النقل البحري في مصر.. كيف حوله السيسي من قطاع مدني إلى ثكنة عسكرية؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قطاع النقل البحري والموانئ التجارية يعد من أبرز مظاهر عسكرة الاقتصاد والهيئات الحكومية في مصر، خلال حقبة الجنرال الانقلابي عبد الفتاح السيسي.

يخضع القطاع لسيطرة مجموعة من لواءات الجيش لا سيما قادة القوات البحرية وكبار الضباط، الذين تولوا زمامه وانتشروا في مفاصله الإدارية والفنية عبر أذرع عسكرية تتخفى وراء واجهات وشركات صورية.

كذلك يأتي جهاز الصناعات والخدمات البحرية التابع لوزارة الدفاع، الذي يفرض هيمنته الكاملة على النقل البحري والنهري والموانئ بالإضافة إلى صناعة وصيانة السفن، وكذلك قطاع الجمارك البوابة الرئيسية للصادرات والواردات.

جنرالات الموانىء

بإلقاء الضوء على الهيكل التنظيمي لقطاع النقل البحري وإدارة الموانئ، وشركات جهاز الصناعات البحرية التابع لوزارة الدفاع، سنجد على رأس كل إدارة لواء جيش، وواحد من الضباط الموثوقين داخل القوات المسلحة، ولا يكاد يوجد مدني يحظى بفرصة قيادية رفيعة في ظل هذا الكم الهائل من الضباط ومن أبرزهم: 

  1. اللواء رضا أحمد إسماعيل خليل، رئيس قطاع النقل البحري. 
  2. اللواء حسام حسين الرويني، نائب رئيس مجلس الإدارة للتشغيل. 
  3. اللواء فهمي عبده محمد عليبة، نائب رئيس مجلس الإدارة للاستثمار. 
  4. اللواء حسين مصطفى حسين الجزيري، رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية لسلامة الملاحة البحرية. 
  5. اللواء هشام علي مشهور، رئيس الإدارة المركزية، والهيئة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات. 
  6. اللواء أركان حرب أحمد فتحي مختار، مساعد قائد القوات البحرية للمشروعات. 
  7. اللواء وليد عوض، رئيس مجلس إدارة هيئة ميناء دمياط. 
  8. اللواء خالد زهران، رئيس الهيئة العامة لموانىء البحر الأحمر (يتبعها موانئ: السويس - الغردقة - شرم الشيخ - الأدبية - سفاجا - شمال السخنة - نويبع - الطور).
  9. اللواء أشرف عبد المنعم، نائب رئيس الهيئة العامة لموانىء البحر الأحمر. 
  10. الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، التابعة لقطاع النقل البحري. 
  11. اللواء أحمد نجيب شرف، رئيس هيئة موانئ بورسعيد. 
  12. اللواء محمد شعبان عبد الفتاح مرعي، نائب رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس للقطاع الجنوبي للنقل البحري. 
  13. اللواء محمد عبدالعزيز براية، نائب رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس للقطاع الشمالي للنقل البحري. 
  14. اللواء محمد شريف، مدير ميناء العريش. 
  15. العميد أشرف المغني، مدير عام ميناء السخنة. 
  16. عميد ماجد فهمى، مدير ميناء نويبع.
  17. اللواء خالد توفيق، مدير ميناء طور. 
  18. اللواء سامح عبد العزيز، مدير ميناء الغردقة. 
  19. اللواء ياسر عبد الفتاح راشد مدير ميناء سفاجا.
  20. اللواء أمجد محمد خاطر، رئيس قطاع سلامة السفن، في الهيئة المصرية للملاحة البحرية. 
  21. لواء بحري أركان حرب، محمد عبد العزيز، رئيس جهاز الصناعات والخدمات البحرية. 

مثلت تلك المجموعة قمة هرم قطاع النقل البحري في مصر،الذي ينضوي تحت لواء وزارة النقل التي يترأسها في الأساس الفريق كامل الوزير أحد العسكريين المقربين من السيسي، بينما يوجد عشرات الضباط من أصحاب الرتب الأقل في مناصب أخرى مختلفة، ضمن التراتيبية الإدارية للقطاع.

شركات الجيش 

الدور الذي تلعبه وزارة الدفاع، أو كبار ضباط الجيش في الاقتصاد الرسمي، يتجاوز تقديم مساهمات إلى الصناديق العسكرية خارج الميزانية، وفيما يخص قطاع النقل البحري والموانئ، تأتي شركات الجيش المتوغلة في ذلك المجال مزودة للقوات المسلحة، بالمستهلكات والخدمات غير القتالية.

الأهم من ذلك أنها تقوم بأشغال عامة أساسية بموجب عقود صادرة عن الوزارات والهيئات الحكومية، تستطيع من خلالها أخذ معظم الامتيازات، وتعطيل المستثمرين والشركات والهيئات المدنية العاملة في قطاع البحار. 

ومن أبرز شركات ومؤسسات وزارة الدفاع، التابعة لجهاز الصناعات والخدمات البحرية، والتي تعتبر الأذرع النافذة لإحكام سيطرة الجيش:  

شركة تريمف

تعتبر شركة تريمف للنقل البحري واحدة من الشركات الأساسية في مجالات النقل البحري، وهى إحدى شركات جهاز الصناعات والخدمات البحرية التابع لوزارة الدفاع والإنتاج الحربي، ويقودها اللواء بحري أركان حرب، كمال الدين جمال.

وتمتلك شركة تريمف للنقل البحري 3 سفن، منهما سفينتان متماثلتان (الحرية - الحرية 2)، حمولتهما 6000 طن لكل سفينة، وكانت هذه السفن مجهزة لنقل المعدات العسكرية والمعدات الثقيلة، لكنها الآن تقوم بنقل كافة أنواع البضائع العامة والتجارية. 

كما أن السفينة الثالثة (الحرية 3) تأتي بحمولة 10.000 طن، وتعمل أيضا على نقل البضائع.

شركة النيل الوطنية للنقل النهري

رغم أن شركة النيل الوطنية للنقل النهري، التي يرأسها حاليا اللواء إمري عبد الرحمن، تأسست بقرار من وزير النقل والمواصلات رقم 21 لسنة 1963، كشركة مساهمة وطنية تتبع الحكومة المصرية للنقل الداخلي.

لكن في عام 2009 تم شراء الشركة لصالح الجيش، من قبل الشركة القابضة للنقل البحرى والبرى، بقرار من رئيس الجمهورية، وانتقلت تبعيتها منذ ذلك الحين إلى جهاز الصناعات والخدمات البحرية التابع لوزارة الدفاع. 

كانت الشركة تعد رائدة النقل النهري في الجمهورية، وأصبحت حاليا من الدعائم الأساسية لجمهورية الضباط، وقطعت الطريق على الشركات المدنية، خاصة وأنها تتميز عن وسائل النقل الأخرى، بما لديها من أسطول نهري ضخم مجهز لنقل كافة الأحجام والأوزان غير النمطية.

إلي جانب أنها تعتبر من أرخص وسائل النقل، على أساس تبعيتها لوزارة الدفاع وتمييزها بعدم الخضوع للإجراءات الضريبية والعثرات البيروقراطية التي تواجه المنافسين المدنيين. 

الشركة المصرية لإصلاح وبناء السفن

تعد الشركة المصرية لإصلاح وبناء السفن، من أبرز دلائل ومشاهد إحكام سيطرة العسكريين على ذلك القطاع، فهي من الشركات العريقة التي عملت لعقود بشكل مدني طبيعي.

تأسست الشركة عام 1924، على يد واحد من أبرز الاقتصاديين المصريين، وهو أحمد عبود باشا، وكانت اسمها آنذاك "شركة البوستة الخديوية للملاحة"، وبعد قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، تم نقل ملكيتها إلى وزارة النقل.

الحلقة الأبرز في تحول الشركة إلى الجانب العسكري، كانت عام 2003، عندما تم انتقال الشركة إلى جهاز الصناعات والخدمات البحرية، ويترأس مجلس إدارة الشركة حاليا، اللواء أشرف عباس. 

شركة ترسانة الإسكندرية

شركة ترسانة الإسكندرية، التي أسستها الحكومة المصرية عام 1960، كانت تعد واحدة من كبرى قلاع الصناعات الثقيلة ورائدة صناعة بناء وإصلاح السفن بمصر والشرق الأوسط آنذاك.

يقع مقر الشركة داخل المنطقة الحرة لميناء الإسكندرية الغربي المعروف بـ "الدائرة الجمركية"، حيث توجد الترسانة في قلب الخطوط الملاحية المتجهة من وإلى الشرق الأقصى.

وفي عام 2007، انتقلت ملكية الشركة إلى جهاز الصناعات والخدمات البحرية، ويترأسها حاليا اللواء بحري، حسام الدين عزت قطب، وبموجب ذلك الانتقال، استحوذ الجيش على جميع امتيازات الشركة وما تقدمه للدولة والقطاع العام من خدمات، وما تدره من أرباح.

ومن أهم نقاط قوة شركة "ترسانة الإسكندرية"، قدراتها على بناء الوحدات البحرية حتى حمولة "57000 طن"، حيث قامت ببناء جميع أنواع السفن بمختلف الأحجام لخدمة شتى القطاعات العاملة فى المجال البحرى "التجارية - الحربية".

بالإضافة إلى تقديم خدمات الإصلاح للوحدات البحرية سواء بالاحواض حتى حمولة "85000 طن" أو على الأرصفة المملوكة للشركة، كما توفر الشركة خدمات إستراتيجية فى تصنيع احتياجات السوق المحلي من المعدات الاستثمارية الثقيلة المتعلقة بقطاع صناعة السفن والنقل البحري. 

والترسانة بحكم موقع المتميز تقدم الخدمات لجميع السفن الداخلة الى ميناء الإسكندرية، فيما تحرم شركات القطاع المدني أو الخاص من كل تلك المزايا، ولا تستطيع الدخول إلى حيز المنافسة.

السيسي رفقة عسكريين خلال زيارته لترسانة الإسكندرية

النقل البحري

الصحفي عبد الناصر سلامة، رئيس تحرير جريدة الأهرام (حكومية) السابق، كتب مقالة لصحيفة "المصري اليوم"، بتاريخ 14 أغسطس/ آب 2017، تحت عنوان "سيادة الرئيس.. هذه شكواي".

عبد الناصر وجه انتقادات لعسكرة قطاع النقل ومن ضمنه النقل البحري، قائلا: "هناك فهم خاطئ لطبيعة العمل بوزارة النقل، ذلك أنها تحتاج فى المقام الأول إلى مهندسين متخصصين فى جميع المجالات، نشأوا، وترعرعوا في كنف الوزارة والعمل على أرض الواقع".

وأضاف: "ليس كما هو واضح لواءات انتهت مهامهم فى مواقع خدمتهم، فتم تكريمهم بإسناد هذا الوظائف الموضحة أدناه إليهم، وهنا تكمن المشكلة، أو يكمن السر فى تلك المأساة أو الكارثة التى تعيشها مصر".

ومن أخطر نقاط الصراع المدني العسكري التي شهدها قطاع النقل البحري والموانئ، كانت خلال عهد الرئيس المدني المنتخب الراحل محمد مرسي، عندما أعلن عن مشروع "تطوير محور قناة السويس"، وهو ما ذكره الباحث في مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط، يزيد صايغ، في ورقة بحثية بعنوان "أولياء الجمهورية.. تشريح الاقتصاد العسكري المصري".

صايغ قال في الورقة البحثية التي صدرت 14 ديسمبر/ كانون الثاني 2019: "اعترضت وزارة الدفاع بشدة عندما أعلن الرئيس مرسي إطلاق مشروع تطوير محور قناة السويس، بناء على مقترحات قائمة منذ زمن بعيد لتطوير المنطقة وجذب الاستثمارات الأجنبية". 

وعزى السبب الرئيسي في ذلك إلى أن "منطقة القناة كانت فعليا إقطاعا صرفا لوزارة الدفاع التي اتخذت الأمن القومي ذريعة دائمة لتأكيد القول الفصل في أي نشاط مدني يتم القيام به ضمن ممر واسع على جانبي القناة". 

وأضاف صايغ: "لقد ترأس ألوية سلاح البحرية المتقاعدون على مدار عقود من الزمن هيئة قناة السويس وسيطروا على هيئاتها الفرعية وشركاتها، وعلى غالبية المرافئ الثلاثة والأربعين على طول الساحل المصري البالغ 2420 كيلومترا (1512 ميلًا)". 

وذكر أن "مرافق خدمة ودعم النقل البحري العابر توفر عقودا آمنة للهيئات التي تملكها وزارة الدفاع مثل ترسانة الإسكندرية، وكذلك العديد من الشركات خاصة ذات الارتباطات العسكرية. ويُعتقد أن وزارة الدفاع تفرض نسبة مئوية خارج الكشوفات المالية من دخل القناة من رسوم الشحن الدولية".

 

امتيازات الجيش

الباحث المصري المتخصص في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، قال لـ"الاستقلال": "عسكرة قطاع النقل في عهد السيسي، هو امتداد لسياسة مستمرة منذ عهد مبارك، وبطبيعة الحال أصبحت أكثر توغلا وهيمنة خلال السنوات الأخيرة، باعتبار أن الامتيازات الواسعة التي حصل عليها الجيش بعد الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013 تمثل سياسة ممنهجة ومعتمدة لرئيس النظام".

ورأى الباحث أن "وجود هذا الكم من اللواءات والرتب العسكرية في مفاصل قطاع النقل البحري تحديدا، نوع من إحكام القبضة على الاقتصاد، خاصة وأن الموانئ التجارية من أبرز الروافد المتحكمة في تلك العملية، لدورها في الاستيراد والتصدير، ومرور السفن، والمستخلصات الجمركية، وعمليات الشحن والتفريغ، وهي مساحة لا يمكن للجيش أن يتركها". 

وأضاف: "النظام المصري بشر في وسائل إعلامه بتكرار تجربة (موانئ سنغافورة) وتحويل مصر إلى مركز عالمي للخدمات اللوجيستية، وهو ما ظهر خلال لقاء وزير النقل كامل الوزير، مع السفير السنغافوري نهاية 2020".

وتابع: "لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تستطيع الإدارات العسكرية المهيمنة على ذلك القطاع لعدة عقود أن تحدث هذه الطفرة في الأساس؟! في ظل قوة وتوغل شركات عالمية في المنطقة على رأسها (موانئ دبي) التي تتحكم في مناطق إستراتيجية وحيوية في اليمن وإريتريا وتحاول الدخول إلى السودان".

وختم مولانا حديثه بالقول: "بينما يسعى السيسي إلى تحصيل الأموال بأي طريقة كانت عن طريق الجيش، كما يحدث في محاولة إقرار قانون بيع (بلازما الدم) ومشروع (مرابط) لتربية الخيول العربية، لذلك فإن الهدف دائما تحصيل الأموال وليس تحقيق نهضة أو طفرة".