استيقظت متأخرا.. لماذا اشتعل صراع واشنطن وبكين في أميركا اللاتينية؟

12

طباعة

مشاركة

بعد عقود من الإهمال، تحاول واشنطن مواجهة الشبكات الاقتصادية المهمة لبكين في منطقة أميركا اللاتينية، في وقت يزيد وباء كورونا من العواقب السياسية للنفوذ الصيني، مثل دعم النظام الفنزويلي. 

وقالت صحيفة إلموندو الإسبانية إن نظرة سطحية يمكن أن تخبرنا بأن ما حصل عليه رئيس الإكوادور، لينين مورينو، من حكومة دونالد ترامب في 14 يناير/كانون الثاني، كان أكبر "صفقة" في تاريخ المالية العامة: قرض أميركي بقيمة 3500 مليون دولار، من أجل أن تتمكن الإكوادور من تسوية جميع ديونها مع الصين.

وقد منح ترامب هذا القرض للبلد الأميركي اللاتيني بسعر فائدة في حدود 2.48 بالمئة. وظاهريا، لا تعد هذه الخطوة سيئة في وقت يواجه فيه العالم النامي مشاكل هائلة في الحصول على التمويل بسبب انهيار الاقتصاد العالمي الناجم عن أزمة كورونا.

كل شيء بمقابل

والأكثر من ذلك، حصلت الإكوادور على قرض بقيمة 6500 مليون دولار من صندوق النقد الدولي. وأوردت الصحيفة أنه إلى هذا الحد، لا يوجد سوى تفاصيل صغيرة، لكن المسألة لا تتوقف عند ذلك.

فمقابل المال، سيتعين على الإكوادور البقاء في الشبكة النظيفة، وهي اتفاقية توافق الشركات والحكومات الموقعة عليها لمنع الشركات الصينية من دخول قطاعات معينة، وخاصة في مجال تكنولوجيا 5G.

وستسمح تلك التكنولوجيا بتطوير إنترنت الأشياء، أي اندماج شبكات الكمبيوتر في الحياة اليومية للشركات والأفراد، مما سيؤدي إلى تطوير المركبات المستقلة والمدن الذكية وحتى الثلاجات التي تخبرنا متى يتعين علينا شراء الحليب. 

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية الشبكة النظيفة أطلقت من قبل إدارة ترامب في عام 2020. وعلى الرغم من قلة الحديث عنها، إلا أنها ذات أهمية فائقة.

وأوضحت الصحيفة أن إنشاء تحالف لطرد الشركات الصينية من الجيل الخامس شيء، ومنح المال لدولة ما للقيام بذلك شيء آخر. وعموما، هذا ما فعلته الولايات المتحدة مع الإكوادور؛ الذي تعتبر أيضا مشروعا تجريبيا في المنطقة. 

وعند توقيع الاتفاقية مع مورينو، أوضح آدم بوهلر، رئيس مؤسسة التنمية المالية، وهي الهيئة العامة الأميركية التي تدير العملية، قائلا: "هذه ليست أولوية جمهورية أو ديمقراطية. إنها أولوية للولايات المتحدة".

وأشارت الصحيفة إلى أن الاتفاقية مع الإكوادور تسلط الضوء على اكتشاف الولايات المتحدة ويقينها بأن أميركا اللاتينية هي إحدى ساحات القتال في معركتها مع الصين من أجل الهيمنة على العالم.

وبعد ثلاثة عقود من النسيان، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، ومع خطر وجود رادارات تجسس في كوبا، على بعد 150 كيلومترا من ميامي، وحركات تمرد في جميع أنحاء المنطقة؛ أدركت الولايات المتحدة أن الصين موجودة بالفعل في أميركا اللاتينية. وعلى عكس موسكو، ليس لدى بكين طموحات جيوستراتيجية.

وفي هذا المعنى، توضح مارغريت مايرز، مديرة برنامج آسيا وأميركا اللاتينية التابع لمركز أبحاث واشنطن "أنتير أميريكان ديالوغ"، لصحيفة إلموندو قائلة: "إن معظم ما تفعله الصين في المنطقة ليس له دوافع سياسية". 

حضور مكثف

وأشارت الصحيفة إلى أن العملاق الآسيوي يسيطر على المزيد من قطاعات اقتصادات بلدان أميركا اللاتينية. أما الآن، بالتزامن مع الكارثة الاقتصادية التي تسبب فيها الوباء العالمي، قد ينمو وجود بكين أكثر في المنطقة. وعلى وجه الخصوص، أطلقت هذه التطورات أجراس الإنذار في واشنطن.

في هذا السياق، يشرح روبرت إيليس، الأستاذ في مدرسة الجيش الأميركي والعضو السابق في فريق التخطيط السياسي بوزارة الخارجية أثناء رئاسة دونالد ترامب، في مقابلة عبر الهاتف، لصحيفة إلموندو، قائلا: "إن تأثير الوباء يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي للبلدان، ومعه يأتي عدم الاستقرار الاجتماعي".

ورأى أنه "يمكن لبكين أن تختار الاستفادة من التوترات للحصول على المزيد من الأصول في أميركا اللاتينية، أو لدعم الحكومات في مقابل تنازلات اقتصادية".

وأفادت الصحيفة بأن حقيقة أن بكين تقوم باستثماراتها وتجارتها دون التفكير في السياسة لا تعني أنه ليس لها عواقب سياسية.

وتحديدا، عادة ما تطالب الصين بتخفيضات في التعريفات الجمركية مقابل الاستثمارات، وتطالب الدول بتقديم الموارد الطبيعية كضمان لها.

عموما، هذا هو سبب استمرار الصين في دعم فنزويلا بقيادة نيكولاس مادورو؛ حيث يدفع ذلك البلد لبكين بالنفط لسداد الدين الذي منحته إياه. في الآن ذاته، فإن العملاق الآسيوي على استعداد لفعل كل ما يلزم للحفاظ على هذه المدفوعات.  

وفي سياق دعم إستراتيجيتها، يمكن لبكين ـ على الرغم من كونها دكتاتورية ـ تحمل أعباء قد تكون صعبة على الدول الديمقراطية.

وعلى سبيل المثال: من السهل على بكين إهداء بنى تحتية. وعلى وجه الخصوص، يوجد الملعب الوطني لكوستاريكا، وهو جوهرة حديثة للغاية في وسط عاصمة البلاد، سان خوسيه.

تكفلت ببنائه الصين بالكامل بتكلفة بلغت حوالي 100 مليون يورو، لكن، لا يخفى عن الجميع أيضا أن الشركات الصينية بنته بمواد صينية وبيد عاملة صينية عملت بالتناوب على مدار 24 ساعة ونامت في السفن الصينية الراسية قبالة الساحل.

عقدان من الوجود

في هذا المعنى، تؤكد مايرز أن "الشركات الغربية لا يمكنها منافسة الشركات الصينية"، والسبب بسيط؛ حيث تقدم الشركات الصينية عروضا لا تقبل المنافسة.

وفي الغالب تكون هذه الشركات مدعومة من الدولة في حال عدم السيطرة عليها بشكل غير مباشر، أو تكون الدولة مساهما فيها بشكل يستحيل على العقل البشري فهمه، مثل حالة شركة الاتصالات العملاقة هواوي، وغيره من العوامل الأخرى. 

ونوهت الصحيفة بأنه من خلال وجودها في المنطقة منذ فترة لا يستهان بها، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لعملاق أميركا اللاتينية، البرازيل، وأيضا أكبر دولة تقدما في المنطقة، تشيلي.

علاوة على ذلك، يصدر النحاس في بيرو وجميع خام الحديد إلى الصين. في الأثناء، توجه شركة سيكا هاتشينسون من هونغ كونغ حركة النقل البحري في أحد أكثر الأماكن أهمية من الناحية الإستراتيجية في العالم: وهي قناة بنما.

وقالت الصحيفة إن الاختراق الصيني للمنطقة كان تدريجيا. وفي الواقع، بدأ قبل عقدين ونصف، انطلاقا من أسفل هرم سلسلة القيمة، من خلال شراء المواد الخام الزراعية مثل فول الصويا الأرجنتيني والبرازيلي والمعادن والطاقة والنفط والغاز.

ومن هناك توجهت الصين  إلى البنية التحتية، والسكك الحديدية، والموانئ، أولا لضمان توفير هذه المواد الخام، والآن، ببساطة لأنها تمتلك التكنولوجيا والوسائل اللازمة للقيام بذلك.  

في الأثناء، أصبحت الصين أحد الشركاء الرئيسين لبنك التنمية للبلدان الأميركية.

وبهذه الطريقة، لم تعد أميركا الوسطى والجنوبية تمثل الفناء الخلفي للولايات المتحدة، ولكنها أصبحت واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للصين. ومن هنا تحديدا، استيقظت الولايات المتحدة من غفوتها.