تقارب مصري تركي.. لماذا تجاوزت القاهرة تفاهماتها مع اليونان بملف الطاقة؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن تصريحات رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، التي أطلقها قبل سنوات قليلة، بشأن إحراز أهداف في ملف صناعة الغاز، لا تزال حاضرة ضمن مشهد صراع الطاقة في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط.

وقال السيسي، في 21 فبراير/ شباط 2018، خلال كلمة متلفزة نقلها التلفزيون المصري الرسمي: "إحنا جبنا جون (أحرزنا هدفا) يا مصريين في موضوع الغاز، أصبحنا مركزا إقليميا لصناعة الغاز في المنطقة".

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان السيسي يقصد هدفا حقيقيا أم عكسيا في مرمى مصر، التي خسرت نقاط قوة بسبب تحالفها مع اليونان على أساس سياسي، متجاوزة حقوقها التاريخية كمركز للطاقة في المنطقة المكتظة بكميات هائلة من حقول الغاز. 

تقلبات الوضع داخل الخريطة الجيوسياسية لدول المتوسط، جعلت من الصعب التنبؤ بطبيعة التحركات داخل تحالفات الطاقة، سواء التحالف المصري القبرصي اليوناني من جهة، أو التحالف التركي الليبي.

وفي الآونة الأخيرة تصاعدت أحاديث توافق جزئي بين مصر وتركيا فيما يتعلق بالتنقيب عن الطاقة، وهو ما أزعج أثينا بقوة. 

وبالنظر إلى مواقف أثينا خلال السنوات الماضية من تحركات أحادية أحيانا، أو استغلالها للخلاف السياسي بين القاهرة وأنقرة لإقرار مصالحها، اتجهت مصر للتحرك بمعزل أيضا عن اليونان.

انزعاج يوناني 

تحت عنوان "غدر مصر" قالت صحيفة "بروتو ثيما" اليونانية، يوم 7 مارس/ آذار 2021، إن "القاهرة سمحت بالتنقيب عن موارد الهيدروكربون في رقعة تحدها المنطقة التي تعتبرها تركيا جرفها القاري". 

وتسببت مراعاة مصر لحدود الجرف القاري لتركيا خلال طرحها مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، استياء وهجوم كبير على مصر من خلال وسائل إعلام يونانية. 

وفي 8 مارس/ آذار 2021، هرع وزير خارجية اليونان نيكوس ديندياس إلى القاهرة على رأس وفد في زيارة لمصر يبحث خلالها تجاوز الإشكالية الأخيرة، ودعم علاقات التعاون وآخر التطورات بمنطقة شرق المتوسط. 

وفي 7 مارس/ آذار 2021 وصفت صحيفة "تانيا" الموقف بأنه "لعبة خبيثة لمصر مع تركيا" في معرض تعليقها على الموضوع.

وتساءلت: "هل سينجح وزير الخارجية اليوناني في إيجاد صيغة لحل لهذه المشكلة التي يحاول وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو الاستفادة منها وهو يشعر بالفرح بالاعتراف بحدود الجرف القاري لتركيا؟".

وكان مولود تشاووش أوغلو، قد أكد يوم 3 مارس/ آذار 2021، في تصريحات نقلتها شبكة قنوات "TRT" التركية الرسمية، إمكانية التفاوض مع مصر بشأن مناطق الصلاحية البحرية وتوقيع اتفاق معها بهذا الخصوص.

فيما اعتبرت اليونان أن "الموقف المصري يثير كثير من علامات الاستفهام"، بحسب ما أورد موقع "إنيرجيا" اليوناني، في 7 مارس/ آذار 2021، خاصة وأن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، قال خلال مقابلة مع وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، يوم 8 مارس/ آذار 2021، إن "أنقرة يمكنها فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع مصر وعدد من دول الخليج". 

موقف القاهرة أربك حسابات اليونان التي تسابق الزمن لإقرار ملفات نجاح تتعلق بمصالحها في شرق المتوسط على حساب غريمتها تركيا، ولكن استئثارها دون مصر في مواقف متعددة بما فيها الموقف الأخير، دفع القاهرة إلى حد ما بعيدا عن الانسياق الكامل مع أثينا. 

إيست ميد 

عندما أبرمت تركيا وليبيا اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، سجلتها الأمم المتحدة واعتبرتها سارية، قالت أنقرة (آنذاك) إنها تصب لصالح مصر وتمنحها مساحة 11 ألف كيلومتر بشرق المتوسط. 

ردا على هذا التحرك التركي المتقدم، أقدمت قبرص واليونان وإسرائيل في الثاني من يناير/ كانون الثاني 2020، على اتفاق أولي في أثينا، لتمهيد الطريق أمام مد خط أنابيب الغاز المعروف باسم "إيست ميد" بطول 1900 كيلومتر لنقل الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى أوروبا. 

قال خبراء في مجال الطاقة إن تلك الاتفاقية تحرم مصر من التحول إلى منصة لتصدير الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا، كما تفقدها واحدة من أهم شروط قوتها الجيوسياسية،  حيث أنها تحرمها من نحو 10 آلاف كيلومتر مربع من مياهها الاقتصادية الخالصة لصالحة اليونان. 

لذلك فإن أثينا عندما اتجهت لإقرار "إيست ميد" لم تضع مصالح القاهرة في الاعتبار، على أساس أزمتها المعقدة مع أنقرة، وبالتالي سيكون إدارة هذا الملف سياسيا أقرب منه اقتصاديا، ولن تكون مصر رابحة فيه بشكل كبير، في ظل صراعات شرق المتوسط.

برهن على هذا ما أوردته حصريا قناة "الجزيرة مباشر" القطرية، في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2019، من وثيقتين، تتحدثان عن توصية مصرية برفض الطرح اليوناني لترسيم الحدود، لتمسكه بمواقف قد تؤدي لخسارة القاهرة مساحات من مياهها الاقتصادية، مع استمرار المفاوضات للتوافق والاستفادة من الموارد.

وتحدثت إحدى هاتين الوثيقتين عن لجوء أثينا إلى "مغالطات وادعاءات وأساليب ملتوية" في المفاوضات عن تعمد "استغلال التوافق السياسي بين البلدين لإحراج فريق التفاوض المصري".

تلك الإحداثيات دفعت السيسي لتقديم مقترح عندما قام بزيارة أثينا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بتعديل اتفاقية طريق خط أنابيب الغاز "إيست ميد" يستبعد فيه قبرص اليونانية، بحيث يتم تغيير مسار الخط من "إسرائيل - قبرص - كريت- مصر"، إلى "إسرائيل- مصر- كريت". 

ذلك الحدث أثار انزعاج اليونان، إذ يقوض طموحاتها بشدة في شرق المتوسط، وهو ما دعا رئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسوتاكيس"، لمناقشة مقترح السيسي، مع زعيم قبرص اليونانية نيكوس أناستاسياديس، والذي بدوره عارضه. 

وفي 16 يناير/ كانون الثاني 2020، نقل موقع "يني شفق" التركي، تصريحات قد توضح ما جرى أطلقها أستاذ الاقتصاد الجزئي المصري محمد وهبه، المقيم بالولايات المتحدة، عن اتفاقية "إيست ميد".

قال وهبه: "كان هناك تصور أن المركز الإقليمي لغاز المتوسط سيكون في مصر، لكن كانت هناك خطة أخرى تستبعد القاهرة وتنقل هذا المركز إلى إسرائيل.. لقد بدأ تحالف إيست ميد".

الكابلات البحرية

تضارب مصالح مصر جراء السياسات اليونانية لم يقف على تحالف "إيست ميد" فقط.

ففي سبتمبر/ أيلول 2020، وقعت الحكومة الإسرائيلية اتفاقا مع نظرائها في اليونان وقبرص، بقيمة 890 مليون دولار، لمد كابل طاقة بحري بطول 1750 كم إلى شبكة كهرباء أوروبا، مستبعدين القاهرة من المشروع رغم تحالف الطاقة الذي يجمعهم بها في البحر المتوسط.

وجود اليونان إلى جانب إسرائيل في ذلك المشروع أزعج القاهرة، لا سيما وأن الدولة العبرية تسعى إلى تحجيم دور مصر فيما يخص كونها مركزا للاتصالات والكابلات البحرية في المنطقة.

ظهر ذلك جليا بالمشاركة في مشروع "بلو رامان" حيث تخطط شركة جوجل لإنشاء كابل بحري بين إيطاليا والهند، بطريقة تمثل تهديدا لمصر كمركز تمر عبره اتصالات الإنترنت.

وتمر عبر الأراضي المصرية 17 بالمئة من الكابلات البحرية حول العالم، ما يجعلها في المركز الثاني في هذا المجال بعد أميركا.

وحسب ما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في ١6 ديسبمر/ كانون الأول 2020، فإن "المشروع فيه تهديد لمصر كواسطة عقد للاتصالات في العالم، ومركز رئيس لمرور الكابلات البحرية، وسيربط المشروع بين الأعداء التاريخيين، ويفتح ممرا جديدا لحركة الإنترنت".

ونظرا لموقع مصر الجغرافي المتميز الرابط بين أوروبا وآسيا، أصبحت نقطة اتصال مثالية في شبكة الإنترنت العالمية، واستغلت الشركة المصرية للاتصالات هذه الميزة، واكتسبت حصصا إضافية في الكابلات البحرية، وشرعت في بناء كابلات جديدة من الصفر.

كما أصبحت شريكا في العديد من الكابلات التي تمر عبر البلاد، وتمتلك عددا قليلا من الكابلات الأخرى، وتعمل جميع الكابلات البحرية تقريبا من آسيا إلى أوروبا عبر مصر، من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط.

لذلك فإن دخول اليونان إلى ذلك الحيز، يعد من معكرات العلاقة بين النظامين، ومن الصعب أن تسمح القاهرة بما يهدد مساحتها في تلك النقطة، حيث ستفقد قوة إستراتيجية ضاربة. 

المصلحة تقتضي

الباحث السياسي المصري، المتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط، خالد فؤاد كتب في منشور له عبر حسابه بموقع فيسبوك "يمكن النظر إلى الشكل الذي طرحته مصر في المزايدة (الشكل القديم خريطة رقم 1) من زاويتين:

اقتصادية وهي أن المصلحة المصرية تقتضي طرح مناطق بعيدة عن مناطق النزاعات في شرق المتوسط حتى تستطيع جذب الشركات العالمية للاستكشاف والتنقيب فيها.

ومن الناحية السياسية، يمكن أن يكون طرح المزايدة بهذا الشكل قد جاء على خلفية تنسيق مع الجانب التركي وربما جاء الطرح بشكل أحادي من الجانب المصري حرصا على التركيز على الجانب الاقتصادي وأيضا سعيا لتهدئة العلاقات مع تركيا وهذا الأقرب في تقديري للترجيح".

وأضاف: "ترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا إذا حدث فسيكون جزئي، لأن حدوثه بشكل كامل وفق الرؤية التركية يتقاطع مع ترسيم الحدود المصرية اليونانية، ومن المستبعد أن تتجاهل مصر اتفاقية رسمية مع اليونان وقعتها منذ شهور قليلة".

فيما قال الصحفي المصري محمد يوسف إن "العلاقات الدولية بين الأمم قائمة على قاعدة المصالح المشتركة، ومهما وصل الأمر من تجاذبات سياسية وأزمات دبلوماسية تبقى مصلحة الدولة فوق كل اعتبار، وهو ما يحدث حاليا بين مصر وتركيا".

 فكلاهما في حاجة إلى الأخرى، بغض النظر عن الإشكاليات بين النظامين، لأن الأنظمة إلى زوال فيما تبقى الاتفاقيات والمعاهدات لمئات السنين، والشعوب هي التي تدفع الثمن". 

وذكر في حديث لـ"الاستقلال" أن "اليونان تعاملت مع مصر على أساس الخلاف مع تركيا، وأغفلت مصالح القاهرة الأساسية بداية من اتفاقية الكابلات البحرية المنفردة مع قبرص وإسرائيل، وكذلك اتفاقية (إيست ميد)".

وتابع: "تثير هذه الاتفاقية حفيظة مصر وإن لم تعلن ذلك صراحة، حتى عند توقيع الاتفاق بين تركيا وليبيا، تحفظت مصر بداية ولم تأخذ الموقف الحاد الذي أخذته اليونان، وإنما ركزت انتقادها على التدخل التركي العسكري في ليبيا، ولم تقف كثيرا عند اتفاقية ترسيم الحدود البحرية". 

وأردف: "موقف مصر المتطور إزاء تركيا، والعكس كذلك، بلا شك يقلق التحالفات القديمة في المنطقة لا سيما اليونان، وإسرائيل، فحتى وإن لم تنته المشاكل بشكل عاجل، فمن المهم إزالة جبل الجليد ولو مرحليا، تمهيدا لعودة العلاقات إلى طبيعتها، ووصولا إلى مصلحة القاهرة في حقوقها تجاه غاز المتوسط ومصادر الطاقة".