جو مشحون.. كيف أصبحت "جون أفريك" ضحية توترات المغرب والجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

اعتبر موقع فرنسي أن "قضية الصحراء الغربية لم تسمم فقط العلاقات المغربية الجزائرية، بل جعلت من بعض المنافذ الإعلامية، ومن بينها مجلة جون أفريك (Jeune Afrique)، ضحايا للتوترات الدائمة بين الأشقاء".

وأشار تقرير لموقع "أفريقا ريبورت Africa report" في هذا السياق، إلى تصريح أدلى به الرئيس الراحل محمد بوضياف، الذي يعد أكثر السياسيين "مغاربة" في الجزائر، حين قال عام 1964، إن "وجود جو مشحون عاطفيا يتبادل فيه القادة وحتى الجماهير الإهانات يدق إسفينا بين الناس سيكون من الصعب كسره".

وبعد مرور أكثر من 50 عاما، ما زالت كلماته تعبر عن الوضع، إذ أثر صراع "الأشقاء الأعداء" في شمال إفريقيا لعقود على بقية المنطقة من اتحاد المغرب العربي، الذي لم يعقد أي اجتماع منذ سنوات، إلى الاتحاد الإفريقي الذي أصبح منصة لمناقشات ساخنة بين الجزائر والرباط، بعد عودة المغرب إلى الاتحاد عام 2017، عقب 33 عاما من المنفى الاختياري.

وكان هذا "السلام البارد"، كما يصفه دبلوماسيون من المنطقة، والذي تسبب في إغلاق حدود بطول 1600 كيلومتر منذ عام 1994، "ساما للقارة بأكملها، لكنه يشل المغرب العربي أولا وقبل كل شيء".

ضحية الاشتباك

وقال الموقع الفرنسي المتخصص في الشأن الإفريقي: إن "النخبة السياسية والتجارية والفكرية في كل بلد، أعمت كراهية بعضها البعض، والأسوأ من ذلك، بدأ سباق تسلح مجنون منذ بداية هذا القرن، مع تحول الجزائر إلى روسيا لشراء سلعها العسكرية، بينما تزود القوى الغربية المغرب". 

وأضاف "لطالما كانت (جون أفريك) ضحية لهذا العداء المتجذر وهذا الاشتباك الذي لا ينتهي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجزائر، حيث أوضح قادة البلاد أنه كان على المجلة أن تختار جانبا من طرفي الصراع".

وهكذا واجهت المجلة أزمات عديدة، حيث تم حظرها لمدة عقدين من الزمن في الجزائر، من 1978 إلى 1998، كما تعرضت للتضييق مرة أخرى من قبل سلطات البلاد منذ أكثر من عامين.

وفي نهاية مارس/آذار 2018، تم إخطار موزع المجلة الجزائري من قبل وزارة الاتصالات، أنه سيتعين عليه التوقف عن استيرادها جنبا إلى جنب مع عدد من الإصدارات الأخرى التابعة لشركة المجلة.

وسمح بتداول حوالي 100 نسخة فقط من "Jeune Afrique" في الجزائر، حيث  كانت هذه الإعداد مخصصة لأعضاء الحكومة ومكتب الرئيس والمؤسسات المختلفة التي يبدو أنه لا يمكن حرمانها من قراءتها الأسبوعية للمجلة.

وبعد الكثير من البحث رغم أنه من الصعب الحصول على أقل قدر من المعلومات من الجزائر، تمكنت المجلة من تحديد السبب وراء "هذه الإملاءات والتضييقات"، وفق الموقع.

وباختصار كان ينظر إلى "جون أفريك" على أنها تلقي "ضوءا سلبيا للغاية" على الجزائر وتتساهل مع جارتها المغربية، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، مقابلة مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة نشرتها المجلة في منتصف مايو/أيار 2018 والتي لم يشر فيها إلى الجزائر بأي كلمة.

وضع مؤلم

وأشار التقرير إلى أنه "رغم أن المجلة والمنصات الإعلامية التابعة لها قدمت ​​طلبات لا حصر لها لإجراء مقابلات مع مختلف رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية والمسؤولين من حزب جبهة التحرير الوطني والمسؤولين التنفيذيين في الشركات المملوكة للدولة في الجزائر، لكنها لم تحصل أبدا على أي رد".

وأضاف أنه "في كثير من الأحيان، تم انتقاد المجلة، بشكل خفي إلى حد ما، بسبب تحيزها المزعوم المؤيد للمغرب فيما يتعلق بمسألة الصحراء الغربية".

وفي عام 2018، ومع اقتراب عهد عبد العزيز بوتفليقة من نهايته، عاقبت الرئاسة التي يقع مقرها في قصر المرادية، المجلة مرة أخرى، وبعد أشهر قليلة من انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون طلبت "جون أفريك" من الإدارة الجديدة رفع الحظر عن نوافذها الإعلامية، وتمكنت أخيرا ولأول مرة منذ فترة طويلة، من إجراء محادثة مع القادة الجزائريين.

ولفت التقرير إلى أنه "أتيحت الفرصة للمجلة للتحدث إلى مستشار الرئيس للاتصالات، بلعيد محند أوسعيد، وإلى وزير الاتصالات عمار بلحيمر، وهو صحفي سابق معروف بانفتاحه، وأظهرت الجزائر الجديدة، نتاج حركة الحراك وسقوط نظام بوتفليقة، بوادر عودة الحياة إلى طبيعتها".

ولكن الدهشة كانت كبيرة، فخلال نقاش دام أكثر من ساعة مع أوسعيد، كان المغرب، العدو اللدود للجزائر في قلب المحادثات، حيث أصر المسؤول الجزائري على توجيه الاتهامات للنزعة "الاستعمارية" للمغرب في الصحراء الغربية، وازدواجية قادة ما وصفها  بـ"مملكة المهربين"، وفق "Africa report".

ورغم  التغيير الذي أعلنته الإدارة الجديدة، واجهت المجلة نفس "الأسطوانة القديمة المهووسة" في علاقة بالصراع مع المغرب.

وأوضح التقرير أن "تصريحات أوسعيد كانت انتحارا نظرا لأن الغالبية العظمى من الجزائريين يريدون من الحكومة أن تتحدث عن المستقبل، بينما يصر القادة الجزائريون من جميع الأطياف على العيش في الماضي، مفضلين اللحظة التي تسنح فيها الفرصة للتشبث بالأحقاد القديمة التي لا تزال قائمة، لديهم تجاه المغرب وفرنسا".

وختم الموقع تقريره بالقول: "بعد حوالي 57 سنة من كلمات بوضياف الحكيمة، تواصل الجزائر توجيه الشتائم إلى المغرب، هذا وضع مؤلم للغاية لمجلة جون أفريك التي تابعت عن كثب الجزائر الحديثة منذ حرب الاستقلال".