بنكيران برّأ "المصباح" بتطبيع المغرب.. فلماذا جمد عضويته في تقنين القنب؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع توقيع الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، اتفاق التطبيع مع إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2020، توقع كثيرون أن يجمد رئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران، عضويته في حزب "المصباح"، قائد الائتلاف الحكومي، خاصة مع تلويحه أكثر من مرة بالأمر.

لكنه لم يفعلها، بل على العكس دافع وقتها بكل قوة وشراسة عن صديقه ورفيق دربه وكفاحه سعد الدين العثماني، إلا أنه فعلها وجمد عضويته بالحزب، إثر المصادقة على مشروع قانون يقنن استخدام القنب الهندي للأغراض الطبية والصناعية ما أثار استغراب البعض.

مشروع القانون

في 13 مارس/ آذار 2021، وفي بيان نشره عبر فيسبوك قال بنكيران: "تبعا لمصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون يقنن استخدام القنب الهندي، أؤكد تجميد عضويتي بحزب العدالة والتنمية"، رغم اتفاق الأمانة العامة للحزب على التصويت بالرفض على مشروع القانون.

كما أعلن بنكيران، قطع علاقته "بكل من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ووزير الطاقة عبد العزيز رباح، ووزير الشغل محمد أمكراز، والقيادي بالحزب لحسن الدوادي".

وحسب الدستور المغربي، يحال أي مشروع قانون عقب تصديق الحكومة عليه إلى غرفتي البرلمان (النواب والمستشارين) للتصويت عليه، وفي حال المصادقة، ينشر بالجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ، ولم يتم حتى الآن، تحديد موعد تصويت البرلمان على مشروع القانون.

وينص مشروع القانون، على "إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص، وخلق وكالة وطنية يعهد لها بالتنسيق بين كافة القطاعات الحكومية والشركاء الوطنيين والدوليين، لتنمية سلسلة فلاحية وصناعية تعنى بالقنب الهندي".

ويسعى المغرب عبر تقنين القنب الهندي، إلى جلب استثمارات عالمية من خلال استقطاب الشركات المتخصصة في الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية، في حين يحظر القانون الحالي القنب الهندي بشكل عام، ويعاقب بالسجن كل من يزرعه أو يستخدمه أو يتاجر فيه.

اللغة الفرنسية

ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها بنكيران عن "مغادرة الحزب"، ففي يوليو/ تموز 2019،  أقر البرلمان بموافقة 241 نائبا ومعارضة 4 نواب وامتناع 21 نائبا عن التصويت، بتعزيز مكانة اللغة الفرنسية في المدارس.

وامتنع معظم أعضاء حزب العدالة والتنمية الشريك في الائتلاف الحاكم والذي يغلب عليه الإسلاميون ونواب حزب الاستقلال المحافظ عن التصويت على المواد التي تنص على استخدام اللغة الفرنسية في التدريس.

وفي خروج مباشر عبر فيسبوك، قال بنكيران تعليقا على القانون "عندما علمت بالقرار فكرت كثيرا في مغادرة الحزب، حيث إنني لم أعد أشعر بأنه يشرفني الانتماء لحزب تتخذ أمانته العامة هذا القرار"، مخاطبا إخوانه في الحزب بأوصاف غير مسبوقة على خلفية قضية "فرنسة التعليم".

وبالمخالفة لقرار الأمانة العامة للحزب صوت عضوان اثنان فقط برفض مشروع القانون، هما المقرئ الإدريسي أبو زيد ومحمد العثماني فيما امتنع الباقون عن التصويت.

ولام بنكيران أعضاء الحزب على عدم التصويت بالرفض، حيث فضلوا الاكتفاء بالامتناع عن التصويت، ما سمح للجنة بتمرير مشروع القانون، موضحا أنه عاش "ليلة من أسوأ الليالي" عندما سمع بما جرى، وأنه يعتبر هذه الخطوة أول خطأ جسيم يرتكبه الحزب منذ دخوله دوامة التدبير الحكومي عام 2011.

"الوحش السياسي"

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، عاش الحزب أزمة عسيرة بتوقيع العثماني اتفاق التطبيع مع الوفدين الأمريكي والإسرائيلي، وذهب بعض إخوة بنكيران إلى حد المطالبة باستقالة العثماني من الحزب، فيما خرج أمينه العام السابق ليقول إن حزب العدالة والتنمية "له موقفه الخاص بخصوص موضوع التطبيع ولن يغيره تحت الضغط".

بنكيران الذي يحلو للبعض أن يلقبه بـ"الوحش السياسي" أضاف: "لا يمكن تغيير الموقف من التطبيع لا بابن تيمية ولا بابن القيم ولا بغيرهما، صحيح تفهمنا ما وقع وأنا ضد الإساءة للدكتور (سعد الدين) العثماني (رئيس الوزراء) لهذا السبب، لكننا تفهمنا فقط".

لكنه عاد في لقاء آخر ليؤكد أن "العدالة والتنمية لا يقبل فرض أمر الواقع، ويجب أن يظل حزبا موحدا وحزب المبادئ والقيم"، مهاجما عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن المغربي، والقيادي بالحزب، الذي أكد أنه لا يمانع زيارة إسرائيل إذا اقتضى الأمر، باعتباره يمثل الدولة.

وتساءل بنكيران "هل أخذتم المناصب بالذهاب إلى إسرائيل، كان قبلكم يذهب البعض لإسرائيل، من يتذكرهم اليوم أو حضر لجنازتهم؟"، وشدد بنكيران على أن ما وصل إليه حزب العدالة والتنمية "كان عن طريق الجدية والصمود لا بالتنازل عن المبادئ، وبحسن التصرف والسلوك والتفهم والاعتدال، وليس بالانبطاح".

كما جدد بنكيران التأكيد على أن التطبيع مع إسرائيل "تمضي فيه الدولة التي يسيرها الملك وليس حزب العدالة والتنمية"، معتبرا أن الأمر مرتبط بـ"مصلحة بلادنا، والقرار اتخذه سيدنا (الملك)، الذي يتصرف في إطار صلاحياته، والقرار الذي اتخذه لا يمكننا إلا أن نكون معه فيه ولن نكون ضده".

قضايا خلافية

المحلل السياسي وعضو الحزب، بلال التليدي، قال إن "قرار الأستاذ عبدالإله بنكيران تجميد عضويته في الحزب ما هو إلا ثمرة لمراقبة مسار سياسي طويل قادته قيادة حزب العدالة والتنمية من موقع الحكومة، وأظن بأن هذا المسار وصل إلى ذروة أخطائه مع تشريع قانون استخدام القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية".

فسر التليدي لـ"الاستقلال"، خلفيات قرار بنكيران، قائلا: "الثابت أن الأمين العام للحزب لم يستطع أن يلتزم بالمنطق المؤسساتي داخل حزبه، فالأمانة العامة لم تصادق على هذا القانون، بل إن الأغلبية كان ضده، وعقد اليوم الدراسي من قبلها من أجل مناقشة هذا الموضوع في جميع أبعاده العلمية والقانونية والاجتماعية أفضى إلى أن التحفظ هو الموقف الأنسب في هذه المرحلة".

وتابع: "مع ذلك لم ينجح العثماني في أن يؤجل التصديق عليه في المجلس الحكومي (اجتماع أعضاء الحكومة دون الملك، أما المجلس الوزاري فبحضور الملك)، في حين فعل ذلك في الأمانة العامة للحزب تجنبا لتجميد بنكيران لعضويته بعد أن سبق وهدد بذلك مطلع مارس/ آذار 2021".

وعاد التليدي ليؤكد بأن قرار بنكيران هو نتاج لمراقبة وتقييم مسار من التدبير السياسي لهذه القيادة، والذي رأى بأنه أفضى إلى إنهاء الصورة النضالية والإصلاحية لحزب العدالة والتنمية. 

"تهريب" القرارات

هناك قضايا خلافية كثيرة، يقول المحلل السياسي، "لكن أعتقد بأن القضايا الجوهرية هي تلك المرتبطة بتدبير بعض القضايا الهوياتية والمرجعية، كالموقف من فرنسة التعليم".

وزاد: "أيضا الشكل الذي خرجت به بعض تعبيرات القيادة في موضوع التطبيع، والتي تجاوزت الإطار الضيق الذي كان يفترض الانضباط إليه، أيضا قضية القنب الهندي، ناهيك عن قضايا أخرى مرتبطة بحجم التراجعات الديمقراطية التي لم يستطع الحزب، في ظل القيادة الحالية، أن يتعامل معها بالموقف النضالي المطلوب".

أوضح التليدي أن القضايا الخلافية كثيرة، بعضها هوياتي مرجعي وبعضها مرتبط بالحريات والديمقراطية، وبعضها يرتبط بالمنهجية التي يلتزم بها الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة.

مضيفا: "كيف يهرب (العثماني) النقاشات من داخل الحزب ويتخذها بشكل انفرادي من موقع الحكومي ويلزم الحزب بها؟، وهي منهجية طرحت أسئلة كثيرة على حدود استقلالية القرار الحزبي الذي كان المصباح يحافظ عليه ويعتبر رأس المال الأساسي لديه".

لا يعتقد المتحدث أن قرار بنكيران تجميد العضوية مرتبط بطموح سياسي لبنكيران بتأسيس حزب جديد، وإنما هو موقف براءة من هذا المسار الذي أخذه الحزب في ظل القيادة الجديدة.

وأوضح، أنه لم يعد يتحمل أن ينسب إلى هذا المشروع الذي سقط في هذه المطبات، والتي يمكن اختزالها في شيء واحد هو أن هذا الحزب فقد استقلاليته في القرار الحزبي وأصبح يدار من خارج مؤسساته، أو على الأقل بعض القرارات المصيرية المتعلقة به.

ومضى التليدي: "المسار الذي قادته هذه القيادة أفضى إلى الانتقاص من شعبية الحزب بشكل تراكمي"، مضيفا: "أظن بأن هذا الحزب قد وصل إلى مستوى من الشك في شعبيته وأيضا في علاقة سلوكه السياسي بأوراقه المذهبية وبمبادئه وثوابته، وهناك امتعاض كبير على مستوى الرأي العام من الشكل الذي يظهر به". 

واستطرد قائلا: "صحيح هناك مواقف صلبة يعبر عنها الفريقان داخل المؤسسة التشريعية (مجلسي النواب والمستشارين) لكن القيادة السياسية الحالية من خلال بعض مواقفها جعلت الحزب يفقد كثيرا من شعبيته، سواء تعلق الأمر بتفريطه في مواقفه الثابتة في القضايا الهوياتية، وبشكل أخص فرنسة التعليم والقنب الهندي وحتى تجاوز السقف المحدود في قضية التطبيع إلى الهرولة.

وختم المحلل بالقول، إن خروج بنكيران بشكل نهائي من الحزب إن تم ذلك سيكون بمثابة الضربة الموجعة لشعبية الحزب، وبعد تقرير القاسم الانتخابي وهذا المسار من التراجعات، لا أعتقد أن جاهزية الحزب ستكون بالشكل الذي تؤهله ليحظى بمكانة مهمة داخل المشهد السياسي، فضلا عن إمكانية تصدر المشهد.