"تجمع شواذ جدة" نموذجا.. كيف تشجع أنظمة الثورات المضادة الإباحية؟

إسماعيل يوسف | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل غياب المتابعة الواعية للنظام العام ورعاية العادات والتقاليد والأخلاق الإسلامية بالسعودية، فوجئ سكان مدينة جدة بمشهد غير مألوف لتجمع من الشواذ يرقصون ويقبلون بعضهم أمام آخرين يصفقون لهم.

المقطع المصور الذي تداوله ناشطون سعوديون في 6 مارس/ آذار 2021، لشواذ بمدينة جدة وهم يحتفلون، أعاد الجدل حول ظاهرة الشذوذ التي تحرص أنظمة الثورات المضادة في العالم العربي على نشرها بين الشباب والفتيات تحت دعاوى حرية التعبير والانفتاح.

"تجمع جدة" أثار غضب السعوديين فطالبوا بعودة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتساءلوا عن أسباب قمع واحتجاز الشرطة للمواطنين وبالمقابل عدم تصديهم للانحلال، في خلل واضح بين الأمن السياسي والجنائي.

الواقعة أثارت ضجة شديدة، وانتشر هاشتاج #تجمع_شواذ_في_جدة وتصدر تويتر بالسعودية ومصر، وسط دعوات غاضبة تطالب بالقصاص من المحتفلين الشواذ.

تزامن هذا مع تقارير من هيئات حقوق الإنسان وحرية الأديان في أميركا وأوروبا تطالب بحماية الشواذ في الدول العربية، وعدم تعرض أجهزة الأمن لهم.

"شواذ جدة"

طبقا للدستور واللوائح، تصنف السعودية الشذوذ، باعتباره "تطرفا" بحسب بيان للإدارة العامة لمكافحة التطرف برئاسة أمن الدولة السعودي في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وتجرّمه القوانين وتعاقب عليه بالسجن، أو الجلد، أو القتل.

إلا أن الواقع الذي يشهد تقاربا بين ولي العهد والغرب، وسياسة الانفتاح التي اتبعها ابن سلمان أدت لظهور هذه المشاهد الغريبة عموما في المملكة، لحد استضافة "هيئة الترفيه" مغنية إباحية (نيكي ميناج) في 18 يوليو/ تموز 2019.

أسهم في انتشار مظاهر الانحلال تجميد النظام السعودي لصلاحيات "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في 11 أبريل/ نيسان 2016، وبالمقابل تدشين "هيئة الترفية" بعدها بشهر واحد في 7 مايو/ أيار 2016.

حد ابن سلمان من صلاحيات هيئة "الأمر بالمعروف"، ومنع قيام رؤسائها وأعضائها بإجراءات الضبط الجنائي والتحقيق والقبض، ليصبح دورها هو الدعوة فقط.

انعكس هذا على خلع نساء وفتيات للحجاب دون اعتراض، وجلوسهن في الكافيهات لتدخين الشيشة، وإقامة احتفالات غنائية ومسابقات مصارعة واستقدام أجانب لإحيائها.

في هذا السياق، فوجئ أهالي منطقة "الكبري الميت" بجدة يوم 5 مارس/ آذار 2021، بشبان يتمايلون كأنهم في ناد أو مرقص، ويقبلون بعضهم وسط أصوات الطبل والموسيقى.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، اضطرت السلطات السعودية للقبض على العديد من الشبان الذين ظهروا في مقطع مصور لزواج شواذ جرى في منتجع بمكة بعدما أثار ضجة كبرى. 

واقعة تجمع الشواذ، أعادت أيضا للأذهان، استقدام نظام ابن سلمان، مصارعين ومصارعات يرتدين البكيني، وعروض أزياء ومطربات لإقامة حفلات للشباب، بملايين الدولارات.

وصل الأمر لحد إعلان "توني هابري"، مدير الاتصالات بشركة Addmind Hospitality Group، المالكة لملهى (WHITE) لموقع Step Feed، افتتاح أول ملهى ليلي بجدة في 11 يونيو/ حزيران 2019.

نقل موقع Step Feed عن "هابري" أن الملهى الليلي على شاطئ جدة سيكون له اسم محافظ بسبب البيئة المحافظة وسيطلق عليه "مقهى أو "صالة راقية".

وحسبما نقل موقع "ميدل إيست أون لاين" في 18 فبراير/ شباط 2018 عن صحيفة الوطن السعودية، رصدت "هيئة الأمر بالمعروف" عام 2008 حوالي 19 ألف شخص، منهم 11 ألف سعودي، بقضايا شذوذ.

ضغوط خارجية

"هذه الظاهرة ناتجة عن الضغوط الخارجية لتلميع الشذوذ، فهناك توجه لدى بعض القنوات لاستخدام بعض المصطلحات الأكثر إيجابية لتلطيف الظاهرة وإضفاء الناحية الإيجابية عليها".

بحسب أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود بالرياض، الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد: "يجري تحويل القضية السيئة إلى قضية مقبولة من الناحية اللغوية، فيستبدلون مصطلح "الشذوذ الجنسي" بـ "الشذوذ"، بدعوى منح الشاذين جنسيا حرية التصرف".

يعتقد "سعيد"، أنه يجب تفعيل مواثيق الشرف العربية ومنع التحريض على السلوكيات الشاذة التي تخالف القيم والعادات، ومراعاة المعايير الأخلاقية وعدم الرضوخ للضغوط الغربية، بحسب قوله لصحيفة "المدينة" 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2011.

المذيع أحمد منصور اتهم ولي العهد السعودي بالسعي لحماية الشواذ رضوخا للضغوط الخارجية، لحد تأسيس منظمة للشواذ رسمية قانونية ومسجلة هي "منظمة مختلف".

في تغريدة لمنصور 3 ديسمبر/ كانون الأول 2019، كتب يسخر مما أسماه "آخر إنجازات خادم الحرمين (ملك السعودية)؟ بمنظمة رسمية للشواذ، ويسأل: إلى أين يريدون أخذ الشعب السعودي؟ وأين العلماء الذين خرست ألسنتهم وعميت قلوبهم؟

"منظمة مختلف" تعرف نفسها على تويتر بأنها "أول منظمة سعودية مسجلة لدعم الشواذ جنسيا وثنائيي الجنس والترانسجندر والكوير".

وعقب انتشار مقطع مصور لـ"تجمع شواذ جدة"، تحدث نشطاء مواقع التواصل عن ضغوط الإدارة الأميركية على السعودية، وسعيها لـ "عصر جديد للشذوذ" بالضغط من أجل المزيد في ملف حقوقهم.

قالوا إن إدارة بايدن ضمت بشكل متعمد في إدارتها وزراء شواذ ومتحولين، كرسالة سياسية، لدول العالم ومنها السعودية.

أكد النشطاء أن هذه هي "السعودية الجديدة" التي يريدونها بالتقرب إلى الغرب، مشيرين الى أن تكرار هذه المشاهد في السعودية هو نتيجة خطط ولي العهد السعودي التي تسمى ""إصلاحية".

مسوح الأخلاق

الظاهرة ليست قاصرة على السعودية وحدها، لكنها موجودة في دول عربية أخرى منها مصر، وتشجعها ضغوط أميركية ودفاع أوروبي حار عن الشواذ أكثر من دفاعهم عن معتقلي الأنظمة القمعية.

لا توجد دراسة متخصصة عن عدد الشواذ بمصر، لكن مركز "بيو" الأميركي قدر عددهم عام 2013 بـ 1.6 بالمئة، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالتعداد السكاني.

لا يوجد تشريع في مصر ينص صراحة على تجريم الشذوذ، لكن من يُلقى القبض عليه، يُدان بتهم "الفسوق" أو "إهانة الأخلاق العامة"، حيث تعاقب المادة 296 من قانون العقوبات بالحبس من سنة لخمس سنوات، "كل من قاد أو حرض أو أغرى بأي وسيلة ذكرا لارتكاب فعل اللواط أو الفجور".

قانون العقوبات نص أيضا على مكافحة الفسق والفجور، في المادة 178، بالحبس مدة سنتين، وغرامة 5 -10 آلاف جنيه لمن "صنع أو حاز ... مطبوعات أو صور منافية للآداب العامة".

عقب انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، وتصفية واعتقال أنصار التيار الإسلامي وشيطنة جماعة الإخوان المسلمين، انتشرت موجة إباحية، شجعها اهتمام السلطة بـ "الأمن السياسي" على حساب "الجنائي".

حاول النظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي الظهور بشكل محافظ متدين وتقمص دور المصلح وارتدى مسوح التدين، محاولا سحب البساط من الإخوان، فقام بحملة قمع لتجمعات أخرى بدعاوى حماية الأخلاق.

ضمن هذه الحملة التي ترتدي مسوح الأخلاق، تم القبض على شواذ جنسيا، في حملات عامي 2014 و2017، كما أحالت النيابة العديد من فتيات تيك توك للمحاكمة بدعاوى "محاربة قيم الأسرة المصرية".

أشهر هذه الحملات الأمنية كانت اعتقال العشرات من الشواذ في حمام بوسط القاهرة 7 ديسمبر/ كانون الأول 2014 بتهمة "الفجور"، ومصادرة مقهى بتهمة ممارسة عبادة الشيطان.

اعتقل آخرون عقب حفل لفريق "مشروع ليلى" اللبناني 22 سبتمبر/ أيلول 2017 بمول كايرو فيستيفال سيتي شرق القاهرة، رفع خلاله بعض الشباب علم قوس قزح، "rainbow" الذي يرمز للشواذ.

بالتزامن، شنت وسائل الإعلام حملة منظمة ضد الشواذ باتهامهم تارة بـ "الفسق" أو "الفجور" أو وصمهم بـ "المرض" أو "الانحراف".

جرى توظيف المؤسسات الدينية، وأعلن الأزهر أنه سيتصدى للشذوذ بالطريقة نفسها التي يتصدى بها للإسلاميين المتطرفين، وعقدت كنائس مؤتمرا ضد الشذوذ، بدعوى "دعم الموقف الرسمي للدولة".

في خطبة الجمعة 29 أيلول/ سبتمبر 2017، قال شيخ الأزهر: "كما يتصدى الأزهر للجماعات المتطرفة.. فإنه كذلك سيواجه دعاوى الانحلال والانحراف الجنسي".

انتقدت العفو الدولية 2 أكتوبر/ تشرين أول 2017 ما قالت إنه "تهم مفبركة تستخدمها مصر لاعتقال ومضايقة المشتبه في أنهم مثليين جنسيا"، وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 إن عدد المعتقلين على خلفية حفل "مشروع ليلى" بلغ 75 شخصا متهمين بـ"الاعتياد على ممارسة الفجور".

وقالت إن "عقاب الاختلاف الجنسي في مصر"، هو "الاستهداف العمدي والمتزايد من جانب الشرطة لكل من يُشتبه في اختلاف ميولهم الجنسية وبخاصة إذا كانوا مثليين".

تدين شكلي

يقول مركز مالكوم كير كارنيغي إن "الحملة التي تشنّها حكومة السيسي على ما يوصَف بـ "السلوكيات غير الأخلاقية" هي أحدث المحاولات لفرض تفسير للإسلام مطابق لتوجّهات الدولة في مصر".

وفي تقرير عن "النزعة الأخلاقية للسيسي"، 19 كانون الأول/ديسمبر 2014، اعتبر مركز "كارنيغي" الأميركي للبحوث طرق السلطة على وتر الأخلاقيات والآداب العامة في خطابها العام، ووصف الشواذ والملحدين بأنهم أعداء الشعب (إلى جانب الإخوان المسلمين)، محاولة لـ "تحويل أنظار الرأي العام عن الفساد".

تقرير أكاديمي آخر نشرته مجلة "فورين أفيرز" ذكر أن مصر تحت قيادة السيسي "يلعب الدين فيها دورا داعما للحكم الاستبدادي السلطوي، ومبررا لقمع المعارضة، وخاصة المعارضين الإسلاميين".

قالت إن "السيسي يحاول إضفاء شرعية على حكمه من خلال المؤسسات الدينية المطيعة له".

"روبرت سبرنجبور، أستاذ العلوم السياسية بالكلية البحرية الأميركية والمتخصص في العسكرية المصرية، قال إن "السيسي يستخدم الدين لإضفاء صبغة شرعية على حكمه الدكتاتوري، وهو ما لم يلحظه المراقبون الغربيون"، على حد قوله.

قال الكاتب في المقال الذي جاء بعنوان "المرجعية الإسلامية السرية للسيسي" Sisi's Secret Islamism عدد 26 مايو/ أيار 2014 إن السيسي يحاول تصوير هيمنة الجيش على الاقتصاد على أنها جزء من اهتمامه بخلق مناخ اقتصادي إسلامي".