واشنطن ترصد مكافأة لضبط المتهم باغتيال الحريري.. ما سر التوقيت؟

خالد كريزم | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاد ملف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري إلى الواجهة مرة أخرى بشكل مثير للجدل، بعد رصد الولايات المتحدة الأميركية مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن أبرز متهم في القضية. 

وفي 29 مارس/آذار 2021، رصدت الخارجية الأميركية مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد على تحديد مكان المسؤول في "حزب الله" اللبناني سليم عياش.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، دانت المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشأتها الأمم المتحدة عياش غيابيا بتهمة قتل الحريري، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة.

وكان رفيق الحريري رئيسا لوزراء لبنان قبل استقالته في أكتوبر/تشرين الأول 2004. وقتل في فبراير/شباط 2005 عندما فجر انتحاري شاحنة مليئة بالمتفجرات أثناء مرور موكبه المدرع.

وخلف الهجوم 22 قتيلا و226 جريحا. وقد أطلق اغتياله شرارة ثورة الأرز التي دفعت جيش النظام السوري للخروج من لبنان.

المحاكمة التي استمرت 6 سنوات، أدين فيها عياش وبرئ 3 أعضاء آخرون في حزب الله (حسن مرعي، حسين عنيسي، وأسد صبرا) غيابيا من جميع التهم المتعلقة بضلوعهم في عملية الاغتيال التي كان لها وقع صادم في أنحاء الشرق الأوسط بأكمله.

كما أصدرت المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي، مذكرات توقيف دولية جديدة بحق عياش، وسمحت للمدعي العام بمطالبة الإنتربول بإصدار "إخطارات حمراء" لدولها الأعضاء لطلب القبض عليه.

لقب "القديس"

يعتقد أن عياش (57 عاما) متوار في لبنان، وقد رفض الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله تسليمه، حيث يطلق عليه لقب "القديس". وتصنف الولايات المتحدة حزب الله منظمة إرهابية، لكن الحزب يتمتع بنفوذ سياسي في لبنان ويشغل مقاعد في البرلمان.

عياش من عناصر جماعة "حزب الله" اللبنانية، حليفة النظام السوري وإيران، وهو المسؤول عن الخلية التي نفذت عملية الاغتيال وشارك فيها شخصيا، عبر تفجير استهدف موكب الحريري في العاصمة بيروت.

وحسب الموقع الإلكتروني للمحكمة الدولية، ولد اللبناني سليم جميل عياش في حاروف بمنطقة النبطية جنوبي لبنان، في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1963، وهو ابن لجميل دخيل عياش ومحاسن عيسى سلامة.

وسبق لسليم عياش الإقامة في منطقة النبطية (جنوبي لبنان)، والحدت (جنوبي العاصمة بيروت). وهو لبناني، ورقم سجله 197/حاروف، ورقم وثيقة سفره لأداء فريضة الحج 059386، ورقمه في الضمان الاجتماعي 690790/63، وفقا لموقع المحكمة.

وبالإجماع، قررت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية، خلال الجلسة المذكورة في مدينة لاهاي بهولندا، أن المتهم سليم عياش مذنب على نحو لا يشوبه أي شك معقول في جميع التهم المسندة إليه.

وهي "تدبير مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة وقتل الحريري عمدا باستعمال مواد متفجرة وقتل 21 شخصا آخرا عمدا ومحاولة قتل 226 شخصا عمدا باستعمال مواد متفجرة".

وحسب ما قالت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في ديسمبر/كانون الأول 2020، سيحاكم عياش أيضا في 3 هجمات استهدفت سياسيين لبنانيين، نفذت عامي 2004 و2005.

وهؤلاء السياسيون هم الوزير السابق والنائب المستقيل مروان حمادة، ووزير الدفاع آنذاك إلياس المر، والأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي الذي لقي مصرعه في الهجوم.

الإرهاب الدولي

أبرز نقطة تضمنها بيان الخارجية الأميركية هي رصد المكافأة مقابل "معلومات تؤدي إلى منعه (عياش) من الانخراط في عملية إرهابية دولية ضد شخص أميركي أو ممتلكات أميركية". وذكرت الخارجية الأميركية أيضا أنه خطط أيضا لإلحاق الأذى بجنود أميركيين.

وهذه قضايا أخرى تضاف إلى ملف اغتيال الحريري خلقت جدلا بين الناشطين والمحللين اللبنانيين بشأن أهداف طرحها الآن. وقالت الصحفية اللبنانية جيسالا خوري في تغريدة على تويتر: "هذا الخبر يعني أن سليم عياش متهم بقتل أميركيين. من ومتى وأين؟".

بينما أوضح المحلل السياسي عادل محمود أن واشنطن بدأت بالتحرك للرد على الاتفاقية الصينية الإيرانية الشاملة (الموقعة في 27 مارس/آذار 2021) عبر عدة محاور، من بينها تحويل ملف سليم عياش وحزب الله (المدعوم من طهران) إلى قضية إرهاب ضد أميركا.

وترى جماعة "حزب الله"، التي تكون شريكة في أي حكومة لبنانية أن المحكمة المختصة بقضية اغتيال الحريري أداة سياسية بيد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

وأعلن أمين عام الجماعة، حسن نصر الله، بعد صدور الحكم، أن الحزب سيتعامل مع قرار المحكمة "وكأنه لم يصدر".

ومن هنا، تبدو ملفات لبنانية عديدة، ذات أبعاد إقليمية ودولية، مرهونة بتنفيذ عقوبة المحكمة. وثمة مخاوف وتحذيرات متصاعدة من تداعيات احتمال انفلات الساحة اللبنانية المأزومة اقتصاديا وسياسيا بالأساس، وذلك تحت عنوان جديد هو مصير سليم عياش.

الخبيرة في الشؤون الأميركية الشرق أوسطية رنا أبتر ترى أن المهمة دوما صعبة عندما تتعلق بالإدلاء بمعلومات حساسة من هذا النوع قد تؤدي لإيذاء الشخص، وذلك رغم تأمين الحماية وإعطاء السرية لهؤلاء الأشخاص.

لماذا الآن؟

وقالت أبتر في تصريحات تلفزيونية لقناة "إم تي في" اللبنانية 30 مارس/آذار إن الإعلان عن المكافأة الآن جاء بعد ربط الأمر بإمكانية تورط عياش بالاعتداء على القوات الأميركية في المنطقة أو حتى تنفيذ هجمات تستهدف الداخل الأميركي.

بدوره، يرى سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة أن "خطوة عرض المكافأة رمزية ودليل على الاهتمام الأميركي بلبنان". وتتزامن الخطوة في التوقيت مع ضغط أميركي – أوروبي على معرقلي تشكيل الحكومة اللبنانية والتلويح بعقوبات، في إشارة إلى حزب الله.

وقال طبارة لصحيفة النهار اللبنانية في 30 مارس/آذار 2021: "ثمة اندفاعة غربية تجاه لبنان في وجه المعرقلين".

ويخلص إلى أن "الأميركيين والفرنسيين يبدون اهتماما كبيرا بلبنان ولا يريدون انهياره لاعتبارات عديدة، من ضمنها الرؤية الإستراتيجية والمصالح، بما فيها قضية اللاجئين والنازحين في ظل تخوف دولي من الانهيار، ومعايير اقتصادية مرتبطة بالبعد الغربي الذي تتخذه المؤسسات اللبنانية، وبترسيم الحدود (مع إسرائيل)".

ويرى البعض أن الخطوة الأميركية الأخيرة تجاه سليم عياش، تأتي في ظل تأثير جلي من إدارة جو بايدن على تشكيل الحكومة اللبنانية، بعد خفوت نسبي للدور الفرنسي.

وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020، كلف الرئيس اللبناني، ميشال عون، سعد الحريري بتشكيل حكومة. وعقب شهرين على ذلك، أعلن الحريري أنه قدم إلى عون "تشكيلة حكومية تضم 18 وزيرا من الاختصاصيين غير الحزبيين"، لكن الأخير أعلن اعتراضه على ما سماه آنذاك "تفرد الحريري بتسمية الوزراء، خصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع الرئاسة".

كما بات التيار الوطني الحر (بزعامة الوزير السابق جبران باسيل) و"حزب الله" الموالي لإيران، كلمتا السر في تعثر تشكيل الحكومة، جراء تمسكهما بالاستحواذ على حقائب وزارية.

ومنذ أكثر من عام، يعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية (1975ـ 1990)، واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.

وإلى جانب قضية سليم عياش، فرضت واشنطن في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عقوبات على جبران باسيل صهر الرئيس اللبناني وزير الخارجية السابق، بدعوى "تورطه في الفساد وعلاقات مع حزب الله، حليف إيران والنظام السوري".

كما فرضت واشنطن في سبتمبر/ أيلول 2020، عقوبات على الوزيرين السابقين، علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، بتهمة دعم "حزب الله والضلوع في فساد"، وهي خطوات جميعها يرى كثيرون أنها تهدف لتضييق الخناق على الحزب.