الحرب على الفساد بتونس.. هل يوظّفها رئيس الحكومة لصالح حزبه؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"في الحرب على الفساد لا توجد خيارات إما الفساد وإما تونس، وأنا اخترت الدولة وتونس"، بهذا التصريح الذي اعتبر حينها جريئا وقوبل بإشادة من عدد كبير من التونسيين، أعلن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد في 24 مايو/أيار 2017، خوض حكومته حربا على الفساد إلى النهاية، في وقت تجري فيه عمليات متتالية للقبض على عدد من رجال الأعمال.

لكن هذه الحماسة سرعان ما تضاءلت، لتعلو من جديد أصوات  مشكّكة في حقيقة المعركة ضدّ الفساد، دعمتها أحداث وشواهد أكّدت أنّ استشراء الفساد داخل مؤسسات الدولة التونسية بلغ مرحلة متقدّمة باتت تهدّد حتى حياة المواطنين.

ولعلّ فاجعة وفاة 15 رضيعا في أحد مستشفيات العاصمة التونسية كانت آخر هذه الحوادث، ليطلب البرلمان من رئيس الحكومة المثول أمامه لمساءلته.

اتهامات بالفساد

استبقت المعارضة البرلمانية حضور رئيس الحكومة للجلسة المساءلة البرلمانية، لتعقد ندوة صحفية في 4 أبريل/ نيسان 2019، اتهمت فيها حكومة يوسف الشاهد بالتلاعب في ما صار يُعرف بـ"الحرب على الفساد" وتندد بالفريق الذي اعتمده الشاهد في "هذه الحرب"، متهمة هذا الفريق بـ"ابتزاز رجال أعمال والتلاعب بقائمات الأشخاص المعنيين واستغلال أجهزة الدولة".

وقالت النائب عن الكتلة الديمقراطية سامية عبو: إنّ "اللجنة التي كوّنها رئيس الحكومة لمحاربة الفساد في 2017، تضمّ الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان السابق مهدي بن غربية، ووزير أملاك الدولة السابق مبروك كورشيد، ورئيس مكتب ميناء رادس وحيد السعيدي، وهي تجتمع في منطقة البحيرة 2، رغم أن كورشيد أقرّ بعدم وجود هيئة في هذه المنطقة".

وأضافت عبّو، أن الهيئة العامة للرقابة المالية أصدرت تقريرها في 8 فبراير/شباط 2011، إلا أن التقرير الذي تضمن معطيات حول أشخاص كانوا يأتون بحاويات بأسماء "العائلة المالكة"، (عائلة الطرابلسي أصهار بن علي)، كي لا تخضع للرقابة ويتم إدخالها مباشرة دون انتظار.

وفاجأت القيادية بحزب التيار الديمقراطي، الجميع بحديثها أنّها تملك أدلةّ على تلقي السعيدي رشاوى بمبالغ ضخمة، حيث قالت: إن  "عام 2010 وفي غضون 10 أشهر، ساهم السعيدي في تمرير 459 حاوية مقابل رشوة بـ40 مليون دينار تونسي (1 دولار أمريكي = 3.0125 دينار التونسي) عن كلّ حاوية". واعتبرت أنّ "الأشخاص الذين اختارهم الشاهد لمحاربة الفساد متورطون في الفساد قبل الثورة وبعدها".

في خدمة الفاسدين

جدد الاتحاد الأوروبي عقوباته على عائلة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ومقربين منه، ملاحقين بقضايا اختلاس، لكنه سحب اسم صهره السابق مروان مبروك من قائمة المعاقبين، بحسب قرار نشر في 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في الجريدة الرسمية للاتحاد.

وورد في القرار، أن اسم محمد مروان مبروك، الملاحق من القضاء التونسي "لاقتنائه ممتلكات منقولة وغير منقولة وفتحه حسابات مصرفية واحتفاظه بأصول مالية في العديد من البلدان في إطار عمليات تبييض أموال"، قد سحب من القائمة بطلب من الحكومة التونسية.

لم تعترف حكومة الشاهد علنا، أنها تدخلت بصفة مباشرة من أجل تسوية أوضاع المبروك دون غيره من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في قائمة 48 الواقعين تحت قرار مصادرة أموالهم وممتلكاتهم بالخارج، إلا أن منظمة "أنا يقظ" فرع تونس لمنظمة الشفافية الدولية، قد نشرت محتوى محضر جلسة المجلس الوزاري المنعقد في 18 يناير/كانون الثاني 2018، بإشراف رئيس الحكومة يوسف الشاهد. وقد خصص هذا المجلس الوزاري لمتابعة ملف شركة ''اورونج'' المملوكة لمبروك.

وبحسب محضر المجلس الذي نشرته "أنا يقظ"، فقد اقترح وزير الشؤون المحلية والبيئية السابق رياض الموخر (عن حزب آفاق) رفع التجميد على أملاك المبروك حتى في صورة عدم وجود ضمان بنكي. موقف أيده وزير الصحة السابق عماد الحمامي (عن حركة نهضة) الذي أكد أن رفع التجميد عن أموال المبروك سيحافظ على "العلاقات المتميزة مع الدولة الفرنسية".

ودعا وزير تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي محمد أنور معروف (عن حركة نهضة) إلى ضرورة اتخاذ قرار سياسي لحل المسألة، بينما قال وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي (عن نداء تونس)، إن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تونس، قد قربت وأن ملف شركة "أورنج" سيكون من ضمن الملفات التي سيتم تداولها معه، وخلص المجلس إلى دعوة مصالح وزارة الخارجية إلى مراسلة الاتحاد الأوروبي من أجل حذف اسم المبروك "دون سواه من قائمة الأشخاص الذين تم اتخاذ إجراءات تحفظية ضدهم".

براءة المعتقلين

دشنّت حكومة الشاهد، حربها على الفساد بسلسلة توقيفات طالت رجال أعمال مرموقين متّهمين بممارسة الفساد في ظل نظام بن علي، وكان على رأس هؤلاء رجل الأعمال المثير للجدل شفيق الجراية، ويظهر اسم الأخير كواحد من أسوأ رموز الفساد في المنظومة السياسية التونسية، حيث عرف قبل الثورة بقربه من أصهار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وظهر بعد الثورة كأحد أبرز المتدخلين في الشأن السياسي والإعلامي بامتلاكه شبكة من الصحف، وقدّم دعما واسعا لحركة "نداء تونس" والباجي قائد السبسي خلال الحملة الانتخابية عام 2014، وهو ما جعل عددا كبيرا من التونسيين يستشف رياءً مبالغا فيه في ممارسات رئيس الشاهد وشيئا من الصراع الداخلي داخل الحزب الحاكم.

وصرح المحامي فيصل الجدولاوي لوكالة "تونس أفريقيا" للأنباء، أنّ الدوائر القضائية المجتمعة بمحكمة التعقيب عشية 11 أبريل/نيسان 2019، قررت  نقض قرار دائرة الاتهام العسكرية فيما يتعلق بقضية التآمر على أمن الدولة، وإبطال بطاقات الإيداع بالسجن في حق كل من شفيق الجراية وصابر العجيلي وعماد عاشور، وهي أهم القضايا التي اعتمد عليها الشاهد للإطاحة بالجراية.

الابتزاز السياسي

منذ الإعلان عن تشكيل كتلة نيابية جديدة داخل مجلس النواب باسم "الائتلاف الوطني"، وإعلان الانشقاق عن حركة "نداء تونس"، والانطلاق في تأسيس حزب سياسي جديد تحت قيادة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، تعدّدت الاتهامات لهذا الحزب بأنّه حزب الدولة، الذي يوظف كلّ شيء لخدمته.

هذه الاتهامات تكرّرت من أطراف داخل الحكومة والمعارضة، حيث دعت حركة "النهضة" المشاركة في الحكومة إلى تحييد مؤسسات الدولة عن أي توظيف حزبي، فيما اتهمت القيادية في التيار الديمقراطي سامية عبّو، رئيس الحكومة يوسف الشاهد بممارسة ابتزاز سياسي لعدد من النواب ورجال الأعمال.

وشنّ المستشار السياسي للرئيس التونسي، نور الدين بن تيشة، الخميس المضي، هجوما غير مسبوق على رئيس الحكومة يوسف الشاهد، واصفا الحرب التي أعلنها على الفساد بـ"الكذبة الكبرى"، كما اتهم عضو مجلس النواب عن حركة نداء تونس الفاضل بن عمران، رئيس الحكومة بممارسة ابتزاز للنواب في إشارة إلى التهديد بملفات فساد وقضايا تهددهم من أجل إجبارهم على الاستقالة والالتحاق بكتلته البرلمانية.