"وثيقة مسربة".. ما قصة لقاح كورونا السري الذي أهدته أبوظبي لرئيس تونس؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تدوينة لرئيس لجنة مكافحة الفساد في البرلمان التونسي بدر الدين القمودي، فجرت جدلا واسعا بين التونسيين حول اتهامات لجهات رسمية (لم يسمها) بتلقي لقاحات مضادة لفيروس كورونا.

النائب قال في تدوينته على فيسبوك مطلع مارس/آذار 2021 إن هناك معلومات شبه مؤكدة تشير إلى أن لقاح كورونا قد وصل منذ فترة إلى تونس من دولة خليجية وتم توزيعه على كبار المسؤولين والسياسيين وقيادات أمنية.

وأضاف النائب البرلماني والقيادي في حركة الشعب: "إن صحت هذه الأنباء فهذا سقوط أخلاقي غير مسبوق يرتقي إلى درجة الخيانة العظمى".

ذهبت التأويلات يمينا ويسارا موزعة التهمة على دوائر الحكم في تونس من رئاسة الحكومة إلى رئاسة مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، قبل أن تصدر تدوينة عن النائب عن حركة "أمل وعمل" ياسين العياري في نفس اليوم.

العياري أكّد في تدوينته على فيسبوك أن دبلوماسيا أعلمه منذ أكثر من أسبوعين أن دولة الإمارات قدمت جرعات من التلاقيح هبة إلى الرئاسة التونسية، وأن سفارة الإمارات استغربت آنذاك من عدم نشر رئاسة الجمهورية خبر الهبة.

الخبر وضع رئاسة الجمهورية في موقف محرج، خاصّة في ظل غضب متصاعد بسبب تأخر وصول اللقاح إلى البلاد، وجعلها في مرمى اتهامات متعددة ضربت الصورة الرمزية التي رسمها قيس سعيّد لنفسه منذ سنوات، كشخصية منزهة عن الفساد والصفقات المشبوهة.

الرئاسة اكتفت فقط بنشر بيان مقتضب للرد على الاتهامات، بالإضافة إلى تصريح متشنج لرئيس الجمهورية قيس سعيّد هاجم فيه منتقديه.

هبة سرية

سعيّد اعتاد توجيه تهمة التآمر في غرف مظلمة على معارضيه في أكثر من مناسبة، إلا أن نفس الاتهام كان ملاصقا له في هذه المناسبة من معارضيه، بعد أن كشف خبر تسلّم الرئاسة 1000 جرعة من لقاح  كورونا من الإمارات.

تزامن الكشف عن هذا الملف مع أزمة سياسية بين رأسي السلطة التنفيذية في تونس وغياب التنسيق بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، ما دفع برئاسة الحكومة في تونس إلى نشر بيان أكدت فيه عدم علمها بوصول هذه اللقاحات، و"لا بمصدرها، ولا بمدى توفّرها على الشروط الصحية والقانونية الضرورية، ولا بمآلها".

وأعلنت الحكومة عن فتح تحقيق فوري بإذن من هشام المشيشي بشأن ملابسات دخول هذه اللقاحات، وكيفية التصرّف فيها وتوزيعها.

وأشارت إلى أن إدارة عملية التلقيح تبقى من مسؤولية اللجنة الوطنية لمجابهة فيروس كورونا، في إطار الإستراتيجية الوطنية التي تمّ إرساؤها لهذا الغرض، والتي حدّدت الفئات المعنية بالتلقيح بصفة أولوية.

الناطقة الرسمية باسم وزارة الصحة وعضو اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا، نصاف بن علية نفت علمها بوصول جرعات لقاح إلى تونس، وأوضح رئيس لجنة قيادة حملة التلقيح الهاشمي الوزير، أن العديد من الأدوية والتلاقيح تدخل إلى تونس لكن لا تمر بالضرورة عبر إدارة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة.

من جهته، أفاد المدير العام للصحة محمد بن صالح، أن العديد من السفارات طلبت الحصول على تراخيص لجلب لقاحات لموظفيها، مبينا أن وزارة الصحة قد مكنت 3 سفارات من هذه التراخيص على أن يتم إجراء التطعيمات داخل السفارات المعنية.

رئاسة الجمهورية لم تذكر التاريخ الحقيقي الذي تسلمت فيه الجرعات، ما أوجد خلافا بين أنه تم منتصف يناير/كانون الثاني 2021، مثلما ورد في وثيقة مسربة من مصالح الديوانة (الجمارك) أكّدت دخول 1000 جرعة لقاح لصالح سفارة الإمارات في تونس، وبين من اعتبر أنها دخلت منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مثلما نشرت حينها بعض الصحف المحلية.

أزمة حكم

بيان الرئاسة الصادر يوم 1 مارس/آذار 2021، أوضح أنها "حصلت على اللقاحات بمبادرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، وسُلمت بأمر من الرئيس قيس سعيد، إلى الإدارة العامة للصحة العسكرية".

ورغم تأكيد الرئاسة أنه "لم يتم تطعيم أيّ كان، لا من رئاسة الجمهورية ولا من غيرها من الإدارات بهذا التلقيح"، إلا أن تساؤلات العديد من الناشطين والصحفيين حول سبب "إخفاء" رئاسة الجمهورية أمر "الهبة" الإماراتية، حتى عن الحكومة والمختصين في مكافحة الوباء أثارت جدلا.

ووجه كثيرون اتهامات للرئيس قيس سعيد بالفساد، رغم تبرير البعض من مناصريه أن تكتّم الرئاسة جاء من أجل "الحفاظ على الأمن القومي".

إلا أن القضية حسب ما يراه عدد من المتابعين للشأن التونسي، تتجاوز مسألة حصول الرئاسة على هبة من الإمارات أو تلقي الرئيس وحاشيته جرعات لقاح لفيروس كورونا وإخفائها عن عموم المواطنين الذين يواجهون الجائحة بمؤسسات صحية مهترئة ووضع اقتصادي صعب، إنّما بسياسة الرئيس سعيّد في إدارته للبلاد بمنهج استبدادي.

الناشط السياسي أمان الله الجوهري اعتبر في حديث لـ"الاستقلال" أن "هناك مشكلتين أساسيّتين فيما فعله قيس سعيّد في فضيحة التّلاقيح الإماراتيّة، الأولى هي عدم اعترافه بمؤسّسات الدّولة وبأدوارها ورغبته في التّحكّم في كلّ شيء، حتى في مسألة تقنيّة صرفة لا علاقة لها باختصاصات رئاسة الجمهوريّة مثل إدارة حملة التّلقيح".

وأضاف الجوهري أنه كان بإمكان قيس سعيّد أن يقوم بكلّ بساطة وبكلّ شفافيّة بتوجيه "هديّة" السفارة الإماراتيّة إلى المصالح المختصّة التّابعة لوزارة الصحّة لتقوم بعملها، لكنّ الرّئيس فضّل الطّرق الملتوية والتّكتّم على الموضوع فقط ليتحكّم في أمر ليس من اختصاصه وليضع الدّولة التونسيّة في وضع مخز".

وتابع: "نحن أمام مدير عامّ للصحّة العسكريّة، أو وزير للدّفاع يقوم بجزء من عمله خارج سلطة رئيس الحكومة الذي لا يعلم شيئا عن هذا الموضوع، وهذه كارثة".

واعتبر الناشط السياسي التونسي أن "المشكلة الثانية، وهي الأخطر في نظري، هي ميول قيس سعيّد لتحويل الخدمات المدنيّة إلى خدمات عسكريّة، وهذا من سمات الأنظمة العسكريّة الشّموليّة ولا يمكن أن يُقبل في نظام ديمقراطيّ".

الجوهري أكد أن هذه الميول الثّابتة في سلوك قيس سعيّد منذ تولّيه الرّئاسة تشكّل خطرا مضاعفا على الدّيمقراطيّة إذا أخذنا بعين الاعتبار المشروع السياسيّ الذي يبشّر به سعيّد والذي يقترح فيه نظاما بمؤسسات سياسيّة ضعيفة وذات شرعيّة هشّة مقارنة برئاسة الجمهوريّة".

المنّ الإماراتي 

ومع خروج ملف التلاقيح للعلن، أو تعمد الإماراتيين إخراجه للعلن، حيث سارعت وسائل إعلام إماراتية القيام بحملة دعائية للترويج لما اعتبرته مساعدة ممنوحة للتونسيين، إلا أن أحد هذه المقاطع المصورة أثار موجة غضب بين التونسيين.

منصة العين الإماراتية اختارت عنوانا اعتبره التونسيون مسيئا ومغالطة للواقع، (جزيل الشكر.. فرحة شعبية تونسية بوصول لقاح كورونا من الإمارات)، إلا أن ردود فعل التونسيين دفعت المنصة الإماراتية إلى تغيير العنوان إلى "جزيل الشكر.. هدية لقاح كورونا من الإمارات للرئاسة التونسية".

حزب "ائتلاف الكرامة" عبّر في بيانه يوم 5 مارس/آذار 2021 عن استنكاره لما أسماه "فضيحة التلاقيح الإماراتية"، معتبرا أن الحملة الإعلامية "مهينة للدّولة التّونسيّة، حيث ورد التّقرير مفخّخا بعبارات المنّ والتّقزيم، واصفا شعبنا الكريم "بالمحتاج"،… وكأنّنا شعب من الجوعى والمنكوبين، وادّعت كذبا أنّ التّونسيّين قد غمرتهم موجة من الفرحة العارمة والشّكر والامتنان لحكّام الإمارات".

وأضاف البيان "وأمام هذا البهتان والامتهان غير المسبوق لكرامة التّونسيّين ولسيادتهم، يهمّ ائتلاف الكرامة أن يعبّر عن بالغ الغضب والسّخط الشّديد والتّقزّز ممّا أقدم عليه حكّام دولة الإمارات العربية المتحدة من عدوان وقح رخيص على كرامة شعبنا، ونذكّرها بأنّ الشّعب الّذي فجّر ثورة الحرّيّة والكرامة أشرف وأنبل وأجلّ من أن يمدّ يديه إلى فُتات العطايا من موائد اللّئام المطبّعين".

من جهته، دعا الرئيس السابق منصف المرزوقي، إلى إعادة اللقاحات التي قدمتها الإمارات للرئاسة التونسية، ردا على محاولة أبوظبي استغلال الأمر في الإساءة لتونس.

وعلق المرزوقي بقوله "أوافق على اقتراح عبد اللطيف المكي (وزير الصحة السابق) وأقاسم كل تونسي وتونسية غضبه من تسريب القصة إلى استغلالها إعلاميا. أرجعوا لحكام الإمارات لقاحاتهم، المنّ الحقير لا يكون على التونسيين، يا ألدّ أعداء تحرر شعبنا وأمتنا".

يذكر أن تونس لم تتحصل رسميا على أي نوع من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا حتى الآن، رغم الوعود بقرب بدء عمليات التطعيم وفتح باب التسجيل للحصول على ما يتوفر من لقاحات حسب الأولوية.

وما زال الوضع الوبائي في تونس "حرجا" و"يتطلب الحذر"، رغم تراجع عدد الإصابات خلال الأسبوع الأول من مارس/آذار 2021، ما دفع الحكومة للتخفيف من ساعات حظر التجول.

لكن هناك تهديدات بانتشار السلالة الجديدة من الفيروس، والمعرفة بالسلالة البريطانية، كما صرحت عضو اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا نصاف بن علية، داعية إلى اليقظة والحذر.

وسجلت تونس في آخر إحصاء للوضع الوبائي 8201 وفاة من جملة أكثر من مليون إصابة منذ تسجيل أول حالة للفيروس في 2 مارس/آذار 2020.