احتجاجات ومطالبات بالإصلاح.. هذه أبرز أزمات القطاع العام في العراق

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع "جلوبال ريسك إنسايت" أن إصلاح القطاع العام في العراق وإن كان ضرورة قصوى لخروج هذا البلد من نفق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه يواجه تحديات وعقبات كثيرة.

ويشغل القطاع العام في العراق غالبية العمالة في البلد الغني بالنفط. وأدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا إلى أزمة اقتصادية وعجز متزايد في الميزانية. 

لكن حيثما توجد أزمة، هناك فرصة: فهل سيحقق عام 2021 إصلاحا مطلوبا بشدة للقطاع العام في العراق؟ 

اندلاع الاحتجاجات

عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العراق في عام 2019، طالب المتظاهرون بإصلاحات كبيرة. 

كانت أهم المطالب تتركز على توفير الخدمات العامة الأساسية والحد من البطالة  ومعالجة الفساد المستشري في جميع أنحاء البلاد، في الوقت الذي يعتبر فيه فساد الطبقة السياسية الحاكمة، وما ينتج عنه من سوء الإدارة الاقتصادية، السبب الجذري للأزمات المذكورة أعلاه.

يأتي ذلك في الوقت الذي واجهت فيه البلاد تطورين مرهقين، وهما جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط. 

وفي بلد يمثل فيه البترول 90 بالمئة من إيرادات الدولة، أثبتت هذه التطورات أن لها عواقب وخيمة، فقد واجهت الحكومة العراقية أزمة سيولة أدت إلى عجز حاد في الميزانية.

وبات من الضروري اتخاذ إجراءات لتجنب الانهيار الاقتصادي، فيما سيكون إصلاح القطاع العام أحد أكبر التحديات التي يجب معالجتها في هذه الأزمة. 

قطاع عام متضخم

وبسبب أزمة السيولة، تأخرت مدفوعات غالبية موظفي الخدمة المدنية العراقية الشهرية في عام 2020. وفي دولة يعد فيها القطاع العام مسؤولا عن توفير غالبية الوظائف، يفرض مثل هذا السيناريو تحديا كبيرا للدولة العراقية. 

وتقدر الأمم المتحدة أن التوظيف في القطاع العام يوفر ما يقرب من 60 بالمئة من جميع الوظائف في العراق مما أدى إلى تضخم القطاع العام الذي يبلغ إجمالي الإنفاق السنوي فيه حوالي 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.  

وقد أعاق التراجع الأخير في عائدات النفط قدرة الحكومة على دفع هذه الأجور، وأفرز أزمة اقتصادية وديونا ضخمة.

 وتسلط احتجاجات موظفي الخدمة المدنية ردا على عجز الحكومة عن سداد هذه المدفوعات الضوء على الحالة الراهنة للهشاشة السياسية داخل هذا البلد.

وبعد أن أدركت الحكومة العراقية هذه المشكلة نشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2020، ورقة بيضاء توضح عزمها التحول من اقتصاد مركزي إلى اقتصاد السوق. 

وهو أمر يشير إلى خفض كبير في عدد موظفي الخدمة المدنية، إلى جانب خلق المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص.  

مع ذلك، فإن إلقاء نظرة فاحصة على هذه الوثيقة يوضح أنه لا توجد تفاصيل دقيقة حول كيفية تحقيق هذا الهدف الطموح.

ومن أجل دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، قرر البنك المركزي العراقي تخفيض قيمة الدينار العراقي بنسبة 23 بالمئة مقابل الدولار الأميركي. وتسبب هذا الانخفاض في قيمة العملة بارتفاع معدل التضخم في اقتصاد البلاد. 

ورغم أن  برنامج التقشف كان حتميا من وجهة نظر اقتصادية، فإن عموم العراقيين انتقدوا بشدة هذه الخطوة، التي دفعت بالأسعار إلى بلوغ مستويات قياسية، في بلد يستورد غالبية احتياجاته. 

وكإجراء وقائي، نشرت الدولة العراقية قوات الأمن بالقرب من مكاتب مالية مهمة في بغداد خوفا من الاحتجاجات، وهي خطوة تصور الحساسية السياسية لهذا القرار. 

نظام المحسوبية

استخدمت النخبة السياسية في العراق القطاع العام كنظام رعاية، حيث كان حصول النخبة السياسية على الدعم شرطا للحصول على وظيفة في القطاع العام. 

أصبح هذا النظام غير مستدام وهي مسألة وقت قبل أن ينهار بالكامل، لأن الاقتصاد العراقي غير متنوع بما يكفي للحفاظ على هذا الإنفاق العام وفق التقرير. 

وأثارت غنائم عائدات النفط أيضا قضية ما يسمى بالموظفين "الوهميين"، حيث وظفت شخصيات سياسية رفيعة المستوى موظفين خياليين مقابل رواتبهم، ويتم ذلك لتحقيق مكاسب مالية شخصية. 

تشير التقديرات إلى أن عدد الموظفين الوهميين يبلغ حوالي 300 ألف، وهو مؤشر واضح على سوء إدارة القطاع العام. 

وليس من المستغرب حتى في خضم الأزمة الاقتصادية، أن الحكومة العراقية لم تظهر أي نية لخفض نفقاتها العامة وإصلاح القطاع العام.

 وتحافظ مسودة الميزانية الفيدرالية لعام 2021 على مستوى عال من الإنفاق يعتمد إلى حد كبير على عائدات النفط مع عدم وجود مؤشر على خفض عجز الميزانية بشكل فعال. ومن وجهة النظر السياسية، هذا أمر مفهوم.

 فمع قرب موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول 2021، يمكن اعتبار تقليل عدد موظفي الخدمة المدنية بمثابة انتحار سياسي.

علاوة على ذلك، يبدو أن الطبقة السياسية متمسكة بنظام المحسوبية الخاص بها لأنها تنوي زيادة فرص العمل للشباب في القطاع العام استجابة للاحتجاجات المناهضة للحكومة.

  وهي إستراتيجية فاشلة على المدى الطويل وفق التقرير، لأنه لا يمكن للقطاع العام أن يحافظ على ديمومته بهذه الطريقة، خاصة أن سوق العمل يستقبل كل عام  700 ألف شاب عراقي.

تنبؤ بالمناخ 

إن خطر المزيد من زعزعة الاستقرار أو الاضطرابات السياسية هو احتمال واقعي. ومن العوامل المهمة التي يجب الانتباه إليها، الميزانية الفيدرالية لعام 2021، والتي تتم مناقشتها حاليا في البرلمان قبل التصويت عليها.  

وإذا ظلت الميزانية دون تغيير عن المسودة، فمن المرجح أن تكون هناك حاجة إلى تخفيض كبير في قيمة العملة.

ويحذر التقرير من أن  تخفيض قيمة الدينار العراقي لن يكون كافيا، حيث يجب أن يكون هذا الإجراء مصحوبا بإصلاحات مهمة في القطاع العام، وهو أمر لا ترغب القوى السياسية العراقية في حصوله.  

ورغم اعتراف المسؤولين العراقيين بالحاجة إلى الإصلاح، فإن التأثير الكبير المتوقع للإصلاح المطلوب على السكان العراقيين من خلال تقليص أعداد كبيرة من موظفي الخدمة المدنية، يجعل الحكومة العراقية غير مستعدة لإصلاح القطاع العام.

نتيجة لذلك، وبغض النظر عن القرار الذي ستتخذه القيادة العراقية، فمن المحتمل أن تظل الاضطرابات السياسية والاحتجاجات الواسعة الانتشار سائدة على خلفية انعدام الأمن الاقتصادي.

وستكون انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021 حدثا حاسما للتوقعات الاجتماعية والاقتصادية للعراق. 

فمع إقرار قوانين انتخابية جديدة، هناك أسباب تدعو للتفاؤل حيث بدأ الشباب العراقي الذي شكل العمود الفقري للاحتجاجات في تشكيل أحزابهم الجديدة والمشاركة في الانتخابات بأنفسهم.

ويمكن النظر إلى المزيد من المشاركة السياسية  للشعب العراقي على أنها خطوة في الاتجاه الصحيح نحو بداية جديدة لأرض النهرين.