"كراس موسيقية".. كيف سلم السيسي قطاع الطيران المدني لقادة العسكر؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في إصدار لمركز "كارنيغي" الأميركي لدراسات الشرق الأوسط، تحت عنوان "أولياء الجمهورية" وردت فقرة تدلل على توغل العسكر في جميع قطاعات الدولة المصرية.

الفقرة المنشورة في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2019، تقول إن "إطاحة القوات المسلحة بمحمد مرسي (الرئيس الراحل) في يوليو/ تموز 2013 قد فتحت الطريق أمام نمو جامح".

بمجيء الجنرال عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم، لم يَسلم أي قطاع مدني من سيطرة ضباط الجيش، وعلى رأسها قطاع الطيران المدني الذي شهد انخراطا للرتب العسكرية المتنفذة في المطارات والهيئات والشركات.

عشرات الجنرالات اقتسموا مطارات مصر، وأزاحوا المدنيين منها، وباتت سياسة الإحلال والتبديل بين المدنيين والعسكريين رائجة، فمن الطبيعي قراءة خبر مفاده تعيين لواء جيش على رأس هيكل تنظيمي بالوزارة، أو استلامه إدارة مطار مدني دولي.

تلك السياسة تركت أثرها العكسي على المجال الذي بات يعج بالمتقاعدين من أصحاب الكفاءات والخبرات الطويلة، بالإضافة إلى مئات العاطلين عن العمل من الطيارين المدنيين.

ولا يمكن إغفال البعد الأمني المعتمد لدى رئيس النظام الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي لا يأمن إلا للعسكريين من زملائه على رأس الأجهزة، باعتبارهم الأكثر ولاء له ولحكمه.

"الكراسي الموسيقية"

في 1 مارس/ آذار 2021، أصدر وزير الطيران محمد منار، حركة تنقلات مثيرة للجدل، عندما قرر، تعيين اللواء مراد محمد السيد، مديرا لمطار الغردقة الدولي، واللواء نبيل الملاح، مديرا لمطار شرم الشيخ الدولي.

بالإضافة إلى تعيين اللواء خالد عبدالسلام مديرا لمطار سوهاج الدولي، واللواء هشام فريد مديرا لمطار الأقصر الدولي.

الباحث الأول بمركز كارنيغي يزيد صايغ، علق على القرار عبر تغريدة بتويتر قائلا: "استمرار لعبة الكراسي الموسيقية بين ألوية القوات المسلحة المصرية.. المتقاعدين في أعلى مناصب الطيران المدني".  

وحسب الموقع الرسمي لوزارة الطيران المدني، يبلغ عدد المطارات المصرية 27 مطارا دوليا ومحليا منهم مطاران بنظام الـ "B.O.T" هما مرسي علم، والعلمين، وتبلغ الطاقة الاستيعابية لجميع المطارات المصرية حوالي 30 مليون راكب سنويا.

شبكة متشعبة

بعد نحو 7 سنوات من حكم السيسي، أحكم العسكريون سطوتهم على سائر شٌعب وهيئات قطاع الطيران المدني بتوليهم معظم المناصب الرفيعة في القطاع، ومن أبرزهم:

  1. اللواء أشرف حافظ، مدير مبنى الركاب 1 مطار القاهرة الدولي.  
  2. اللواء أحمد رمضان، مدير مبنى الركاب رقم 3 مطار القاهرة الدولي.
  3. اللواء جمال الجندي، رئيس قطاع العمليات بشركة ميناء القاهرة الجوي. 
  4. اللواء ملاح حسام حمادة، رئيس قطاع التنمية الإدارية والموارد البشرية في شركة ميناء القاهرة الجوي.
  5. اللواء محمد أحمد راشد، مدير مطار (برج العرب) بالإسكندرية.
  6. اللواء طيار أشرف عادل، مدير مطار أسيوط.
  7. اللواء طيار حاتم طلحة نائب مدير مطار أسيوط. 
  8. اللواء طارق زادة، مدير مطار مرسي علم. 
  9. اللواء مراد محمد السيد، مدير مطار الغردقة.
  10. اللواء نبيل ملاح مدير مطار شرم الشيخ. 
  11. اللواء خالد عبد السلام مدير مطار سوهاج الدولي.
  12. اللواء هشام فريد مدير مطار الأقصر. 
  13. اللواء أشرف محمد السيد، مدير مطار مرسي مطروح. 
  14. اللواء محمد سالم، مدير مطار سفنكس. 
  15. اللواء أسامة أمين، مدير مطار طابا الدولي.
  16. اللواء طيار باسم بيومي، مدير مطار أسوان الدولي. 
  17. اللواء هشام عبد الفتاح، مدير مطار العريش الدولي.
  18. اللواء طيار هاني رمزي الديب، مدير مطار بورسعيد.
  19. اللواء عادل محجوب، مستشارا رئيس الشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية.
  20. اللواء طيار أحمد منصور، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للمطارات.
  21. اللواء محمد كمال، مساعد رئيس مجلس إدارة شركة مصر للطيران للخدمات الأرضية.
  22. اللواء طارق نصير، مساعد وزير الطيران لشؤون أمن الطيران المدني والمتابعة.
  23. اللواء محمد عبد الرحمن، رئيس لمجلس إدارة شركة مصر للطيران للصناعات المكملة.

الحاكم الفعلي

عندما تم تعيين محمد منار عنبه، وزيرا للطيران المدني، في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2019، شهد نفس اليوم تعيين اللواء أركان حرب طيار منتصر مناع ميهوب جاد الحق، نائبا للوزير، وكان فعليا يعد أقوى رجال الوزارة وأكثرهم ظهورا في الإعلام.

مناع وهو أول مسؤول يتولى ذلك المنصب في تاريخ وزارة الطيران المدني، تخرج في الكلية الجوية عام 1982، والتحق بسلاح القوات الجوية كطيار مقاتلات "أباتشي"، بمختلف المطارات الحربية، وتدرج بالمناصب والقيادات العسكرية، حتى تقاعد من القوات المسلحة برتبة لواء طيار أركان حرب. 

كانت مهمة مناع قبل توليه المنصب، الإشراف على المطارات التابعة لوزارة الطيران المدني، وشركات الطيران المصرية والعربية والأجنبية، المنضوية تحت لوائها، لكن دوره الأبرز يكمن في إشرافه على كافة العقود من الاتفاقيات الدولية الخاصة بقطاع الطيران المدني التي تبرمها الحكومة.

الحلقة الأبرز في تاريخ مناع جاءت يوم 16 فبراير/ شباط 2015، عندما وقع بصفته رئيسا لشعبة تسليح القوات الجوية ورئيس لجنة الممارسة والتعاقد عقدا لتوريد 24 طائرة "رافال " الفرنسية للقوات الجوية المصرية، كما وقع اتفاقا مع رئيس شركة "M.B.A.A" لتوريد الصواريخ والذخائر الخاصة بـ الطائرة رافال.

ودائما ما اقترن اسم اللواء منتصر مناع، في الأخبار الرسمية، بوزير الطيران محمد منار عنبه، فلا يكاد يذكر الوزير إلا ولحقه نائبه، عند تناول أخبار الزيارات والاستقبالات ومختلف المحافل المتعلقة بالوزارة.

سحق المدنيين 

يتخرج من الأكاديمية المصرية لعلوم الطيران المدني، سنويا ما يقرب من 570 طالبا، بحسب تصريحات سابقة لإلياس صادق رئيس مجلس إدارة الأكاديمية.

وتصل مصروفات الطالب لنحو 49 ألف دولار في العام الواحد (770.000 ألف جنيه مصري)، وتأسست الأكاديمية، طبقا للمرسوم الملكي الصادر في 7 مايو/ أيار 1932، وهي مملوكة للدولة، وتخضع لوزارة الطيران المدني.

في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وفي ظل الائتلافات ودعوات التحرر وإعادة الهيكلة في سائر مؤسسات الدولة، لم يغب قطاع الطيران المدني عن تلك الدعوات.

وفي 7 يناير/ كانون الثاني 2013، أعلن "ائتلاف ثوار الطيران المدني" في بيان، أن "وزارة الطيران المدنى ستكون وزارة مدنية ولن يسمح العاملون بها، فرض السيطرة العسكرية من جديد".

وفي يونيو/ حزيران 2013، تقدم الائتلاف وعدد من الطيارين العاطلين عن العمل بعريضة تطالب بمنع تعيين الطيارين العسكريين، المستقيلين أو المتقاعدين، من العمل بشركة "مصر للطيران"، خاصة في ظل تعطل نحو 40 بالمئة من نظرائهم المدنيين.

ومن أبرز الأسباب التي ذكروها عدم دراية العسكريين بقيادة طرازات الطائرات المدنية، كما قالوا خلال لقائهم مع أعضاء لجنة النقل بمجلس الشورى إن "وجود الطيارين العسكريين أصبح غير مرغوب فيه مع انتشار البطالة بشكل كبير بين المدنيين".

عقب انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، واشتداد قبضة العسكريين على مفاصل الدولة، لا سيما قطاع الطيران المدني الإستراتيجي، اختفى الائتلاف عن الأنظار وخفتت تلك الدعوات.

إستراتيجية السيسي 

موظف سابق بمطار القاهرة، طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لـ"الاستقلال": "مسألة تعيين قيادات عسكرية في وزارة الطيران المدني قديمة ومنذ سنوات طويلة، لكنها كانت متوازنة وتخضع لضوابط كثيرة، أهمها عدم تغييب الخبرات والكفاءات المدنية التي عملت لسنوات طويلة في مختلف وسائر قطاعات الطيران المدني، وكانت هي التي تقود الدفة وتتولى القيادة، ودور العسكريين كان ما بين الإشراف والاستشارة".

وأضاف: "في آخر سنوات عهد الرئيس الراحل حسني مبارك انقلبت الدفة، وشهدت الوزارة وشركة مصر للطيران والشركات التابعة للشركة القابضة لمصر للطيران، ومختلف مطارات الجمهورية دخول عدد كبير من الضباط ولواءات الجيش، ورغم أن الأمر كان ملحوظا لكنه ظل في إطار طبيعي أيضا".

وأردف: "كل ذلك لا يمكن أن يقارن بالوضع الحالي، فمعظم قيادات قطاع الطيران المدني بما فيها قطاعات متخصصة وفنية مثل القطاع الطبي والهندسي والشحن والتفريغ صارت مليئة بالعسكريين، ولا يلعبون دورا استشاريا فحسب، بل يحكمون ويديرون بلا حسيب ولا رقيب". 

وتابع: "لذلك كانت النتائج المترتبة على ذلك إحالة عدد كبير من المدنيين للتقاعد، وحرمان مصر من خبرات عميقة في هذا المجال، والأدهى أن بعض البلاد العربية والإفريقية والآسيوية، استقطبت الموظفين والطيارين أصحاب المهارة لتستفيد منهم".

حدثت هجرة كبيرة للعقول خلال السنوات الخمس الماضية تحديدا، ولو استمر الوضع سيتم تجريف الوزارة تماما، وهو أمر يضر البلاد وأمنها القومي، فالطيار والمهندس والفني المحترف، يعد ثروة في كثير من الدول، بينما يحالون للتقاعد أو يهمشون في مصر، وفق الموظف الذي تحفظ على ذكر اسمه.

الموظف أوضح أن جزءا من إستراتيجية السيسي في هذا الأمر متعلقة بتأمين نظام حكمه، قائلا: "فمن المعروف أن المطارات وقطاع الطيران عموما يعد نقطة مفصلية لاستقرار أنظمة الحكم، فعلى سبيل المثال في انقلاب تركيا عام 2016، توجهت قوات الانقلاب إلى المطار للسيطرة عليه، وكانت الطائرات والسيطرة على الجو تمثل النقطة الأخطر".

وختم حديثه بالقول: "وفي مصر يسعى السيسي إلى تأمين نظام حكمه في سائر المجالات ومنها الطيران المدني، حيث يتتبع نظامه المعارضين أو السياسيين من خلال المطارات سواء بمنعهم من السفر أو القبض عليهم وغير ذلك من إجراءات الدخول والخروج والسفر لكبار القادة العسكريين والسياسيين، وهو ما يسعى السيسي إلى السيطرة عليه وضبطه وإخضاعه لنفوذه".


المصادر