علاقات متقاربة بين أميركا والمغرب.. لماذا عبرت إسبانيا عن انزعاجها؟

الرباط - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية تشهد تقاربا في الفترة الأخيرة، ما أصبح يمثل إزعاجا بالنسبة لإسبانيا التي تعيش أزمة دبلوماسية متفاقمة مع جارتها الجنوبية، وسط تصعيد مغربي مع الاتحاد الأوروبي.

في 3 مارس/آذار 2021، أجرت أميركا مناورات عسكرية مشتركة مع المغرب، إذ تدربت السفن والطائرات المقاتلة للبلدين جنبا إلى جنب في مناورة "مصافحة البرق 2021" التي جرت فوق سماء إسبانيا وعلى حدودها البحرية، ما دفع الأخيرة للتعبير عن امتعاضها من عدم التنسيق المسبق معها.

الزحف الأمريكي

شاركت في المناورات "المدمرة الأميركية ذات الصواريخ الموجهة، يو إس إس بورتر"، وحاملة الطائرات الأميركية، "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور"، فيما شارك المغرب في المناورات، بـ"الفرقاطة البحرية الملكية المغربية، طارق بن زياد"، بحسب السفارة الأميركية في الرباط، التي لم تذكر المدة التي تستغرقها المناورات.

السفارة الأميركية في الرباط، قالت في تغريدة على تويتر: "المناورة العسكرية تشكل جزءًا من الشراكة الأمنية القوية والدائمة، بين الولايات المتحدة والمغرب".

ووقع البلدان في 2 أكتوبر/تشرين أول 2021، اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري لمدة 10 سنوات، على هامش زيارة رسمية للرباط، أجراها وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر.

وقال إسبر آنذاك، في مؤتمر صحفي: "الاتفاقية ستفتح أبواب التعاون الثلاثي بين المغرب وأميركا والدول الإفريقية"، مستدلا على ذلك بمناورات "الأسد الإفريقي".

وفي عام 2007، انطلقت مناورات "الأسد الإفريقي" بين المغرب والولايات المتحدة، بمشاركة عدة دول إفريقية، لتطوير المهارات الميدانية والقتالية للقوات المشاركة.

في اليوم الأخير من سبتمبر/أيلول 2020، أقدم وزير الدفاع الأميركي السابق مارك إسبر، على زيارة لغرب شمال إفريقيا، بدأها بزيارة تونس والجزائر ثم المغرب.

ومع المواجهة الأميركية الفرنسية في غرب إفريقيا، ومع تمدد الحضور الروسي في ليبيا، ومع التغطية الواسعة لأوروبا الغربية لمنطقة شرق إفريقيا، فضلا عن الحضور الأميركي هناك عبر الكاميرون والصومال وكينيا وجنوب السودان، فضلت واشنطن أن تبدأ بتعويض القصور الذي خلفته التدخلات غير الفعالة للقوات الفرنسية في غرب إفريقيا، مع البدء بمجموعة من الدول التي تعاني فتورا في العلاقات مع فرنسا.

ويمثل المغرب إحدى جانبي بوابة الخروج من المتوسط إلى غرب إفريقيا، ما يجعله مدخلا مناسبا لتعزيز الحضور الأميركي في منطقة غرب إفريقيا، وهو في هذا الإطار يمثل أحد أهم الحلفاء الإستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة، ويلعب دورا مركزيا كمنصة أو قاعدة عسكرية عملياتية واستخباراتية في التصور الأميركي لأمن غرب إفريقيا. 

وتمثل الولايات المتحدة المزود الأثقل للسلاح المغربي (91 بالمئة من السلاح المغربي مصدره الولايات المتحدة)، كما أن هذا الوضع الإستراتيجي له جعله يحتضن مناورات الأسد الإفريقي تحت إشراف القيادة العسكرية الأميركية لإفريقيا (أفريكوم) سنويا.

هذا فضلا عما تجنيه القدرة العملياتية المغربية مع انتظام أكثر من 100 تمرين سنوي بين قوات البلدين على الأسلحة المختلفة البحرية والجوية وحتى البرية، أبرزها تدريبات "فونكس إكسبرس" البحرية، و"فلينتوك" لمكافحة الإرهاب.

توجس إسباني

هذا التقارب يزعج إسبانيا الجارة الشمالية للمغرب، ومن بين المخاوف التي تساورها، أن تنقل أميركا قاعدتها العسكرية البحرية "روتا" من جنوب غرب إسبانيا إلى المغرب، وهو ما عبرت عنه صحيفة "إِلْ إسبانيول" الإسبانية، في يوليو/تموز 2020، ونفته السفارة الأميركية بالرباط في بيان.

تستند العلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب دائمًا إلى مصلحة متبادلة في كل من الصناعة العسكرية والمجال السياسي، وقد حددت الإدارة الأميركية لنفسها هدفًا يقوم على حض الأوروبيين إلى الدفع مقابل الأمن.

تخشى إسبانيا، أيضا من اختلال ميزان القوى بالمنطقة في حال السماح للمغرب والجزائر، بتطويرات تسليحية.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وبعد إبرام المغرب صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة، قالت صحيفة "لا إِنفورماسيون" الإسبانية إن على بلادها أن تقلق مما يحدث في المغرب، موضحة أن "المغرب تغير كثيرا في السنوات العشر الماضية". 

القلق من التعاون العسكري المغربي الأميركي، ظهر في يناير/كانون الثاني 2021، في تقرير لصحيفة "لراثون" الإسبانية، المعروفة بقربها من الدوائر العسكرية، التي طرحت سيناريو مواجهة حربية بين المغرب وإسبانيا قد يكون السبب في تفجير حرب النزاعات الجغرافية وخاصة سبتة ومليلية المحتلتين.

وأكدت تفوق إسبانيا الجوي والبحري، إلا أنها شككت في قدرة القوات البرية لبلدها.

موازين القوى العسكرية تلعب دورا رئيسيا في تفادي وصول الأزمات بين البلدين إلى مرحلة الصدام العسكري، إذ تتابع إسبانيا الصفقات المتتالية التي أجراها المغرب لاقتناء أسلحة ثقيلة.

في تقرير لها نشرته في يوليو/تموز 2020، أوضحت صحيفة "إل كونفيدينثيال" الإسبانية، أن سلاح المدفعية الحديث الذي أصبح المغرب يتوفر عليه في السنوات الأخيرة "وضع إسبانيا خارج اللعبة"، قائلة إن فرقا كبيرا يُلاحظ بين جودة الترسانة الحربية المغربية قبل سنة 2010 ووضعها الحالي.

وأضافت أن الرباط فاجأت إسبانيا باقتناء سرب طائرات "إف 16" ومروحيات "أباتشي" وفرقاطة "فريم" ودبابات "إم 1 أرامز" وجملة من الرادارات وطائرات "الدرونز" وغيرها.

لا تنظر الأوساط الرسمية في مدريد بعين الرضا إلى التحديث المستمر للآلة العسكرية المغربية وارتباطها بالسوق الأميركية، الأمر دفع حزب "فوكس" اليميني المتطرف والمعادي للمغرب، إلى مراسلة المشرعين الأميركيين لحثهم على وقف صفقات السلاح مع الرباط.

شبكة "سبوتنيك" الروسية، نقلت عن البرلماني المغربي السابق، عبدالصمد بلكبير، قوله إن "الخلاف المغربي الإسباني ليس حديثا بل هو عريق والنزعة الاستعمارية الإسبانية تسببت في احتلاله وتحالفت مع فرنسا سنة 1912 على تقسيم المغرب وأخذت جنوبه وشماله والوسط أخذته فرنسا ثم جاء الاستقلال وبقيت مشاكل لا حصر لها".

قبل أن يزيد: "لكن في نفس الوقت، رغم هذا الصراع إلا أنه توجد علاقات اقتصادية وتجارية بين البلدين متجاوزة فرنسا في علاقتها الاقتصادية مع المغرب حتى قبل جائحة كورونا عندما تم وقف التعامل التجاري".

 

جبهات متعددة

لكن في الفترة الحالية، يبدو أن الأزمة التي يعيشها المغرب مع إسبانيا ليست الوحيدة، فقد أعلنت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي المغربية في 2 مارس/آذار 2021 "تعليق كل علاقة اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية ومع كل المؤسسات التابعة لها"، داعية جميع القطاعات الحكومية لاتخاذ نفس الخطوة.

كان أحد أسباب القرار، بحسب مسؤولين رفيعي المستوى لوكالات الأنباء الدولية، استبعاد الرباط من المفاوضات حول مستقبل ليبيا خلال مؤتمر نظّمته برلين في يناير/كانون الثاني 2020، فيما تحدثت صحف مغربية عن قضايا خلافية أخرى منها ما يتعلق بجبهة البوليساريو وأخرى مرتبطة بنشاطات ألمانيا "المشبوهة"

في 24 من فبراير/شباط 2021، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إنه يتعين على أوروبا الخروج من منطق "الأستاذ والتلميذ" في علاقتها مع الجوار الجنوبي للحوض المتوسطي، مشيرا إلى أن المغرب لن يلعب دور الدركي في مسألة الهجرة السرية. 

وأوضح بوريطة في حوار خص به وكالة أوروبا، أن "دول جنوب المتوسط، ينبغي إشراكها، ليس في القرار، ولكن على الأقل في التفكير"، وذهب الوزير إلى القول، إن "الهجرة ظاهرة طبيعية بين الضفتين"، معتبرا بأنه "مبالغ فيها لأسباب سياسوية بدلا من أن تكون موضوعية".

الصحفي المهتم بالشأن الإسباني، الأمين لخطاري، لا يجد شكا في أن العلاقة المغربية الأوروبية ظلت بشكل أو بآخر مرتبطة بطبيعة الاتفاقات في سير مكافحة الهجرة وطريقة تعامل المملكة مع المهاجرين الراغبين في بلوغ الفردوس الأوروبي.

ويعتقد الكثيرون، وفق حديث الصحفي المقيم بإسبانيا لـ"الاستقلال"، أن محاربة الهجرة تأتي في إطار الاهتمامات من الطرفين، بدرجة لا تقل عن الاتفاقيات التجارية البالغة الأهمية، مثل صفقة السمك بين المغرب والاتحاد الأوروبي، واتفاق الفلاحة أيضا.

وزاد لخطاري، ظل إشكال الهجرة جزءا من ملامح حالة الطقس في العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، ويقول الكثيرون، إن أحد ملامح عدم الاستقرار في العلاقات بين المملكة وجارتها الإسبانية، عندما تلوح الأولى بورقة الهجرة، أو عندما يحدث تراخ على الحدود المشتركة في التعامل مع موجات المهاجرين، وفق الصحفي.

طبعا في مدريد، يقول المتخصص، يتحدث الإعلام عن استخدام المغرب لورقة المهاجرين في إطار علاقته الجيو-إستراتيجية مع منطقة الاتحاد الأوروبي، والتصريح الأخير للوزير المغربي، يضيف لخطاري، "قد لا يكون خارجا عن سياق منظومة السياسة المغربية، التي أصبحت تدخل ورقة الهجرة في إطار توازنات العلاقة بين الطرفين، كما تلوح أوروبا في بعض الأحيان بورقة حقوق الإنسان داخل المملكة".

محور جيو- سياسي

يرى الدكتور هشام برجاوي، الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش، أن المغرب تتسم الدبلوماسية المغربية بالتوازن والواقعية، فالتعاون العسكري والاقتصادي بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية ليس مستجدا أو طارئا، بل إنه إحدى ركائز السياسة الخارجية المغربية وله رصيد تاريخي لا يستهان به. 

ومضى خبير العلاقات الدولية، إلى القول لصحيفة "الاستقلال": "أيضا، من المهم أن نلاحظ أن التعاون المغربي - الأميركي سابق لحالة التوتر القائمة حاليا مع بعض الدول الأوروبية".

استنادا إلى ما سبق، يوضح المتحدث: "أرى أنه من الأكثر توازنا عند قراءتنا للوقائع أن لا نصنع بينها روابط غير منطقية، إذ، كما قلت سابقا، فالمغرب، باعتباره دولة ذات سيادة، يحدد مفردات سياسته الخارجية استنادا إلى مصالحه العليا وفي مقدمتها قضية وحدته الجغرافية".

وزاد: ولا يعني، تلقائيا على الأقل، انفتاحه، أو تعزيز انفتاحه على محور جيو-سياسي ما، أنه يلغي ما راكمه من مكتسبات مع محاور جيو- سياسية أخرى.

ولفت الدكتور، أنه فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، "تنبغي الإشارة إلى أن وضع السياسة الخارجية الأوروبية ليس اختصاصا حصريا للاتحاد، باعتباره كائنا له وجود قانوني قائم بذاته، وإنما اختصاصا تمارسه الدول الأعضاء".

واستطرد برجاوي: "لذلك نلاحظ أن الدول الأوروبية تتبنى مواقف متباينة إزاء القضايا والأزمات الدولية، ونتحدث عن وجود سياسات أوروبية خارجية وليس سياسة منمطة وموحدة".

لكن، رغم هذا المعطى القانوني والسياسي الواضح والملموس، يقول الأستاذ الجامعي، "فبعض دول الاتحاد الأوروبي تلوح بضرورة صياغة موقف مشترك كلما تعلق الأمر بالوحدة الجغرافية للمغرب".

ويرى خبير العلاقات الدولية، أنه أمام هذا السلوك، يحق للمغرب أن يعبئ كافة الوسائل التي يكفلها له القانون الدولي، لحث دول الاتحاد الأوروبي على الخروج مما أسماه وزير الخارجية المغربي "منطقة الراحة"، واعتماد موقف واضح وغير ملتبس إزاء الوحدة الجغرافية للمغرب.