ست سنوات على "عاصفة الحزم".. كيف ورطت أبوظبي الرياض بحرب اليمن؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

6 سنوات مرت على عملية "عاصفة الحزم"، التي شنها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في اليمن 26 مارس/آذار 2015، من أجل إنهاء التمرد الحوثي وإعادة الشرعية.

ورغم أن الإمارات والسعودية شريكتان في قيادة التحالف العربي في اليمن، إلا أن الضريبة المكلفة قد دفعتها الرياض وحدها، في حين انسلت أبوظبي، وتركت المملكة تواجه مصيرها والسمعة السيئة التي لحقت بها على المستويين الإقليمي والدولي.

المجتمع الدولي يراها حربا بين السعودية واليمن، وهو ما أكد عليه الرئيس الأميركي جو بايدن في خطاباته مرارا بوصفها حرب تشنها السعودية على اليمن، رغم أن الإمارات هي المهندس الحقيقي لتفاصيل تلك الحرب.


مبادرة مرفوضة

وفق خبراء، فإن أبوظبي تركت السعودية تغرق في مستنقع اليمن لنحو 6 سنوات، وانتهزت ذلك في تنفيذ مشاريعها التوسعية في جنوب اليمن، فسيطرت على عدد من المدن والموانئ والجزر اليمنية.

الخبراء أكدوا أن مأزق الرياض يتعاظم يوما بعد آخر، حتى غدت تتوسل سلاما عبر مبادرات، كان آخرها في 23 مارس/آذار 2021، حيث طرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مبادرة دعا من خلالها إلى وقف إطلاق النار من قبل جميع الأطراف المتصارعة في اليمن.

الوزير السعودي قال إن المبادرة سوف تكون سارية المفعول بمجرد موافقة "الحوثي" عليها، وهو الأمر الذي رفضته الجماعة على لسان متحدثها محمد عبدالسلام في تصريحات بثتها قناة "المسيرة" الفضائية التابعة للحوثيين.

عبد السلام قال إن "ما أسماه المبعوث الأميركي بالمقترح، لا جديد فيه، ويمثل الرؤية السعودية والأممية منذ عام. المقترح الأمريكي لا هو وقف للحصار ولا وقف لإطلاق النار، بل التفافات شكلية تؤدي لعودة الحصار بشكل دبلوماسي".

واعتبر عبدالسلام أن "ما قدمه المبعوث الأميركي مؤامرة لوضع اليمن في مرحلة أخطر مما هو عليه الآن (..) لا يوجد أي تغيير حقيقي نحو إنهاء الحرب ورفع الحصار، وهذه الأمور بيد الطرف الآخر (الحكومة اليمنية والتحالف العربي)".

‏ وأشار إلى أنه "من الشروط المطروحة في المبادرة (الأمريكية) تحديد وجهات مطار صنعاء (مغلق من قبل التحالف أمام الرحلات غير الإنسانية) وإصدار التراخيص عبر التحالف، وأن تكون الجوازات غير صادرة من صنعاء".

ومضى قائلا: "‎لو كانوا جادين لوقف العدوان والحصار لأعلنوا وقف الحرب والحصار بشكل جاد.. عندها سنرحب بهذه الخطوة".

صدى وتبعية

الكاتب والصحفي البريطاني ديفيد هيرست يرى أن السياسة الخارجية للمملكة لم تعد سوى صدى لرغبات الإمارات، وتحولت السعودية من دولة قائدة إلى دولة تابعة.

وفي مقاله بموقع "ميدل إيست" البريطاني يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قال هيرست إن "محمد بن سلمان لا يزال خاضعا لولي عهد الإمارات محمد بن زايد الذي اعتبره العقل المدبر الذي يقف خلف سياسات ولي العهد السعودي".

ورغم الشراكة في قيادة التحالف، إلا أن عملية عاصفة الحزم تم تسخيرها بشكل كامل لخدمة مشاريع الإمارات، وفي حين كانت تتحمل السعودية العبء، كانت الإمارات تحصد الثمار، وتترك المملكة السعودية تتخبط في سياساتها وترتبك في اتخاذ قراراتها.

زاد من ورطة السعودية أن عددا من الدول الحليفة والتي كانت معها ضمن عملية عاصفة الحزم، فقدت الثقة بالسعودية وانسحبت.

بدأت العملية العسكرية بقيادة كل من المملكة العربية السعودية والإمارات، ومشاركة كل من قطر والكويت والبحرين والمغرب ومصر والأردن والسودان وباكستان وماليزيا.

وفي فبراير/شباط 2017، انسحبت المغرب، في حين انسحبت باكستان في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وأعلنت أنها ستلعب دور الوسيط، كما انسحبت ماليزيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وعقب اندلاع الأزمة الخليجية، انسحبت قطر في يوليو/تموز 2017، في حين أعلنت الكويت في أغسطس/آب 2020 أنها ستلعب دور الوساطة الدبلوماسية، وهو ما يشير ضمنيا إلى عدم مشاركتها في العمل العسكري والغارات الجوية.

غدت السعودية في مواجهة دعاوى قضائية توعدت بها منظمات دولية، مع أن الإمارات كانت شريكا لها في معظم الغارات الجوية، خصوصا الغارة التي استهدفت أكثر من 300 جندي من الجيش الوطني على مشارف مدينة عدن (جنوب) في أغسطس/آب 2019 إبان انقلاب المجلس الانتقالي الجنوبي على الشرعية بعدن.

ونقلت وكالة فرانس 24 أن جمعية يمنية في باريس يمثلها المحامي الفرنسي جوزيف براهم، رفع دعوى في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 إلى محكمة العدل العليا ضد ولي العهد السعودي، بتهمة استهداف المدنيين وشن هجمات على مخيمات النازحين وأسواق ومبان سكنية ومستشفيات، والتواطؤ في عمليات تعذيب في اليمن.

تحايل والتفاف

في يوليو/تموز 2019، تحايلت الإمارات بإعلان انسحاب قواتها بشكل جزئي من اليمن، وفي فبراير/شباط 2020، أعلنت سحب قواتها بشكل نهائي.

وعقب إعلان بايدن وقف دعمه لحملة التحالف العربي في اليمن، غرد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش قائلا إن الإمارات أنهت تدخلها العسكري في الأزمة اليمنية في أكتوبر/تشرين الأول 2020 وسحبت كامل قواتها.

وأضاف قرقاش: "في حرصها على رؤية انتهاء الحرب، دعمت الإمارات جهود الأمم المتحدة ومبادرات سلام متعددة، لا تزال الإمارات منذ البداية من أكبر مقدمي المساعدات الإنسانية للشعب اليمني".
 

وفي نوفمبر 2020 ألقت المندوبة الدائمة للإمارات في الأمم المتحدة لانا زكي نسيبة خطابا لدى الأمم المتحدة قالت فيه إن بلادها انسحبت بشكل كلي من اليمن، وأنها تقوم حاليا بدور إنساني وتقدم المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين من الحرب.

غير أن الإمارات حرصت خلال سنوات على إنشاء مليشيا موازية للدولة تعمل كأذرع لخدمتها بشكل مباشر، ما يعني أن انسحابها هو شكل من أشكال التحايل والالتفاف، وفق مراقبين.

وفي الجنوب أنشأت المجلس الانتقالي كذراع سياسي يدير الجنوب، وأنشأت قوات الحزام الأمني وهي تشكيلات مسلحة يتجاوزها عددها 90 ألف مقاتل، تعمل كذراع عسكرية لخدمة الإمارات.

وفي الساحل الغربي، أنشأت ألوية عسكرية يبلغ قوامها نحو 30 ألف مقاتل، من بينها قوات حرس الجمهورية، والمقاومة التهامية وألوية العمالقة، ودمجتها مؤخرا تحت مسمى قيادة القوات المشتركة، ووضعت على رأسها طارق محمد عبدالله صالح (نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح)، ليعمل لحسابها في تلك المنطقة الجغرافية الهامة.

طارق صالح المدعوم إماراتيا، أعلن في 26 مارس/آذار 2021، عن تشكيل مجلس سياسي للساحل الغربي، وهو المجلس الذي يحاكي المجلس الانتقالي في الجنوب المدعوم إماراتيا، والمجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين في الشمال.

الكيان الجديد الذي أسسه صالح ينضم إلى مجالس موازية للدولة، لا تعترف بالشرعية، ولا تعمل تحت مظلتها، بل تسعى لزيادة حصة الأطراف الموالية للإمارات من خلال الاتفاقات السياسية بين الأطراف اليمنية.

ورغم إعلان أبوظبي انسحاب قواتها رسميا من اليمن، ما زالت الآليات العسكرية الإماراتية موجود باليمن بالإضافة إلى قيادات إماراتية تسيطر على جزيرة سقطرى بشكل مباشر.

تحكم أبوظبي قبضتها على الجزيرة الإستراتيجية، وبين الحين والآخر، تقوم قيادات إماراتية بزيارة المعسكرات التدريبية في كل من عدن والساحل الغربي، حيث تتمركز القوات المشتركة.

وتعلن الإمارات في المحافل الدولية أنها انسحبت من اليمن بشكل كامل، لتعزز فكرة إن السعودية هي الباقية في اليمن، وهي من يمارس العمل العسكري وينفذ الغارات الجوية.

عدو آمن

وفي الوقت الذي يفترض أن يكون الحوثي عدوا مشتركا لكل من السعودية والإمارات، إلا أن ذلك لم يظهر، فقد وجدت السعودية نفسها في مواجهة "الحوثي" وحدها.

وباستثناء إخراجهم من عدن بمشاركة أبناء المدينة صيف 2015، انسلت الإمارات ودفعت بالرياض لمزيد من التصعيد ضد جماعة الحوثي، ولم تبد أي مواقف عدائية ضدها، كما لم تقم بأي تصرف لمواجهتها. 

وعليه فقد كانت المصالح والمؤسسات والمطارات والمنشآت النفطية السعودية هدفا لطائرات الدرون الحوثية، وغدت الأراضي السعودية تواجه مستويات عليا من التهديد.

في حين كانت الإمارات بمأمن عن هذه الطائرات، فلم يشن الحوثيون أي غارات على الإمارات، في الوقت الذي يشنون على الأراضي السعودية غارات شبه يومية.

ذلك الموقف من جماعة الحوثي، انسحب أيضا على موقف الإمارات من إيران، ففي حين تواجه السعودية إيران بشراسة، ويتصاعد العداء بين الدولتين ظلت أبوظبي تحتفظ بعلاقات قوية مع طهران وتتبادل الزيارات معها.

ودعا قرقاش إلى ضرورة اللجوء للحلول الدبلوماسية، وعدم التصعيد في المنطقة، قائلا في مؤتمر "ملتقى أبوظبي الإستراتيجي"، إن الحوثيين هم جزء من المجتمع اليمني وسيكون لهم دور في مستقبله، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية.