"تسليم المطلوبين".. تقارب فرنسي جزائري قد يدفع ثمنه معارضو الخارج

وهران - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد يومين فقط من إصدار محكمة جزائرية 4 مذكرات توقيف دولية بحق 4 ناشطين بالخارج متهمين بـ"الانتماء إلى جماعة إرهابية"، صادقت فرنسا التي تضم أكبر جالية جزائرية كان لها تأثير كبير على الحراك، على اتفاقية تسليم المطلوبين الموقعة بينها وبين الجزائر في يناير/كانون الثاني 2019، إيذانا بدخولها حيز التنفيذ.

وفي يناير/كانون الثاني 2019، وقعت فرنسا والجزائر اتفاقية تعاون جديدة تتعلق بتسليم المجرمين بين البلدين، ووقع الاتفاقية وزير العدل الجزائري حينها الطيب لوح، ونظيرته الفرنسية نيكول بيلوبيه، وتحل الاتفاقية الجديدة محل اتفاقية سابقة تعود لعام 1964.

وتسمح الاتفاقية التي نشرت باريس نصها في الجريدة الرسمية 24 مارس/آذار 2021، بإحداث "انسيابية في المبادلات وتسهيل تنفيذ بعض طلبات تسليم المجرمين، مع ضمان احترام المبادئ الأساسية للبلدين".

ووفق محليين فإن، السلطات الجزائرية ذهبت إلى توجيه تهم ذات طابع إرهابي لبعض المعارضين لها في الخارج، بعد أن استعادت عافيتها الدبلوماسية، ما يضمن تجاوب الدول الأوروبية معها في تسليم المطلوبين دوليا.

وفي 21 فبراير/شباط 2021، خرج المئات في باريس دعما للحراك الاحتجاجي الجزائري عشية ذكرى انطلاقه الثانية، رافعين مطالب من بينها الإفراج عن كل معتقلي الرأي وإحداث "تغيير جذري" في النظام الحاكم.

وعلق المتظاهرون لافتات بيضاء في ساحة "لا ريبوبليك" على مقربة من وسط باريس، كتبت عليها شعارات بينها "الشعب سيمضي إلى النهاية"، "أوقفوا القمع"، "لا نسيان ولا تنازل"، "فليرحل النظام"، "السيادة للشعب على كل المؤسسات والموارد".

4 مذكرات

في 22 مارس/آذار 2021، أصدرت محكمة جزائرية 4 مذكرات توقيف دولية بحق 4 ناشطين موجودين بالخارج متهمين بـ"الانتماء إلى جماعة إرهابية"، بينهم دبلوماسي سابق ومدون.

وقالت النيابة الجزائرية في بيان إنه تجري متابعة زيتوت محمد (57 عاما)، وهو دبلوماسي سابق مقيم في بريطانيا، عن جناية "تسيير جماعة إرهابية تقوم بأفعال تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية"، وجناية "تمويل جماعة إرهابية تقوم بأفعال تستهدف أمن الدولة"، وجنح "المشاركة في التزوير واستعمال المزور في محررات إدارية وتبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية".

كما جاء في البيان أنه تجري متابعة كل من عبود هشام، والمدون بوخرس أمير، المعروف باسم "أمير دي زد"، ومحمد عبد الله، عن جناية "الانخراط في جماعة إرهابية تقوم بأفعال تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية"، وجناية "تمويل جماعة إرهابية تقوم بأفعال تستهدف أمن الدولة"، وجنحة "تبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية"، دون تحديد اسمها.

ووفقا لوكالة "فرانس برس"، ساهم زيتوت محمد بتأسيس حركة "رشاد" الإسلامية المحظورة في الجزائر عام 2007، وبات أحد قياديها الرئيسين، وكان يعمل في السفارة الجزائرية لدى ليبيا عام 1991، ثم ذهب إلى منفاه في لندن عام 1995، بعد استقالته من السلك الدبلوماسي. 

وأشارت الوكالة نقلا عن السلطات الجزائرية، أن حركة "رشاد" تضم ناشطين سابقين في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" (التي تم حلها في مارس 1992)، حيث يتم اتهام هذه الحركة بالسعي إلى اختراق الحراك المؤيد للديمقراطية الذي بدأ في الجزائر في فبراير/شباط 2019، والمطالب بتغيير جذري في النظام السياسي.

ويقوم "أمير دي زد" المقيم في فرنسا، بنشر مقاطع مصورة مناوئة بشكل خاص للسلطة القائمة في الجزائر، في حين يقدم هشام عبود نفسه، بصفته عضوا سابقا في الاستخبارات الجزائرية.

وسبق أن صدر حكم على عبود غيابيا في فبراير/شباط 2021، بالسجن 7 سنوات، وفر من الجزائر عبر تونس في أغسطس/آب 2013، عندما كان ممنوعا من مغادرة البلاد، ويعيش حاليا في فرنسا، وفق ما أفادت به "فرانس برس".

وتتزامن إجراءات القضاء الجزائري هذه مع حشد الحراك آلاف المتظاهرين كل أسبوع في الشوارع ضد النظام، وسط دعوة الرئيس عبد المجيد تبون، إلى انتخابات تشريعية في 12 يونيو/حزيران 2021.

سحب الجنسية

الاتفاقية الثنائية بين باريس والجزائر، ليست الوحيدة التي تضيق على معارضي الخارج، فقد شرعت الحكومة الجزائرية مؤخرا في مناقشة مشروع قانون يجيز سحب الجنسية من مواطنيها المقيمين بالخارج، الذين ترى السلطات أنهم "يضرون بمصلحة البلاد".

ووفق نص مشروع القانون يجوز سحب الجنسية الأصلية أو المكتسبة من المواطنين الذين يرتكبون في الخارج "أفعالا تلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية" أو يتعاملون مع "دولة معادية" أو ينخرطون في نشاط "إرهابي".

وقدم وزير العدل بلقاسم زغماتي، في 3 مارس/آذار 2021، خلال جلسة مجلس الوزراء مشروعا تمهيديا للقانون، ومن المتوقع مناقشته مرة أخرى لاحقا في اجتماع للحكومة برئاسة الرئيس تبون.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة عنابة بالجزائر، فؤاد منصوري، قال: "من الناحية السياسية، لا أعتقد أن التوقيت مناسب بالمرة لهكذا قانون، إذ سيفتح الباب أمام توتر جديد بين بعض الأطراف والسلطة السياسية، ولا أرى أي ضرورة ملحة لاستصدار هذا القانون الجديد".

أما من الناحية القانونية، يوضح المتحدث لـ "الاستقلال" أن "الدستور الجزائري يجيز سحب الجنسية إذا ثبتت الخيانة العظمى للدولة، وبالتالي لا أرى بدا من هذا القانون، من جهة أخرى، صادقت الجزائر سنة 1964 على اتفاقية دولية تنص على الحد من عديمي الجنسية، والأزمة ستكون بالنسبة للمواطنين الذين يحملون جنسية واحدة، وبالتالي سيجد المشرع نفسه أمام تعارض لأن الاتفاقية أسمى من القانون".

ويحتاج الجزائريون، وفق المحلل، إلى "خطاب طمأنة وتهدئة من طرف السلطة، لا خطوات غير محسوبة ممكن أن تكون لها عواقب"، ويؤكد منصوري ضرورة خضوع الجميع للقانون، سواء المعارضين أو غيرهم، مضيفا: "دولة القانون هي التي تطبق القانون".

وذهب مراقبون إلى أن تهمة الإرهاب هي ورقة جديدة يستخدمها النظام للضغط على معارضي الخارج، وأنه استغل التقارب الأخير مع فرنسا لتنفيذ قانون تسليم المطلوبين.

"مستثمر هام"

بعد وصول التوتر بين البلدين أوجه، قال السفير الفرنسي بالجزائر، فرانسوا غويات، في 9 مارس/آذار 2021، إن الرئيس إيمانويل ماكرون يريد حقا بناء علاقة هادئة مع الجزائر، وذلك من خلال سعيه لمعالجة ملفات الذاكرة.

غويات الذي وصف فرنسا بـ"الشريك الكبير للجزائر" و"المستثمر الهام" أكد في ندوة صحفية بمقر غرفة التجارة والصناعة الرمال بقسنطينة، بأن مجهودات جارية من أجل "تشجيع حركة الاستثمار في الاتجاهين ومحاولة تعزيز التقارب والتضافر والتآزر من خلال إقامة علاقات بين الشركات الفرنسية والجزائرية خاصة منها الصغيرة والمتوسطة".

كما أكد سفير باريس أن الرئيسين الجزائري والفرنسي يرغبان في "إضفاء ديناميكية على العلاقة بين البلدين" مبرزا أن فرنسا تعمل على "العمل أكثر في مجال التعاون وتبقى في إصغاء وتفتح من أجل تعزيز العلاقات الثنائية".

مراقبون يرون أن الخلاف بين البلدين، ستكون فرنسا هي المتضرر الأكبر منه لأنها ستخسر امتيازاتها بالجزائر وسيتم تحجيم حضورها.