مشروع قانون بسحب الجنسية الجزائرية.. هل أزعج معارضو الخارج تبون؟

وهران - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شرعت الحكومة الجزائرية في مناقشة مشروع قانون يجيز سحب الجنسية من مواطنيها المقيمين خارج البلاد، الذين ترى السلطات أنهم "يضرون بمصلحة الجزائر".

ووفق نص مشروع القانون يجوز سحب الجنسية الأصلية أو المكتسبة من المواطنين الذين يرتكبون في الخارج "أفعالا تُلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة أو تمسّ بالوحدة الوطنية" أو يتعاملون مع "دولة معادية" أو ينخرطون في نشاط "إرهابي".

وقدّم وزير العدل بلقاسم زغماتي، في 3 مارس/آذار 2021، خلال جلسة مجلس الوزراء مشروعا تمهيديا للقانون، ومن المتوقع مناقشته مرة أخرى لاحقا في اجتماع للحكومة برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون.

مشروع القانون تزامن مع عودة الحراك الشعبي للشوارع، حيث تلقى الاحتجاجات دعما كبيرا من الجزائريين بالخارج، عبر عدد من الوقفات أمام سفارات البلاد، ما يدفع معارضين إلى القلق من أن يتحول القانون، في حال دخوله حيز التنفيذ، إلى أداة في يد السلطات "لقمع معارضي الخارج".

مشروع القانون

وفق وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، فإنّ مشروع القانون الجديد يحتاج، بعد موافقة مجلس الوزراء، إلى تصديق البرلمان (تم حله بقرار رئاسي في 18 فبراير/شباط 2021)، حتى يتحول إلى قانون نافذ.

كثير من الجزائريين خاصة من يعيشون في الشتات المنتشر حول العالم أبدوا مخاوف جديّة من مشروع القانون الجديد، إذ تقيم في فرنسا أكبر جالية جزائرية في الخارج يفوق عددهم أكثر من 6 ملايين جزائري، وفق ما صرح به الرئيس تبّون في يوليو/تمّوز 2020.

ويرى المتابعون أن تعريف الفئات التي ينطبق عليها القانون "فضفاض" وقد يختلف حسب وجهة نظر من يقيّم نشاط الجزائريين بالخارج، خاصة المناوئين للنظام منهم، واستند كثيرون في رفضهم للقانون المقترح إلى "تعارض عقوبة سحب الجنسية مع اللوائح الدولية لحقوق الإنسان".

وأشار آخرون إلى معضلة متوقعة إذا طبق القانون على من يحمل الجنسية الجزائرية فقط، في حين يقر الإعلان العالمي لحقوق الأنسان "الحق في الجنسية" كأحد الحقوق الأساسية، وتحظر القوانين واللوائح الحقوقية الدولية الحرمان التعسفي من الجنسية.

وتنص المادة التاسعة من اتفاقية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية، التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1961، على أنه "لا يجوز للدول المتعاقدة تجريد أي شخص أو أية مجموعة من الأشخاص من جنسيتهم لأسباب عنصرية أو إثنية أو دينية أو سياسية".

معارضو الخارج

قطعت الجزائر في السنوات الأخيرة الطريق على ناشطين مغتربين بجنسيات مزدوجة أو اضطرتهم للتنازل عن جنسيتهم الثانية، بعد أن اشترطت التعديلات الدستورية للعامين 2016 و2019، ضرورة حيازة المرشح لمنصب الرئاسة والمناصب العليا، وحرمه على الجنسية الجزائرية الأصلية.

ومنذ العام 2013، دخل العشرات من الناشطين السياسيين والإعلاميين من مختلف التيارات الفكرية والأيديولوجية في حملة مضادة للسلطة، وتحولت بعض المنابر إلى منصة معارضة للسلطة خاصة خلال السنوات الأخيرة، وأقام عدد كبير منهم خارج الجزائر.

وجه السياسي الجزائري المعارض، رشيد نكاز، المرشح السابق للرئاسة الجزائرية والذي غادر السجن منذ أيام، رسالة في بث مباشر عبر صفحته على فيسبوك "يطمئن فيها الجالية الجزائرية بالخارج أن هذا القانون غير دستوري وغير قانوني وغير شرعي طبقا للقانون الدولي".

فيما بيّن المحامي الجزائري، مقران آيت العربي، في تعليقه عن مشروع القانون عبر صفحته على فيسبوك، بين سحب الجنسية المكتسبة والأصلية.

وقال آيت العربي، إن "سحب الجنسية المكتسبة من كل شخص ارتكب جرائم معينة معمول به في دول أخرى. أما سحب الجنسية الجزائرية الأصلية الموروثة أبا عن جد فهي غير مقبولة على الإطلاق".

ويرى المحامي والناشط الجزائري أنه لا يمكن سحب الجنسية الأصلية لأي كان "مهما بلغت خطورة الجرائم التي يقوم بها"، مضيفا أن "كل من يحاول نزع الجنسية الأصلية للجزائريين والجزائريات سيتحمل مسؤولية لا مثيل لها في تاريخ الجزائر".

من جانبها، قالت الحكومة على لسان المتحدث باسمها وزير الاتصال عمار بلحمير إن إجراءات سحب الجنسية تبعا للقانون المقترح "تستجيب لما تسمح به الاتفاقيات الدولية" وتتم بعد "استنفاد إجراءات الطعن".

لكن بعض من يوافقون الحكومة، على "معاقبة" المنتمين للفئات التي حددتها، يعارض سحب الجنسية منهم، واقترح بعضهم التتبع القضائي كبديل.

 

أداة تخويف

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، حاولت دول أوروبية التخلص من مواطنيها مزدوجي الجنسية المنتمين لتنظيم الدولة في العراق وسوريا، بدل استعادتهم ومحاكمتهم محليا.

تصدرت فرنسا الدول الأوروبية التي غادرها أشخاص من أجل الانضمام للتنظيم المسلح، إذ بلغ عدد الفرنسيين فيه نحو 130 شخصا بالغا، وأكثر من 300 طفل.

وبين محاكمتهم على أراضيها أو في العراق، كان الملاذ الأخير للدول الأوروبية هو محاولة تجريد هؤلاء الأشخاص من جنسياتهم، لتتجنب الاضطرار إلى إعادتهم إليها، وبدأت باتخاذ الترتيبات القانونية لسحب الجنسية منهم.

ولأنه كان ممكنا تجريد اليهود من جنسيتهم بسهولة في عهد هتلر، فإن دول أوروبية، وفي المقام الأول ألمانيا، جعلت من الصعب للغاية، بل ومن المستحيل، تجريد الناس من جنسيتهم، حتى لا يتحول قانون الجنسية إلى أداة سياسية.

وتنص قوانين دول أوروبية كثيرة، بينها ألمانيا، على أنه لا يمكن تطبيق قانون سحب الجنسية إذا كان الشخص المعني سيصبح بلا جنسية تماما، وبالتالي لجأت إلى إلغاء جنسية أعضاء التنظيم مزدوجي الجنسية أو من هم في طور الحصول على جنسية دولة أخرى.

ينص مشروع القانون، على أن "الإجراء يطبق أيضا على الشخص الذي ينشط أو ينخرط في منظمة إرهابية، أو يقوم بتمويلها أو تمجيدها، كما يطبق على كل من تعامل مع دولة معادية".

لكن خلال أزمة 2019 سٌجل عدد "أقل بكثير" من الإرهابيين بالتنظيم مقارنة مع المنحدرين من المغرب وتونس، دون توفر أية معطيات حول عددهم أو عدد العائدين المحتملين من بينهم.

ووجد بينهم جزائريون يحملون أيضا جنسيات أخرى، لكن السلطات لم تعمل على استعادتهم وهددت بالسجن لمن يحاول منهم العودة للجزائر.

توتر جديد

أستاذ العلوم السياسية بجامعة عنابة بالجزائر، فؤاد منصوري، قال: "من الناحية السياسية، لا أعتقد أن التوقيت مناسب بالمرة لهكذا قانون، إذ سيفتح الباب أمام توتر جديد بين بعض الأطراف والسلطة السياسية، ولا أرى أي ضرورة ملحّة لاستصدار هذا القانون الجديد".

أما من الناحية القانونية، يوضح المتحدث لـ "الاستقلال" أن "الدستور الجزائري يجيز سحب الجنسية إذا ثبتت الخيانة العظمى للدولة، وبالتالي لا أرى بدا من هذا القانون، من جهة أخرى، صادقت الجزائر سنة 1964 على اتفاقية دولية تنص على الحد من عديمي الجنسية، والأزمة ستكون بالنسبة للمواطنين الذين يحملون جنسية واحدة، وبالتالي سيجد المشرع نفسه أمام تعارض لأن الاتفاقية أسمى من القانون".

وأضاف الأستاذ الجامعي: "على مستوى المغرب العربي، أكثر الجنسيات المتورطة في العمليات الإرهابية بالخارج، بحسب الإحصائيات، الجنسية التونسية ثم المغربية ثم الجزائرية، وبالتالي لا أرى أن الأمر يستدعي اللجوء إلى هكذا قانون، بالإضافة إلى أن هؤلاء يحاكمون وفق قانون الإرهاب وهو كاف لإنزال العقوبات على هذا النوع من الجرائم".

يحتاج الجزائريون، وفق المحلل، إلى "خطاب طمأنة وتهدئة من طرف السلطة، لا خطوات غير محسوبة ممكن أن تكون لها عواقب"، ويؤكد منصوري ضرورة خضوع الجميع للقانون، سواء المعارضين أو غيرهم، مضيفا: "دولة القانون هي التي تطبق القانون".

ويعتقد منصوري، أن مشروع القانون لن يمر دون مناقشة في مجلس الشعب الجديد، مؤكدا بأن "البرلمان المقبل سيكون أفضل من الحالي (المنحل)"، قبل أن يمضي إلى القول: "أعتقد أن أسوأ برلمان في تاريخ الجزائر هو الحالي".