العلاقات العسكرية مع الخارج.. هل تتحرك مصر إلى روسيا أم الغرب؟

12

طباعة

مشاركة

تحدث مركز دراسات تركي عن تاريخ العلاقات العسكرية بين مصر وروسيا التي تعود إلى السنوات الأولى من الحرب الباردة.

وقال مركز دراسات الشرق الأوسط: "دفعت التطورات في السياسة الدولية في الخمسينيات من القرن الماضي، هذين البلدين إلى تطوير علاقاتهما بسرعة".

وأضاف: "تسببت تحركات (رئيس النظام المصري جمال عبد) الناصر الذي وصل إلى السلطة بانقلاب في عام 1952، في تدهور العلاقات بين مصر والغرب وتحولها إلى اشتباك مسلح كما حدث في أزمة السويس".

ومن ذلك توقيعه مثلا اتفاقية تجارة الأسلحة مع تشيكوسلوفاكيا (الاتحاد السوفيتي بشكل غير مباشر) في عام 1955 وتأميم قناة السويس بعد عام.

مهد هذا الوضع الطريق لتنمية العلاقات بين مصر التي تحتاج إلى مساعدات عسكرية ضد الغرب وإسرائيل، والاتحاد السوفيتي الذي كان يكافح سياسة الحصار الأميركية. 

ولهذا يعد التعاون العسكري من أبرز المجالات التي تطورت فيها العلاقات بين البلدين، حيث كانت جميع الأسلحة تقريبا التي اشترتها مصر بين عامي 1955 و1972 مصدرها الاتحاد السوفيتي.

وبعد وفاة عبد الناصر عام 1970، كان تولي أنور السادات للرئاسة مؤذنا ببداية حقبة جديدة في العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي.

 أعطى السادات انطباعا بأن الوضع الحالي في العلاقات الثنائية سوف يستمر كما هي مع السياسة التي اتبعها تجاه الاتحاد السوفيتي في الأشهر الأولى من رئاسته.

واعتبر الغرب أن اتفاقية الصداقة والتعاون المصرية السوفيتية الموقعة بين البلدين في 27 مايو/أيار 1971 والتي تنص على استمرار المساعدات العسكرية والاقتصادية والثقافية من الاتحاد السوفيتي لمصر، تعزيز للنفوذ السوفيتي في مصر في فترة ما بعد عبد الناصر. 

يقول مليح يلديز، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام): "مع ذلك، اتخذ أنور السادات الخطوة الأولى لتغيير سياسة مصر تجاه الاتحاد السوفيتي بعد حوالي عام من توقيع الاتفاقية وطرد الآلاف من المستشارين العسكريين السوفييت في يوليو/تموز 1972".

 واتبعت مصر التي أضعفت علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي، سياسة لتحسين علاقاتها مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة، بعد حربها مع إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 1973. 

تحول للغرب

بدأت سياسة السادات تؤتي أكلها بسرعة، وأعيد تأسيس العلاقات الدبلوماسية التي انهارت مع الولايات المتحدة عام 1967، وفي نوفمبر /تشرين الثاني 1973 مباشرة بعد الحرب.

 تبع ذلك انسحاب القوات الإسرائيلية من غرب سيناء بعد اتفاقية سيناء الثانية الموقعة بوساطة من وزير الخارجية الأميركي آنذاك، هنري كيسنجر في سبتمبر/أيلول 1975.

وبينما كانت هذه التطورات تقرب مصر من التحالف الغربي شيئا فشيئا، كان الحدث الذي زاد من الزخم زيارة أنور السادات إلى القدس المحتلة في نوفمبر/تشرين الثاني 1977. 

وتعتبر تلك الزيارة مهمة للغاية بما أنها مثلت بداية لعملية سلام جديدة تتدخل فيها واشنطن كوسيط في المشاكل بين مصر وإسرائيل، يلفت الباحث التركي.

ويضيف: "لعبت واشنطن هذا الدور بالفعل. فقد دعا الرئيس جيمي كارتر الأطراف إلى الولايات المتحدة، وبعد إجراء المفاوضات والمحادثات، تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر/أيلول 1978، كما تم التوقيع على اتفاقية سلام في واشنطن في 26 مارس/آذار 1979".

ويقول المركز التركي: "ساهم استخدام واشنطن الفعال لأدواتها الاقتصادية خلال هذه العملية في نجاح الجهود الدبلوماسية الأميركية لدخول مصر في عملية سلام مع إسرائيل بعد حرب عام 1973 وفي تقارب القاهرة مع الكتلة الغربية بشكل كبير".

 وقد تزايدت المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لمصر بشكل كبير في الفترة من 1974 وحتى 1979.

بلغ حجم المساعدات، التي كانت تقارب 20 مليون دولار في عام 1974، أكثر من 2.5 مليار دولار بحلول عام 1979 الذي تم فيه توقيع اتفاقية السلام. 

ووضع أنور السادات مصر في صف التحالف الغربي خلال السنوات الست التي أعقبت حرب 1973، بتأثير الجهود الدبلوماسية والاقتصادية الأميركية الكبيرة.

كان لتحركات أنور السادات في السياسة الخارجية آثار مهمة على القوة العسكرية في مصر وسياسات شراء الأسلحة، كما كان لها في العديد من المجالات الأخرى. 

وأعقب طرد أنور السادات آلاف المستشارين العسكريين السوفييت من البلاد في عام 1972 انخفاض سريع في الأسلحة القادمة من الاتحاد السوفيتي، وفقا للمركز.

وفي غضون بضع سنوات بعد عام 1972، كانت كمية الأسلحة القادمة إلى مصر من الاتحاد السوفيتي قد انحدرت إلى الصفر.

 وقد شغلت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة هذا الفراغ الذي تركه الاتحاد السوفيتي في فترة ما بعد كامب ديفيد. وخلال وقت قصير، بدأت انعكاسات هذا الوضع تظهر في الجيش المصري.

وأوضح الكاتب قائلا: "فبينما كان حوالي 96 في المائة من الدبابات التي كانت مصر تمتلكها عام 1981 تابعة للاتحاد السوفيتي، كانت الدبابات الباقية أميركية".

تغير هذا الوضع بشكل جذري على مدار حوالي عشر سنوات، لتنخفض نسبة الدبابات السوفيتية في مخزون الجيش المصري إلى حوالي 51 بالمائة، وترتفع نسبة الدبابات الأميركية إلى 49 بالمائة بحلول عام 1990.

وقد حدث وضع مماثل في القوات الجوية المصرية في نفس الفترة. فبينما كانت 35 بالمائة من الطائرات الحربية المصرية سوفيتية و38 بالمائة فرنسية، كانت نسبة الطائرات الأميركية تساوي 14 بالمائة في عام 1981.

من ناحية أخرى انخفضت نسبة الطائرات السوفيتية في القوات الجوية المصرية إلى 20 في المائة، بينما ارتفعت نسبة نظيرتها الأميركية إلى ما يقرب من 24 في المائة في عام 1990.

 وقد كان لاتفاقية السلام مع إسرائيل وللمساعدات الأميركية تأثير كبير في التغيير السريع في هذه النسب في المخزون العسكري المصري خلال وقت قصير نسبيا.

وإضافة إلى ما سبق قدمت واشنطن ما يقرب من 26.4 مليار دولار من المساعدات للقاهرة في الفترة 1979-1990. 

وجرى تقديم 50.3 في المائة منها (حوالي 13.3 مليار دولار) على شكل قرض عسكري ومنحة عسكرية وتدريب عسكري.

لكن هذا الوضع بدأ في التغير مع التعبئة الأخيرة للعلاقات المصرية الروسية. وتعتبر زيادة تجارة الأسلحة بين البلدين كما كان في الخمسينيات، أحد أهم المجالات التي يمكن ملاحظة هذا التغيير فيها بشكل أفضل، يشير الباحث التركي.

زيادة تجارة الأسلحة

بدأت روسيا التي ركزت على إنعاش اقتصادها وحل مشاكلها الداخلية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في زيادة نفوذها في السياسة الدولية كقوة عظمى في القرن الحادي والعشرين. 

وتعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدى المناطق التي اتبعت فيها موسكو سياسة نشطة مؤخرا وزادت فيها نفوذها.

أظهرت روسيا أنها لاعب مهم في المنطقة، خاصة مع تدخلها العسكري في الحرب الأهلية في سوريا عام 2015. 

ويمهد الوجود الروسي القوي في سوريا أرضية لمشاركتها بشكل نشط في السياسة الإقليمية. 

ومع أن موسكو تتدخل في التطورات التي تحدث في ليبيا من أجل زيادة نفوذها في المنطقة، إلا أنها تتخذ أيضا خطوات لمنع التطورات التي قد تضر بمصالحها كما حدث في قبرص، وفق المركز.

ومؤخرا تعمل مصر على تطوير علاقاتها مع روسيا التي زادت من نفوذها في المنطقة.  وقد كان للانقلاب الذي حدث في مصر عام 2013 وما تلاه من تطورات، آثار كبيرة على مسار العلاقات بين القاهرة وموسكو. 

ويتبع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، سياسات تهدف إلى تحسين علاقات مصر مع روسيا.

لكن السيسي كان قد أعطى إشارات على هذه السياسة خلال زيارته لروسيا قبل أشهر قليلة من توليه رئاسة النظام، لتستمر العلاقات بين البلدين في التحسن في السنوات التالية. 

وتعكس اتفاقية التعاون الإستراتيجي الموقعة بين البلدين في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2018 حجم العلاقات النامية.

 وتبرز تجارة السلاح بين البلدين كما في الفترة 1955-1972 بين أهم مجالات تطور العلاقات بين مصر وروسيا، يقول يلديز.

وبالنظر إلى سياسة التسلح الأخيرة لمصر عن قرب، فإن زيادة الدولة المصرية تحت إدارة السيسي لوارداتها من الأسلحة بشكل كبير تلفت الانتباه. 

وزادت حصة مصر في واردات الأسلحة العالمية بنسبة 212 في المائة في الفترة 2015-2019 مقارنة بالفترة من 2010 إلى 2014.

 وأصبحت مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم بعد المملكة العربية السعودية والهند بحصتها البالغة 5.8 بالمئة من واردات الأسلحة العالمي في 2015-2019.

بالتوازي مع تطور العلاقات مع روسيا في السنوات الأخيرة، أدى تغيير مصر لسياسة توريد الأسلحة لصالح إلى حدوث ضعف سريع في موقف الولايات المتحدة، خاصة في فترة ما بعد عام 2010. 

وأدت الاتفاقيات واسعة النطاق بين مصر وفرنسا مثل بيع طائرات رافال الحربية وكذلك روسيا، إلى خفض حصة الولايات المتحدة في واردات القاهرة من الأسلحة في فترة ما بعد عام 2015.

وعند النظر إلى نطاق تجارة الأسلحة المتطورة مؤخرا بين مصر وروسيا، يمكن القول إنه تم اتخاذ خطوات لتحسين قدرة الدفاع الجوي المصرية والقوة الجوية في هذه التجارة. 

واشترت مصر نظام الدفاع الجوي "Antey-2500"، وهو نسخة محسنة من نظام "S-300" من روسيا، وزادت من قدرتها على الدفاع الجوي بشكل كبير، بحسب المركز.

بالإضافة إلى ذلك، زادت طائرات "Mig-2917" و"Su-35"، اللتان تم الاتفاق على توريدهما في السنوات الأخيرة، من تنوع الطائرات في القوة الجوية المصرية، مما ساعد على تحقيق التوازن في اعتمادها المفرط على الولايات المتحدة.

وقد مهدت زيادة تجارة الأسلحة، الأرضية لتنمية التعاون العسكري بين روسيا ومصر.

مناورات الدفاع الجوي "سهم الصداقة1" التي تمت في مصر في عام 2019 ومناورات "جسر الصداقة 2020" البحرية التي كان من المقرر إجراؤها في البحر الأسود حتى نهاية عام 2020 تعزز نطاق التعاون العسكري بين القاهرة وموسكو. 

لكن تطور العلاقات بين مصر وروسيا كان يشكل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة في كل من القاهرة والشرق الأوسط، الأمر الذي أثار رد فعل واشنطن، وفقا للمركز.

السياسة الأميركية

ويشير المركز إلى أن مصر لها دور مهم في حماية مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من حيث أنها دولة تجاور إسرائيل وتسيطر على قناة السويس.

 لهذا تملك الولايات المتحدة تأثيرا كبيرا على مصر، نشأ هذا بعد اتفاقية كامب ديفيد مع زيادة المساعدات العسكرية والاقتصادية بعد أن عقدت مصر السلام مع إسرائيل.

وقدمت الولايات المتحدة أكثر من 40 مليار دولار من المساعدات العسكرية وأكثر من 30 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية لمصر منذ عام 1980.

 ويكمن السبب الرئيس خلف هذه المساعدة الكبيرة والمستمرة التي قدمتها واشنطن للقاهرة في استمرار هذه الدولة العربية التي قادت الصراع مع إسرائيل، في الالتزام باتفاقية السلام.

وفي هذا السياق، من الجدير بالذكر أن هذه المساعدات العسكرية يتم تقديمها لمصر بحيث لا تهدد أمن إسرائيل. 

فعلى سبيل المثال، زودت الولايات المتحدة مصر بعدد كبير من طائرات إف 16، في حين أنها لم تزودها بصواريخ جو-جو الحديثة "AIM-120 AMRAAM".

وهذا يضع طائرات إف 16 المصرية في موقف صعب للغاية ضد منافسيها المجهزين بالأسلحة الحديثة، يقول معد البحث.

وأردف: "من ناحية أخرى تشعر الولايات المتحدة بالقلق من إمكانات أنظمة الأسلحة الحديثة التي اشترتها مصر مؤخرا من روسيا، خوفا من أن تشكل تهديدا لأمن لإسرائيل وتزيد من نفوذ موسكو في الشرق الأوسط مع تطور العلاقات مع القاهرة. 

وفي هذا السياق تتخذ الولايات المتحدة الأميركية خطوات مختلفة للحد من نفوذ روسيا في مصر.

أبرز هذه الخطوات تتمثل في تلك التي تستهدف تجارة السلاح بين البلدين. فعندما حاولت مصر الحصول على طائرات حربية متقدمة من طراز "Su-35"، صدرت تصريحات من واشنطن مفادها أنه يمكن فرض عقوبات عليها في نطاق قانون مكافحة الإرهاب (كاتسا). 

وتظهر مثل هذه الخطوات أن الولايات المتحدة مصممة على الحفاظ على مكاسبها السياسية طويلة المدى في مصر.

وتعتبر المساعدات التي تقدمها واشنطن من أكثر الأدوات فاعلية لحماية مصالحها في مصر ضد زيادة نفوذ روسيا هناك بما أنها تحتل مكانة مهمة للغاية في العلاقات بين البلدين. 

إذ أنه من الصعب جدا على القاهرة، التي تملك ميزانية دفاعية صغيرة جدا (3.35 مليار دولار في 2019)، أن تنتهج سياسات تضر بمصالح قوة عظمى تتلقى منها مساعدات عسكرية تصل إلى 40 بالمئة من ميزانيتها الدفاعية.

وينوه الباحث قائلا أن حقيقة افتقار روسيا لمثل هذه القوة الاقتصادية لملء مكان الولايات المتحدة يجعل من هذا الوضع أكثر صعوبة. 

لذلك يمكن القول إن الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية التي ستستخدمها الولايات المتحدة ضد مصر كافية لإبقاء القاهرة ضمن محور الغرب.