حزمة إجراءات.. هكذا يمكن للعراق استرداد المليارات المهربة للخارج

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تصريحات الرئيس العراقي برهم صالح، عن وضع مدونة قانونية تتضمن استرداد الأموال العراقية المنهوبة والمهربة إلى خارج البلاد، أحيت الحديث مجددا عن قدرة السلطات العراقية وجديتها في استعادة مئات المليارات من الدولارات.

في 17 مارس/آذار 2021، قال برهم صالح خلال مقابلة تلفزيونية إن "رئاسة الجمهورية بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مدونة قانونية تتناول آليات لاسترداد ومعرفة مصير الأموال المنهوبة من العراق، والتي ربما ذهبت إلى استثمارات في خارج البلاد".

الرئيس العراقي شدد على أن "ملف الفساد خطير وضخم وهو بحاجة إلى معالجات أوسع وأعمق، وأن ضرب الفساد المالي أساسي لاستتباب الأمن"، لافتا إلى أنه "مع كل هذه التحديات، هناك إجراءات ومحاكم في العراق عملت على الحكم بقضايا مهمة بالفساد".

تضاربت الأنباء بخصوص حجم الأموال المنهوبة من العراق عقب الإطاحة بنظام صدام حسين واحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية عام 2003، لكن لجنة النزاهة في برلمان العراق، قدرتها بنحو 350 مليار دولار أي ما يعادل 32 بالمئة من إيرادات البلد طيلة  خلال 17 عاما.

وقال عضو لجنة النزاهة البرلمانية، طه الدفاعي، خلال تصريحات صحفية في 28 مارس/آذار 2021 إن الأموال المهربة تقدر بين 300-350 مليار دولار، في الأعوام التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق، وذلك عدا الأموال التي هربت قبل ذلك.

وأكد الدفاعي أن دعوة رئيس الجمهورية لاسترداد الأموال تتمثل بتنفيذ القوانين وتحييد جهود جميع المؤسسات العراقية لإعادة أموال الشعب المهربة إلى دول عدة ترفض التعاون مع العراق، مشيرا إلى أن العراق يمتلك دائرة لاسترداد الأموال المنهوبة في هيئة النزاهة وتعمل هذه الدائرة على استرداد أموال الشعب.

ونوه النائب إلى أن دعوة صالح تتمثل بتوقيع اتفاقات مع البلدان وزيادة التعاون مع الإنتربول (الشرطة الدولية) والأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات لتفعيل استرداد الأموال، فيما أكد أن الأموال المهربة قبل 2003 ما زالت غامضة لأنها باسم جهاز المخابرات وشخصيات، وأن العراق بحاجة إلى استخدام علاقاته الخارجية لإعادة هذه الأموال.

وكان نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق، بهاء الأعرجي، قد كشف خلال تصريحات صحفية في الثاني من أغسطس/آب 2015 أن "حكومة نوري المالكي السابقة أهدرت نحو تريليون دولار، وهي عبارة عن 800 مليار دولار موازنات العراق النفطية منذ عام 2004 وحتى 2014، إضافة إلى نحو 200 مليار دولار منح ومساعدات".

غياب الجدية

وبخصوص جدية السلطات العراقية وقدرتها على استعادة الأموال المنهوبة طيلة السنوات الماضية، قال عضو لجنة النزاهة في برلمان العراق، حسن شاكر: إن أغلب الدول ترفض إعادة هذه الأموال، لأنها مستفيدة منها، عبر تشغيل قوى العمل وتحريك اقتصادها.

ولفت إلى أن العراق يمتلك جهات متعددة تعمل على استرداد أمواله، مثل وزارة الخارجية وهيئة النزاهة وجهاز المخابرات، لكن أعمالها ما زالت دون مستوى الطموح، مؤكدا أن مبادرة رئيس الجمهورية خطوة مهمة لإرجاع أموال الشعب واستثمارها في الداخل.

وفي الوقت الذي دعا فيه إلى تأسيس هيئة لاسترداد أموال العراق تكون تحت إشراف البرلمان أو رئاسة الجمهورية، وعضويتها مؤسسات عدة مثل هيئة النزاهة وجهاز المخابرات ووزارة الخارجية وغيرها، رأى شاكر أن العراق غير جاد حتى الآن في محاربة الفساد، لأنه ما زال مستفحلا.

إذ أثر ذلك أيضا في استرداد هذه الأموال، حيث أطلق سراح كبار الفاسدين، وهذا ما جعل المؤسسات العالمية لا تتعاون مع العراق، وفق قوله.

ويتفق مع هذا الطرح، النائب عن القوى الكردية في البرلمان، أمين بكر، بالقول: إنه لا توجد خطوات ملموسة من جانب الحكومة بالشارع العراقي، خاصة ما يتعلق بالبنية التحتية وتوفير فرص العمل وفتح الاستثمار والمشاريع وتنظيم القطاع الخاص.

وأضاف النائب خلال تصريحات صحفية في 18 مارس/آذار 2021، قائلا: رغم أن البرلمان العراقي شكل لجنة من الدورة السابقة تختص باسترداد تلك الأموال من الخارج، لم تكن هناك أي خطوات جديدة.

ولفت إلى أن "تخفيض نسب الفقر كما أعلنت الحكومة ربما يكون في الإجمالي، لكن على الأرض هناك ليست هناك خطوات عملية على الأرض".

حزمة إجراءات

وبدوره، قال الخبير القانوني علي التميمي لـ"الاستقلال" إن "المدونة القانونية التي تسعى الرئاسة بناء عليها التحرك لاسترداد الأموال المنهوبة في الخارج، لا بد أن ترافقها حزمة من الإجراءات الدبلوماسية والقانونية".

وأضاف التميمي أن "التحرك الدولي الأفضل لاسترجاع الأموال المهربة للخارج التي تقدر بنحو 500 مليار دولار أميركي يأتي عن طريق اتفاقية غسيل الأموال لعام 2005 والموقع عليها العراق عام 2007 بمساعدة هذه الدول".

وتابع: "كذلك بالتعاون مع الجانب الأميركي وفق المادة 28 من الاتفاقية العراقية الأميركية لسنة 2008، وأيضا وفق المادة 50 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على حق الدول التي تحارب تنظيمات موضوعة تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة طلب مساعدة المنظمة الدولية".

وبين أن "العراق كان يحارب تنظيم الدولة الموضوع تحت الفصل السابع بموجب القرار 2170 لسنة 2014".

ولفت إلى أن "بريطانيا أبدت الاستعداد للمساعدة، وأن هذه الدول تحوي بلدانها الكثير من الأموال المهربة، وأيضا مطلوبين للقضاء يمكنها أن تساعدنا في استرجاع هذه الأموال".

إذ يوجد مبلغ 65 مليار دولار في البنك الفدرالي الأميركي مجمدة عائدة للنظام السابق يمكن للعراق المطالبة بها وفق الاتفاقية المشار إليها آنفا لعام 2008، بحسب قوله.

التميمي نوه إلى أن "العراق لا يزال تحت الفصل السادس من الميثاق الأممي  لوجود متعلقات ماليه مع الكويت بقيمة 4 ونصف مليار دولار".

وأوضح أنه "إذا استمرت الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية قد يعود مجلس الأمن بالعراق إلى الوصاية الدولية أي الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة".

التجربة الماليزية

أما الخبير الاقتصادي العراقي، رحيم الكبيسي، فقد رأى خلال تصريحات صحفية في 18 مارس/آذار 2021 أن "الحديث عن استرداد الأموال لا يتعدى التصريحات الإعلامية، حيث تزيد الأموال المنهوبة والمهدرة منذ العام 2003 وحتى الآن عن 500 مليار دولار تم تهريبها للخارج وما زال أصحابها يمارسون العمل السياسي داخل البلاد دون مساءلة".

وأوضح الخبير الاقتصادي أن "سارقي المال العام ما زالوا موجودين داخل البلاد ولم تتم محاسبة أو اعتقال أحد من هؤلاء الذين يطلق عليهم حيتان الفساد"، وهم من المشاركين في السلطة السياسية منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا.

ورأى الكبيسي أن "استرداد الأموال يجري عندما يعلن صراحة عن الأسماء كما حدث في ماليزيا (اعتقال رئيس وزرائها الأسبق نجيب عبدالرزاق بقضايا فساد)، لذا فإن كل ما نسمع عنه من الحكومات عن لجان نزاهة ومحاربة الفساد وغير ذلك ما هو إلا قرارات على الورق".

وفي يوليو/ تموز 2020، قضت المحكمة العليا في العاصمة الماليزية كوالامبور، بالسجن 12 عاما بحق رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، وتغريمه 49.4 مليون دولار.

جاء ذلك بعد إدانة عبد الرزاق، في 7 تهم مرتبطة بقضية فساد مالي تقدر بملايين الدولارات.

وأكد الخبير الاقتصادي العراقي أن "الأمر يحتاج إلى قضاة مستقلين، ويكون الرأي العام على دراية، فكيف نتحدث عن استرداد أموال من الخارج وأصحابها موجودون بالعراق، إن لم يتم توقيف هؤلاء وجعلهم يطلبون من البنوك التي يتعاملون معها بالخارج تحويل تلك الأموال مجددا إلى البلاد".

وتساءل الكبيسي: "كيف يتم استرداد الأموال إن لم تكن هناك وقائع تؤكد أنها أموال غير مشروعة وكيفية دخولها إلى تلك البنوك الأجنبية؟، يجب محاسبة الشخصيات المعروفة من السياسيين وغيرهم بقانون من أين لك هذا؟ وفحص أموالهم منذ العام 2003 وحتى الآن".