معالم سياسة بايدن تجاه السيسي.. تراعي مصالح أميركا أم تتمسك بالقيم؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فيما يعد "ثان لفت نظر"، لنظام عبدالفتاح السيسي في مصر، وجهت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدنK في 12 مارس/آذار 2021، رسالة جديدة للقاهرةK بتوقيعها على بيان وجهته 31 دولة، أغلبها غربية، يتضمن انتقادا نادرا لمصر باسم الأمم المتحدة.

التوقيع جاء بعد يوم واحد من إعراب الخارجية الأميركية على لسان متحدثها نيد برايس، عن قلق واشنطن حيال "أوضاع حقوق الإنسان وقمع حرية التعبير والمجتمع المدني بمصر".

البيان الموحد، الذي وقعته أميركا، والثاني ضد السيسي منذ بيان مارس/آذار 2014 بتوقيع 27 دولة، طالب مصر بإنهاء ملاحقة الناشطين والصحفيين والمعارضين بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، والإفراج عن المعتقلين دون قيد أو شرط.

سبق هذا سلسلة إجراءات أميركية تضغط على السيسي من أجل حقوق الإنسان، أبرزها تأكيد وزير خارجية واشنطن أنتوني بلينكن، لنظيره المصري سامح شكري "قلق أميركا إزاء وضع حقوق الإنسان في مصر"، وتأكيده أن "هذه قضية محورية في علاقات البلدين".

مشاركة أميركا في إجراءين ضد نظام السيسي خلال 48 ساعة يطرح سؤالا حول ماهية سياسة بايدن تجاه السيسي خاصة في ظل التباس الأمر على الصحفيين والمحللين بسبب نقد إدارة بايدن نظام السيسي، وتعاونها معه، في آن واحد، بتسلميه صفقة أسلحة يوم 27 فبراير/شباط 2021.

طبيعة سياسة بايدن التي بدأت تتضح تجاه مصر تعتمد، وفق تصريحات الخارجية الأميركية، على الموازنة بين "المصالح" و"القيم الأميركية"، فما هي معالم هذه السياسة؟

مصالح أم قيم؟

"قلتم سابقا إن بيع الأسلحة لمصر لا يتعارض مع التزامنا بحقوق الإنسان: ألا ترى أنكم تناقضون أنفسكم وأنتم تقولون سنبيع الأسلحة لديكتاتور يضطهد ويعذب شعبه، ثم تعلنون التزامكم في نفس الوقت بحقوق الإنسان؟".

كان هذا هو السؤال الذي وجهه صحفي للمتحدث باسم الخارجية الأميركية، 11 مارس/آذار 2021، وحدد بإجابته عليه، موقف إدارة بايدن الفعلي من التعامل مع نظام السيسي.

المتحدث الرسمي نيد برايس قال: "لن تكون هناك شيكات على بياض لأي دولة، لن تتخلى الولايات المتحدة عن قيمها في أي علاقة، بايدن والوزير بلينكين قالا ذلك بوضوح".

لكنه قال أيضا: "مصر تلعب دورا مهما في تعزيز بعض مصالحنا الرئيسة في المنطقة: الأمن والاستقرار الإقليميين وإدارة قناة السويس، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وتعزيز سلام الشرق الأوسط".

"برايس" لخص الموقف الأميركي بقوله: "هذان الأمران، ليسا منفصلين، إنهما مرتبطان ارتباطا وثيقا، إذا لم نتمسك بقيمنا، وإذا لم نلتزم بحقوق الإنسان، فنحن لا نتمسك بمصالحنا، يمكننا القيام بالأمرين معا"!.

وتابع: "سوف يسير هذان الأمران دائما جنبا إلى جنب بالنسبة لنا، يمكننا متابعة مصالحنا ويمكننا التمسك بقيمنا، هذا بالضبط ما سنفعله في مصر".

"برايس" تحدث عن توثيق انتهاكات حقوق الإنسان بمصر وإخفاء قسري لعائلات معتقلين ومطاردين، و22 أميركيا في سجون السيسي، ووصف حقوقيين نظام السيسي بأنه "أحد أكثر الأنظمة قمعا في تاريخ البلاد".

لكنه في نفس الوقت نفى احتمالات تجميد المعونة العسكرية "لأن مصر تخدم مصالحنا"، أي أن الولايات المتحدة "يمكنها متابعة مصالحها والتمسك بقيمها"، والسؤال هنا أيهما الأكثر وزنا في ميزان التعامل مع نظام السيسي: مصالح أم قيم أميركا؟ وهل لو ثقلت مصالح أميركا مع السيسي ستتغاضى عن حقوق الإنسان؟

اختبار بايدن 

اختار السيسي حتى الآن اختبار بايدن في شهور عمله الأولى في البيت الأبيض، فاستمر في الاعتقالات والقمع ولم يرخ قبضته الأمنية، كما توقع مراقبون، وسعى لاستغلال ورقة المعتقلين في التفاوض، فهل التحرك الأميركي القوي الأخير رسالة ردع للسيسي؟.

وفق مراقبين، فإن إدارة بايدن اتخذت حتى الآن سلسلة خطوات ضد نظام السيسي، منها عدم التواصل معه حتى الآن، واختيار وزير خارجيته سامح شكري لإبلاغه رسالة غاضبة عن حقوق الإنسان في مصر.

أيضا تراجع بايدن عن الدعم الذي تلقاه السيسي من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في ملف سد النهضة الإثيوبي، لحد تشجيع ترامب لمصر على قصف السد، أما بايدن فألغى قرار تعليق المساعدات الأميركية لإثيوبيا، الذي أصدره ترامب عقابا لتعنتها في المفاوضات.

كما لوحت إدارة بايدن بورقة المعونة الأميركية لمصر، وشكلت لجنة في الكونغرس لمراقبة حقوق الإنسان في القاهرة، وجاء التصعيد الأخير بتصريحات المتحدث الرسمي للخارجية الأميركية، ثم انضمام واشنطن لأول مرة لبيان الـ 31 دولة بلجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

دفع هذا وكالة "رويترز" للتعليق: "الولايات المتحدة تنضم إلى الغرب في انتقاد نادر لمصر بشأن انتهاكات حقوق الإنسان"، واعتبرته "الأول من نوعه تجاه مصر منذ استلام السيسي الحكم في البلاد عام 2014".

سلسلة ضغوط

منذ تولي بايدن الرئاسة، بدأت الولايات المتحدة فرض سلسلة ضغوط على مصر فيما يتعلق بوضع حقوق الإنسان، وفي 25 يناير/كانون الثاني 2021، أعلن عضوا الكونغرس، دون باير وتوم مالينوفسكي، تشكيل "لجنة متابعة حقوق الإنسان في مصر"، للضغط على نظام السيسي.

وفي 23 فبراير/ شباط 2021، أعرب وزير الخارجية الأميركي، في أول مكالمة هاتفية مع نظيره المصري، عن "قلق أميركا" إزاء وضع حقوق الإنسان بمصر، وأكد "أن هذه قضية محورية في العلاقات".

وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2021، علقت إدارة بايدن، طلب حصانة قدمته القاهرة لمنع محاكمة رئيس الوزراء السابق حازم الببلاوي في دعوى اتهام محمد سلطان له بتعذيبه بعد فض رابعة.

وخلال مؤتمره الصحفي الأخير 11 مارس/ آذار 2021، أكد متحدث الخارجية الأميركية نيد برايس أنه "لا جديد حتى الآن" فيما يتعلق بتعليق حصانة الببلاوي، وأكد أن "إدارة بايدن أوقفت الحصانة".

ويمثل إلغاء إدارة بايدن لطلب حصانة الببلاوي، اتهاما للسيسي نفسه، لأن دعوى سلطان مرفوعة أيضا ضد السيسي وعباس كامل رئيس المخابرات، و3 قيادات شرطية.

وكانت السفارة المصرية حذرت من أن عدم إعطاء إدارة ترامب السابقة الحصانة للببلاوي سيضر بـ "العلاقة الإستراتيجية"، فهل إلغاء بايدن لها يعد تصعيدا أميركيا؟.

وسبق لبايدن مطالبة مصر في يوليو/تموز 2020، بالإفراج الفوري عن أقارب سلطان، قائلا: "عهد الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل قد انتهى".

وفي 16 فبراير/ شباط 2021، اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" ملاحقة الحكومة المصرية، لأقارب ناشطين مصريين يعيشون في الخارج يمثل "تحديا" من قبل نظام السيسي، لإدارة بايدن.

وقال برايس: "سنأخذ قيمنا معنا في أي علاقة لدينا في جميع أنحاء العالم، هذا يشمل شركاءنا الأمنيين الوثيقين، هذا يشمل مصر".

ربما لهذا اعتبرت "سارة ليا واتسون" المديرة التنفيذية لمنظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" صدور بيان إدانة مصر في الدورة الـ 46 لمجلس حقوق الإنسان الأممي، بمشاركة أميركا، "ذا دلالة خطيرة".

وقالت لقناة الجزيرة مباشر 12 مارس/آذار 2021: "يبدو أن الحكومة المصرية بدأت تفقد السيطرة على الأمور.. أوضاع حقوق الإنسان باتت كارثية هناك".

مصر تعترف

بيان وزارة الخارجية المصرية ردا علي بيان أميركا والدول الغربية في الأمم المتحدة، أثار سخرية المعلقين والنشطاء على مواقع التواصل، لأنه لم يرد على الاتهامات، لكنه قال ضمنا "لسنا وحدنا من ننتهج القمع"، ما يعد اعترافا ضمنيا بالجرائم!.

وفي اعتراف آخر بصحة خرقها حقوق الإنسان، قالت القاهرة إن "مسألة حقوق الإنسان تنطوي على عملية تطوير دائم لم تبلغ فيها أى دولة حد الكمال".

الخارجية قالت: "سنسلط الضوء على الممارسات المنافية لمبادئ حقوق الإنسان في الدول التي انتقدت الأوضاع بمصر"، وسنلقي بيانا يسلط الضوء "على أوجه القصور وممارسات داخل تلك الدول تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان".

وصفت مصر بيان الدول الـ 31 بأنه "تضمن مزاعم وادعاءات" و"تضمن أحاديث مرسلة تستند الى معلومات غير دقيقة"، ولم يراع ما فعلته "في مجال حقوق الإنسان بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

كما جرت العادة، شن إعلام السلطة هجوما حادا على أميركا والدول التي انتقدت مصر، واتهم البيان بأن "له أجندة سياسية ويصب في مصلحة الجماعات الإرهابية ويتفق مع مخطط الشرق الأوسط الجديد".

وأصدر البرلمان بغرفتيه بيانات تتهم الدول المنتقدة لمصر بأنها "ممولة" من أعداء مصر، بحسب لجنة "حقوق إنسان النواب"، ووصلت "رسالة سامسونج" لعدد من الصحف لتنشر خبرا يقول: "مصدر أمني يكذب ادعاءات الخارجية الأميركية: لا يوجد أي معتقل في السجون في مصر".

المصدر الأمني قال إن جميع نزلاء السجون، يخضعون لإجراءات قضائية ولا يتم القبض على أي متهم دون إجراءات قانونية، وإذن مسبق من النيابة العامة".

وضمن رد القاهرة، كشف موقع Al-Monitor الأميركي 11 مارس/آذار 2021، أن مصر تسعى للضغط على أميركا لتغيير موقفها من خلال تشكيل "لوبي داخل الولايات المتحدة يقدم صورة إيجابية عن البلاد والحكومة أمام إدارة بايدن".

وهو ما أكدته وزيرة الهجرة 31 يناير/كانون الثاني 2021، حين تحدثت عن "تأسيس أول لوبي من الأكاديميين الشباب للدفاع عن مصر في العديد من الدول، خاصة الولايات المتحدة، عبر اتحاد الطلاب المصريين في الخارج".

انتهاكات جسيمة

20 منظمة حقوقية محلية ودولية لفتت في بيان أن الإعلان المشترك للدول 31 الذي يطالب مصر بوقف القمع ضد المعارضين داخلها وخارجها، تم تحت البند الرابع الخاص بالانتهاكات الجسيمة.

وهذا البند تحاسب بموجبه دول مثل ميانمار وكوريا الشمالية، وهو ما يتم لأول مرة منذ 7 سنوات بكسر الأمم المتحدة حاجز الصمت ضد انتهاكات السيسي.

ووفقا لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الثلاثة الإضافية، يقصد بالمخالفات الجسيمة: القتل العمد والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحرمان من المحاكمة القانونية غير المتحيزة وأخذ رهائن وتدمير واغتصاب الممتلكات والاستيلاء عليها.

وقالت منظمة العفو الدولية إن إعلان 12 آذار/ مارس 2021، "جاء في إطار البند الرابع من جدول أعمال المجلس والخاص بإثارة المخاوف بشأن الانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان".

واعتبرته "خطوة مهمة يفترض أن يتبعها تحرك ملموس يضمن تحقيق هدفها لا سيما أن آخر إعلان مشترك صدر عن الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بشأن مصر كان في مارس/آذار 2014، بمبادرة من أيسلندا وتوقيع 26 دولة أخرى، ومنذ ذلك الحين تدهورت حالة حقوق الإنسان في مصر بشكل كبير".

بيان المنظمات الـ 20 وصف بيان الدول الـ 31 ضد القاهرة بأنه "يوجه رسالة واضحة للسلطات المصرية مفادها أن العالم لن يغض الطرف بعد الآن عن حملتها لسحق المعارضة السلمية".

المنظمات طالبت مصر باتخاذ إجراءات عاجلة استجابة للإعلان، وإطلاق سراح المحتجزين تعسفيا، وحماية المحتجزين من التعذيب وسوء المعاملة، وإنهاء قمع النشاط السلمي.

ويعتبر بعض المحللين أن السيسي لم يعد "ديكتاتور بايدن المفضل"، لكنه سيظل – مثل كل رؤساء مصر العسكريين "رجل البنتاغون المفضل"، ولهذه الأسباب لن يستطيع بايدن الضغط عليه.

وحسب متابعين، قد يكون من غير المرجح ألا يخاطر بايدن بتقويض العلاقات الإستراتيجية التي تربط بين بلاده والقاهرة من أجل قضايا حقوق الإنسان، حتى لو مثل ذلك التعامل مع نظام استبدادي وغض الطرف عن بعض انتهاكاته، كما يقول الخبير المصري، خليل العناني، في دراسة له.

وفق مراقبين، باتت الضغوط على نظام السيسي من كل جانب، سواء إدارة بايدن أو الدول الـ 31 الغربية، إضافة للمنظمات الحقوقية الـ 20، وحتى لو تراخت القبضة الأميركية تجاه السيسي مقابل مصالحها، سيواجه السيسي انتقادات وهجوما دوليا وحقوقيا متصاعدا يكسر حاجز الصمت عن انتهاكاته الحقوقية واسعة النطاق، ويجبره على بعض التراجع.