قنوات المعارضة.. كيف انتصرت للمواطن المصري أمام أبواق السيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مقولة المناضل الأميركي المسلم مالكوم إكس إن "وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض" تنطبق تماما على الصراع الدائر حاليا بين وسائل الإعلام المعارضة المصرية في الخارج، بإمكانياتها المحدودة وأصواتها النافذة، وبين منظومة السلطة الغاشمة بقيادة رئيس النظام الانقلابي عبد الفتاح السيسي في الداخل والخارج.

على مدار 7 سنوات، استطاعت قنوات المعارضة المصرية أن تكون قوة ضاغطة على نظام السيسي، بانحيازها الدائم للمواطن ومساندته أمام عسف السلطة الاستبدادية في عدد من القضايا المصيرية التي تمس صميم حياته.

بالفعل تسببت هذه القنوات المعارضة في كثير من الأحيان مع المظاهرات والغضب الشعبي في إجبار النظام على التراجع وتخفيف حدة الإجراءات، التعسفية التي اتخذها وأثقلت كاهل المواطنين.

سعى السيسي بكل أجهزته الأمنية والدبلوماسية وما يمتلكه من أدوات لإغلاق تلك القنوات، وإسكات صوتها للأبد، ويبدو أن الفرصة سنحت له مؤخرا في ظل الحديث عن تقارب تركي مصري فرضته ظروف إقليمية ودولية في ظل تشابكات معقدة ومصالح بعدد من الملفات المشتركة.

سلاح المواطن 

في سبتمبر/ أيلول 2020، شنت الأجهزة الأمنية بأوامر مباشرة من السيسي حملة شرسة لا هوادة فيها، هدمت  خلالها مئات المنازل، وشردت آلاف الأسر، بدعوى مخالفات البناء، وتوعد السيسي المخالفين قائلا: "لا يمكن أن نسمح أبدا، لو الناس مش عاجبها الكلام ده يبقى إحنا نسيب المكان ده ونمشي".

طال الأمر حينها سائر محافظات مصر، وأصبحت قائمة أسعار التصالح على مرأى ومسمع من الجميع، فمن أراد الأمن والبقاء داخل بيته عليه أن يدفع بكل طريقة ممكنة، وإلا فمصيره الطرد، ومشاهدة مأواه يهدم أمام عينيه.

المواطنون حينها تحدوا الآلة القمعية، وخرجوا في احتجاجات ضد سياسات السيسي في العديد من القرى والنجوع وعدد من المدن الكبرى، كانت محور قلق للنظام وأجهزته التي بدأت حملة اعتقالات ضد المتظاهرين، بتواطؤ من وسائل إعلام السلطة التي تضامنت مع النظام وبررت سياسته. 

وقتها كانت قنوات المعارضة هي الصوت الوحيد القادر على نقل ما يحدث، وتبني قضايا المصريين المطحونين، وساهمت بقوة في انتشار دعوات المشاركة بـ"جمعة الغضب 25 سبتمبر"، و"ارحل يا سيسي"، التي أطلقتها مواقع التواصل الاجتماعي وتصدرت قائمة الأعلى تداولا في مصر.

التفاعل الشعبي مع الحدث، والضغط الإعلامي المتقدم من القنوات، دفع السيسي للتراجع خطوات إلى الوراء، وهو ما ظهر عندما أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، التوقف عن هدم المنازل المأهولة، وتخفيض قيمة التصالح ما بين 10 و50 بالمئة.

أعقب ذلك خطوات أخرى بخفض 25 بالمئة للدفع الفوري، ثم قام بعض المحافظين بمنح تخفيضات أخرى، في محاولة لامتصاص غضب المواطنين، وخشية استفحال الأمر إلى مظاهرات عارمة تنتقل من القرى والمدن إلى قلب العاصمة، بعدما أصبحت قضية هدم المنازل حاضرة بشكل مستمر في خريطة برامج قنوات المعارضة.

الشهر العقاري

كانت قنوات المعارضة حاضرة بقوة جنبا إلى جنب مع المصريين في المحنة المعروفة بـ "تعديلات قانون الشهر العقاري" التي أقرها السيسي يوم 22 فبراير/ شباط 2021، وسعى إلى إجبارهم على دفع مبالغ مالية كبيرة لتسجيل وحداتهم السكنية، بحيث يدفع المواطن نحو 2.5 بالمئة من قيمة العقار، بخلاف رسوم أخرى لأربع جهات حكومية.

محور الصدمة أن تلك التعديلات هددت ملكيات المصريين للعقارات والشقق، حيث لا تستقر الملكية إلا بإجراءات طويلة ومعقدة فضلا عن كونها مكلفة لشعب يرزح عدد كبير منه تحت خط الفقر.

إعلام النظام في ذلك الوقت تبنى رؤية السلطة وضغط على المواطنين وتوعدهم في حالة التراجع أو مخالفة القانون، ووجد المصريون أنفسهم بين شقي رحى، إجراءات السلطة وهجوم إعلام السيسي. 

فقط كانت قنوات الخارج هي المنفذ الوحيد بجانب مواقع التواصل الاجتماعي الذي نقل بقوة موجة الغضب والسخط، لدى المواطنين، وكانت صوتهم المعبر عنهم، وهو الغضب الذي وصل صداه لرأس النظام، ومعه حاول تخفيف الوضع عبر أذرعه الإعلامية والتشريعية.

وفي 1 مارس/ آذار 2021، أعلنت الحكومة إرجاء العمل بالقانون حتى 2023، بناء على توجيهات السيسي، بهدف إتاحة الفرصة والوقت لإجراء حوار مجتمعي، مع قيام الحكومة بإعداد مشروع قانون يقنن ذلك التأجيل.

قلق السيسي

إستراتيجية قنوات المعارضة تسببت في قلق مستمر لدى السيسي، الذي أعلن في مناسبات عديدة استيائه من تلك المنابر، ففي 22 سبتمبر/ أيلول 2020، وأثناء كلمته أمام الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال السيسي: "من المؤسف أن يستمر المجتمع الدولي في غض الطرف عن دعم حفنة من الدول للإرهابيين سواء بالمال والسلاح أو بتوفير الملاذ الآمن والمنابر الإعلامية والسياسية لهم".

للمرة الأولى يشكو رئيس النظام المصري، أمام الأمم المتحدة من الإعلام المعارض، رغم أنه دأب على تكميم الأفواه واعتقال الصحفيين وإغلاق المؤسسات الإعلامية.

قنوات المعارضة زادت من توتره خلال فترات متعددة، فهاجمها بضراوة، مثلما حدث في 29 أغسطس/ آب 2020 وقوله غاضبا: "القنوات المسيئة اللي عايزة دايما تكلمكم كلام مايرضيش ربنا، بس هم والله ما يعرفوا ربنا، بقى إحنا بنهد جوامع ربنا؟ أستغفر الله العظيم، يارب تبقوا زينا في عمل حساب لربنا".

العاملون في القنوات توعدهم السيسي بشكل شخصي، ففي 16 مايو/ أيار 2018، وخلال المؤتمر الوطني الخامس للشباب، قال السيسي متوعدا قنوات المعارضة في الخارج: "أي حد تاني بيتكلم علينا في القنوات التليفزيونية بره والله كله هيتحاسب".

السيسي نفذ بالفعل جزءا من تهديداته، عندما اعتقلت أجهزته الأمنية أهالي بعض الإعلاميين وذويهم داخل مصر، أو إجبارهم على مهاجمة أبنائهم وأقاربهم من الإعلاميين.

كما استخدم نظام السيسي كل أذرعه وإمكانياته (التي هي إمكانات دولة) في محاولة كبح جماح القنوات المعارضة، وعلى رأس تلك المؤسسات (مركز الإعلام العسكري في إدارة الشؤون المعنوية).

وثائق وتقارير إعلامية أصدرها المركز، وتم الكشف عنها يوم 31 يوليو/ تموز 2019، أظهرت حجم التخوفات والترصد من أجهزة الدولة للإعلام المعارض.

وكشفت التقارير التي يعود تاريخها إلى الفترة بين عامي 2016 و2017، استخدام النظام، وتحديدا الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، وسائل إعلامية لمتابعة اتجاهات الرأي العام وأداء القنوات المؤيدة والمعارضة. 

النظام أقر في بعض القضايا بتمكن وسائل إعلام المعارضة من التأثير على الرأي العام، واقترح مجموعة وسائل لمواجهة ذلك التفوق.

وعبر أذرعه الإعلامية التي تقودها شبكة من جهازي المخابرات العامة والحربية وعبر جرائدها القومية وبرامج التوك شو في القنوات المؤيدة للنظام، سعى السيسي لشن حملات ضد الإعلام المعارض لكبح جماحه.

ووصل الأمر إلى التحريض على قتل الإعلاميين المعارضين في الخارج، مثلما فعل رئيس مجلس إدارة صحيفة الدستور محمد الباز، في حلقة برنامج "90 دقيقة" يوم 12 سبتمبر/ أيلول 2018.

الباز قال: "لو في حد مصري يطول معتز مطر أو أيمن نور أو محمد ناصر يقتلهم، ولو هاتقول لي أنت بتحرض على القتل، آه باحرض على القتل، وإذا أتيح لأحد أن يقتلهم فليفعل".

وأظهرت التقارير تحسسا شديدا لدى إدارة الشؤون المعنوية من الأفكار المتداولة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وأنه في أكثر من مرة يتم التحذير من رواج دعوات لمناهضة النظام.

سبع عجاف

في مقاله بصحيفة "القدس العربي" في 17 أغسطس/ آب 2020، عبر الكاتب الصحفي محمد عايش، بدوره عن مدى أهمية قنوات المعارضة وانحيازها للمصريين.

عايش قال: "خلال السنوات السبع العجاف الماضية غابت كل وسائل الإعلام المستقلة عن مصر ووصل تكميم الأفواه إلى درجة السيطرة والتحكم على ما يتم نشره عبر شبكات التواصل الاجتماعي".

مضيفا:"فيما لم ينجح في التغريد خارج السرب سوى عدد قليل من الإعلاميين الشباب الذين يقومون بتشغيل عدد محدود من وسائل الإعلام في الخارج وبإمكانات متواضعة وما تيسر من خبرات". 

وأضاف: "في إسطنبول توجد 3 قنوات تلفزيونية مصرية مستقلة، والاستقلال هنا يعني أنها بعيدة عن هيمنة الحكومة وإملاءات أجهزتها الأمنية كما هو الحال بالنسبة لعشرات القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية التي تخاطب الرأي العام المصري".

وأكد أن هذه القنوات الثلاث "استطاعت أن تقوم بالعديد من التغطيات الإخبارية لقضايا جدلية رغم أنها غير موجودة داخل مصر، وهذا يؤكد أنها تحظى بشعبية وانتشار وشيوع بين المصريين إذ أن من يتابعها يكتشف أن الكثير من التغطيات على هذه الشاشات مصدرها المواطن العادي، أي صاحب الشكوى الذي يلجأ إلى المنصة التي يتابعها ويرغب بأن تكون قضيته معروضة عليها".

الصحفي المصري عمرو توفيق، كتب عبر حسابه بفيسبوك في 18 مارس/ آذار 2021، أنه "يعد إغلاق أو تحجيم قنوات المعارضة في تركيا، المطلب الأهم في هذا السياق".

وقال توفيق: "هذه القنوات والأصوات المعارضة المنتشرة خارج مصر، تعد حائط الصد الأخير أمام بسط السيسي لسيطرته على الإعلام المصري والرأي العام بالتبعية، رغم ضعف إمكانياتها، خاصة بعد استطلاعات الرأي الأخيرة التي أظهرت قناة (مكملين) ضمن القنوات الأعلى مشاهدة في مصر".

 

حلقة توازن 

السياسي المصري، والنقابي السابق، الدكتور أحمد رامي الحوفي، قال لـ"الاستقلال": "قنوات المعارضة المصرية في الخارج، استطاعت أن تخلق نوعا من التوازن لصالح المواطنين أمام آلة السلطة القمعية والإعلامية، ولولاها لتم سحق صوت المواطن المصري تماما، وظلت رواية النظام أحادية غير قابلة للمراجعة". 

وأضاف: "هي حققت للشعب بصورة مباشرة ما لم تحققه الفعاليات السياسية، لا فى الداخل ولا فى الخارج، وعلى سبيل المثال خلال الأشهر الماضية تسببت مع السوشيال ميديا فى تأجيل تطبيق قانون الشهر العقارى ومن قبله تعديل قانون التصالح فى البناء.. هذه مكاسب مباشرة للإنسان البسيط  في مصر بغض النظر عن أدوارها السياسية، التي قد تحمل كثيرا من الملاحظات". 

وتابع رامي: "لا يمكن إغفال مدى الوعي الشعبي الذي حققته تلك القنوات في عدد من القضايا المصيرية، فلولاها لما رسخ في الأذهان تفريط السيسي في السيادة الوطنية في قضية تيران وصنافير الجزر المصرية التي تنازل عنها للسعودية، وكذلك حجم التخبط في إدارته لملف سد النهضة التي ترتب عليه أعظم تهديد للأمن القومي المصري فيما يخص المياه، بالإضافة إلى الملفات الداخلية على رأسها الحقوقية والاقتصادية".

وشدد المعارض المصري: "لو تم إغلاق هذه القنوات ستحدث حالة هائلة من الفراغ لصالح السلطة، التي ستنفرد تماما بالمصريين دون وجود إعلام أو ضغط يمكنهم من تجاوز الأزمات أو التعبير عن إرادتهم وتوصيل رسائلهم، في ظل غياب كامل لأي صوت معارض في الداخل حتى ولو كان من داخل بنية النظام السياسي نفسه".