"رمانة الميزان".. هل تسحب موريتانيا اعترافها بالبوليساريو دعما للمغرب؟

12

طباعة

مشاركة

تحدثت تقارير صحفية موريتانية عن نية السلطات في نواكشوط سحب الاعتراف بجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، والتي تعيش صراعا مع المغرب على الصحراء الغربية.

وذهبت التوقعات إلى حد القول، إن السلطة الجديدة تعتزم سحب الاعتراف قبل انتهاء الولاية الحالية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

ولمس مراقبون تقاربا بين القيادة الموريتانية الجديدة والمغرب، ما قد يدفعها للخروج من  "الحياد الإيجابي" الذي تتشبث به منذ سنوات.

ويتنازع المغرب و"البوليساريو" حول السيادة على إقليم الصحراء، منذ أن أنهى الاحتلال الإسباني وجوده بالمنطقة، عام 1975. وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.

في المقابل، تحرص موريتانيا على علاقاتها مع الجزائر، وتميل إلى كونها "رمانة الميزان" في النزاع الدائر في المنطقة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 1975، فهل تنهي لعب هذا الدور وتنحاز إلى أحد الأطراف، وكيف يؤثر سحب الاعتراف في حال تنفيذه على البوليساريو؟

نحو سحب الاعتراف

حرص رئيس موريتانيا، محمد ولد الشيخ الغزواني، في أول خروج إعلامي رسمي له في مارس/ آذار 2020، على تأكيد اعتراف بلاده بـ"جمهورية تندوف"، مشيرا إلى أن موقف نواكشوط من نزاع الصحراء "لم يتغير ولن يتغير، وهو الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، لأنه موقف من ثوابت السياسة الخارجية للبلد، بغض النظر عن الحاكم أو التطورات الحاصلة في الملف".

تشكل موقف موريتانيا الرسمي من النزاع منذ 1978، وكان هو الحياد، رغم أنها مع بداية الثمانينيات اعترفت بجبهة البوليساريو وبالجمهورية الصحراوية سنة 1981 في عهد الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيدالة، الذي كان مقربا آنذاك من الجبهة وقطع العلاقات مع المغرب.

 لكن بعد ذلك اعترفت موريتانيا رسميا بالجمهورية العربية الصحراوية وأعلنت عن ما تسميه "الحياد الإيجابي".

في فبراير/شباط 2021، توقع مصدر خاص لصحيفة ”أنباء أنفو” الموريتانية، أن تعلن حكومة بلاده، وقبل انتهاء الولاية الرئاسية الحالية، سحب الاعتراف بجبهة البوليساريو.

وأوضح أن القرار سيستند على مرجعية الأمم المتحدة التى لا تعترف بالجمهورية التي أعلنتها البوليساريو وقرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة حول القضية.

التقرير أفاد بأن "الحكام الذين تعاقبوا على الحكم بعد ولد هيدالة، خشوا دائما أن يتسبب التراجع عن الاعتراف إلى ردات فعل من البوليساريو بدعم عسكري جزائري، خصوصا وأن الجيش الموريتاني لم يكن- آنذاك -مجهزا عسكريا لمواجهتها".

وأضاف مصدر الموقع، أن "موريتانيا 2021 ليست ما كانت عليه 1978، بل أصبحت دولة قوية على المستوى الإقليمي وتم تصنيف مستوى تسلح جيشها الوطني فى مقدمة جيوش القارة بعد أن كان فى الفترة المذكورة خارج دائرة التصنيف".

وأوضح التقرير أن موريتانيا التى أصبحت قوة عسكرية فى منطقة الساحل الإفريقي، قادرة على اتخاذ القرار التاريخي الذي يخدم مصالحها الجيو-سياسية الإستراتيجية ومصالح استقرار وأمن المنطقة بأسرها بعيدا عن الضغوط و"هيمنة الخوف".

ووفق المصدر ذاته، "تتمتع موريتانيا بعلاقات قوية مع جميع الدول المجاورة وتحظى باحترام جميع أشقائها العرب والأفارقة إضافة إلى علاقات متميزة مع الولايات المتحدة الأميركية ودول كبيرة فى الاتحاد الأوروبي".

واعتبر مراقبون أن قرار موريتانيا المرتقب "سيصحح موقعها المحايد، إذ لا تعتبر كذلك في نظر القانون الدولي ومدلولاته القانونية والسياسية، لأن الاعتراف بكيان ما في القانون الدولي هو اعتراف بشرعيته وبحقه في الوجود قانونيا وسياسيا".

وأضاف هؤلاء، أن "سحب موريتانيا الاعتراف بالبوليساريو يمثل خطوة أولى إيجابية وضرورية في اتجاه حل واقعي توافقي يقبل به جميع الإخوة ويدفع عجلة التنمية الاقتصادية في المنطقة ويضع حدا لمأساة آلاف الأسر المعزولة في المخيمات".

صحيفة "مودرن دبلوماسي" الناطقة بالإنجليزية، أكدت بدورها في تقرير نشرته في الثاني من مارس/آذار 2021، أن موريتانيا تعتزم سحب اعترافها بجبهة البوليساريو كممثل وحيد للصحراء الغربية، تمهيدا للاعتراف بمغربية هذه المنطقة، كمؤشر على تطور العلاقات بين نواكشوط والرباط نحو تعاون وتنسيق قوي ووثيق.

ظروف مواتية

رفضت موريتانيا مطلع مارس/آذار 2021، التصريح لجبهة البوليساريو بتنظيم مظاهرة في مدينة بير أم أغرين شمالي البلاد.

ووفق مصادر محلية لموقع "صحراء ميديا"، فإن ممثل البوليساريو تقدم إلى حاكم المدينة بطلب الترخيص لمظاهرة شعبية مؤيدة للجبهة على الأراضي الموريتانية، قبل أن تبدي سلطات نواكشوط رفضها التام الترخيص لهذا النشاط.

واعتبرت تقارير مغربية رفض السلطات الموريتانية للأنشطة المتعلقة بجبهة البوليساريو تطورا جديدا في تعاطي نواكشوط مع هذه الجبهة، على ضوء التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، بعد قيام البوليساريو في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بمحاولة قطع الطريق مع المغرب عند معبر "الكركرات".

وبعد أيام من تحرك الجيش المغربي وجه رئيس موريتانيا برقية لملك المغرب محمد السادس، عبر فيها عن حرصه على تعزيز علاقات بلاده مع الرباط وتطوير التعاون بينهما.

بالمقابل، أقدمت الجزائر على علاقات أكثر متانة مع موريتانيا، ظهر في دعوتها إلى إطلاق مسار جديد من التعاون العسكري مع نواكشوط، وعرضها توريد معدات ومنتجات عسكرية لصالح الجيش الموريتاني.

 فيما أكد وزير التجارة الجزائري كمال رزيق أن بلاده قادرة على زيادة صادراتها لموريتانيا إلى 50 مليون دولار خلال 2021.

تقوم الأهمية الجيوستراتيجية، بحسب الخبراء على أزمة الصحراء الغربية أولا، ثانيا، التهديدات الأمنية خاصة الإرهابية.

 وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2021، زار قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية الفريق محمد بمبه مكت، الجزائر، لبحث التعاون بين البلدين في المجال الأمني والعسكري.

وقال رئيس أركان الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، خلال استقبال نظيره الموريتاني، إن هذه الزيارة التي جاءت لاستعراض التعاون العسكري بين البلدين "ستسمح بتطوير العلاقات بين البلدين، خاصة على ضوء تطور الوضع الأمني السائد بالمنطقة".

هشام برجاوي، الأستاذ بجامعة القاضي عياض، بمدينة مراكش بالمغرب، رأى أن المعطيات الجيو-سياسية الإقليمية مهيأة لسحب الاعتراف، وإن لم يصدر، بعد، قرار رسمي بذلك، موضحا أنه بعد الإعلان الأميركي حول الصحراء، وكذا افتتاح دول عربية عديدة لقنصليات بمدينة العيون، ليس من المستبعد أن يقوم الموريتانيون بالمثل. 

اعتبر خبير العلاقات الدولية المغربي، في حديث مع "الاستقلال"، أن "الظروف مناسبة وناضجة، كي تعترف موريتانيا رسميا بمغربية الصحراء"، مضيفا أن "الوقائع والحقائق على الميدان ليست خافية عن صناع القرار في نواكشوط، وكلها تشير إلى أن سحب الاعتراف بالبوليساريو أكثر انسجاما وأكثر تلاؤما مع مصالح موريتانيا".

من الناحية الإجرائية، زاد برجاوي: "أرى أن موريتانيا، في حالة دعمها رسميا للوحدة الترابية للمغرب، ستحصل على فرصة هامة لبناء علاقات تعاون مستقرة مع السنغال وغيره من البلدان الإفريقية التي تجمعها علاقات وطيدة مع الرباط".

رمانة الميزان

أستاذ العلاقات الدولية، سليمان ولد الشيخ حمدي، عاد إلى اعتراف موريتانيا بالجمهورية الصحراوية سنة 1984، عقب خروجها من الحرب بعدة سنوات، خلال فترة حكم محمد خونا ولد هيدالة، الذي كان يحسب على محور الجزائر-البوليساريو.

وتابع، في حديث مع "الاستقلال"، قائلا: "بعد ذلك حدثت عدة تقلبات لكنها لم تغير الوضع رغم تعاقب محسوبين على المغرب بشكل كبير على الحكم، مثل الرئيس الأسبق أحمد ولد بوسيف، حدثت في العلاقات الثنائية بين البلدين توترات كثيرة منعت أي تقارب يمكن أن يعول عليه في الوصول بموريتانيا لسحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية".

جاء حكم محمد ولد عبدالعزيز واستمر 10 سنوات، يقول حمدي، دون أن يتم التفكير في الأمر.

ويعتقد أن "الأمر غير مرتبط بالاعتراف أو سحبه بقدر ارتباطه بوجود سياسة المحاور في موريتانيا، أيا كانت الأسباب التي دفعتها للاعتراف بالجمهورية، لكنها تعتبر اليوم رمانة الميزان"، وفق الخبير.

المتحدث الموريتاني أوضح أن بلاده إذا سحبت الاعتراف فإنها تكون بذلك قد انحازت إلى المغرب، في حين أن العلاقات معه قائمة وإن كان الاعتراف موجودا.

وقال: "أظن أنه لا يضره في شيء، وبالتالي ليس من الملح أن تسحبه موريتانيا بل عليها أن تستمر في الحياد الإيجابي، خصوصا وأن الجمهورية الصحراوية عضو في الاتحاد الإفريقي والمغرب والجزائر وموريتانيا أيضا، وبالتالي ليس من الحكمة السياسية وليس من ضغط عليها لسحب الاعتراف.

ومضى أستاذ العلاقات الدولية إلى القول: لا ألمس تغييرا كبيرا في الموقف الموريتاني، لكن علاقتها مع المغرب نشطة، أي أنها تتأثر بالإعلام والأحداث التي تجري على صعيد الصحراء الغربية، وبجولات السياسة التي تخاض هنا أو هناك، لذلك دائما تطرح العلاقة مع موريتانيا وتشهد شدا وجذبا.

اعتبر حمدي أن السلطة في موريتانيا تدرك أن عليها الاحتفاظ بأوراق قوية يمكن استخدامها، ومن بينها ملف الصحراء الغربية، وهي ورقة للتفاوض. ويقول: "لا أعتقد أن موريتانيا يمكنها أن تفرط بها بهذه السهولة وتلقي بها إلى المغرب".

بالمقابل، يقول الخبير بالعلاقات الدولية، إن نواكشوط يمكنها أن تتفاوض مع المغرب لأجل تجميد أو إضعاف العلاقة مع البوليساريو، أو أن تتفاوض مع الجزائر لتقوية وتنمية هذه العلاقة.

ووفق تعبيره: "إذا صادقت البوليساريو فتحت لك أبواب الجزائر، وإذا عاديتها أغلقت عليك تلك الأبواب"، وهو المعيار الذي تقيس به موريتانيا، التي تحرص على التوازنات التي تربطها بالجزائر، والتي تعتبر بوابتها الجنوبية، و"هذا طبيعي بحكم الحدود والشعوب المشتركة، وبدورها تراهن الجزائر في تطوير علاقتها مع موريتانيا تطويرها مع البوليساريو".

قال أستاذ العلاقات الدولية: إن أغلب طرق موريتانيا التجارية إلى الجزائر تمر عبر الأراضي الصحراوية، لذلك تحرص على علاقة جيدة معها، كما تفعل في علاقتها مع المغرب، وتحاول خلق توازن متجنبة تكرار سيناريو حرب 1975 التي خاضتها عندما كانت في حلف مع الرباط، وانتهت بهزيمتها، لدى أظن أن موريتانيا ستبقى بعيدة عن التخندقات في قضية البوليساريو.

وأضاف، أن بحسب الأمم المتحدة فموريتانيا أيضا طرف في هذا الصراع، وبالحفاظ على علاقتها بكل أطرافه فهي تستطيع أن تقدم شيئا باتجاه الحل المنتظر.

ويرى حمدي أن سحب موريتانيا الاعتراف بالبوليساريو قد لا يضعف الأخيرة سياسيا بكشل قوي، بقدر ما سيؤثر على علاقتها بها وبالجزائر أيضا، نعلم أن أطول الحدود الموريتانية -الممتدة إلى 1500 كيلومتر- هي تلك المقابلة لحدود البوليساريو.

وحتى على المستوى الأمني، بحسب حمدي، تلعب قوات البوليساريو في الصحراء الغربية دورا مهما في مكافحة الإرهاب في شمال موريتانيا، وإذا كانت العلاقات الثنائية سيئة فقد تشكل منغصات أمنية قوية لها، والمغرب تعود على أن موريتانيا لا تندفع بهذا الشكل.