نظرية "الرجل المجنون".. هل تنجح مع إيران في مواجهة أميركا؟

قسم الترجمة - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

نشر مركز دراسات تركي تحليلا، قال فيه إن "مشكلة السيطرة على إيران ارتفعت إلى مستوى حرج مع تولي الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه، إذ تزداد مشكلة تنشيط الاتفاق النووي تعقيدا، كون طهران غير مستعدة للتخلي عن مطلبها برفع العقوبات، وإدارة بايدن غير راغبة في تلبية هذا الطلب والعودة إلى الاتفاقية، لتواجه إيران موجات من الأزمات".

وأوضح مركز الدراسات المختص بالشأن الإيراني "إيرام"، في مقال للكاتب حسين آقايى، أنه "رغم الأثمان الباهظة التي دفعها الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات، تواصل طهران اتباع سياسات مناهضة للولايات المتحدة وتصعيد التوترات الإقليمية المتعلقة بالمثل الأيديولوجية، متجاهلة مبدأ الربح والخسارة في العلاقات الدولية".

وأشار إلى أن "طهران تنتهج سياسات مثل مواجهة الغرب وتوسيع تدخلاتها الإقليمية وتهديد إسرائيل ومهاجمة دبي والابتزاز بالنووي وقمع الاحتجاجات الداخلية وعزل إيران ووضعها في مأزق اقتصادي".

وتثير هذه السياسات المكلفة أسئلة مثل: ما هي الأسباب الرئيسة لاستخدامها مثل هذه الإستراتيجيات ضد الغرب ودول المنطقة؟ وهل يمكن اعتبار إيران، التي تتجاهل مبدأ الربح والخسارة في العلاقات الدولية "فاعلا عاديا"، أم ينبغي أن ينظر إليها على أنها "دولة مجنونة" في مجال العلاقات الدولية؟، وفق الكاتب.

الرجل المجنون

وبحسب آقايى فإن "الرئيس الـ37 للولايات المتحدة، ريتشارد نيكسون، كان أول زعيم يجسد نظرية ميكيافيلي (التظاهر بالجنون)، فبما أنه كان غير قادر على التعامل مع قادة فيتنام الشمالية عام 1969 ويبحث عن سبب ليخرج من الحرب، أرسل إلى الاتحاد السوفيتي وفيتنام الشمالية يخبرهم فيها أن أصبعه على الزر الذي سيطلق السلاح النووي".

وتابع: "مع أن نيكسون لم يستطع إخضاع الاتحاد السوفيتي وفيتنام الشمالية من خلال التصرف بجنون، كتب الأمين العام للبيت الأبيض آنذاك في مذكراته: أخبرني نيكسون أن ما كانت تفعله الولايات المتحدة في ذلك الوقت هو تطبيق نظرية الرجل المجنون".

ووفقا لهذه النظريات، يمكن أن يكون التصرف بجنون في ظل ظروف معينة، تكتيكا ناجحا في خلق تصور حقيقي للتهديد وإجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات أو منح امتيازات، يقول الكاتب الإيراني.

وأضاف: "فوفقا للإستراتيجي توماس سي لشيلينج، الذي طور نظرية اللعبة، فإن إحدى الطرق العقلانية التي يمكن للقادة أن يختاروها في عملية الدبلوماسية والتفاوض تتمثل في إقناع خصومهم بأنهم يستطيعون التصرف بعنف وبلا رحمة وبصورة غير متوقعة".

وأردف: "أما بالنسبة لنظرية دانييل إلسبرغ، تطالب الدولة المبتزة أولا بمجموعة من المطالب من الطرف الآخر، ثم تهدد على طاولة المفاوضات أو في عملية دبلوماسية الضغط، بالحرب في حال لم تتم الاستجابة لمطالبها، متظاهرة بالجنون، وهكذا يتراجع الطرف الآخر لاعبا دور الذكي، ليتجنب المخاطرة المحتملة".

وذكر آقايى أن "متخصصو علم النفس السياسي والعلاقات الدولية؛ يقيمون القادة مثل الألماني أدولف هتلر والروسي نيكيتا خروتشوف والعراقي صدام حسين والكوري الشمالي كيم جونغ إيل والإيراني محمود أحمدي نجاد والليبي معمر القذافي والأميركي دونالد ترامب بأنهم قادة يتظاهرون بالجنون أحيانا".

وأوضح أن "المقصود بهذا انصراف زعيم أو دولة ما عن المطالب العادية، وابتعادها عن السلوكيات المعيارية والمعقولة القائمة على مبدأ الربح والخسارة، وعدم امتناعها عن اتخاذ قرارات مكلفة، حتى لو كانت عواقب ذلك ثقيلة على المجتمع".

وشرح ذلك قائلا: "فعلى سبيل المثال وفي السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية، هدد هتلر بحرب واسعة النطاق لضم النمسا ومنطقة سوديتنلاند في التشيك، ليتراجع المسؤولون البريطانيون والفرنسيون الذين اعتبروا هتلر مجنونا، بسبب قلقهم من اندلاع حرب أكبر".

وبالنظر إلى هذه الافتراضات وسلوك إيران على الساحة الدولية، يمكن القول إن "إيران ترغب في إجبار واشنطن على الاعتراف بشرعيتها في النظام الدولي بسياسات غير مبنية على مبدأ الربح والخسارة من خلال إظهار سلوكيات غير عادية وإصدار بيانات تهديد كما فعلت خلال الأربعين عاما الماضية"، حسب الكاتب الإيراني.

إستراتيجية غير عادية

واعتبر آقايى أن "إيران تطبق إستراتيجية غير عادية تتعارض مع العقلانية الغربية التقليدية والمقبولة، حيث العقلانية القائمة على التعاليم والنظريات الغربية تقوم على مبدأ الربح والخسارة الذي يهيمن على العلاقات بين الدول".

وأشار إلى أنه "إذا واجهت الدولة ضغوطا قوية مثل العقوبات والعزلة الطويلة والانهيار الاجتماعي، فستختار في النهاية طريق الدبلوماسية لتقليل التوترات مع القوى العظمى لحماية بقائها، وذلك من خلال التنازل عن بعض مطالبها".

واستدرك آقايى قائلا: "لكن إيران تختار مقاومة الضغوطات الغربية والعقوبات والعزلة واضعة شعار (بقاء الدولة فوق كل شيء) نصب عينيها، إن طهران التي قد أخذت درسا من مصير صدام والقذافي، لن تتراجع عن مطالبها ما لم يكن هناك خطر يهدد بقاءها".

وتخشى إيران أنه إذا شاركت في مفاوضات "أقوى وأطول أجلا" مع فريق بايدن، فإن بقاءها "سيتعرض لخطر شديد بسبب المطالب المتزايدة للولايات المتحدة، وتركز إستراتيجية إيران فقط على البقاء بأي ثمن، ويعزز تشاؤمها وانعدام الأمن والتشاؤم التاريخي العميق بين طهران وواشنطن من موقفها هذا"، وفق الكاتب.

ونوه آقايى بأن "هذا لا يعني أن طهران لا تفضل الدبلوماسية، فقد عقدت العديد من الاجتماعات المفتوحة أو السرية مع الولايات المتحدة والدول الغربية حول مختلف المجالات الأمنية والجيوسياسية، وقد تم التوصل إلى حل وسط من خلال مفاوضات مكثفة ومباشرة مع واشنطن والقوى الأوروبية خاصة خلال عملية الاتفاق النووي".

وتابع موضحا: "كانت هذه المطالب تهدف إلى تأمين ضمان لوجودها بتقبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية لحقيقة إيران، كما كان يسمح لها بالبقاء اقتصاديا من خلال تنفيذ علاقاتها التجارية واستخدام القنوات المالية الدولية لدعم تدخلاتها الإقليمية".

وأشار آقايى إلى أن "القضية الأساسية تكمن في موقف الولايات المتحدة وأوروبا بما أن طهران تشعر بمزيد من الضغط لتصوير نفسها كمجنونة وخطيرة كلما انتهجت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى سياسة احتواء أقوى، حيث إنها تأمل بهذا أن تحصل على تنازلات أكثر من الغرب بزيادة التوتر".

ويمكن تقييم تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تقول "إسرائيل خلية سرطانية خبيثة في المنطقة" و"يجب محو إسرائيل من الخريطة" و "سندمر تل أبيب" والهجوم على منشآت أرامكو، وإسقاط الطائرة الأميركية بدون طيار، والهجمات على القوات الأميركية في العراق، والضغط على المتظاهرين، في هذا السياق، يقول الكاتب.

ولفت إلى أن "جزء مهما من المشكلة التي يواجهها الغرب وخاصة واشنطن مع طهران، يرتبط بالطريق التي ستختارها إيران، فهل تريد  التصرف كلاعب عادي أم أنها تفكر في أن تصبح قوة نووية من خلال تطبيق إستراتيجية الرجل المجنون".

وختم آقايى مقاله قائلا: "تصرف طهران بشكل غير معقول ووحشي ومجنون، هدفه الحصول على تنازلات من الغرب من خلال التصرف بهذه الطريقة للأسباب المذكورة، فهناك هدف حاسم ونهائي بالنسبة لإيران وهو ضمان بقاء الجمهورية، حتى لو كان ذلك يضر بالمصالح الوطنية وشعب البلاد بشكل كبير وخطير".