4 أجهزة استخبارية في إيران.. لماذا أقواهم التابع للمرشد الأعلى؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

صراعات وتنافس محموم تشهده إيران بين أجهزة أمنية واستخبارية عديدة للاستئثار بالقرار السياسي والعسكري وحتى الاقتصادي في أحيان كثيرة، لكن دائرة الصراع بين تلك المؤسسات تؤثر بشكل واضح على سياسات طهران بالمنطقة، لا سيما مع دول الجوار.

ومن أكثر الصور تجليا للتنافس الحاصل بين الأجهزة الإيرانية ما يظهر على الساحتين السورية والعراقية، حيث تتعدد الواجهات التي تدين لها بالولاء، والتي تشهد بين الحين والآخر خلافات تنعكس بشكل أو بآخر على سياسات إيران في هذه البلدان.

4 أجهزة استخبارية

في الحالة العراقية، كشف تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" في 17 مارس/ آذار 2021، أن التنافس بين أجهزة المخابرات الإيرانية في العراق يلقي بظلاله على المشهد الأمني في البلاد، ويؤدي إلى تعميق الخلافات بين حلفاء طهران، حسبما أكد قادة عسكريون وسياسيون ومسؤولون عراقيون.

وذكر التقرير أن إيران عمدت بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 إلى بناء شبكة قوية من الوكلاء والحلفاء تضم جماعات سياسية ودينية ومجموعات مسلحة، وأن هذه الشبكة خدمت طوال 15 عاما مصالح إيران. وتساءل التقرير ما الذي يمكن أن يحدث عندما تتلقى تلك المجموعات تعليمات متناقضة من طهران؟.

وأوضح أن التعليمات تنتقل من إيران إلى شبكة الحلفاء في العراق عبر 4 أجهزة استخبارات: أولها، وزارة الاستخبارات والأمن القومي، والجهاز الثاني يعرف بـ"بيت رهبري" (بيت القائد) وهو قسم يتولى الملفات الحساسة المتعلقة بالمرشد الأعلى علي خامنئي.

ويرتبط الجهاز الاستخباراتي الثالث بالحرس الثوري، أما الجهاز الرابع فيتبع مكتب المرشد الأعلى. وتعمل الأجهزة المخابراتية الثلاث الأخيرة بأوامر مباشرة من خامنئي وأقرب مساعديه.

ويسيطر كل جهاز استخباراتي على عشرات الفصائل المسلحة العراقية والقادة السياسيين والأمنيين والمؤسسات الإعلامية والدينية. ومع أن عمل هذه الأجهزة يعتمد بشكل أساسي على المليشيات الشيعية، إلا أنها عملت أيضا على تجنيد عراقيين سنة وأكراد ومسيحيين وإيزيديين.

وفي الأسابيع الأخيرة، زادت أنشطة هذه الأجهزة، وظهر الاختلاف بينها في التوجهات والرؤى والأهداف على نحو صارخ، وفقا للتقرير.

وأشار التقرير إلى أنه بينما يدعو عملاء وزارة الاستخبارات إلى ضبط النفس، فإن الأجهزة المرتبطة بخامنئي هي التي تثير البلبلة حاليا. ورغم أن الموالين للمرشد يسعون جميعا إلى إرضائه، فإن خططهم وأساليبهم متباينة بشدة.

ويمثل هذا التضارب خطرا على العراق، خاصة في ظل تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن بشأن المفاوضات المحتملة لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.

وتهدف عمليات الاستخبارات الخارجية في المقام الأول إلى تشكيل بنك معلومات تستند إليه وزارة الاستخبارات والأمن القومي، لكن الحرس الثوري الإيراني (لا سيما فيلق القدس التابع له)، يبقى الذراع الإيرانية الأكثر نفوذا على الصعيد الخارجي، بسبب ارتباطه المباشر بمكتب المرشد الأعلى.

وعزز الحرس الثوري قبضته على الشؤون الخارجية بفضل قائده السابق قاسم سليماني، لكن الوضع تغير بشكل كبير منذ اغتياله في يناير/كانون الثاني 2020، حسبما ذكر التقرير.

ويؤكد عدد من المراقبين أن مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس خلف حالة فوضى كبيرة انعكست بشكل مباشر وواضح على عمل أجهزة المخابرات الإيرانية الأربع والفصائل المسلحة والقوى السياسية المرتبطة بها في العراق.

وبحسب المراقبين، ارتبط عدد من المليشيات المسلحة والفصائل السياسية لاحقا بأجهزة إيرانية مختلفة، وأن الخلافات داخل إيران انعكست على أداء هذه الفصائل والمليشيات في العراق.

وأكدت بعض المصادر أن عجز قاآني (قائد فيلق القدس خلفا لسليماني) عن السيطرة على الفصائل العراقية دفع خامنئي إلى تشجيع "بيت رهبري" على التدخل. 

وأصبح علي أصغر حجازي، مستشار خامنئي للشؤون الأمنية والمسؤول عن "بيت رهبري"، مسؤولا بشكل مباشر عن أبرز الفصائل العراقية المسلحة، بما في ذلك "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق".

ما جاء في تقرير الموقع البريطاني، يعزز ما كشفه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، خلال مقابلة تلفزيونية في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2018 عن الصراعات في الداخل الإيراني وتأثيرها على الواقع العراقي.

وقال العبادي في حينها: "إيران ساهمت في إبعادي عن رئاسة الحكومة لولاية ثانية"، مشيرا إلى "وجود صراع إرادات في إيران، وأن جزءا من مشكلاتنا هو أن هناك صراعا داخليا بين القوى الإيرانية انعكس علينا"، دون الخوض في تفاصيل هذه الصراعات.

"السم القاتل"

وفي الملف السوري، ظهر الخلاف جليا بين مؤسسات إيرانية، وذلك عندما قدم وزير الخارجية محمد جواد ظريف في 25 فبراير/ شباط 2019، استقالته من منصبه على خلفية زيارة أجراها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران ولقائه بالرئيس الإيراني حسن روحاني.

لقاء الأسد مع روحاني جرى بحضور قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني، وبغياب وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الأمر الذي كشف حجم تدخلات الحرس الثوري في السياسة الخارجية لإيران.

وقتها، قال النائب الثاني لرئيس البرلمان الإيراني علي مطهري خلال تصريحات أدلى بها لوكالة "بانا" الرسمية إن استقالة ظريف من منصبه (تراجع عنها لاحقا) تعود إلى تدخل هيئات غير مسؤولة في السياسة الخارجية لإيران.

وأضاف مطهري أن "وزارة الخارجية طبقا للدستور مكلفة بإدارة شؤون البلاد الخارجية، لكن في الحقيقة فإن الوزير لا يتمتع بالاستقلالية الكافية"، مشيرا إلى أنه من الطبيعي أن يشعر ظريف بعدم القدرة على مزاولة مهامه.

وسبق أن شكى ظريف عشية تقديم الاستقالة من عمق الخلافات الداخلية، واصفا تصرفات المتشددين إزاءه بأنها "طعنات في الظهر"، فيما وصف في حديثه لصحيفة "الجمهورية الإسلامية" الخلافات الداخلية بشأن السياسات الخارجية بـ"السم القاتل".

وقال ظريف في المقابلة الصحيفة: "يتعين علينا أولا أن نبعد سياستنا الخارجية عن قضية صراع الأحزاب والفصائل.. السم القاتل بالنسبة للسياسة الخارجية هو أن تصبح قضية صراع أحزاب وفصائل".

وأضاف وزير الخارجية الإيراني: "کان من دواعي الفخر أن أقوم بالخدمة إلى جانبكم، وأتمنى أن تكون استقالتي تنبيها لعودة الخارجية إلى موقعها القانوني في العلاقات الخارجية".

وفي 3 أغسطس/ آب 2019، كشف حديث حصري لقناة تلفزيون "بي بي سي" الناطقة باللغة الفارسية مع مازيار إبراهيمي، سجين سابق في إيران يقيم في ألمانيا، إلى أي مدى تتصارع أجهزة الاستخبارات في إيران في ما بينها، سعيا إلى نفوذ أكبر داخل نظام الحكم في طهران الذي أصبح كالمتاهة.

ويقول إبراهيمي إن "وحدة استخبارات الحرس الثوري التابعة للمرشد الأعلى للثورة، أجبرت وزارة الاستخبارات والأمن القومي التابعة للرئيس حسن روحاني على إطلاق سراح 13 شخصا اتهموا زورا بالتجسس لصالح إسرائيل، وأُرغموا تحت التعذيب على الإدلاء بشهادات كاذبة سجلها التلفزيون الرسمي وبثها للشعب الإيراني قبل أن تتكشف الحقيقة ويطلق سراحهم".

ووفقا لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، فإن حديث مازيار إبراهيمي لـ"بي بي سي"، سلط الضوء على نقطة بارزة من تاريخ الصراع بين جهازين أمنيين استخباريين، يحاول كل منهما أن يثبت أفضليته، وأنه الحريص على مصلحة إيران.

لكن العراك العلني الذي وصل إلى إنتاج مسلسلات تلفزيونية تمجد وحدة استخبارات الحرس الثوري وتقدح في وزارة الاستخبارات، أصبح ينذر بخلاف متصاعد قد تكون له انعكاسات على السياسات الداخلية والخارجية.

ورأت "فورين بوليسي" أن المقابلة التلفزيونية قوضت من الاعتقاد التقليدي السائد أن وزارة الاستخبارات هي "شرطي جيد" بمعنى أنها أكثر عقلانية واتزانا ومسؤولية، مقارنة بوحدة استخبارات الحرس الثوري الإيراني ذات التوجه المتشدد.

"قوى التسلط"

تلويح ظريف بالاستقالة لم يكن المؤشر الأول على الصراعات بين المؤسسات الإيرانية، ولا سيما الاستخبارية منها، ففي أبريل/نيسان2011 عزل الرئيس أحمدي نجاد، وزير الأمن والمخابرات حيدر مصلحي المحسوب على تحالف "بيت القائد - الحرس الثوري".

هذا التحالف اعترض على عزل مصلحي، وطلب خامنئي من أحمدي نجاد التراجع عن القرار فرفض نجاد واعتزل رئاسة الجمهورية 11 يوما، فخيره خامنئي بين الاستقالة والرجوع عن قراره، فاضطر نجاد للتراجع.

ومنذ ذلك اليوم صنف أحمدي نجاد في خانة الخصم الذي لابد من الإطاحة به، لأنه تحدى سلطة "الثورة"، وأراد أن يكون شريكا في صناعة القرار.

نجاد في هذه النقطة مارس صلاحياته الدستورية التي تقول: "يستطيع رئيس الجمهورية أن يعزل الوزراء، وفي هذه الحالة يطلب إلى مجلس الشورى (البرلمان) منح الثقة للوزير الجديد".

ومن قبله خلص محمد خاتمي في نهاية رئاسته لإيران التي استمرت 8 سنوات (1997- 2005) إلى أن "أولئك الذين يعتبرون رئيس الجمهورية فقط رئيسا للحكومة، وليس مسؤولا عن تطبيق الدستور، يريدون أن يقتصر دور الرئيس على تصريف أعمال الحكومة فحسب".

وأعلن خاتمي في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، أن حكومته كانت تتعرض لأزمة كل 9 أيام من معارضيه، ما جعل تنفيذ مشروعه الإصلاحي أمرا غير ممكن في نهاية الأمر.

كما أن أحمدي نجاد وصل إلى النتيجة نفسها فصرح في 4 أغسطس/آب 2008 "أصبحت مسكينا مثل خاتمي لا أقوم إلا بتصريف أعمال الحكومة"، وأصبح نجاد يطلق على خصومه في الحكم "قوى التسلط" التي تفتعل له الأزمات بشكل مستمر لحذفه من المشهد السياسي.

مركز المعلومات الإسرائيلي حول الاستخبارات والإرهاب "مئير عميت" كشف في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أن جهاز استخبارات الحرس الثوري أصبح في العقد الماضي وكالة المخابرات المركزية في إيران حيث يتمتع بسلطات واسعة ومؤثرة.

وأشار التقرير الاستخباري إلى أن "هذه الازدواجية المؤسسية هي سمة بارزة للنظام الإيراني تمكن المرشد الأعلى، الذي تتركز في يديه معظم سلطات الدولة الحاكمة، من تشجيع المنافسة بين مراكز السلطة ذات السلطات الموازية وبالتالي منع التركيز المفرط للسلطة في أيديهم".

وأضاف: "نظام المخابرات الإيراني مثله مثل الأنظمة الحكومية الأخرى في إيران، يتسم بصراعات على السلطة والتنافس والازدواجية، ويتضح هذا بشكل رئيس بين جهاز المخابرات التابع للحرس الثوري التابع للمرشد الأعلى ووزارة المخابرات التي تأسست عام 1984 وتخضع لرئيس الجمهورية".

وتابع: "خلقت الازدواجية في مجالات المسؤولية بين وزارة المخابرات وجهاز استخبارات الحرس الثوري خلافات في الرأي وصراعات بين الهيئتين، رغم أن كبار أعضاء النظام والتنظيمين حاولوا في السنوات الأخيرة التقليل من أهمية الخلافات بينهما".

ولفت المركز إلى أن جهاز استخبارات الحرس الثوري بشكله الحالي تأسس في عام 2009 بعد أن خضع لتغييرات تنظيمية وهيكلية منذ إنشاء وحدة استخبارات الحرس الثوري بعد فترة وجيزة من الثورة الإيرانية (1979).

مشيرا إلى أنه "منذ أواخر الثمانينيات، وحتى أكثر من ذلك في أواخر التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، تعززت مكانة الحرس الثوري الاستخباري على حساب وزارة المخابرات".