أكثر المتضررين من النزاع.. ما تأثير الاستقرار في ليبيا على جارتها تونس؟

آمنة سالمي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع تقدم مسار الاستقرار السياسي في ليبيا بخطى حثيثة، يتطلع التونسيون إلى أن ينعكس هذا الوضع "إيجابا" على بلادهم التي تشهد صعوبات اقتصادية واجتماعية، خاصة وأن تردي الوضع الأمني في ليبيا على مدار سنوات، أثر بشكل مباشر على الأوضاع في تونس نظرا للارتباط الجغرافي والاقتصادي بين البلدين.

وتلوح في الأفق عدة مؤشرات إيجابية على توفر فرص عديدة لإحياء العلاقات الثنائية التونسية الليبية بعد سنوات من التراجع، بسبب النزاع المسلح الذي كان قائما في ليبيا. 

وكانت أولى الخطوات لإحياء هذه العلاقات وتطويرها الزيارة التي أجراها الرئيس التونسي قيس سعيد إلى طرابلس في 17 مارس/آذار 2021، ليصبح أول رئيس دولة زار ليبيا، عقب انتخاب سلطة تنفيذية جديدة بالبلاد في 5 فبراير/شباط 2021، وبعد يوم واحد من تنصيب الحكومة الليبية رسميا وأسبوعا من منحها ثقة البرلمان.

تصور جديد

ووصف الدبلوماسي التونسي السابق، توفيق وناس، زيارة سعيد بـ"الهامة، خاصة بعد ظهور ملامح الاستقرار في ليبيا، وإنهاء دور (اللواء الانقلابي) خليفة حفتر و(رئيس المجلس الرئاسي السابق) فائز السراج واتخاذ طريق الوفاق بين الفرقاء الليبيين".

وقال وناس لـ"الاستقلال": إنه "من الواضح أن أول المستفيدين من الاستقرار في ليبيا هي تونس وأول المتضررين من المشاكل التي كانت في ليبيا هي تونس أيضا".

وأكد أن "الخطوة القادمة المطلوبة من تونس أن تضع تصورا لعلاقات جديدة بين البلدين من النواحي الأمنية والاقتصادية، وخاصة تحديد دور تونس في إعادة إعمار ليبيا، والتسهيلات التي من الممكن أن تقدمها للأطراف العالمية الأخرى التي ستساهم في إعادة الإعمار".

وأوضح وناس أن "الهيكلة الاقتصادية والبنية التحتية في ليبيا اليوم غير مرضية، فيمكن لتونس أن تلعب دورا هاما بأن تكون منصة للتواصل مع ليبيا بالنسبة لأطراف أخرى، عبر عدة مجالات سواء النقل الجوي والبحري والبري وأيضا البنكي".

وشدد على أن "تونس قادرة على أن تكون همزة وصل بين ليبيا التي سيقع بناؤها من جديد وبين الأطراف العالمية التي تلعب دورا هاما في ليبيا".

واعتبر وناس أن "زيارة سعيد إلى ليبيا كانت ناجحة وإيجابية، لكن يجب متابعة نتائج هذه الزيارة والتصورات المستقبلية، وطريقة تفعيل الاتفاقات الجديدة وبناء علاقات قريبة جدا من المسؤولين الليبيين الجدد".



كما لفت إلى أن "التنسيق بين تونس وليبيا لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي بل أيضا على الجانب الأمني".

وذكر الدبلوماسي السابق أن "الموقف الذي اتخذته تونس من الحرب في ليبيا خلال السنوات الأخيرة هو موقف إيجابي".

واستدرك قائلا: "حتى وإن لم يقع إشراك تونس من قبل الدول الكبرى في وضع التصورات لحل الأزمة الليبية، إلا أن الموقف التونسي من الناحية المبدئية كان موقفا صحيحا".

ولفت وناس إلى أن "العلاقات المستقبلية بين الجارتين لا تفرضها المواقف فقط بل تفرضها الجغرافيا والتاريخ والقرابة والأخوة التي تجمع الشعبين". 

يذكر أن تونس طالما رافقت مسار التسوية السياسية في ليبيا لسنوات، واحتضنت عدة محادثات بين الأطراف الليبية كان آخرها ملتقى الحوار الوطني الذي عقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

أولوية عند الجميع

من جانبه، قال مساعد سفير تونس بليبيا سابقا والمختص في الشأن الليبي، البشير الجويني، لـ"الاستقلال": إن "زيارة سعيد إلى ليبيا هي حدث مهم جدا، وهي عبارة عن إعلان إشارة انطلاق المسار السياسي في ليبيا دون تراجع".

وأشار الجويني إلى أنه "قبل سنة لم يكن الاستقرار السياسي في ليبيا موجودا، وكانت هناك رغبة في عسكرة ليبيا عند بعض الأطراف الإقليمية والليبية، وأيضا أطراف داخل تونس".

وأوضح أن "بعض الأطراف سعت إلى تقوية عسكرة ليبيا وذهبت في هذا الاتجاه، خلال السنوات الماضية".

واعتبر الجويني أن "زيارة سعيد تقول بشكل واضح وجلي أن المسار في ليبيا هو مسار دولة مدنية ديمقراطية سيتم فيها التداول السلمي على السلطة".

ورأى أنه "رغم الخلافات الداخلية في تونس إلا أن الملف الليبي يمثل أولوية عند الجميع، أولهم رئاسة الجمهورية المسؤولة عن صياغة السياسة الخارجية وهي الطرف الأول الذي يخوض العملية الدبلوماسية".

واستدرك الجويني قائلا: "الرئاسة التونسية ليست الطرف الوحيد المعني برسم السياسات الخارجية رغم قيامها بدور جيد"، مشيرا إلى أن "لرئاسة الحكومة دورا باعتبارها السلطة التنفيذية التي ستنفذ هذه السياسات عن طريق وزارة الخارجية ورئاسة الحكومة والمؤسسات والتمثيليات الموجودة بليبيا، كما لرئاسة البرلمان دور عن طريق الدبلوماسية البرلمانية".

وبخصوص دور البرلمان التونسي في رسم العلاقات الجديدة، قال الجويني: إن "وضع ليبيا الجديد يتطلب صياغة قوانين واتفاقات جديدة، لأن العلاقات التونسية اللليبية منظمة في جزء كبير منها عبر القوانين والاتفاقيات، وجزء منها حان الوقت لتحديثه وفقا للاحتياجات الجديدة والواقع الجديد لعام 2021".

وأكد أن "البلدين واعيين بأن جزءا من الحل الاقتصادي والاجتماعي في تونس يكمن في ليبيا والعكس صحيح، لهذا توجد إرادة من الطرفين للاشتغال على البعد الاقتصادي ليس بشكل مصلحي آني، بل عبر توجه يجعل العلاقات الثنائية مبنية على التكامل والاندماج والإسناد المتبادل، وهذه المقاربة تضع العلاقات في أفقها الصحيح".

وشدد المختص في الشأن الليبي على أن "كل العوامل حاليا مشجعة على التعاون والتكامل وإرساء تبادل اقتصادي بين البلدين بمنطق المصلحة المشتركة وتبادل المنافع والإسناد المشترك".

علاقات مقدسة

وفي الملف الأمني، اعتبر الجويني أن "التنسيق بين الجارتين لم ينقطع منذ عام 2011 وما قبلها، لكن اليوم الانتباه إلى هذا الجانب مهم جدا".

وأكد في هذا السياق، أن "المدخل لتدعيم التنسيق الأمني اقتصادي بالدرجة الأولى أو ما يعبر عنه بالتجارة الاجتماعية، عبر الشريط الحدودي الممتد من منطقة رأس الجديد إلى مدينة غدامس، وهو شريط حدودي مهم جدا".

وتابع: "الأولى من محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، هو توفير التنمية في هذه المناطق الحدودية، وهو ما يعد الحصن الأول للجريمة المنظمة وكل أشكال العنف المنظم وكل التهديدات التي تهدد تونس وليبيا انطلاقا من هذه المنطقة الحدودية وهي منطقة تبادل ومنافع مشتركة".



وأشار الجويني إلى "بعض المشاريع في المنطقة الحدودية التي بدأت تأخذ طريقها نحو الإنجاز منها المنطقة الحرة اللوجستية في بن قردان (مدينة تونسية على الحدود مع ليبيا)، وهي منطقة مهمة للتنمية والاستقرار في البلدين".

وأردف قائلا: "أبشر كل التونسيين والليبيين بأن المستقبل سيكون أفضل بكثير مما مضى، على الأقل في المستقبل القريب، فليبيا تتجه نحو التهدئة ميدانيا ونحو حل سياسي واستقرار وحكومة وحدة وطنية، وهذا سينعكس بالإيجاب على تونس والتونسيين".

ودعا الجويني الطبقة السياسية في تونس إلى "الترفع عن الخلاف الليبي وجعل العلاقات بين البلدين مسألة فوق الخلافات الحزبية والإيديولوجية، لأن الملف الليبي والعلاقات الثنائية مقدسة وفوق كل التجاذبات سواء الحزبية أو الإيديولوجية أو المصلحية".

وتعتبر ليبيا إحدى الدول المهمة في السياسة الخارجية لتونس حيث تجاورها من الغرب، وانعكست التطورات الأمنية فيها خلال السنوات الأخيرة على استقرارها، خاصة من ناحية المسلحين التابعين لتنظيم الدولة الذين نفذوا أكثر من محاولة تسلل تصدت لها السلطات التونسية على حدودها الغربية مع ليبيا.

ويمثل التبادل التجاري أهمية كبرى في اقتصاد البلدين، حيث بلغ حجم هذا التبادل 1.2 مليار دينار تونسي (حوالي 373 مليون دولار) عام 2018.