عقب زيارة السيسي للسودان.. لماذا تعمد حمدوك إثارة ملف حلايب مع مصر؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أيام من إجراء رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي أول زيارة رسمية له إلى الخرطوم عقب تولي المجلس السيادي الحكم، فتح رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مجددا، ملف حلايب وشلاتين المتنازع عليه.

ورغم محاولات التقارب وتوحيد الرؤى التي سعى إليها السيسي خلال زيارته للخرطوم في 6 مارس/ آذار 2021، ولقاء نظرائه العسكريين في السودان، أثار حمدوك الجدل في القاهرة بفتح الملف الشائك مع مصر، وحديثه أيضا عن عنصرية بعض المصريين ضد السودانيين.

موقف حمدوك الذي أعلنه خلال زيارته للقاهرة 11 مارس/آذار 2021، طرح تساؤلات حول توقيت فتح ذلك الملف، في ظل مساعي السيسي للتقارب، وهل هناك أطراف إقليمية فاعلة ساهمت في إثارة القضية محل النزاع التاريخي بين البلدين؟

المسكوت عنه

خلال زيارته إلى القاهرة وصف حمدوك، القضايا الشائكة بين مصر والسودان بكلمة "المسكوت عنه"، وطلب بوضوح، فتح ملف مثلث حلايب وشلاتين، المتنازع عليه مع مصر من أجل التفاهم حوله. 

كما تطرق حمدوك إلى طبيعة الصورة النمطية لدى الشعبين عن بعضهما والتصور المشترك للتاريخ. وقال: "أول أمر يتعلق بالصورة النمطية لدى الشعبين عن بعضهما البعض والنظرة العنصرية من قبل بعض المصريين للسودانيين".

وذكر أنه "يزور مصر بصفة دائمة ومستمرة منذ أكثر من 20 عاما، وإنه كان يغضب في البداية من تعليقات المصريين على اللون وترديدهم كلمات من نوعية يا أسمراني".

فيما أثار توقيت فتح ملف الأزمة الحدودية بين القاهرة والخرطوم، في مثلث حلايب وشلاتين، من قبل حمدوك استفهامات عدة لدى الأوساط الشعبية والسياسية والأكاديمية في كلا البلدين.

فتح الملف يأتي تزامنا مع الصراع المستعر بين السودان ومصر وإثيوبيا في أزمة تشغيل سد النهضة، حيث أن الخرطوم والقاهرة في غنى عن بروز صراع جديد يستنزف الطاقات ويباعد المواقف.

في 4 يناير/ كانون الثاني 2021، أعلن السودان بشكل رسمي تجديد شكواه لدى مجلس الأمن الدولي ضد مصر بشأن مثلث "حلايب وشلاتين" المتنازع عليه. 

وفي 26 فبراير/ شباط 2021، نقل موقع "إندبندنت عربية" تصريحات عن مسؤول حكومي مصري رفيع المستوى، قائلا: "القاهرة حريصة على العلاقات الأخوية والمتجذرة مع الخرطوم ووحدة المصير المشترك".

وأرجع المسؤول تصاعد التطورات الأخيرة بشأن مثلث حلايب وشلاتين، إلى "طرف ثالث" قد يكون له مصلحة في "تعكير صفو العلاقات بين البلدين في هذا التوقيت" في إشارة واضحة للجانب الإثيوبي.

حلايب وشلاتين

وتطل منطقة "مثلث حلايب وشلاتين" على ساحل البحر الأحمر، وتقع على الطرف الجنوبي الشرقي من الجانب المصري، وعلى الطرف الشمالي الشرقي من الجانب السوداني، وتبلغ مساحتها الإجمالية 20.5 ألف كم².

ويطلق على هذه المنطقة اسم مثلث، نظرا لأنها تضم 3 بلدات كبرى هي "حلايب" و"أبوالرماد" و"شلاتين"، ويتوزع سكانها بين عدة قبائل من أصول سودانية، أشهرها "البشارية" و"العبابدة".

ورغم نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي، منذ استقلال السودان، عام 1956، لكنه كان مفتوحا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995.

وإثر محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في أديس أبابا عام 2995، دخل الجيش المصري إلى المثلث الحدودي وأحكم سيطرته عليه، حيث اتهمت القاهرة وقتها الخرطوم بالوقوف وراء محاولة اغتيال مبارك.

ومنذ ذلك الحين، يتم فتح ملف النزاع حول المنطقة بين الحين والآخر، حيث يطرح كل طرف الحجج والأسانيد القانونية التي يعتمد عليها في إثبات حقه في السيادة على هذه المنطقة.

تعتمد مصر على اتفاق بين السودان وهيئة المساحة المصرية (حكومية) عام 1909 قام بمقتضاه الطرفان برسم خريطة للمنطقة أشير فيها إلى الحدود السياسية وفق دائرة عرض 22 شمالا (خط الحدود بين البلدين)، بما يشمل تبعية حلايب لمصر، جنبا إلى جنب مع خط آخر اصطلح على تسميته بالحدود الإدارية، يضع حلايب تحت تبعية السودان.

ويعتمد الموقف المصري على فكرة أساسية، وهي أن السودان لم يكن يباشر إلا اختصاصات محددة في المناطق الواقعة إلى الشمال من خط عرض 22 شمالا، وهي اختصاصات اقتضتها الضرورات العملية لتنظيم شؤون السكان على جانبي الحدود، وهذه الاختصاصات لم تصل إلى الدرجة التي تستحق معها أن تكتسب صفة أعمال السيادة.

بينما يقول السودان إنه على فرض أن التعديلات التي دخلت على خط الحدود كانت ذات صفة إدارية بحتة، إلا أن قبول مصر لاستمرار السودان في إدارة هذه المناطق، وعدم الاعتراض على هذا الوضع طوال الفترة ما بين عامي 1899 (بداية الاحتلال الإنجليزي للسودان) و1958 يدل على أن مصر قد تنازلت عن حقوقها السيادية في هذه المناطق.

توجس مستمر 

وفي 6 مارس/ آذار 2021، جاءت أول زيارة يقوم بها السيسي للخرطوم بعد التغيير الذي حدث بالسودان عقب الثورة والإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

قصد السيسي رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي يمثل رأس المؤسسة العسكرية السودانية، فيما اتخذت الخرطوم إجراءات مشددة من بينها عدم السماح بالتغطية الإعلامية إلا للأجهزة الإعلامية الرسمية، مع عدم الإعلان رسميا عن الزيارة أو تفاصيل اللقاء.

تزامن الحدث مع إطلاق دعوات متفرقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي السودانية تندد بالزيارة، وتطلب من المواطنين التظاهر في شارع المطار تعبيرا عن رفض وجود السيسي في السودان.

فيما أطلق نشطاء سودانيون هاشتاج "لا أهلا ولا سهلا"، وتباينت ردود أفعال المغردين حول أسباب رفضهم لزيارة رئيس النظام المصري، وقال بعضهم إنه يدعم العسكر، كما دعم الرئيس المخلوع عمر البشير إبان الثورة وأرسل له شحنات من الغاز المسيل للدموع.

آخرون اعتبروا اجتماعه بالبرهان "تحريضيا"، متخوفين من أن يدفع السيسي البرهان للقيام بانقلاب عسكري، واستلام الحكم من المدنيين كما فعل هو ضد الرئيس الراحل محمد مرسي.

توجس السودانيين من النظام الانقلابي العسكري في مصر لم يكن وليد الزيارة بل، سبقه مواقف مشابهة في 26 أبريل/ نيسان 2019، حينما انطلقت مسيرة من الثوار، صوب السفارة المصرية، معترضين على ما اعتبروه تدخلات مصرية سافرة في شأن السودان، وذلك في إطار ما أطلق عليه المتظاهرون اسم "مليونية السلطة المدنية".

وتصاعد الغضب في الأوساط السودانية على خلفية رصدهم لتورط النظام المصري بقيادة السيسي في محاولات التحكم في مسار الأوضاع، والانحياز إلى المجلس العسكري القائم بقيادة البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مع التمهيد لهم إقليميا ودوليا.

ورفع المحتجون شعارات من قبيل "قل للسيسي دا السودان، أنت حدودك بس أسوان"، معبرين عن تخوفهم من تكرار نموذج الثورة المصرية، التي غدت مضربا للأمثال، بعد وأدها على يد الجيش، بالانقلاب العسكري الذي نفذه السيسي في 3 يوليو/ تموز 2013.

سيناريو إطاحة السيسي بأول رئيس مدني منتخب هو الراحل محمد مرسي، ظل بمثابة الفزاعة التي يخشى السودانيون من تكرارها في بلادهم التي تمر بمرحلة حرجة ترنو فيها إلى تسليم السلطة بسلام وانتقال سلس عن طريق إجراء انتخابات ديمقراطية، وفق مراقبين.

المكون العسكري 

الصحفي السوداني محمد نصر، قال لـ"الاستقلال": "منذ اللحظات الأولى لخلع الرئيس عمر البشير، وقوى الحرية والتغيير تعلم جيدا دعم السيسي للمجلس العسكري وتحديدا الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان". 

وأضاف: "شبح الانقلاب العسكري في السودان يجعل القوى المدنية والثورية عموما في حالة تحفظ وترقب من التدخل المصري، خاصة وأن التجربة المصرية حاضرة بقوة في الأذهان، ولاشك أنها تستهوي عسكر السودان مع اختلاف التفاصيل والمعطيات".

وذكر: "ما فعلته مصر في ليبيا يجعل السودان حكومة وشعبا في حالة حذر من تكرار السيناريو، خاصة مع وجود قوى مسلحة ونزعات انفصالية إثنية وقبلية، تجعل من احتمالية الحرب الأهلية قائمة، ربما فقط تحتاج إلى شرارة انطلاق، ولا شيء بعدها يمكن أن يوقفها، ولن تكون هذه المرة على غرار دارفور أو الصراع في الجنوب، بل ستطال السودان طولا وعرضا". 

وأردف: "بخصوص إثارة ملف مثلث حلايب، فإنه حق أصيل للدولة السودانية، ولا يمكن لأي حكومة أو النظام التفريط في جزء مغتصب من أرض السودان، وما فعله حمدوك يدخل في إطار التصرف البيروقراطي، لحفظ حقوق الدولة".

وفي تناوله لمعرض العلاقة بين إثيوبيا والحكومة السودانية، قال نصر: "النظام المصري يقرأ جيدا خريطة الولاءات والاختلافات في بنية منظومة الحكم السودانية القائمة".

مضيفا: "التقارب بين القاهرة والبرهان ناجم عن اشتداد الصراع بين الجيش السوداني الذي حارب في الفشقة (منطقة نزاع بين الخرطوم وأديس أبابا) شرقي السودان، وإثيوبيا التي تسعى إلى استمرار سيطرة مزارعيها على الأراضي السودانية، وتحدث اضطرابات داخل الأراضي السودانية في إطار حملتها على إقليم تيغراي".

وتابع: "من جهة أخرى هناك علاقات وثيقة تربط حكومة حمدوك وقوى الحرية والتغيير مع الحكومة الإثيوبية، باعتبارها راعية السلام ومن الذين ضمنوا دعم ملف السلطة الانتقالية في السودان".

وختم حديثه قائلا: "من الصعب على حمدوك وتلك الجبهة خسارة إثيوبيا، ومع ذلك لا يمكن الجزم بأن حمدوك تحرك في ملف حلايب بدعوة من إثيوبيا، لكن الأكيد أن مصلحة أديس أبابا عموما تقتضي ألا يحدث توافق بين القاهرة والخرطوم".