تعديل المادة 230 بأميركا.. هل يقيد حرية التعبير على مواقع التواصل؟

واشنطن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

واجه الرؤساء التنفيذيون لمواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر"، انتقادات لاذعة من أعضاء الكونغرس الأميركي، خلال جلسة 25 مارس/آذار 2021.

وفي أول ظهور لهم أمام المشرعين منذ أحداث الشغب بمبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الأول 2021، واجه مسؤولو المواقع الثلاثة انتقادات حادة بشأن تعاملهم مع المعلومات المضللة عبر الإنترنت عن التطرف وانتشار فيروس كورونا واللقاح.

ضغط أعضاء لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب على الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ، والرئيس التنفيذي لشركة غوغل ساندر بيتشاي، والرئيس التنفيذي لشركة تويتر جاك دورسي، بشأن جهود منصاتهم لوقف مزاعم الاحتيال في الانتخابات الأميركية التي لا أساس لها، والتشكيك في لقاحات كورونا.

كما خضعت الخوارزميات المبهمة التي تعطي الأولوية لمشاركة المستخدم وتعزز المعلومات المضللة للتدقيق، وطالب بعض المشرعين بتعديل أو إلغاء المادة 230 من قانون آداب الاتصالات، التي تحمي منصات الإنترنت من المسؤولية عن محتوى المستخدم.

تهمة التضليل

النائب مايك دويل، رئيس اللجنة الفرعية في مجلس النواب للاتصالات والتكنولوجيا، قال إن موظفيه عثروا بسهولة على محتوى مضاد للقاحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولفت في ملاحظاته، إلى أن المسؤولين عن هذه المنصات يمكنهم إصلاح ذلك عبر حذف هذا المحتوى "لكنهم اختاروا عدم القيام بذلك"، على حد تعبير النائب قبل أن يزيد موجها كلامه لزوكربيرغ: "لديك الوسائل، لكنك تختار الربح على صحة وسلامة المستخدمين".

تعرضت المنصات لمزيد من التدقيق، رغم أنها واجهت ضغوطا شديدة للتغلب على المعلومات الخاطئة بشأن التدخل الأجنبي في انتخابات 2020، حتى مع قيام بعض الشركات باتخاذ خطوات جديدة للقضاء على نظريات المؤامرة الانتخابية، لم يكن ذلك كافيا لمنع المؤيدين المتشددين للرئيس السابق دونالد ترامب من اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي.

وفي سابقة خطيرة بالحياة السياسية الأميركية، شهدت واشنطن، في 6 يناير/كانون الثاني 2021، مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين من أنصار ترامب اقتحموا مبنى الكونغرس، أسفرت عن مقتل 5 أشخاص بينهم ضابط شرطة، واعتقال 52 آخرين.

وتمثل جلسة الاستماع، أول مرة يعود فيها الرؤساء التنفيذيون إلى الكونغرس منذ أن تم حظر حسابات ترامب في أعقاب أعمال الشغب في الكابيتول، وقال الرئيس التنفيذي لموقع "يوتيوب"، إن حساب ترامب سيعود عندما يتراجع خطر العنف.

ورفض رؤساء فيسبوك وغوغل الإفصاح عن ما إذا كانا يعتقدان أنهما يتحملان بعض المسؤولية في نشر معلومات مضللة أدت إلى أعمال الشغب في الكابيتول، في حين أقر الرئيس التنفيذي لتويتر بذلك.

كثيرون ألقوا باللوم على وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم الدعوات إلى العنف، ونشر المعلومات المضللة التي ساهمت في محاولة 6 يناير/كانون الثاني لقلب نتائج الانتخابات الأميركية لصالح ترامب الخاسر.

وقال ساندر بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة "ألفا بت"، الشركة الأم لشركة "غوغل"، إن الشركة تشعر دائما بإحساس بالمسؤولية، لكنها كانت مسألة معقدة، بينما قال زوكربيرغ، إن شركته "فيسبوك" كانت مسؤولة عن بناء "أنظمة فعالة"، كما قال إنه يجب محاسبة مثيري الشغب والرئيس السابق ترامب.

في جلسة الاستماع المشتركة، التي عقدتها لجنتان فرعيتان من لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب، استجوب المشرعون أيضا المديرين التنفيذيين بشأن انتشار "كوفيد-19" والمعلومات الخاطئة عن اللقاحات.

وأثار المشرعون مخاوف بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال، بما في ذلك طرح أسئلة حول خطة فيسبوك لإنشاء نسخة من "إنستغرام" للأطفال.

المادة 230

انتقد المشرعون على نطاق واسع نهج المنصات تجاه المحتوى الزائف أو الخطير، واتخذت الشركات الثلاث خطوات للحد من المعلومات الخاطئة، لكن الباحثين أظهروا أنها ما تزال موجودة على نطاق واسع على المنصات.

وقال النائب الديمقراطي، فرانك بالون، رئيس لجنة الطاقة والتجارة مخاطبا زوكربيرغ "لقد أصبح نموذج عملك بحد ذاته هو المشكلة، وانتهى وقت السماح لك بالتنظيم الذاتي"، وأضاف "لقد حان الوقت لسن تشريعات لمحاسبتك".

وذهب بعض المشرعين بتعديل أو إلغاء المادة 230 من قانون آداب الاتصالات، التي تحمي منصات الإنترنت من المسؤولية عن محتوى المستخدم.

وبينما يطرح النواب الديمقراطيون  في الكونغرس تعديل المادة 230، يدفع العديد من المشرعين الجمهوريين في اتجاه آخر منفصل لإلغاء المادة بالكامل.

جادل فيسبوك بأنه يجب إعادة تعديل المادة 230 للسماح للشركات بالحصانة من المسؤولية عما يضعه المستخدمون على منصاتهم فقط إذا اتبعوا أفضل الممارسات لإزالة المواد الضارة.

وقال بيتشاي ودورسي في جلسة الاستماع إنهما منفتحان على بعض التغييرات، مؤكدا أن هناك بعض "المقترحات الجيدة"، مؤيدا بعض اقتراحات زوكربيرغ، لكنه قال إنه سيكون من الصعب التمييز بين الخدمات الصغيرة والكبيرة.

وعلى عكس الصحف أو القنوات التلفزيونية، فإن شركتي تويتر وفيسبوك ليستا مسؤولتين، قانونا، عن المحتوى الذي ينشر في المنصتين، وباسم الحماية الدستورية لحرية التعبير، فإن المادة 230 من القانون الذي أقره الكونغرس عام 1996 تسمح لأي مستخدم لشبكة الإنترنت أن يؤكد على تويتر أو فيسبوك أي شيء يدور في مخيلته.

ويحمي هذا القانون مواقع التواصل الاجتماعي من الدعاوى القضائية المحتملة الخاصة بالتعليقات والمقاطع المصورة التي ينشرها المستخدمون حتى في حالة ارتباطها بخطاب الكراهية أو الدعاية الإرهابية.

كما لا ينظر بحسب القانون الأميركي إلى المشرفين على محتوى شبكات التواصل الاجتماعي في سان فرانسيسكو على أنهم محررين أو مراجعين، كما هو معمول به بالنسبة للصحفيين في وسائل الإعلام الأميركية.

وفي السنوات الأخيرة فقط، وبناء على طلب المسؤولين المنتخبين من معظم الدول الديمقراطية، بدأ تويتر وفيسبوك في حظر المحتوى العنيف أو العنصري أو المتلاعب به أو الكاذب بشكل صريح.

حرية التعبير

خلال فترة حكمه طالب ترامب بإلغاء المادة، ويبدو أن إدارة بايدن الجديدة جادة في مواجهتها، ففي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" خلال الانتخابات، قال بايدن إنه يجب إلغاء المادة 230.

وفي حين أن الإدارة الجديدة لم تحدد نهجها تجاه المادة منذ الانتخابات، فمن المعقول للغاية أن يتخذ بايدن موقفا قويا لمنح نفسه المزيد من القوة التفاوضية، وسيتعين على بايدن العمل مع الكونغرس لتدوين أي تغييرات في القانون، ما يعني أن أي تغييرات في المادة سيتطلب تجاوز هذه الانقسامات الحزبية.

وتساءل عدد من المراقبين، إن كان تعديل المادة سيقيد حرية التعبير ويسمح بمزيد من اختراق الخصوصية أم أنه ينظم المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي؟.

المتخصص في الإعلام الجديد، هيثم سعد، يتوقع أن جعل هذه المنصات مسؤولة عن محتوى المستخدمين سيقيد حرية التعبير بشكل كبير، وأن الناشطين سيصبحون تحت المساءلة الشديدة والواضحة.

الخبير قال لـ"الاستقلال" إن الأمر سينعكس في الوطن العربي، حيث سيصبح انتقاد أي وجه سياسي أو حاكم، "تحريضا" بالمعايير الجديدة لمواقع التواصل الاجتماعي، التي قد تعتبره "تجاوزا"، في حال تعديل المادة 230. 

وقال معهد "جلوبال ريسك" الأميركي، في تقرير له، إن التعديل لن يكون مباشرا أو سهلا، رغم الإجماع السياسي الواسع على الحاجة إلى ذلك، لكن بدلا من التخلي عن المادة 230، من المرجح أن يسعى المشرعون إلى مزيد من التعديلات الجزئية على قانون آداب الاتصالات.

على سبيل المثال، مطالبة الشركات بنشر سياسات المراجعة الخاصة بها، أو إنشاء قوانين أكثر انفتاحا أو وضوحا للمستخدمين، أو تعزيز معايير الخوارزمية  للمراجعة الآلية، وفق تقرير "جلوبال ريسك".