إيرج مسجدي.. سفير إيران الذي يعبث بديموغرافية العراق وتعاديه واشنطن

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ توليه مهام سفير إيران لدى العراق عام 2017، لم يكن إيرج مسجدي كغيره من سفراء الدول في بغداد، إذ طالته اتهامات عدة، بالتدخل في الشأن الداخلي للعراق ومحاولات العبث بديموغرافيته، وكذلك إسهامه في دعم شخصيات فاسدة وتصدريهم للمشهد السياسي.

ويعد "مسجدي" أكبر شخصية عسكرية تدفع بها طهران إلى بغداد، منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003 وإسقاط نظام صدام حسين، رغم أن جميع سفرائها بعد هذا التاريخ كانوا من منتسبي قوات الحرس الثوري.

"مندوب سام"

آخر ما تسرب عن تدخلاته التي يصفها سياسيون عراقيون بأنها "صارخة" سعيه لاقتطاع مدينة سامراء من محافظة صلاح الدين، وجعلها محافظة مستقلة كونها تضم مرقدين "مقدسين" لدى الشيعة هما، علي الهادي، والحسن العسكري حفيدا الإمام علي بن أبي طالب.

مخطط السفير الإيراني كشف عنه السياسي العراقي مشعان الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في 9 مارس/آذار 2021، مؤكدا أن المشروع يسعى إلى تحويل سامراء ذات الغالبية السنية (عاصمة الخلافة العباسية 221هـ - 279 هـ) إلى مدينة شيعية.

وقبل ذلك، وفي 27 فبراير/ شباط 2021، أثارت تصريحاته أزمة دبلوماسية مع تركيا، حينما صرح بأن الأخيرة عليها ألا تتدخل في الشأن العراقي الداخلي، وأن توجد قواتها في مدينة سنجار التابعة لمحافظة نينوى لمطاردة حزب العمال الكردستاني، يمثل تهديدا للأراضي العراقية.

وقال مسجدي: "ما علاقة مسألة سنجار بتركيا؟ إنها شأن عراقي داخلي وعلى العراقيين وحدهم أن يحلوا هذه المسألة ويتوصلوا إلى نتيجة. نحن نرفض التدخل العسكري في العراق، ويجب ألا تكون القوات التركية بأي شكل من الأشكال مصدر تهديد للأراضي العراقية ولا أن تقوم باحتلالها".

تصريحات مسجدي جعلت المحلل السياسي العراقي حسين السبعاوي، يصفه خلال تصريحات صحفية في 2 مارس/آذار 2021 بأنه أصبح "مندوبا ساميا" لإيران وليس سفيرا اعتياديا، وذلك من خلال تصرفاته كيفما يشاء في العراق حتى مع سفراء باقي الدول لدى بغداد.

وفي 26 سبتمبر/أيلول 2019، أثارت تصريحاته امتعاضا عراقيا حينما قال مسجدي إن إيران ستستهدف القوات الأميركية في العراق إذا تعرض النظام الإيراني إلى الهجوم.

وكذلك لقاءاته مع زعماء مليشيات شيعية صنفتها الولايات المتحدة على لوائح الإرهاب، وعلى رأسهم زعيم مليشيا "النجباء" أكرم الكعبي في 26 يوليو/ تموز 2018.

ووصفت تقارير أسلوب ونهج، مسجدي، في العراق بأنه يمثل الحاكم الفعلي لخامنئي في العراق، مستندة إلى شواهد عديدة، منها: حينما شارك بمناسبة نظمها برلمان العراق في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وطلب رئيس الجلسة الوقوف احتراما لشهداء العراق، فإذا بمسجدي يغادر القاعة، ما أثار غضبا كبيرا ووصف تصرفه بأنه "مهين للعراقيين".

مستشار سليماني

مسجدي يحمل رتبة عميد في الحرس الثوري الإيراني، وعمل قبل تعيينه سفيرا لدى بغداد مستشارا أعلى للجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" السابق، وكذلك مسؤولا عن ملف العراق في الحرس الثوري، حيث لعب دور المشرف على تأسيس قوات "الحشد الشعبي" الشيعية الموالية لطهران في العراق.

ويعتبر مسجدي من أقدم قادة الحرس الثوري ومن أوائل قيادات "فيلق القدس"، حيث كان يترأس مقر "رمضان" في الحرس الثوري، وهو فرع العمليات الاستخبارية للحرس الثوري خارج إيران، ومختص بحرب العصابات والقتال في الشوارع تم إنشاؤه عام 1983.

استقر الجنرال مسجدي منذ عام 2014 في العراق كمشرف على مقر فيلق القدس هناك، ويعتبر المسؤول الأعلى لتنفيذ السياسات الإيرانية في العراق، ويشرف على العمليات التي تقوم بها إيران، سواء من أجل توسيع نفوذها أو تصفية خصومها في العراق، وفقا لتقارير صحفية في 12 يناير/ كانون الثاني 2017.

وتنسب إلى مسجدي إشرافه على عملية خطف رعايا بريطانيين في بغداد عام 2009، والهجوم على مقر القوات الأميركية في كربلاء في 2007، وشن هجمات صاروخية استهدفت منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة عندما كانوا في مخيمي أشرف وليبرتي بالعراق.

وفي عام 2017 قال مسجدي في ذكرى مقتل عدد من قوات الحرس الثوري في سوريا: "كان خط المواجهة على جبهاتنا بالأمس يمتد من أروندرود، وشلمجة، ومهران، وحاج عمران (مدن إيرانية). اليوم تم نقل هذا الخط الأمامي إلى دمشق وحلب والموصل والفلوجة".

وفي مايو/ أيار 2016، كشف مسجدي عن دور فيلق القدس في الحفاظ على نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بالقول: "بعد سيطرة المعارضة المسلحة السورية على أغلب المناطق في دمشق وريفها، وشارفت على سقوطها بالكامل، تدخلنا في اللحظات الأخيرة وأنقذنا دمشق والرئيس السوري بشار الأسد من السقوط الحتمي في يد المعارضة المسلحة".

وقال مسجدي: "سقوط الحكومة السورية في دمشق على يد المعارضة المسلحة كان سيؤدي إلى قطع الارتباط بين إيران وحزب الله في لبنان، وفي هذه الحالة نعتقد أن حزب الله ستتم محاصرته، وسيكون موقفه ضعيفا جدا، وسيمر بأوضاع صعبة في لبنان".

انضمامه للحرس

ولد إيرج مسجدي في عام 1957 في مدينة عبادان بمحافظة خوزستان، وله 37 سنة خدمة في قوات الحرس وبعد تشكيل مقر "رمضان" الذي أسس في عام 1983 للتدخل في شؤون العراق، أصبح رئيسا لأركان المقر.

مسجدي متزوج ولديه 3 أبناء، وحاصل على البكالوريوس في التاريخ من جامعة الشهيد بهشتي (الجامعة الوطنية الإيرانية)، وكذلك الماجستير من مديرية الإستراتيجية، حيث مارس التدريس في مختلف الجامعات الإيرانية.

جاء مسجدي إلى الحرس الثوري من جماعة "منصورون"، التشكيل الذي كان ينشط في جنوب إيران ضد نظام الشاه إلى جانب "تنظيم مجاهدي الثورة الإسلامية".

وشكل التنظيمان معا النواة الأولى لقوات "حرس الثورة"، والتي كانت تضم قائد الحرس الأسبق محسن رضائي ونائبه قائد القوات البحرية ووزير الدفاع السابق وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الحالي علي شمخاني والجنرال محمد باقر ذو القدر، والجنرال غلام علي رشيد عضو قيادة أركان القوات المسلحة.

ونشط مسجدي لسنوات طوال في المناصب السياسية والأمنية والدفاعية والثقافية والاقتصادية للعراق، حيث كانت وظيفته خلال الحرب الإيرانية- العراقية في ثمانينيات القرن العشرين، جمع العراقيين الفارين من الحرب، بمن فيهم مليشيا "فيلق بدر" التي كان يتزعمها رجل الدين الشيعي محمد باقر الحكيم، وتشكيل قيادة "مقر رمضان".

بعد الحرب بين إيران والعراق وتشكيل فيلق "القدس" في عام 1990، وبالنظر إلى أهمية العراق للنظام في المقام الأول، أصبح إيرج مسجدي قائد الفيلق الأول في قوات القدس للتدخل في العراق والقيام بأعمال مسلحة مختلفة في الداخل.

وتؤكد مواقع معارضة إيرانية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 أن "تقارير مستقاة من داخل النظام الإيراني تشير إلى أن مسجدي هو من يعطي الأوامر بفتح النار على المحتجين في العراق".

وقتل أكثر من 700 شخص، غالبيتهم من المتظاهرين، منذ بدء موجة الاحتجاجات بالعراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، نتيجة استخدام قوات الأمن الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أصدرت الولايات المتحدة الأميركية عقوبة بحق مسجدي. وقال بيان لوزارة الخزانة الأميركية إن "مسجدي لعب دورا رئيسا في صنع السياسات فيلق القدس التابع لقوات الحرس الإيراني في العراق".

كما اتهمت الولايات المتحدة السفير الإيراني في العراق بـ"الإشراف على برنامج تدريب ودعم للجماعات العراقية المسلحة وتوجيه أو دعم الجماعات المسؤولة عن الهجمات التي قتلت وجرحت القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق".