ملايين الأطفال يعيشون ظروفا صعبة.. كيف يهدد كورونا صحتهم العقلية؟

12

طباعة

مشاركة

"مع عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على الحركة المرتبطة بجائحة كورونا، مر عام طويل علينا جميعا، ولكن بشكل خاص على الأطفال"، هذا ما أكدته المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) هنرييتا فور.

"فور" أوضحت في تصريحاتها يوم 4 مارس/آذار 2021، أن العديد من الأطفال يشعرون بالخوف والوحدة والقلق على مستقبلهم، مؤكدة أنه "ينبغي أن نخرج من هذه الجائحة بنهج أفضل للصحة العقلية للأطفال والمراهقين، وهذا يبدأ بإعطاء القضية الاهتمام الذي تستحقه".

ودعت فور، البلدان إلى الاستثمار بشكل كبير في توسيع خدمات الصحة النفسية ودعم الشباب ومقدمي الرعاية لهم في المجتمعات والمدارس، مبرزة الحاجة إلى "برامج أبوة وأمومة موسعة لضمان حصول الأطفال من الأسر الضعيفة على الدعم والحماية التي يحتاجون إليها في المنزل".

خطر قادم

في أحدث تقرير لها صدر يوم 3 مارس/ آذار 2021، قالت يونيسيف إنه منذ بداية جائحة كورونا عاش طفل واحد على الأقل من بين كل 7 أطفال، لمدة 9 أشهر على الأقل، الحجر المنزلي الموصى به في عدة دول، مما عرض صحتهم العقلية ورفاههم النفسي للخطر.

وفي استنتاجات دراسة استخدمت فيها بيانات من "متتبع استجابة أكسفورد لكورونا"، أفادت بأن عشرات الملايين من الأطفال يعيشون ظروفا صعبة منذ أن تم تصنيف فيروس كورونا على أنه جائحة في 11 مارس/آذر 2020.

ووفق (يونيسيف) فإنه حتى قبل الجائحة، كان الكثير من الأطفال والشباب "يتحملون عبء مخاطر الصحة العقلية"، مع تطور نصف الاضطرابات النفسية قبل سن 15 عاما، و75 في المائة بحلول مرحلة البلوغ المبكر، كما أن هناك نحو 800 ألف من الشباب ينتحرون كل عام.

وأشارت التقديرات إلى أن طفلا واحدا من بين كل 4 أطفال على مستوى العالم يعيش مع والد يعاني من اضطراب عقلي.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فقد تسببت جائحة كورونا في تعطيل خدمات الصحة العقلية أو إيقافها في 93 في المئة من البلدان في جميع أنحاء العالم، في حين أن الطلب على دعم الصحة النفسية في تزايد.

وللاستجابة للاحتياجات المتزايدة، عرضت يونيسيف دعمها للحكومات والشركاء لإعطاء الأولوية للخدمات المقدمة للأطفال، وفي كازاخستان، أدى ذلك إلى إطلاق منصة يونيسيف لخدمات الاستشارة الفردية عبر الإنترنت، جنبا إلى جنب مع التدريب عن بعد في المدارس لأخصائيي الصحة العقلية.

أما في الصين، فقد عملت المنظمة الأممية أيضا مع شركة للتواصل الاجتماعي، لإنتاج تحد عبر الإنترنت للمساعدة في تقليل القلق لدى الأطفال.

وفي وقت لاحق من 2021، وعدت يونيسيف بتخصيص تقريرها الرئيس الذي يصدر كل سنتين عن حالة أطفال العالم، للصحة العقلية للأطفال والمراهقين، في محاولة لزيادة الوعي بالتحدي العالمي، الذي تفاقم بشدة بسبب فيروس كورونا.

وبناء على بحث جديد، قال المتحدث باسم يونيسيف، جيمس إلدر، إن هذا الالتزام بالحجر المنزلي، جعل الأطفال والمراهقين يشعرون بالعزلة والقلق بشأن مستقبلهم: "لقد شعر عشرات الملايين من الشباب بالعزلة والخوف والوحدة والقلق بسبب عمليات الإغلاق والعزلة القسرية، التي أصبحت نتيجة للوباء".

وقال إن البلدان بحاجة إلى الخروج من هذا الوباء "بنهج أفضل للصحة العقلية للأطفال والمراهقين، وربما يبدأ ذلك فقط بإعطاء القضية الاهتمام الذي تستحقه"، وأفادت المنظمة بأن نصف الاضطرابات العقلية تتطور قبل سن 15، وأزيد من 800 ألف شخص دون سن 18 عاما، يموتون سنويا بالانتحار.

عنف منزلي

مجلة "لانست" العلمية الشهيرة نشرت دراسة حديثة عن تأثير الجائحة في الصحة العقلية للأطفال والبالغين في يناير/كانون الثاني 2021.

وأفادت الدراسة بأن أكثر من ربع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 16 سنة ممن أجريت عليهم الدراسة بإنجلترا يعانون من اضطراب النوم في حين شعر واحد من كل 10 أطفال بالوحدة، وكانت تلك المشكلتان هما الأكثر شيوعا في وقت الجائحة، فضلا عن الشعور بالخوف من مغادرة المنزل.

وأشارت الدراسة إلى أن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأسر تؤثر في الأطفال مباشرة، وهو أمر يدعو إلى ضرورة وضع الصحة العقلية للأطفال نصب الأعين في تلك الأوقات العصيبة والحرص على دعمهم عاطفيا بحثّهم على الحديث عن مشاعرهم ومتطلباتهم العاطفية.

في تقريرها الأخير، وقفت يونيسيف عند الأطفال الذين يعانون من العنف أو الإهمال أو سوء المعاملة في المنزل، مشيرة إلى أن عمليات الإغلاق أظهرت العديد من الذين تقطعت بهم السبل مع المعتدين.

ويتعرض الأطفال في الأماكن الفقيرة، مثل أولئك الذين يعيشون ويعملون في الشوارع والأطفال ذوي الإعاقة والأطفال الذين يعيشون في أماكن النزاع، لخطر تجاهل احتياجاتهم الصحية العقلية تماما.

وتوالت التقارير التي تشير إلى ارتفاع حاد في حالات العنف المنزلي ضد النساء والفتيات في أماكن مختلفة من العالم، وذلك مع اتساع رقعة إجراءات الإغلاق التي تتخذها الدول للحد من انتشار فيروس كورونا.

مع بداية الخروج من الحجر الصحي في مارس/ آذار 2020، بالصين، سُجل ارتفاع في عدد حالات الطلاق، فمباشرة بعد خروجهم من منازلهم التي أبقوها مغلقة عليهم لمدة شهرين توجه الأزواج الصينيون إلى البدء في معاملات الطلاق.

وخرجت تقارير مشابهة في كل من بريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وغيرها، والعالم العربي، وأوضحت منظمة الصحة العالمية أنه يمكن أن يؤدي العنف ضد المرأة والأطفال إلى إصابات ومشاكل جسدية وعقلية وجنسية وصحة إنجابية خطيرة، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة. 

وفقا لمنظمة الصحة العالمية، تسبب وباء كوفيد -19 في تعطيل خدمات الصحة العقلية الحرجة أو إيقافها في 93 في المائة من البلدان في جميع أنحاء العالم، في حين أن الطلب على دعم الصحة النفسية في تزايد.

منظمة الصحة العالمية أكدت على أن الحالة النفسية السيئة ليست مجرد اضطرابات نفسية عابرة دون أي تأثير على الصحة العامة للإنسان، بل هي جزء لا يتجزأ منها، وذهبت إلى حد القول: إن الحفاظ عليها يعني إبقاء الجهاز المناعي سليم، وهو أهم جهاز يحتاجه الجسم لمواجهة كورونا الذي يطيح بعشرات الآلاف يوميا عبر العالم.

التمكن من الحفاظ على سلامة الصحة النفسية في الظرف العصيب الذي يمر فيه العالم، هو أمر في غاية الصعوبة، وعدم القدرة على فعل ذلك دفع وزير مالية ولاية هيسن الألمانية، توماس شيفر إلى الانتحار، في مارس/آذار 2020.

متابعة سلوكاتهم

قد يكون من الصعب على الآباء تحديد الاضطرابات النفسية عند الأطفال، ونتيجة لذلك، قد لا يحصل العديد من الأطفال على العلاج والمساعدة التي يحتاجونها، وبالتالي من المهم معرفة كيفية التعرف على العلامات التحذيرية للمرض العقلي عند الأطفال وكيف يمكنك مساعدتهم.

ومن بين بعض الاضطرابات النفسية التي تظهر عند الأطفال والمراهقين، اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، صعوبات التعلم، اضطرابات النمو الشائعة (اضطراب طيف التوحد)، التأخر العقلي، الاضطراب السلوكي، اضطرابات القلق، اضطرابات التشنج اللاإرادي، والكآبة، واضطرابات النطق.

في هذه الحالات، ينصح الخبراء باستشارة الطبيب وشرح سلوك الأطفال، مع التحدث إلى المعلم أو الأصدقاء المقربين لمعرفة ما إذا كانوا قد لاحظوا تغييرا في سلوك الطفل، ومشاركة كل المعلومات مع الطبيب بشكل مفصل، حتى يقرر طريقة العلاج المناسبة. 

في تقرير نشره موقع الجزيرة عن أساسيات الصحة العقلية للأطفال، رصد أن الحب غير المشروط من العائلة على رأس قائمة الأساسيات العاطفية التي يحتاج إليها الأطفال، وفضلا عن حاجته إلى الثقة بالنفس واحترام الذات، ينبغي أن يحترم الطفل ذاته وتعزز أسرته إحساسه وثقته بنفسه.

يقف الخبراء عند فرصة اللعب مع أطفال آخرين، معتبرين أنها لا تقل أهمية عن الغذاء والتدفئة، وأن اللعب يساعد الأطفال على الإبداع وتنمية المهارات ويدعم قدرتهم على حل المشكلات.

انتشرت في العقود الأخيرة مجموعة أساليب للتربية والعقاب وضبط السلوك، واختيار تلك البرامج يعود بصورة أساسية إلى أسلوب الأسرة في التعامل مع الطفل ومدى تقبله ذلك.

وينبغي تقديم نموذج جيد للأطفال من أجل الاقتداء به في السلوكات الأساسية، كما أن تشجيع الأطفال وخطواتهم الأولى وقدراتهم على تعلم الجديد والثناء عليهم كلها أمور أساسية، وفق التقرير.

ويؤكد المتخصصون على ضرورة عدم تجاهل النقاش بشكل مبسط مع الأطفال عن تعرض الآباء للفشل والخذلان، حتى يتعلم الصغار طبيعة تلك المشاعر الإنسانية، وأن الآباء يمكن أن يخطئوا أيضا، فالجميع يرتكب أخطاء، وأن حياة البالغين ليست مثالية، فيلزم فتح أسس للحوار مع الوالدين في المشاعر كافة والأحداث التي تزعجهم.

ويعتبر فتح باب الحوار مع الآباء هو مدخل لحل جميع المشكلات التي قد تحدث بعيدا عن أعينهم، لذا فإن كل تلك المبادئ تؤهل الأطفال لاكتساب شخصيات قوية في المستقبل، حسب التقرير.