بنكيران يعلن عودته للحياة السياسية.. إلى ماذا يسعى؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم خروجه من رئاسة الحكومة والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، إلا أنّ عبد الإله بنكيران ما إن تحدث في السياسة إلا وتصدرت تصريحاته الصحف والمواقع الإخبارية ونشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي.

وبقدر ما تثير تلك التصريحات جدلا ونقاشا سياسيا، بقدر ما يساهم بنكيران بشكل كبير في تحريك الحياة السياسية في المغرب، كان آخرها رسالة شديدة اللهجة توجّه بها إلى رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني في خضمّ جدل واسع حول فرنسة المواد العلمية في المعاهد المغربية .

الرسالة القوية

تعيش المغرب منذ مدّة على ضوء مشروع قانون لإصلاح التعليم في المملكة، هذا القانون الذي أثار جدلا واسعا وغضبا بين صفوف معارضيه الذين أكّدوا على تمسّكهم بتعريب المناهج التعليمية، وكان رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران  من أشدّ الرافضين لهذا المشروع والمدافعين عن التمسك باللغة العربية.

ودعا بنكيران في كلمة عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني، إلى رفض مشروع القانون حتى لو كلفه ذلك سقوط الحكومة قائلا: "حزب الاستقلال فاز منذ 30 سنة بشرف إقرار تعريب تعليم المواد العلمية، فلا تسمح أنت بأن يلاحقك عار إعادة فرنستها".

وأضاف، موجها خطابه للعثماني: "لست أنت أول رئيس حكومة يسقط، وإذا خرجت الآن من هذه الحكومة فستخرج ورأسك مرفوع، لكن إذا قبلت بهذا القانون فلن تستطيع يوما أن ترفع رأسك أمام المغاربة".

خرج بنكيران ليلة التصويت على مشروع القانون في بث مباشر على صفحته بـ"فيسبوك"، ليعلن موقفه الرافض لـ"فرنسة" التعليم، ودعا نواب حزبه العدالة والتنمية صاحب الأغلبية في البرلمان إلى التصويت ضدّه، بعدها بيوم تم تأجيل التصويت بسبب عدم الاتفاق على صيغة توافقية للمادة المتنازع عليها.

هذا التأجيل وبالرغم ما تعلّق به من توازنات سياسية في داخل البرلمان وخارجه، خاصّة بمعارضة حزب "الاستقلال" له، إلاّ أنّه أعاد طرح اسم عبد الإله بنكيران كأحد أكبر اللاعبين السياسيين في المغرب والمؤثّرين على الرغم من خسارته مواقعه المتقدّمة في الحزب والدولة، والمحاولات متكررّة لإحالته إلى التقاعد السياسي.

"البلوكاج السياسي"

 هبت نسائم الربيع العربي على المغرب باكرا، كغيرها من الدول العربية التي تعيش استبدادا سياسيا بدرجات متفاوتة، فخرج المغاربة في مسيرات عارمة في 20 فبراير/ شباط 2011، مطالبين بإصلاحات سياسية واقتصادية ومحاربة الفساد المستشري في البلاد.

رسائل الشعب القوية وعدوى الثورات التي بدأت تطيح بعروش دول عربية تلقفها الملك المغربي الذي قدّم مبادرة بتعديل جوهري للدستور قلّص فيها من صلاحياته ومنحها لحكومة منتخبة تشكّلها الكتلة البرلمانية الأكبر، وحظي هذا الدستور بقبول غالبية المغاربة في استفتاء شعبي يوم 1 يوليو/ تموز 2011 .

الدستور الجديد مهّد لانتخابات تشريعية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، اعتبرت الأنزه من بين الانتخابات التي شهدتها المغرب منذ العام 1963، وأفرزت فوز حزب العدالة والتنمية (ذي المرجعية الإسلامية) وتكليف أمينه العام عبد الإله بنكيران برئاسة الحكومة الجديدة، تلتها انتخابات تشريعية ثانية في ظل الدستور الجديد يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تصدّر كذلك حزب العدالة والتنمية نتائجها بـ 125 مقعدا.

إثر هذه الانتخابات، عين الملك محمد السادس، عبد الإله بنكيران، رئيسا للحكومة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وكلفه بتشكيل الحكومة، إلا أنّ جهود بنكيران من أجل تشكيل الحكومة التي يفرض عليه القانون والتوازنات السياسية انجاز توافقات من أجل نيل ثقة البرلمان اصطدمت حينها بشروط ورفض من عدد من الأحزاب أعاق تشكيله لها، ليعلن في 9 يناير/ كانون الثاني 2017، توقف المشاورات من أجل تشكيل الحكومة بعد انسداد كل الطرق نحوها والذي بات يوصف بـ "البلوكاج".

المفاجئ حينها كان توجّه الملك محمد السادس إلى تكليف سعد الدين العثماني القيادي بحزب العدالة والتنمية في توجه غريب ومخالف لما جرت عليه العادة في عدد من الأنظمة البرلمانية، حيث يتم التوجّه إلى تكليف المسؤول الأول عن الحزب الثاني الفائز في الانتخابات لعلّه ينجح في إنجاز تحالفات فشل فيها الحزب الأول، أو التوجّه إلى انتخابات مبكّرة.

هذا التوجّه للملك وقبول الأحزاب بالعثماني بديلا عن بنكيران، أكّد وجود رفض للرجل في قيادة الحكومة، حيث كتب الباحث المغربي في القانون العام والعلوم السياسية يحي الصغيري لموقع "هسبريس" أنّ "تكليف شخص ثان من الحزب الفائز في الانتخابات، وكأن المشكل مشكل شخص، والحال أن الناخبين المغاربة اختاروا حزب العدالة والتنمية كحزب وكمؤسسة، وهم يعلمون أن أمينه العام هو عبد الإله بنكيران، والذي كان له دور محوري في فوز حزب العدالة والتنمية".

الشعبية المقلقة 

يبدو أنّ شعبية بنكيران المتنامية باتت تخيف المؤسسة الملكية التي لا تريد أي منافس لها، خصوصا إذا كان لصاحب هذه الشعبية شرعية ديمقراطية ناتجة عن صناديق الاقتراع، ويعتمد على مرجعية دينية، وهي المرجعية نفسها التي يستمد النظام في المغرب شرعيته منها حيث يلقّب الملك فيها بأمير المؤمنين.

لا يستطيع أحد أن يخفي الحفاوة الجماهيرية التي يحظى بها بنكيران في الأوساط الشعبية المغربية، ويظهر ذلك جليا في التجمعات الجماهيرية التي يخطب فيها رئيس الحكومة المغربية السابق والتي تشهد حضور عشرات الآلاف من المغاربة من مختلف الطبقات الاجتماعية والفئات العمرية.

ويعتبر بنكيران الأقرب إلى شباب حزب العدالة والتنمية والذي لم يغب عن أي من ملتقياتها الوطنية، إضافة إلى المشاهدات العالية للبث المباشر الذي ينشره عبر صفحته الرسمية من فترة لأخرى.

ويظهر من مواقف بنكيران وتصريحاته المتكررة تقديره لهذه التخوفات لدى القصر الملكي في المغرب، إذ يصرّ رئيس الحكومة السابق، التأكيد أن الملك هو رئيس الدولة والمسؤول الأوّل عنها، ويجدّد دائما رفضه لمطالب تغيير النظام نحو ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم.

عودة للسياسة

 في الوقت الذي أثار خبر استفادة عبد الإله بنكيران من معاش استثنائي (راتب تقاعدي)، تلقاه على شكل هبة من الملك محمد السادس، جدلا واسعا بين المغاربة وتأويلات عديدة ذهب جلّها إلى اعتباره إعلانا عن تقاعد بنكيران سياسيا ونهاية مسيرته السياسية، إلا أنّه أعلن في بث مباشرة على "فيسبوك " عودته إلى الحياة السياسية بعد نحو سنتين من مكوثه بمنزله، منذ إعفائه من رئاسة الحكومة في 2017.

وأشار بنكيران إلى أن قراره يأتي بعد "ملاحظات حول نوع تأطير المواطنين، وكثرة الكذَّابين"، مضيفا أن عودته للمشهد السياسي غير مقرونة بالحصول على منصب قيادي، قائلا: "لا أريد أن أكون رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح، ولا أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية ،ولا رئيسا للحكومة، ولا موظفا".

وأضاف أنه "يريد العودة من أجل فضح مؤطري الكذب والبهتان"، محذرا في الوقت ذاته المغاربة من "عدم الانسياق وراء الكلام المعسول".

الدور المستقبلي

هذه العودة التي أعلنها عبد الإله بنكيران، فتحت جملة من التساؤلات حول الدور الذي من الممكن أن يلعبه رئيس الحكومة السابق وأمين عام حزب العدالة والتنمية السابق، والذي استوفى مدتين متتاليتين وفق ما تنص عليه لوائح الحزب.

يبدو أنه من المستحيل عودة بنكيران إلى أحد هذين المنصبين، إذ يعتبر  رئيس تحرير موقع "العمق المغربي محمد لغروس، أن "الأدوار التي يمكن أن يلعبها ابن كيران، بإعلانه العودة للحياة السياسية وفي السياق الحالي لن تتجاوز دور التنشيط سواء بحزب العدالة والتنمية أو الدولة، فعودته لن تعني أبدا تقلد أي مسؤولية حزبية أو في هرم الدولة".

وأضاف لغروس: "لكنه سيحافظ على قاعدته الجماهيرية وأتباعه داخل الحزب والمجتمع وسيظل مؤثرا فيهم وفي مواقفهم، وطبعا بهذه العودة الشفوية الكلامية ورغم عدم امتلاكه أو تجريده من أي سلطة قرار، فستظل عودته للكلام وخاصة بوتيرة مرتفعة، مصدر إزعاج لجهات عدة في الدولة والنخب، وكذلك داخل حزبه".

ورأى رئيس تحرير الموقع المغربي، أن "المسافة التي أخذها بنكيران من الحزب من دوره المزعج، حيث يتصرف أحيانا وكأنه فوق الحزب أو على الأقل غير معني بكثير من قراراته وأعرافه والتي كان هو وراء صياغة وتكريس جزء منها، وحيث إنه اختار عدم تحمّل مسؤوليات في الحزب ورسم لنفسه وضعية تبتعد عن قاعدة تدبير الاختلافات داخل المؤسسات، ومقولة: الرأي حر والقرار ملزم، وغيرها من أدبيات الحركة الإسلامية".