفة، وكان كورتز قد دعا إلى قطع علاقة الحزب بالحركة، وتجدر الإشارة إلى أن الرجل الذي أقدم على قتل أكثر من 50 مسلما في مسجدين بمدينة كراسيتشيرش النيوزلندية، كان قد قام في وقت سابق بالتبرع بأموال لصالح حركة الهوية اليمينية في النمسا، وهو ما كشف عنه المتحدث باسم المستشار النمساوي سيباستيان كورتز لاحقا.

اليمين المتطرف

الدكتور محمد عبدالقادر، أحد أعضاء الجالية الإسلامية في النمسا قال لـ"الاستقلال": "في واقع الأمر لا يمكن نفي أن جهاز حماية الدستور ومكافحة الإرهاب (جهاز الاستخبارات الداخلية) كان متورطا ببعض قضايا الفساد، وهي قضايا تحدثت عنها الصحف النمساوية، لكن باعتقادي لم يكن هذا السبب في حله والإطاحة بقياداته وإعادة تشكيله وهيكلته، وإن كانت الحكومة قد استغلت قضايا الفساد والثغرات التي تورط بها الجهاز من أجل الإيقاع به".

يضيف عبدالقادر: "كان الجهاز يمارس نشاطا مهما للغاية في مراقبة النشاط السياسي للأحزاب ولأداء الحكومة داخل النمسا، وكان يراقب نشاط الأحزاب والجمعيات والجماعات الإسلامية والجماعات اليمينية المتطرفة، ولهذا فقد كانت الجماعات اليمينية من أكبر المنزعجين منه، لأنها كانت تتعرض لمراقبة مشددة من قبله".

وتابع الدكتور عبدالقادر: "ما حصل هو أنه تم تعيين هربرت كيكل وزيرا للداخلية، وهو أحد أعضاء اليمين المتطرف البارزين، لذا فقد كان من أهم أولوياته استهداف جهاز حماية الدستور الذي كان يفرض رقابة معينة على اليمين المتطرف، ورقابة بشكل شخصي على كيكل".

لذا يرى عضو الجالية الإسلامية في النمسا أن "المستشار النمساوي سباستيان كورس ارتكب خطأ فادحا عندما وضع وزارة الداخلية في يد اليمين المتطرف، وجعل وزير الداخلية هو من يرأس العمليات الأمنية".

يضيف عبدالقادر: "كان أول نشاط قامت به وزارة الداخلية هو استهداف ذلك الجهاز، حيث اقتحمت مكتب الجهاز بمساعدة 80 عنصرا من عناصر الشرطة، واستولت على كل الأجهزة التي تحوي بنكا للمعلومات وكل ما يمكن أن يحتوي على معلومات حول نشاط الجهاز، وقاموا بتعليق رئيس الجهاز الذي كان ينتمي سياسيا للحزب الاشتراكي الديموقراطي المعروف بـ"الحمر".

يتابع عبدالقادر: كان جهاز الأمن الداخلي  يمثل حجر عثرة في طريقهم للسيطرة على مؤسسات الدولة، لهذا تمت الإطاحة به وإعادة تشكيله من خلال تعيين من يدين لهم بالولاء أو من ينتمي لحزب الأغلبية، والائتلاف الحاكم المكون من حزب الحرية "الأزرق" والحزب الأسود "الشعب".

انقلاب داخلي

يتابع الدكتور عبدالقادر "بطبيعة الحال مثل اقتحام مكتب حماية الدستور فضيحة بكل المقاييس، وتحدثت حينها صحف المعارضة واصفة الموضوع بكونه أشبه بالانقلاب الداخلي، وقالت إن التصرف الذي قامت به الداخلية كان من أجل سرقة بيانات اليمين المتطرف التي تم تخزينها في أجهزة الوكالة، وتداولت الصحف حينها أن المداهمة تمت من أجل محو البيانات عن اليمين المتطرف الذي كان ينتمي إليه وزير الداخلية".

يضيف عبدالقادر: "السيطرة على جهاز الأمن الداخلي هو هدف لأي حكومة جديدة، لأنه يعمل بعكس هوى الحكومات، ويمارس نشاطا سياسيا معينا، لهذا فإن الإطاحة به كان هدفا للمستشار النمساوي، في تصرف يؤكد عدم  ديمقراطية هذه  المؤسسات، وهو تصرف يشبه ما يحدث لدى الأنظمة العربية التي تهدف إلى السيطرة على كافة الأجهزة الأمنية والسيادية".

يتابع: "وإلى جانب استهداف الوكالة الاستخباراتية، فقد تم استهداف وزير المالية، واستهداف القضاء أيضا، من خلال تقديم حزمة تعديلات قانونية ودستورية تهدف للسيطرة على القضاء".

وأردف: "كما تسعى الحكومة للضغط على الصحافة وتحديد بعض اتجاهاتها، ومنحها حوافز مالية، باستثناء بعض  الصحف المعارضة أو المستقلة، وهي ليست كثيرة ، ربما لا تتعدى الصحيفتين أو الثلاث، وبقية الصحف تعبر عن رأي الحكومة، وهي الأكثر تأثيرا".

واستشهد عبدالقادر بقوله: "هو الأمر الذي بدا واضحا عندما أرادت الحكومة أن تتوسع في تنفيذ حملة إعلامية على الجالية المسلمة تحت زعم انتمائهم للإخوان المسلمين من أجل تمرير حزمة القوانين التي يسمونها مكافحة الإرهاب أو الإسلام السياسي".

تراجع الثقة

حسب "إنتلنجنس أونلاين"، فإن من شأن التغييرات الحادة التي طالت جهاز الاستخبارات النمساوي الداخلي، عقب اتهامه بالإخفاق، أن يقلل من التعاون الاستخباراتي بين النمسا وأجهزة الاستخبارات الأوروبية الأمريكية.

مضيفة: "خصوصا أن جهاز أمن الدولة والاستخبارات العامة في النمسا تعتزم تعيين موظفين جددا بدلا عن الموظفين السابقين الذين تم الإطاحة بهم، وهو الأمر الذي سيكلفها 4 سنوات حتى تكون قادرة على استيعاب جهاز الاستخبارات الداخلية بشكل كامل".

من ناحية أخرى، فإن ثقة وكالات الاستخبارات الأوروبية قد تراجعت تجاه وكالة التجسس المحلية النمساوية، ونقلت صحيفة بولتيكو البلجيكية عن  بيتر جريدلينج رئيس وكالة التجسس المحلية النمساوية، أن فيينا غدت معزولة في نادي بيرن، وهو منتدى يتبادل فيه رؤساء المخابرات الأوروبية المعلومات.

وحسب بولتيكو، فإن الوكالة قد انسحبت من النادي بشكل طوعي ربيع 2018 بعد أن تكونت لديها مخاوف حول إمكانية مداهمة الوكالة من قبل وزير الداخلية هربرت كيكل، وهو ما حدث قبل ذلك حيث أقدمت الداخلية النمساوية على مصادرة معلومات سرية، وتفاصيل عن تحقيقات مع متطرفين يمينيين. 

كانت أوراق داخلية خاصة بنادي بيرن قد تسربت، ونشرتها صحيفة فالتر النمساوية أواخر 2018، وذهبت شكوك الجميع وقتها باتجاه وكالة الاستخبارات النمساوية، ما زاد من عزلتها قبل أن تعتزل بشكل رسمي، ونتيجة لذلك طلبت المخابرات الفنلندية من جميع حلفائها في نادي بيرن، باستثناء النمسا، المساعدة في التحقيق مع الجواسيس الروس.

وأضاف بيتر جريدلينج، رئيس وكالة التجسس المحلية النمساوية أن النمسا لا تزال عضوا في نادي بيرن، ولم يتم استبعادها من تلقي المعلومات الاستخبارية، لكن يمكن لأعضاء النادي أن يقرروا "إلى أي مدى يتعاونون مع الأعضاء الآخرين"، مضيفا أن العودة المزمعة إلى المشاركة الكاملة لم تحدث.

الجدير بالذكر أن مداهمة الجهاز ومصادرة البيانات الخاصة بالجهاز والمعلومات التي يتبادلها مع بقية الأجهزة الاستخباراتية في أوروبا أحد أسباب توقف الأجهزة الاستخباراتية في أوروبا عن التعاون مع جهاز الأمن الداخلي لكونه مخترقا من قبل اليمين المتطرف وأن تبادل البيانات معه لم تعد آمنة، بحسب الدكتور عبدالقادر.