رئيس حكومة المعارضة السورية السابق لـ"الاستقلال": هذا حصاد 10 سنوات ثورة

12

طباعة

مشاركة

تحل الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد في 15 مارس/آذار 2021، والبلاد مثقلة بالكثير من الأزمات السياسية والانتكاسات العسكرية، فضلا عن أزمة اللاجئين، ومئات الآلاف من المعتقلين في سجون النظام.

10 سنوات مرت منذ اندلاع أول شرارة للثورة عام 2011، عندما خرجت المظاهرات في عدة مدن سورية مطالبة بإطلاق الحريات وإخراج المعتقلين السياسيين من السجون ورفع حالة الطوارئ.

ازداد سقف المطالب تدريجيا حتى وصل إلى المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد بالكامل، وبحلول يوليو/تموز 2011، تطورت مظاهر الاحتجاجات إلى اعتصاماتٍ مفتوحة في الميادين الكبرى ببعض المدن قابلها النظام بالرصاص الحي ما أوقع مئات الضحايا.

ومع تطور الأحداث أخذت الانشقاقات في الجيش النظامي بالتزايد والتضخم، ومطلع أغسطس/آب أعلن عن تأسيس "الجيش السوري الحر"، وبدأت المواجهات العسكرية على نطاق صغير ومحدود بين قوات النظام وقوات المعارضة، ثم أخذت بالتوسع تدريجيا حتى بدأت تصل مستوى المعارك المباشرة.

وبحلول الذكرى العاشرة للثورة السورية بات 13.4 مليون سوري، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وسط افتقار 2.4 مليون طفل لفرص التعليم، وتشرد 5.9 ملايين.

تسبب عنف النظام ومذابحه وهمجيته في هجرة ما يقرب من نصف سكان سوريا البالغ نحو 23 مليونا تقريبا، إلى الدول المجاورة خاصة تركيا ولبنان والأردن والعديد من دول أوروبا، بخلاف ما يقرب من نصف مليون مدني فقد حياته، وفق منظمات حقوقية.

"الاستقلال" التقت الدكتور جواد أبو حطب، ثان رئيس للحكومة السورية المؤقتة، وأحد مؤسسي الائتلاف الوطني، لتجري معه هذا الحوار.

الذكرى العاشرة

  • ما ذكرياتكم مع الشرارة الأولى للثورة السورية؟

بفضل الله كنت مع الثورة السورية منذ أول شرارة لها، وشاركت فيها منذ بدايتها حيث كنت أعمل في مشفى جراحة القلب الجامعي بجامعة دمشق، وكاستشاري في مستشفيات الجامعة المختلفة كمتخصص في جراحة قلب الأطفال.

كانت أول مذكرة صدرت ضدي من أجهزة الأمن "البوليس السياسي" في 26 أبريل/نيسان 2011، وكان رأيي واضحا في الاجتماعات الرسمية لأساتذة الجامعة من أول مظاهرة خرجت ضد بشار، معلنا أنه لا يجوز إطلاق النار على المتظاهرين السياسيين السلميين، ولم يكن رأيي مخفي لذلك بدأت ملاحقتي خلال الشهر الأول للثورة فكنت مطلوبا للأمن، وفي هذا الوقت خرجت من الجامعة وعندما ازدادت وتيرة إطلاق النار على المتظاهرين انحزت للثورة ضد نظام بشار بشكل علني.

أسست أول مشفى ميداني بمنطقة "وادي بردة" بحي الزبداني كأول منطقة خرجت عن سيطرة النظام، وعملت طبيبا ميدانيا متنقلا بين الغوطتين الشرقية والغربية وجنوب دمشق، وبدأت التنقل في عدة أماكن مع اتساع رقعة الثورة، وكنت أتحرك متخفيا في داخل سوريا لأسباب أمنية، وبعدها صدر قرار فصلي من عملي بالجامعة في يونيو/حزيران 2012.

في تلك الفترة بدأ النظام المجرم استخدام الأسلحة الثقيلة ضد المتظاهرين المدنيين، فقررت الخروج من سوريا باتجاه الحدود الأردنية حتى وصلت إلى عمان لأن الإصابات صارت أشد خطورة وقاتلة، كما أن أعداد المصابين أصبحت أكثر، فأسسنا مشفى في الخارج واستأجرنا مشفى في الأردن وبدأنا نستقبل الحالات الحرجة ومصابي الثورة لعلاجهم.

انتقلت بعد ذلك إلى تركيا ومنها للشمال السوري في نفس الوقت وتابعت عملي بالمجالس المحلية وساهمت في تأسيس أول مجالس محلية في المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة.

شكلنا مجلس محلي دمشق الذي توليت فيه عضوية المكتب التنفيذي لمجلس محافظة ريف دمشق آنذاك، وشرعنا بعدها في تأسيس الائتلاف الوطني السوري نهاية 2012، وكنت ممثلا لمحافظة "ريف دمشق" في الائتلاف، ولاحقا أسسنا هيئة اختصاصات طبية، وعملت بالمشافي المختلفة وبالمعهد التقني الطبي الذي أسسته أيضا.

كنت أتنقل بين عملي كطبيب، وعملي السياسي وظل الحال كذلك بضع سنوات حتى تم تكليفي عام 2016 برئاسة الحكومة السورية المؤقتة خلفا للدكتور أحمد طعمة.

تقريبا كانت هذه الأيام طويلة ومليئة بالأحداث التي تحتاج وحدها إلى حوارات عديدة لكل فترة على حدة ويصعب اختصارها.

  • بوصفكم رئيسا سابقا للحكومة السورية المؤقتة.. هل يمكن أن تعود سوريا موحدة بعد سنوات الحرب والدمار والقتل والتهجير على يد بشار وعصابته؟

سوريا إن شاء الله لن تقسم، ولكن أمامنا عدد من السنوات العجاف لكي تبدأ سوريا في التعافي مجددا مما أصابها من دمار وخراب، ولا يوجد حل قريب في الأفق، أنا متأكد أننا بحاجة إلى سنوات ليست بالقصيرة لكي تلتئم جراح سوريا.

  • هل الشعب السوري أصبح ناقما على الثورة أم محتفيا بها؟

لاشك أن غالبية الشعب السوري مازالت مع الثورة، وأنا شخصيا مع الاستمرار بالثورة، ونحن نخرج اليوم أجيالا جديدة لا يعرفون الخوف ولا يمكنهم العودة إلى ما قبل 2011، لابد من تغيير سياسي حقيقي في سوريا لأنه من المستحيل عودة نظام بشار الأسد مرة أخرى.

مؤتمر الدوحة

  • ما أهم قرارات مؤتمر الدوحة قبيل أيام وانعكاساتها على أرض الواقع في سوريا؟

البعض أعرب عن تفائله بمؤتمر الدوحة، بينما أرى أن مخرجات المؤتمر في غاية التواضع، فضلا عن أنني وعلى المستوى الشخصي غير متفائل، لأن مؤتمر الدوحة لم يأت بجديد، فلا يوجد قرار دولي بإسقاط بشار حتى الآن، رغم أننا كثوار كانت لدينا القدرة أكثر من مرة على إسقاط بشار ونظامه بجهودنا الذاتية دون الحاجة إلى تدخل أجنبي أو دولي، واقتربنا من قصر الرئاسة في دمشق عدة مرات، لكن للأسف تدخلت دول عديدة للحيلولة دون إسقاط النظام عسكريا، كما هو واضح للعيان حتى اليوم للأسف الشديد.

بالنسبة لي شخصيا أرفض المؤتمرات التي صارت بدءا من جنيف، لأنها لم تحقق مبادئ كوفي عنان الستة، رغم أن البعض كان يقول لنا اذهبوا وتفاوضوا مع النظام وأنا كنت أعترض على ذلك وأقول لهم أنا أعرف هذا النظام جيدا فهو لا يمكن التفاوض معه ولن نصل معه إلى شيء.

فهذا النظام لا يصلح معه إلا إسقاطه عسكريا، لكن المعضلة الكبرى أن الدول منعتنا من إسقاطه أكثر من مرة، رغم أنه استخدم السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري الأعزل أكثر من 300 مرة، وكلها جرائم كبيرة وشنيعة. 

  • بعد الحكم على أحد ضباط نظام بشار في ألمانيا، ونظر قضايا مماثلة في بلدان أخرى، هل تعد هذه فرصة لكم لإسقاط بشار؟

النظام قذف المدنيين بالبراميل العشوائية والتي تجاوز عددها الـ150 ألف برميل، وارتكب جرائم حرب حيث أن القذيفة التي تسقط على أي ضيعة (حقول زراعية) فتدمرها، أو على المباني فتحولها إلى ركام ، أو على أي تجمع سكني فتقتل وتحرق كل ما فيه، فضلا عن تدمير المشافي.

لذلك أعتقد أنه لابد من إسقاط هذا النظام القاتل.. فالجرائم التي ارتكبها الأسد رهيبة، والملفات كلها موجودة ومعروف تفاصيلها ، وكل المجتمع الدولي يعرفها مع الأسف.. كان يمكننا أن نتحرك منذ زمن لإسقاط نظام بشار حال وقفت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومجلس الأمن وقرروا تطبيق البند السابع ضده، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث ولم ينفذ مع الأسف.

الدور التركي

  • ما تقييمكم للدور التركي في سوريا؟

بالنسبة للدور التركي كان في غاية الأهمية في الشمال السوري من وجهة نظرنا، وربما من وجهة نظر إخواننا الأتراك تعني شيئا آخر.. أنا أرى أن الوجود التركي في تلك المنطقة يمكن تفعيله بطريقة أخرى قد تكون أفضل.. وعلى كل فقد كان لتركيا دور كبير في تسوية الجزء المحرر الذي نوجد نحن فيه حاليا شمال سوريا.. أنا لا أستطيع أن ألزم الأتراك بما أراه وإن كنت أقدر دورهم في دعم شعبنا وثورتنا.

  • كيف يرى الشعب السوري الدور التركي خلال سنوات المحنة سواء كانوا لاجئين داخلها، أو يعيشون في المناطق المحررة بالشمال؟

تركيا كجارة في الحقيقة كانت هي الدولة التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين، وفتحت لهم المدارس، والمشافي والجامعات، والمخيمات.

انقسم الدور التركي إلى دور إنساني، وسياسي.. فالدور الإنساني كان رائعا واستوعبت تركيا عددا كبيرا من السوريين ومازالت تستوعب حتى اليوم، كما أن كل من يحتاج للعلاج أو إجراء عملية قلب يتوجه مباشرة نحو تركيا، وكذلك أصحاب الحالات الصعبة للمرضى من الأطفال كلهم يتوجهون نحوها بلا تردد، وتستقبلهم تركيا وتقدم لهم الكثير من الخدمات والمساعدات الإنسانية المطلوبة.

أما من الناحية السياسية طبعا تركيا لها رؤيتها الخاصة من قبل الشعب السوري.. فنحن كسوريين ننظر إلى روسيا على أنها عدو لنا ولثورتنا، وكذلك ننظر لإيران على أنها عدو لنا ولثورتنا، بينما نرى تركيا بمنظور مختلف في هذا الموضوع حيث أنها صديقة للشعب والثورة السورية.. وهذا التنوع بالنسبة للدور التركي ما بين الإنساني والسياسي صار أمرا طبيعيا للشعب السوري.

الموقف العربي والدولي

  • هل ترى أن الدول العربية ساندت ثورتكم أو قدمت لها ثمة دعم، وكيف ترى دور جامعة الدول العربية، وهل لمستم دورا عربيا حقيقيا؟

هناك بعض الدول العربية ساندتنا برسائل الإغاثة وبعضها استقبل عددا من النازحين مثل لبنان والأردن ومصر، وللأسف دول الخليج لم تستقبل أيا من النازحين، ربما قطر استقبلت البعض، لكن دول الخليج الأخرى أوقفوا تأشيرات العمل التي كانت متاحة للسوريين، ولم يستفيدوا من الطاقات السورية، بل حتى لم يفعلوا كما فعلت دولة غير عربية وغير مسلمة مثل ألمانيا التي استفادت من طاقة وكفاءة الأطباء السوريين واستوعبت مئات الآلاف منهم، وتركيا فيها أكثر من 4 ملايين وقدموا الكثير من الدعم والمساندة لنا.

  • ما تقييمكم لموقف الأمم المتحدة من الأزمة السورية وانتهاكات بشار الأسد وجرائمه ضد شعبه؟

طبعا الأمم المتحدة كانت فاشلة من يوم ضرب المدنيين بالكيماوي. كانت فاشلة من يوم التهجير القسري. كانت فاشلة بتقديم الإغاثة ومات الناس بالحصار ومازالت فاشلة حتى يومنا هذا.. في رأيي لم تقدم الأمم المتحدة شيئا للأسف.

إيران وروسيا

  • الوجود الإيراني كان له دور كبير في إجهاض الثورة السورية، وتطلع الشعب للحصول على حريته.. كيف ترون مستقبل طهران في سوريا بعد مرور عقد من الزمن على اندلاع الثورة؟

الوجود الإيراني هو وجود غير شرعي وهو احتلال إجرامي، لن يكون ولن نقبل به أبدا، وطالما الإيراني موجود داخل سوريا لا يمكن أن يتحقق أي حل سياسي وستظل الثورة ضدهم قائمة ومستمرة، كما أن الوجود الإيراني لا يختلف عن وجود تنظيم الدولة وجبهة النصرة، يجب طرد كل هؤلاء جميعا، وكذلك إرهابيو "بي كا كا" الذين جاؤوا من جبل قنديل يجب أن يخرجوا مع الإيرانيين وكل المنظمات الإرهابية التي زرعوها في سوريا.

أبناء الشعب السوري لديهم القدرة على ضبط وتحرير وبناء بلدهم بعيدا عن كل هؤلاء الأجانب.. لابد أن يخرج الجميع حتى يستقر الوضع داخل سوريا، ولا أعتقد أن الشعب السوري يفرق بين روسيا وإيران فيرى كلاهما عدو له ولحريته ولثورته ضد الظلم والاستبداد.

  • وكيف يرى الشعب السوري الوجود الروسي في بلادهم؟

الشعب السوري ينظر إلى روسيا على أنها عدو لدود للشعب ولثورتنا السورية من أجل نيل حريتنا وكرامتنا في بلادنا، ولن ينسى لهم الشعب السوري آلة القتل التي أعملوها بحق عشرات الآلاف من السوريين الأبرياء العزل وبحق النساء والأطفال وبحق البنية التحتية التي دمروها بالتواطؤ مع نظام بشار.. نحن نعتبر روسيا وإيران كلاهما محتل يجب أن يرحل عن سوريا، والشعب السوري بكل طوائفه له الحق في أن يقرر مصيره بعيدا عن كل هؤلاء الأجانب  وندعوهم للعودة من حيث أتوا جميعا.

  • هل هناك رؤية في المنظور القريب أو البعيد للتخلص من الوجود الروسي في سوريا؟

كما سبق وأكدت، أن الشعب السوري لم ير من روسيا إلا القتل والدمار والغدر والإبادة، لذا يطالب الشعب برحيل الدب الروسي الذي يحتل الأراضي السورية، بإيعاز من نظام فقد شرعيته ووطنيته وشرفه وارتكب كافة الجرائم التي يعاقب عليها القانون الدولي هو وحلفاؤه المحتلين من الروس والإيرانيين اللذين يجب أن يرحلا عن سوريا.

  • البعض يرى أن الحل السياسي ممكن في سوريا لكنه يتطلب قوة عسكرية على الأرض تفرض حلا متوازنا من قبل الثوار، ما رأيكم؟

نحن في سوريا على يقين أنه في حال رفعت الدول الداعمة للنظام المجرم أيديها عنه، وأوقفوا الدعم العسكري والمادي له بالأسلحة والمرتزقة فسوف يسقط أمام الثوار على الفور.. والشعب السوري لديه القدرة اليوم على إسقاط النظام لأنه أضعف مما يتوقع أحد، لكن حمايته من دول كبيرة في المنطقة هي ما جعلته يستمر رغم كل جرائمه ضد الإنسانية.

  • مؤخرا أعلنتم عن تخريج أول دفعة أطباء من الطلاب السوريين في الأراضي المحررة..

رغم كل معاناة القصف والحرب استطعنا أن نخرج دفعة مكونة من 30 طبيبا، وقد تخرج من قبل 4 دفعات من كليات الطب بجامعات الغوطة وحمص والشمال، وبحمص والتحقوا بسوق العمل لسداد النقص في سوق العمل بسبب هجرة غالبية الأطباء خارج سوريا.