التقارب المصري التركي.. كيف يغير ترتيب الخريطة الجيوسياسية بالمنطقة؟

12

طباعة

مشاركة

يرى موقع إيطالي أن تركيا تسعى للتقارب مع النظام المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي وتحاول تغيير التوازن في فضاء جيوسياسي حيوي لروما، يعرف باسم "البحر المتوسط ​​الموسع".

لهذه الغاية، قال موقع "إنسايد أوفر" إن أنقرة والقاهرة تجريان منذ فترة محادثات خلف الكواليس للتوافق على أهم الملفات، من الحرب في ليبيا إلى استغلال موارد الغاز في البحر المتوسط، مرورا بحماية الطرق التجارية في البحر الأحمر وصولا إلى أزمة سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا على النيل. 

الشروط العشر 

أشار الموقع إلى أن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أعلن في 11 مارس/آذار عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر لتشمل أيضا مجال الأمن والاستخبارات.

وفي 14 مارس/ آذار، أكد نظيره المصري سامح شكري في البرلمان أن القاهرة مستعدة لإجراء "تغيير حقيقي" في سياستها تجاه تركيا، مطالبا أنقرة باتخاذ خطوات ملموسة إلى الأمام وإرسال بوادر قطيعة مع الماضي.

أورد الموقع أن الجانب المصري وضع بشكل غير رسمي عشرة شروط لإعادة تطبيع العلاقات مع تركيا المتدهورة منذ عام 2013، مؤكدا أن بعضها مستفز بطريقة متعمدة على غرار ضرورة التوصل إلى اتفاق مع اليونان وقبرص حول نزاع شرق المتوسط.

 واستدرك قائلا إن هناك شروط أخرى للجانب المصري، مثل وقف الاستهداف الإعلامي للنظام المصري وانسحاب تركيا من ليبيا، و"هي أمور تبدو أكثر واقعية".

واستعرض الموقع الشروط العشر التي نشرها مدير تحرير صحيفة الوطن الموالية للنظام (أحمد الخطيب) على حسابه بموقع فيسبوك.

في البداية، التشديد على "ضرورة احترام أي اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية القانون الدولي"، وذلك في إشارة إلى الاتفاقية الموقعة بين أنقرة وطرابلس بشأن ترسيم البحرية بين البلدين.

ويؤكد الشرط الثاني أن "الاتصالات بين البلدين ستقتصر على المستوى الأمني ​​ إلى أن تتأكد القاهرة من التزام تركيا بوعودها بالتوقف عن دعم الإرهاب"، وفق قوله.

وأضاف الصحفي المصري بأنه "لن يكون هناك اتفاق تركي مصري بشأن استغلال الموارد البحرية قبل التوصل إلى اتفاق بين أنقرة والحلفاء الأوروبيين خاصة مع اليونان وقبرص".

ويتعلق الشرط الرابع بمسألة انسحاب القوات التركية أو التابعة لتركيا من ليبيا، كما يطالب الشرط الخامس بانسحابها من سوريا والتوصل إلى اتفاق ملزم مع الحكومة العراقية تتعهد بموجبه أنقرة بعدم التدخل في إقليم كردستان العراق.

سادسا، إشراك السعوديين والإماراتيين في المفاوضات وتقديم اعتذار رسمي عن "الجرائم المزعومة التي ارتكبتها تركيا ضد دول الخليج في السنوات الأخيرة"، بحسب ما نقلت الصحيفة.

وشدد الشرط السابع على ضرورة التزام تركيا بـ"عدم التدخل في شؤون الدول العربية".

وذكر مدير تحرير الصحيفة المصرية بأن الشرط الثامن يتعلق بضرورة وقف بث جميع وسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان المسلمين التي تهاجم مصر ودول الخليج ومنع الجماعة من القيام بأي نشاط سياسي في تركيا.

ويطالب النظام المصري في الشرط قبل الأخير تركيا بإعطاء الضوء الأخضر للشرطة الدولية (الإنتربول) لاعتقال جميع المطلوبين الموجودين على أراضيها.

وأخيرا، على تركيا أن تلتزم بالامتثال لجميع هذه الشروط قبل دعوتها للمشاركة والانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط، وفق الصحيفة.

التنافس على الموارد

بين الموقع أن منتدى غاز شرق المتوسط هو منظمة دولية تهدف إلى استغلال موارد الطاقة في منطقة شرق المتوسط ويشكل بديلا لخط الأنابيب "ترك ستريم" الممتد من روسيا إلى تركيا. 

يقع المقر الرئيس للمنتدى في مصر كما تتمحور المبادرة بأكملها حول محطات إعادة تحويل الغاز الموجودة على الساحل المصري، في إطار مشروع لجعل القاهرة مركزا لتجارة الطاقة إلى أوروبا.

إلا أن بوادر الوفاق الأخيرة تجاه تركيا يمكن أن تعدل هذه الخطة جزئيا على الأقل، وفق تقدير الموقع الإيطالي.

أفاد الموقع بأن القاهرة نشرت في نهاية شهر فبراير/شباط 2021، خريطة مناقصة للتنقيب عن الطاقة الهيدروكربونية البحرية تضمنت مساحة استكشاف شرق خط عرض 28.

أخذت هذه الخريطة في الاعتبار حدود الجرف القاري التركي في إطار إستراتيجية "مافي فاتان" التركية (المنطقة الاقتصادية الحصرية الضخمة التي تضم أجزاء من بحر قبرص واليونان)، حتى بدون الاعتراف بها، على حد قول الموقع الإيطالي.

 وهو ما أثار انزعاج أثينا خاصة وأن هذا الشريط البحري يشمل أيضا المنطقة المتنازع عليها مع تركيا (كاستيلوريزو) وهو ما دفع الجانب المصري إلى إجراء تعديلات على الخريطة.

ونقل الموقع قول الصحفي ماركو فلوريان بمجلة cybernaua الإيطالية إن هذه الخطوة المصرية قد تكون مبررة بفرضية "اهتمام مصر ببيع الغاز الطبيعي المسال إلى تركيا".

خاصة وأن القاهرة تملك مصنعي الغاز الطبيعي المسال الوحيدين في شرق البحر المتوسط، بينما تمتلك أنقرة أكبر القدرات في إعادة تحويل الغاز في المنطقة، بالإضافة إلى بنى تحتية مهمة (خطوط أنابيب) لكل من الأسواق المحلية والأوروبية، وفق قوله.

كما أشار إلى أن تركيا لا تزال ثالث سوق تصدير لمصر (إيطاليا في المركز الأول) ويمثل هذا بالإضافة إلى تحسن العلاقات بين القاهرة وقطر، خطوة أخرى نحو علاقات أقل توترا بين الجمهورية المصرية وأنقرة.

يرى الموقع أن التقارب بين تركيا ومصر يعد جزءا من إعادة ترتيب جيوسياسية أوسع نطاقا وحديثة عهد لاسيما وأن الإدارة الأميركية الجديدة عملت منذ تسلمها السلطة على تسريع الديناميكيات الجارية في الأشهر الأخيرة.

وبالتحديد إعادة توحيد العالم الإسلامي السني وحل الانقسامات بين تركيا وقطر من جهة، الداعمين للإخوان المسلمين، ضد السعودية والإمارات ومصر وحلفاء ثانويين من جهة أخرى.

وأكد الموقع أن علامات هذا التقارب عديدة وواضحة، ففي يناير/كانون الثاني أنهى السعوديون وحلفاؤهم الحظر المفروض على قطر بمناسبة انعقاد قمة العلا.

ثم في فبراير/شباط، تعاطف أمير دولة قطر، تميم بن حمد آل ثاني، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على إثر صدور تقرير استخباراتي أميركي يدينه بتدبير عملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، في إشارة إلى عدم تناول الدوحة أو تصعيد إعلامها الحديث عن الأمر.

وفي مارس/آذار، تشكلت حكومة وحدة وطنية جديدة رسميا في ليبيا بعد نيلها ثقة برلمان طبرق بالإجماع.

يعتقد الموقع أن هذه التغيرات تحدث نتيجة مخاوف من استئناف الرئيس الأميركي جو بايدن الحوار مع إيران، في محاولة لوقف برنامج تخصيب اليورانيوم وإعادة اندماج طهران في المجتمع الدولي وهو ما أدى إلى فتور في العلاقات الحديثة بين الإمارات وإسرائيل.

ويتجلى ذلك من خلال إرجاء أبو ظبي في 17 مارس/آذار - للمرة الرابعة على التوالي- زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفق ما يقول الموقع.

وبالتالي، خلص الموقع إلى القول إن رقعة الشطرنج الجيوسياسية في حالة "إعادة تعديل" كاملة بعد انقضاء عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتحريك تركيا بيادقها في مجال تمتلك فيه إيطاليا أيضا مصالح قوية.