لوموند: مؤرخو الجزائر ينتفضون في وجه أرشيفات السلطة الموصدة

12

طباعة

مشاركة

بتشجيع من النقاش العام الذي فتحه تقرير الذاكرة، دعا تسعة مؤرخين جزائريين الرئيس عبد المجيد تبون إلى وضع حد أمام "العقبات البيروقراطية" للأرشيف الوطني.

ونشر المؤرخون وعلى رأسهم محمد ولد سي القرسو وداهو جربال وعمار مهند عامر، في 25 مارس/آذار 2021، رسالة مفتوحة إلى تبون يطالبونه فيها بوضع حد أمام العراقيل التي تحد من الوصول إلى الأرشيف.

تعتبر مثل هذه المبادرة الجماعية غير مسبوقة وهي بمثابه أثر جانبي لنشر تقرير بنيامين ستورا في يناير/كانون الثاني 2021 في باريس حول المصالحة على إرث الذاكرة الفرنسي الجزائري. 

وتضمن التقرير، مقترحات لإخراج العلاقة بين البلدين من حالة الشلل التي تسببت بها قضايا ذاكرة الاستعمار العالقة بينهما. وتطالب الجزائر باستعادة كامل الأرشيف ما قبل الاستعمار الفرنسي، والذي نقلته باريس خلال جلاء قواتها عن البلاد. 

ودام الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962، حيث تقول السلطات الجزائرية ومؤرخون، إن هذه الفترة شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات.

ويردد المسؤولون الفرنسيون في عدة مناسبات ضرورة طي الجزائر صفحة الماضي الاستعماري، وفتح صفحة جديدة.

ثورة المؤرخين

تقول صحيفة لوموند الفرنسية إن الثورة تختمر بين المؤرخين الجزائريين. وتوضح المبادرة الإحباط المتزايد للباحثين فيما يتعلق بالإدارة (الجزائرية(، التي تعتبر مبهمة وتعسفية ، فيما يتعلق بإدارتها للأرشيف الوطني، وفق قولها.

وتوضح الصحيفة أنه كان من المفترض أن يكون رئيس الأرشيف الوطني الذي "يتعذر عزله"، عبد المجيد شيخي، والذي ظل في منصبه 19 عاما، محاور ستورا في النقاش حول الذاكرة الذي يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري صياغته. 

وسابقا، اتفق الرئيسان على تعيين مؤرخين (واحد عن كل منهما) لبحث ملف الذاكرة، إذ عين عن الجانب الفرنسي ستورا، وعن الجزائري عبد المجيد شيخي.

ومع ذلك، في مقابل ستورا، لم يشارك شيخي في عمل مماثل لقائمة الجرد والاقتراحات المتعلقة بمسألة الذاكرة، وفق لوموند.

يسأل عمار مهند عامر "أين التقرير الجزائري؟ فمن ناحية، هناك تقرير (ستورا)  الذي يثير الجدل بعد نشره ومن ناحية أخرى يوجد تقرير (متوقع من شيخي) يثير الجدل بغيابه".

شيخي، من جانبه، يبرر صمته بحقيقة أن تقرير ستورا لم يتم إيداعه رسميا إلى السلطات الجزائرية. 

وقد قال لقناة الجزيرة القطرية في 22 مارس/ آذار متحدثا عن تقرير ستورا: "هذا تقرير فرنسي فرنسي، لم يتم إرساله إلينا رسميا بحيث يكون هناك التزام، على الأقل أخلاقيا ، بالرد على محتواه". 

وأدى الارتباك الذي أحاط بدور شيخي في هذا الحوار حول الذاكرة إلى دفع المؤرخين للتحدث، في الوقت الذي ظل فيه الاستياء من مدير الأرشيف يطبخ على مهل منذ فترة طويلة. 

في 2016، كان المؤرخ فؤاد صوفي، نائب المدير السابق إلى جانب شيخي ، قد تمرد بالفعل من خلال نشر عمود في صحيفة الوطن اليومية يندد بـ "عذاب" الأرشيف الوطني و"موته البطيء".

بعد خمس سنوات، أخذ التمرد بعدا جماعيا برسالة مفتوحة موجهة إلى تبون، وفق ما تقول لوموند.

اهتمام صادق

يطالب الموقعون التسعة "بالحق في الوصول إلى محتويات الملفات القابلة للنقل" دون "التدخل في التفسيرات الشخصية التي تتعارض مع روح المحفوظات التي هي تراث للأمة". 

بموجب قانون يعود تاريخه إلى سنة 1988، فإنه "يمكن الوصول إلى المحفوظات مجانا بعد 25 عاما"، باستثناء الملفات القضائية (تزداد الفترة إلى 50 عاما)، والبيانات المتعلقة بـ "أمن" الدولة والدفاع الوطني (60 سنة) أو معلومات ذات طابع طبي أو خاص (100 عام).

كما يدعو المؤرخون إلى "توطين البحث التاريخي في الجزائر وليس في الخارج". 

في الواقع، يضطر العديد من الباحثين الجزائريين - في ظروف مادية وقانونية معقدة في كثير من الأحيان - إلى الرجوع لمقتنيات المحفوظات الوطنية لما وراء البحار، أو تلك الموجودة في أرشيف خدمات الدفاع في فينسين، حيث تمت إعادة ما يسمى بـ أرشيفات "السيادة" المتعلقة بالفترة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر.

تثير هذه الحالة غير المتداولة مسألة تعميق المشاركة الرقمية للأرشيف بين فرنسا والجزائر، حتى "إعادة" النسخ الأصلية، كما تقول الدولة المغاربية.

كما يسلط الضوء على تفاقم "العوائق البيروقراطية" في الجزائر العاصمة التي ندد بها الموقعون.

استشهد فؤاد صوفي في عموده بصحيفة الوطن عام 2016 بمثال المغامرة التي واجهها مؤرخ جزائري بعد أن انتظر "عبثا" تفويض إدارة الأرشيف الجزائري للتشاور حول المعاهدات الموقعة بين الجزائر والنمسا في القرن السابع عشر، وقد انتهى به الأمر بالذهاب مباشرة إلى أرشيف فيينا. 

وكان هذا الأخير قد زوده بنسخ من الوثائق المطلوبة، ولكن اتهم هذا المؤرخ في الجزائر العاصمة، بنشر "أسرار الدولة".

يقول عمار مهند عامر غاضبا إن هذه العوائق نابعة من "انفصام الشخصية"، مطالبا فرنسا بإعادة الأرشيف الاستعماري، "لكننا في نفس الوقت نوصد الأبواب أمام الوصول إلى الأرشيفات في الجزائر". 

ويقول أيضا إنه "مع عودة الجدل حول المحفوظات والذاكرة في أعقاب نشر تقرير ستورا، كان هناك رد فعل مفاده احترام الذات بين المؤرخين الجزائريين".

"حالة واسعة الانتشار"

بدوره، يقول المؤرخ محمد القرسو إن "الصعوبات البيروقراطية  تعود إلى زعيم (شيخي) جعل مهمته مهمة سياسية عبر تجاوز حدود القانون". 

ويوضح مهند عامر "نحن ندين الوضع في كل مكان حيث تقدم شخص ما بمزايدة استحواذ على الأرشيف الجزائري". 

ووفقا له، فإن المؤسسة التي يديرها شيخي "أصبحت حصنا في حوزة البيروقراطيون الذين لا يعتبرون من علماء التاريخ الحقيقيين". 

ويقول المؤرخ صوفي إن إغلاق الوصول إلى الأرشيف لا يهدف إلى "إخفاء الحقائق التي لا توصف بل إلى إخفاء عدم كفاءة رؤساء الأرشيف الجزائري".

وحاول شيخي خلال لقاء مع موقع "لوموند أفريك" الفرنسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تبرير موقفه في مواجهة الانتقادات التي كان يعاني منها بالفعل، عبر التذرع بالتأثير "على المجتمع" من جراء فتح أرشيف حساس. 

وكان يتجه بالقول في بعض الحالات بأنه "على مدير الأرشيف واجب احترام الطمأنينة العامة ومنع (إفشاء الملفات) التي تؤدي إلى تأثير سلبي على سير المجتمع".

لقد دافع عن نفسه قائلا "أنا لا أؤثر على الأبحاث، لكن لا يزال هناك أشخاص يأتون (إلى الأرشيف) بسبب هذا الجدل القائم".

عندما يتعلق الأمر، على سبيل المثال، بالقضايا التي تشكل مساومة كافية للناس، لا يمكنني التخلي عنها. يضيف شيخي: "هذا هو الحال عندما يطلب مني ملف شخص لمتهم بأنه متعاون مع الفرنسيين. لن أرمي تلك الملفات في مرمى الانتقام الشعبي من خلال توزيعها".

وتقول لوموند: "تكمن الصعوبة برمتها في أن شيخي ينتحل لنفسه الحق في الحكم على ما هو إيجابي أو سلبي للمجتمع، بصرف النظر عن أحكام القانون الجزائري المتعلق بالأرشيفات التي يعود تاريخها إلى عام 1988". 

في خضم ذلك، يأمل المؤرخون الجزائريون عودة بسيطة إلى القانون بمناسبة هذه الحركة الفريدة من نوعها من حيث الانتشار، وفق الصحيفة.