استقطاب واسع.. ما علاقة روسيا بانشقاق مليشيات إيرانية في سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يتعرض نفوذ إيران في محافظة دير الزور السورية إلى هزات متتالية، على رأسها تزايد الانشقاقات المتكررة للعناصر المحلية، المنضوية تحت راية مليشياتها، في تحول قد يجعل طهران الحلقة الأضعف، ليكون الرابح الأكبر القوات الروسية.

وأكدت شبكة "الشرقية 24"، في 24 مارس/آذار 2021، انشقاق مجموعة جديدة من المليشيات الإيرانية السورية في مدينة الميادين بدير الزور، مؤلفة من 8 عناصر، وانضمامها إلى مليشيا "الفيلق الخامس" المدعوم عسكريا ولوجستيا من روسيا.

وسبق ذلك وفق الشبكة، انشقاق 20 عنصرا من المليشيات الإيرانية المحلية، منتصف مارس /آذار 2021، وفرارهم إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، على الضفة اليسرى من نهر الفرات لدير الزور، التي تسيطر عليها.

حالة التخبط التي تعتري المليشيات الإيرانية من الجنسية السورية، تتحكم بها أقطاب النفوذ العسكري في دير الزور.

إذ تشمل الخارطة العسكرية للمحافظة، سيطرة المليشيات الإيرانية والنظام السوري، والقوات الروسية على الضفة اليمنى من نهر الفرات، الممتدة من دير الزور مرورا بالميادين وصولا إلى البوكمال الحدودية مع العراق.

فيما تسيطر قوات "قسد"، على قرى وبلدات الضفة اليسرى من نهر الفرات الغنية بالنفط، الممتدة من منطقة الباغوز بدير الزور، على الحدود العراقية، وصولا إلى محافظة الحسكة على الحدود العراقية - التركية شمال سوريا.

لكن المعطيات القادمة من دير الزور تشي برغبة روسية لهدم القوة العسكرية الإيرانية التي بنتها منذ نهاية عام 2017، بعد القضاء على تنظيم الدولة في المحافظة، لكن بطرق أقل تكلفة.

وشكل ميل العناصر السورية المحلية المنشقة عن المليشيات الإيرانية، وجنوحها للكفة الروسية في دير الزور، مؤشرا على مدى استقرار النفوذ الروسي في المحافظة.

إذ ركزت موسكو على استغلال تخلخل البنية العسكرية للمليشيات الإيرانية في دير الزور، عبر إرسال إشارة واضحة للخارج، تدلل على قدرتها على احتواء نفوذ طهران هناك.

ضغط متواصل

وفي هذا السياق، يؤكد الخبير العسكري السوري، العقيد حاتم الراوي، في تصريح لـ "الاستقلال" وجود ما سماها "حرب حقيقة غير معلنة" قائمة بين روسيا وإيران في دير الزور، منذ سبتمبر/أيلول 2020.

 وأشار المحلل العسكري إلى "قيام الطيران الروسي بقصف مناطق في البادية السورية، هي للمليشيات الإيرانية، تحت ذريعة عمليات محاربة تنظيم الدولة".

 وخير مثال على ذلك قصف الطيران الروسي قبل شهرين معسكرا لمليشيا فاطميون الإيرانية، جنوب مدينة معدان الواقعة بين محافظتي دير الزور والرقة، ما أسفر عن مقتل 22 عنصرا منها، وفق قوله.

ولطالما نظر إلى غض الطرف الروسي عن القصف الإسرائيلي للمواقع الإيرانية في سوريا، على أنه دليل إضافي على وجود معادلة روسية -إسرائيلية، تهدف لإضعاف النفوذ الإيراني وتقليصه في دمشق.

وطفى على السطح تململ إيران مؤخرا من ما تسميه "التواطؤ الروسي" ضد وجودها في سوريا.

برز ذلك في انتقاد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية في البرلمان الإيراني حشمت الله بيشه، لتعطيل روسيا منظومتها الدفاعية الجوية "إس – 300"، لحظة تعرض مواقع إيرانية في سوريا لغارات جوية إسرائيلية.

ونقلت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية في 25 يناير/كانون الثاني 2019، عن بيشه قوله: "على ما يبدو هناك نوع من التنسيق بين الهجمات الإسرائيلية والدفاع الروسية المستقرة".

وفي هذا الصدد، رصدت شبكة "الشرقية 24"، كثيرا من الإجراءات الميدانية، التي لجأت إليها المليشيات الإيرانية، للتقليل من الأضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي المتكرر على مواقع المليشيات في دير الزور.

ومنها إخفاء عناصرها في ثكنات النظام السوري، ونقل العديد من الأسلحة الثقيلة كالمدافع وراجمات الصواريخ إلى مناطق متفرقة من الميادين والبوكمال، إضافة لتغيير التموضع العسكري بشكل متكرر.

#ديرالزور بعد مقتل 19 عنصراً.. الميليشيات الإيرانية ترفع أعلام نظام الأسد وتُغيّر مواقعها شرق ديرالزور التفاصيل في الرابط https://cutt.ly/9hginl7 #الشرقية24 #سوريا

Posted by الشرقية 24 on Friday, November 27, 2020 

وهنا يلفت العقيد حاتم الراوي، إلى أن "ما تشهده دير الزور من انشقاقات بشكل شبه جماعي من المليشيات الإيرانية، وانضمامها للقوات الروسية، التي تعتبر الجهة العسكرية الأقوى، أو هروبها إلى مناطق قسد على الضفة اليسرى من نهر الفرات، هو نتيجة الضغط الروسي، واستمرار العمليات التي تصفها موسكو أنها ضد تنظيم الدولة".

لكنها في الحقيقة هي ضد المليشيات الإيرانية، وخاصة بعد التنسيق الروسي الإسرائيلي، وفق تقديره.

وألمح المحلل العسكري، إلى وجود "قرار بإخراج إيران من سوريا"، مردفا "لذا نلاحظ كيف أن طهران بدأت سلطتها تتلاشى في معظم المناطق وخاصة في المنطقة الشرقية من البلاد، التي تعتبرها معبر الامتداد الشيعي".

مصالح روسية

بدوره عزا الصحفي السوري حسن الشريف، المختص بالوجود الإيراني في سوريا، في تصريح لـ "الاستقلال"، أسباب هروب العناصر المحلية للمليشيات الإيرانية، إلى مناطق قوات "قسد" إلى عدة أمور.

أولا، الأوضاع المعيشية الصعبة التي تشهدها مناطق سيطرة النظام ومليشياته، في دير الزور، وضعف رواتب العناصر المحلية، مقارنة بالعناصر الشيعية القادمة من إيران والعراق وباكستان وأفغانستان.

ثانيا، "زيادة المهام الموكلة للعناصر السورية المحلية، عبر رميهم في معارك ضد تنظيم الدولة في البادية السورية، وسط مقتل العشرات من هؤلاء العناصر المحليين، مما ولد لديهم شعورا بأن إيران غير مهتمة بحمايتهم، وترمي بهم إلى الموت المحقق".

وذهب الشريف، إلى أن "حاجة استقطاب الروس، لعناصر المليشيات الإيرانية المحلية، وضمها لصفوفها، ليس لتحسين ظروفهم المعيشية، بل له أهداف متعددة".

على رأس هذه الأهداف زجهم في حماية المصالح الروسية في المحافظة، وتقليص عدد العناصر المحلية المنضوية تحت راية المليشيات الإيرانية، بما يضمن للروس قلب موازين القوى العسكرية على الأرض، وإرسال رسالة للمجتمع الدولي، حول قدرتها على تنظيم صفوف المليشيات، فيما لو حصل توافق دولي على الحل في سوريا.

وتتخذ المليشيات الإيرانية مركز مدينة دير الزور، كنقطة عسكرية متقدمة لها في المحافظة، إلى جانب مقرات عسكرية في كل من مدن وبلدات، حطلة، موحسن، الطوب، بقرص، الميادين، منطقة عين علي، العشارة، صبيخان، الصالحية، البوكمال.  

وتنتشر في تلك المناطق، مليشيات تابعة لـ "الحرس الثوري الإيراني" و"حركة النجباء" و"حزب الله السوري"، و"فاطميون" و"زينبيون" والحشد العراقي".

إذ تقدر مصادر محلية، أعداد تلك المليشيات الإيرانية، في محافظة دير الزور وحدها، بنحو 6 آلاف عنصر أجنبي، فيما يبلغ تعداد العناصر المحلية من الجنسية السورية، قرابة 15 ألف عنصر.  

اللافت أن التحركات الروسية، لتقليم أظافر إيران، في دير الزور، بدأت منذ منتصف عام 2020، عبر بسط القوات الروسية نفوذها على النقاط الحيوية، كحقول التيم والورد وحمار للنفط.

 وكذلك على المعابر المائية بين ضفتي نهر الفرات، وعلى الحواجز العسكرية الرئيسة عند مداخل المدن، فضلا عن تسليم المليشيات الموالية لإيران نقاط التفتيش في مدينة دير الزور للنظام السوري، وتحت إشراف الشرطة العسكرية الروسية.

وهذا ما يراه الصحفي حسن الشريف، مؤشرا على "تمهيد روسي بطيء لاستبدال نفوذ إيران في مدينة دير الزور، بمليشيات تابعة له".

ويجري ذلك "على الرغم من نجاح طهران في التغلغل الديني في أبناء المحافظة، وممارسة نشاطات مكثفة لتشييع أبناء المنطقة ذات الغالبية السنية وخاصة الأطفال والشباب، وتحكمها بقرارات مؤسسات النظام الحكومية على صعيد القضاء والتعليم، لدرجة يمكن وصفها بالاحتلال".

وفي ضوء ما تقدم، يمكن الوصول إلى استنتاجات، تتمحور حول وضع روسيا كل ثقلها لإخراج إيران من دير الزور، وذلك ضمن مساعي موسكو لترسيخ وجودها العسكري في سوريا.