"حيتان الأسد".. هكذا تستثمر روسيا في آبار نفط سورية عبر حيلة جديدة

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لتوسيع استثمارها بمجالي النفط والغاز في سوريا، لجأت روسيا إلى "حيلة جديدة"، وهذه المرة عبر تكليف "أمراء حرب" مقربين من نظام بشار الأسد، بإعادة تشغيل حقول نفط شرقي البلاد.

موسكو ركزت على الأهمية الإستراتيجية التي ستجنيها من السماح لشركة سورية محلية متخصصة بمجال التنقيب عن النفط، دون النظر لدخول تلك الشركة ضمن لوائح العقوبات الأميركية.  

وكشفت شبكة "عين الفرات" المحلية، عن فحوى الاجتماع، الذي جرى في 26 فبراير/شباط 2021، داخل مطار دير الزور العسكري، بين ضباط روس، وقائد مليشيا "القاطرجي" حسام القاطرجي، أحد أبرز أمراء الحرب المحسوبين على عائلة الأسد، وصاحب شركة "أرفادا البترولية" المعاقبة من قبل وزارة الخزانة الأميركية.

أمير حرب

وبحسب الشبكة، فإن القوات الروسية قررت تسليم مليشيا "القاطرجي" جميع حقول النفط الخاضعة لسيطرتها في دير الزور، وهما حقلي "التيم" و"الورد"، وأخرى في الرقة لاستثمارها لمدة 5 سنوات.

فيما حقلا "الحسيان" و"الحمار" بريف مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، تحت سيطرة مليشيا "الحرس الثوري الإيراني"، التي رفضت تسليمها للقوات الروسية، بذريعة توقيعها عقود استثمار مع نظام الأسد لمدة عشر سنوات.

وأشارت الشبكة إلى أن "القاطرجي" قام بتجنيد أكثر من ألف شاب من دير الزور في صفوف مجموعات "القاطرجي"، مقابل 225 ألف ليرة سورية شهريا (60 دولارا) مع سلة غذائية، ومهمة هؤلاء العناصر الانتشار في حقل "صفيان الرصافة" جنوب الرقة وصولا إلى الحسكة، وحماية الصهاريج ومرافقتها وحماية آبار النفط.

وفي 10 يونيو/حزيران 2018، أعلنت مجموعة "قاطرجي"، تأسيس شركة "أرفادا البترولية" في دمشق، برأسمال يصل إلى مليار ليرة سورية (795 ألف دولار)، تعود ملكيتها إلى كل من حسام قاطرجي بنسبة 34 بالمائة وأخيه محمد براء بنسبة 33 بالمائة، وأحمد بشير بن محمد براء قاطرجي بنسبة 33 بالمائة.

وبحسب النظام الداخلي للشركة، فإنها ستعمل في مجال الدراسات الهندسية التصميمية الأساسية والتفصيلية لمشاريع البنى التحتية النفطية والغازية، وتحديد حجم الاستثمارات اللازمة.

وتتخصص الشركة بحفر الآبار الاستكشافية والإنتاجية في المناطق والقطاعات البرية والبحرية وتجهيزها للإنتاج، وتأجير واستئجار المعدات اللازمة للحفر والاستكشاف، كما يحق لها بيع وشراء النفط الخام والمنتجات الهيدروكربونية بكافة أصنافها داخليا وخارجيا.

وحسام قاطرجي، من مواليد الرقة 1982، ويرأس "مجموعة قاطرجي الدولية" التي تضم العديد من الشركات من ضمنها "قاطرجي للتطوير والاستثمار العقاري" و"البوابة الذهبية للسياحة والنقل"، و"الذهب الأبيض الصناعية".

والقاطرجي هو رجل أعمال سرعان ما أصبح "أمير حرب"، وشكّل مليشيات تابعة له في دير الزور والرقة والحسكة، لتسيير أعماله في مجال التهريب، لا سيما أنهُ يُعد من أشهر الوسطاء، لنقل النفط والقمح من مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى النظام، وأيضا من مناطق تنظيم الدولة سابقا قبل انهياره في مارس/آذار 2019.

وبحسب تقرير نشره "مركز عمران للدراسات الإستراتيجية"، في فبراير/شباط 2019، "يعتبر آل القاطرجي أبرز الحيتان الجدد بسوريا، برأسمال يصل إلى 300 مليار ليرة سورية (238 مليون دولار)".

وأكد التقرير أن "الحرب أتاحت لهم فرصة تطوير أنشطتهم الاقتصادية عبر تفعيل شبكاتهم المحلية ووضعها في خدمة نظام الأسد، وبذلك أثبتوا الولاء ونالوا الحظوة والرعاية، الأمر الذي مكنهم من بناء إمبراطورية اقتصادية كبيرة".

أهداف روسية

ولخص المحلل والباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم، لـ"الاستقلال"، أبرز الأسباب الستة التي دفعت روسيا لإعطاء شركة القاطرجي "أرفادا" عقد الاستثمار في هذا التوقيت وهي.

السبب الأول، أن روسيا تحاول أن تخلق لنفسها طبقة موالية لها، من أمراء الحرب في سوريا لاستمالتهم، وخاصة أن قاطرجي يبتعد عن الإيرانيين لحد ما كونه من أبناء المنطقة ولديه مليشيات خاصة به.

والثاني، حقلا "التيم" و"الورد" هي عبارة عن حقول صغيرة، ويصبان في المحطة الثانية التي تتجه نحو طرطوس للتصدير، وهذا ما يجعلهما تحت يد روسيا لأهميتهما الإستراتيجية وذلك لتفعيل ميناء طرطوس الذي تستولي عليه.

وثالثا، إعطاء الحقلين المذكورين إلى حلفاء روسيا الجدد بهدف إعادة الاستثمار فيهما، يشي بأن "موسكو أصبحت صاحبة سلطة، وتحاول تقليل الشأن الإيراني أمام المجتمع الدولي"، وفق الكريم.

أما النقطة الرابعة فهي استثمار روسيا في حقول نفط دير الزور بمناطق نفوذ المليشيات الإيرانية هي "رسالة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي لإعادة دعم النظام السوري".

وأكد في السبب الخامس، أن "السيطرة الروسية على التيم والورد، يساعدان على تحجيم استعانة النظام السوري بالنفط الموجود بيد قوات قسد وبالتالي تخفيف موسكو الضغط على قسد وكسب ودهم".

سادساً، وفق المحلل الكريم- فإن شركة القاطرجي تمتلكان مصفاتي نفط قيد التأسيس، وهذا ما يساعد على تكرير النفط وتخفيف الضغط على الروس من الطبقة الموالية للنظام السوري حول أزمة المحروقات التي تعيشها مناطق نفوذ النظام.

النفط في أرقام

وبحسب أرقام وزارة النفط التابعة لحكومة نظام الأسد، فإن حقل "التيم" ينتج 2500 برميل يوميا، فيما يبلغ إنتاج حقول دير الزور الواقعة تحت سيطرة النظام وحلفائه 4600 برميل يوميا.

وهذه إحدى أبرز الإشكاليات التي يعاني منها النظام السوري، في تأمين احتياجاته من مشتقات النفط من الداخل، واعتماده على الموردات الإيرانية، والروسية في ذلك.

وتتركز معظم الحقول النفطية شرق سوريا في محافظتي دير الزور والحسكة، ومعظمها يخضع لسيطرة قوات "قسد"، وبحماية كاملة من القوات الأميركية الموجودة شرق الفرات، وتنتج جميعها قرابة 150 ألف برميل يوميا.

وهي حقل "السويدية" بالحسكة، إذ كان ينتج 110 آلاف برميل يوميا قبل 2011، فيما ينتج حاليا 50 ألفا، إضافة إلى حقول والرميلان، والشدادي والجبسة والهول، واليوسفية.

أما حقول دير الزور، والتي تديرها "قسد"، فأكبرها حقل العمر النفطي، وكان ينتج 80 ألف برميل يوميا، وينتج حاليا 25 ألفا، وحقل التنك، وحقل كونيكو للغاز.

وتشير تقارير دولية، إلى أن احتياطي سوريا النفطي، يشكل نحو 0.14 على مستوى العالم، بواقع إنتاج يومي كان قبل عام 2011، 300 ألف برميل، وانخفض خلال العشر سنوات الأخيرة إلى 40 ألف.

واعترف وزير النفط في حكومة نظام الأسد، بسام طعمة، في 3 فبراير/شباط 2021، أن خسائر قطاع النفط منذ عام 2011، بلغت 91.5 مليار دولار، وفق ما نقلت صحيفة "الوطن" المحلية الموالية.

وأمام هذه المعطيات، كان حاضرا التساؤل عن دوافع النظام السوري لتوكيل مهمة استخراج النفط من الآبار الواقعة تحت سيطرته، لأحد أبرز "حيتان الأسد" الاقتصادية كحسام قاطرجي.

وأوضح الباحث الاقتصادي، الكريم، أن النظام السوري موافق على هذه الاتفاقيات، "طالما أنها مؤقتة، كونه يبحث عن أي حل يساعده على تخفيف أزمة المحروقات في مناطقه".

وأشار إلى أن "النظام هو بالأساس يتعرض لعقوبات قانون قيصر ولا يريد حاليا الإعلان عن أي مناقصة على إعادة ترميم واستثمار هذه الحقول بل ترك المهمة لأمراء الحرب".

تنافس خفي

لكن ثمة تنافس غير معلن بين "الحرس الثوري" الإيراني وروسيا على النفط بمناطق نفوذ نظام بشار شرقي سوريا.

وفي هذا السياق، لفت الكاتب السوري، محمود الحمزة، المتخصص بالشؤون الروسية إلى أن "الصراع الحقيقي شرق سوريا، ليس بين أميركا وروسيا، بل بين موسكو والمليشيات الإيرانية على المنطقة الغنية بالنفط، وهذا ما أثبتته الوقائع والاشتباكات التي اندلعت بينهما وأسفرت عن قتلى".

وأكد الحمزة، في حديث لـ"الاستقلال" أن "صاحب شركتي ميركوري وفيلادا الروسيتين، هو رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، صاحب شركة فاغنر بنفس الوقت، وهو من يتنافس مع قاطرجي".

وبرهن الكاتب السوري المُقيم في موسكو، ذلك بقوله: إن "في أبريل/نيسان 2020، كانت هناك حملة عالمية لوسائل الإعلام الروسي ضد النظام السوري وماهر الأسد (شقيق بشار) ورجال الأعمال الذين يعملون مع النظام، وكشفت هذه الوسائل علاقة قاطرجي مع تنظيم الدولة ومع قسد، لشراء النفط والقمح لصالح نظام بشار".

وأضاف: "يبدو أن قاطرجي ومن ورائه ماهر الأسد، خضعوا أخيرا لمطالب روسيا، ووقعوا اتفاقية واعترافوا بهذه الشركات الروسية مجبرين، نظرا لثقل القوت العسكرية الروسية على الأرض السورية التي لا تستطيع قوات الأسد مجابهتها، إلا عبر التفاهم معها وتقديم العقود للروس".

ويوافق الباحث الاقتصادي، الكريم، المحلل الحمزة، أن "روسيا تحاول منع سيطرة الإيرانيين على حقلي التيم والورد، كونه يقع على خط النفط القادم من العراق، الأمر الذي يمنع الإيرانيين من مد خطوط الصداقة للنفط والغاز من إيران والعراق إلى سوريا".

وبات جليا أن الطرف الروسي، يسابق الزمن لقبض ثمن كل خطوة دعم قدّمها لنظام الأسد، لقمع شعبه، ومصوبا اهتمامه على الاقتصاد، وبالفعل فقد تم توقيع 40 صفقة تجارية إستراتيجية بين موسكو ونظام الأسد، خلال 10 سنوات، وفق مراقبين.

وهذا ما لفت إليه الباحث الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم، بقوله: إن "النظام السوري قدّم للروس عقودا كثيرة بدأت بقواعد عسكرية وانتهت بتأجير الموانئ وبعض مجالات الاستثمار".

وأكد الجاسم لـ"الاستقلال" أنه "في ظل التنافس الإيراني الروسي على ما تبقى من الكعكة السورية، ترك النظام ورقة الاستثمارات النفطية كورقة جاذبة ومهمة مع اقتراب موعد الانتخابات المزعومة، مع العلم أن المشروع الإيراني في سوريا ليس اقتصاديا بقدر ما هو عقدي أيديولوجي".