زخم متصاعد.. هكذا تدفع فلسطين ثمن تطبيع دول الخليج مع إسرائيل

12

طباعة

مشاركة

رأت وكالة الأناضول التركية أن الزخم ارتفع بين إسرائيل وبعض دول الخليج من التطبيع إلى وجود توقعات بحدوث تحالف تقوده دولة الإمارات.

وقالت الوكالة الرسمية، في مقال للكاتب حمد الله بايجار، إن "الإمارات أصبحت أول دولة عربية تلغي التأشيرات مع إسرائيل، لتتخذ الدولتان اللتان تعتبران إيران والإخوان المسلمين أعداء مشتركين، مكانهما بجانب بعضهما البعض في النظام الإقليمي الجديد باعتبار أن عدو عدوي صديقي". 

ويتساءل بايجار: لكن كيف وصل الأمر بالإمارات للاتجاه نحو الاستثمار بـ 10 مليارات دولار في إسرائيل (بحسب ما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مارس/آذار 2021) قبل مرور أقل من سنة على التطبيع؟

ويقول الكاتب إن ذلك يحدث بعد أن كانت الإمارات بقيادة الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان، قد أوقفت حتى مبيعات النفط للدول التي دعمت إسرائيل في حرب 1973 العربية الإسرائيلية، انطلاقا من مبدأ "النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي"؟

وتابع قائلا: من الواضح أن هذا التطبيع سيكون له تداعيات خطيرة، فبينما سيزيد من الانقسامات في الداخل الفلسطيني ويقوم بعزل فلسطين عن الخارج، يغلب أن يجعل الفلسطينيين يدفعون ثمن ذلك غاليا.

وعلى الرغم من أن وفاة الشيخ زايد عام 2004 تعتبر بداية التغير في السياسة الإماراتية الإسرائيلية، فإن تغير المناخ الإقليمي مع الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، وضعف دول المنطقة القوية من الناحية الأيديولوجية والعسكرية أضاءت نجوم دول الخليج، وفقا للكاتب.

وأضاف: بالتوازي مع هذا التغيير، تغلبت الإمارات على هشاشتها مقارنة بسنوات تأسيسها من خلال تعزيز وجودها بجعل حضورها مقبولا في المنطقة كلها، ووضعت سياستها الخارجية السلمية والدبلوماسية والتصالحية في إطار أكثر تدخلا وعدوانية.

سهل هذا التغيير على الإمارات أن تتخلى عن ترددها في علاقاتها مع إسرائيل. فقد تنفست الصعداء بعد اتفاق التطبيع تحت ضمان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والذي رفعت بعده الغطاء عن التعاون الاقتصادي والتكنولوجي وحتى الاستخباراتي مع تل أبيب والذي استمر بشكل سري حتى عام 2010. 

وعزز فرض الإمارات للتطبيع على دول أخرى مثل البحرين، العلاقات الإماراتية الإسرائيلية أكثر فأكثر، بحسب الكاتب.

ويعتبر بايجار أنه من الصعب تحديد حجم التجارة ومعرفتها بالأرقام قبل تطبيع العلاقات بين البلدين، والتي كانت تستمر في مستوى عال من السرية في مجالات التكنولوجيا والدفاع. 

مع ذلك، كان من بين المعلومات المسربة أن حجم التجارة السنوية بين البلدين تجاوز الـ 300 مليون دولار في عام 2011. وتابع: نظرا لعدم وجود رحلات جوية متبادلة حتى اتفاق التطبيع، تم القيام بالتصدير والتوريد عبر دول أخرى. 

ولفت إلى أن الاتفاقية الاحتيالية البالغة 800 مليون دولار التي أبرمتها الإمارات مع شركة "AGT" الأمنية الإسرائيلية والتي يظهر رسميا أن مقرها في سويسرا، لمثال واحد على هذه العلاقة السرية.

مرحلة جديدة

وأوضح أن كل من اللوبيات اليهودية التي تملك نفوذا في الكونغرس الأميركي والتي تعتبر قوية بما فيه الكفاية لمعاقبة الدول التي لا تتخذ موقفا بجانبها، وحقيقة اعتبار الولايات المتحدة لإسرائيل مسألة أمن قومي، أمران سرعا من تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.

ويضيف: بالنظر إلى بعض الحوادث مثل منع شركة موانئ دبي العالمية، والتي أرادت دخول مزادات الموانئ الستة في الولايات المتحدة في عام 2006، باعتبار المصالح الوطنية الأميركية، نرى أن الإمارات مهدت الطريق للتطبيع من خلال حملات الضغط التي نفذتها لتحسين صورتها في الولايات المتحدة، إلى جانب تطوير علاقاتها مع اللوبيات اليهودية.

وهكذا، بدأت العلاقات الإماراتية الإسرائيلية تؤتي أكلها في المجالات الدبلوماسية والرياضية وغيرها إلى جانب العلاقات الاقتصادية. 

وفي الواقع، عينت إسرائيل ممثلا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) في أبو ظبي في عام 2015. وعلى الرغم من أن الإمارات ادعت أن هذه البعثة الدبلوماسية معنية بشؤون المنظمة، إلا أنه لوحظ فيما بعد أن الأمر لم يكن عبارة عما قيل فحسب، وفقا للكاتب.

وتابع قائلا: ظهر فيما بعد أن إسرائيل دعمت الإمارات بدلا من ألمانيا في الاجتماعات الخاصة بما يتعلق باختيار مكان مقر المنظمة في عام 2009. 

ويشير كل من مشاركة فريق الدراجات الهوائية الإسرائيلي في البطولة التي أقيمت في دبي ودعوة إسرائيل إلى معرض دبي إكسبو الذي كان من المقرر إقامته في عام 2020، وتم تأجيله إلى عام 2021 بسبب وباء كورونا، إلى أن العلاقات بين الجانبين أصبحت واضحة وعلنية.

ويشكل مكسب الإمارات الأول من التطبيع مع إسرائيل تحول تجارتها من السر إلى العلن. وقد وصل حجم علاقات دبي الاقتصادية مع تل أبيب، وهي واحدة فقط من الإمارات السبع، إلى ما يتجاوز 270 مليون دولار خلال خمسة أشهر فقط، بحسب الكاتب.

ويضيف: ويمكن إدراج استهداف الوصول إلى حجم التجارة والاستثمار السنوي بين الطرفين إلى 5 مليارات دولار في وقت قصير ووعود الدعم المتبادل في قطاعات النقل والسياحة والبناء، ضمن المكاسب الأخرى.

كما ويشير سفر أكثر من 40 ألف إسرائيلي إلى الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2020 وحده على الرغم من الوباء، إلى ارتفاع منحنى حجم السياحة بين الجانبين.

 ويبدو أن مستقبل العلاقات التجارية مشرق بما أن الدولتين المعروفتين بقوتهما في إدارة الموانئ، قد شرعتا في المشاركة في مناقصة خصخصة ميناء حيفا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

هناك مكسب مهم آخر حصلت عليه الإمارات وهو وعد إسرائيل بدعم وعدم معارضة شرائها لطائرات إف 35 من الولايات المتحدة. كما يمكن احتساب أنشطة العلاقات العامة التي كانت أبوظبي تقوم بها لسنوات باعتبارها مكسبا يتجاوز تلك الاقتصادية والسياسية، يقول الكاتب.

ويستدرك قائلا: تستخدم الإمارات زيارة البابا فرنسيس إليها في عام 2019 والتطبيع مع إسرائيل اليهودية، والتصوير بأنها دولة يعيش فيها الناس من أكثر من مائتي دولة في سلام، كمواد إعلانية في الساحة الدولية.

ويلفت قائلا: من ناحية أخرى تحاول الإمارات إبعاد التركيز الدولي عن انتهاكات حقوق الإنسان في الرأي العام المحلي من خلال إنشاء تصور دولة يسود فيها "التسامح ضد التطرف وحوار الأديان"، من خلال إعلان نفسها "مركزا للسلام" في المنطقة.  

قضية ساخنة

ويعتبر بايجار أن فلسطين كانت من أكثر القضايا سخونة على جدول أعمال جميع الدول العربية.

لكن ومع الظروف العالمية والإقليمية المتغيرة، وموت الزعماء العرب ذوي الشخصية الكاريزمية، وفقدان الأيديولوجيات لشعبيتهم، تحولت القضية الفلسطينية إلى قصة أخوة تعتمد على الخطاب أكثر من كونها عملية فعلية.

ويوضح ذلك بالقول: لم تؤخذ فلسطين بعين الاعتبار سواء في صفقة القرن أو في اتفاقيات التطبيع. وقد تجاهلتها الإمارات وبدأت موجة التطبيع، كما عملت على تعميق الانقسام السياسي في داخلها. 

وفي الواقع، من المعروف أن الإمارات تعتبر الفلسطيني محمد دحلان (القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح) بديلا عن الرئيس الحالي محمود عباس.

ويقف دحلان، المنفي حاليا في أبوظبي خلف السياسات الإماراتية الفلسطينية. فيما تسعد الدولة الخليجية بجهود الرجل لإفقاد عباس شرعيته.

 وأرسلت الإمارات طائرتي مساعدات إلى فلسطين لمكافحة كورونا إلى مطار بن غوريون الإسرائيلي، متجاهلة السلطة الفلسطينية، الأمر الذي تسبب في رفض عباس للمساعدات والذي كانت تستهدف منها الإمارات تشويه صورة الرئيس أمام الشعب، يقول الكاتب.

وينوه قائلا: وتعتبر الخطوات الداعمة للفلسطينيين والتي اتخذتها الإمارات في إطار اتفاقية التطبيع مع تل أبيب فيما يتعلق بإلحاق الضفة الغربية لإسرائيل، غير حقيقية. 

وعلى الرغم من إعلان الإمارات عن إلغاء ضم مستوطنات الضفة الغربية لإسرائيل، إلا أن تل أبيب تقول إنه قد تم تعليقه فقط وأنه سيتم تنفيذه في المستقبل.

وأردف: يظهر تناقض الإمارات هنا في اختلاف كلماتها في العربية عن الإنجليزية. فبينما ذكرت عبارة "تسبب (التطبيع) في تعليق خطط إسرائيل لتوسيع سيادتها" في النصوص الإنجليزية لخطة الضفة الغربية، ذكر في النص العربي أن "ذلك تسبب في إلغاء خطط إسرائيل لضم الأراضي الفلسطينية".

ويختم بايجار مقاله بالإشارة إلى أن معاناة فلسطين لا تقتصر على انقسامها داخليا وعدم صدق إسرائيل في إلغاء ضم الضفة الغربية.

فقد تم رفع احتمال عزل إسرائيل بعدم اعتراف الدول العربية بها والتي كانت تمثل ورقة فلسطين الرابحة والأخيرة إلى أرفف التاريخ المتربة، وذلك بعد التطبيع الذي بادرت به الإمارات وتبعتها فيه دول مثل البحرين والمغرب والسودان.

ويمكن لموجة التطبيع هذه أن تشجع الدول الأخرى ذات العلاقات السرية مع إسرائيل على اتباع نفس المسار. 

في هذا السياق، فإن الاعتراف بإسرائيل من قبل العرب، المعروفين بأنهم أعداء لدودين لها، سيزيد من استحالة التوصل لحل عادل للدولتين كما سيضعف يد الجانب الفلسطيني أكثر، بحسب الكاتب.