إريك برنس.. أميركي يقود أسوأ مرتزقة في العالم ويتغلغل بالشرق الأوسط

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"بلاك ووتر" اسم ارتبط في الأذهان بالعمليات القذرة للمرتزقة الأميركيين الذين انتشرت أخبارهم خلال العقدين الأخيرين في كثير من دول العالم وخاصة المناطق التي تتسم بالصراعات والحروب.

أسس إريك برنس هذه الشركة في عام 1997 في كارولينا الشمالية وأنشأ مدرسة للعمليات الخاصة، واستمد اسم "بلاك ووتر" من المستنقعات الملونة التي تقع في محيط المدرسة.

تصف بعض الصحف الأميركية برنس بأنه جاسوس المخابرات الأميركية وأمير الحروب ورجل العمليات القذرة فيما يصفه البعض بأنه "صاحب أسوأ مرتزقة في العالم".

كانت لبرنس الكثير من العلاقات الوثيقة بأنظمة تثار حولها الكثير من التقارير بشأن حقوق الإنسان، مثل علاقته بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد والجنرال الليبي خليفة حفتر بخلاف علاقته الوثيقة بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإدارته وهو أيضا شقيق وزيرة التعليم الأميركية السابقة بيتسي ديفوس. 

بنى برنس ثروته من خلال الاستثمار في المناطق الملتهبة والصراعات والحروب، وعلى مدى سنوات شغل منصب المدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة بلاك ووتر. 

خلال الفترة بين 1997 إلى 2010 استطاعت شركته الحصول على عقود أمنية وحكومية بقيمة تزيد على ملياري دولار، أكثر من 1.6 مليار دولار منها كانت عقودا فيدرالية غير سرية بالإضافة إلى كمية غير معروفة من العمل السري. 

ونقلت صحيفة بوليتيكو الأميركية في تقرير لها في ديسمبر/كانون الأول 2009 عن ثلاثة مصادر أن برنس كان يعمل جاسوسا تابعا لوكالة المخابرات المركزية الأميركية بعد أن جرى تجنيده في عام 2004.

وهو ما ساعده في صياغة وتمويل وتنفيذ عمليات مختلفة منها إدخال الأفراد إلى المناطق التي تواجه فيها المخابرات الأميركية صعوبة في اختراقها، وتجميع فرق تستهدف أعضاء تنظيم القاعدة وحلفائه. 

كما اعتُبِر برنس رمزا لفشل الحرب الأميركية على العراق خاصة بعدما قتل مرتزقة بلاك ووتر، 17 مدنيا عراقيا غير مسلحين وأصابوا نحو 20 آخرين في ساحة النسور بالعاصمة بغداد.

وبعد ملاحقة الشركة قضائيا بسبب الانتهاكات التي وقعت في حرب العراق اضطر برنس إلى تغيير اسم الشركة إلى XI (زي) وبيعها لمستثمرين في عام 2010 وهو ما يعني احتفاظه بالاسم الأصلي لـ "بلاك ووتر".  

دعم حفتر

ما تزال إخفاقات الماضي تطارد برنس بعدما وجهت له الأمم المتحدة اتهامات بانتهاك حظر الأسلحة الذي تفرضه على ليبيا وهو ما يمكن أن يعرضه لعقوبات دولية بما في ذلك حظر السفر وتجميد حساباته المصرفية وغيرها من الأصول على الرغم من أنه لم يتم تأكيد هذه الاتهامات. 

ويثير التقرير الذي نشرت تفاصيله صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 21 فبراير/ شباط 2021، تساؤلات حول ما إذا كان برنس قد تلاعب بعلاقاته الوثيقة داخل إدارة ترامب لتنفيذ عملياته في ليبيا. 

خلال الأسبوع الأول من أبريل/نيسان 2019 أطلق خليفة حفتر عمليته الفاشلة للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس.

 ويوضح التقرير أنه بعد 10 أيام من بدء العملية عرض برنس على حفتر إرسال مرتزقة مقابل 80 مليون دولار، وذلك خلال اجتماع لهما في العاصمة المصرية القاهرة منتصف أبريل/نيسان.

وفي هذه العملية حاول برنس شراء طائرات لصالح حفتر من الأردن لكنه فشل في ذلك لأن عملية البيع تتطلب إذنا من الحكومة الأميركية. 

لكن العملية تحولت إلى كارثة بعد أيام قليلة على بدايتها فبعد أن وصل 20 مرتزقا (بريطانيون وأستراليون وجنوب إفريقيون وأميركي واحد) إلى مدينة بنغازي في يونيو/حزيران 2019 غادروا جميعا ليبيا قبل نهاية الشهر نفسه، بعد خلافات واسعة مع حفتر الذي اتهمهم بالفشل في تسليم مروحيات كوبرا الأميركية. 

ويوضح تقرير الأمم المتحدة أن المرتزقة تركوا لحفتر عدة طائرات هجومية تم تأمينها من جنوب إفريقيا، لكن الأهم هو أنهم تركوا وراءهم سلسلة طويلة من الأوراق التي أدت في النهاية إلى وصول المحققين إلى برنس.

ورغم أن التقرير لم يوضح من قام بتمويل هذه العملية، رجح محللون ومسؤولون غربيون أن يكون محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي هو من يقف خلف ذلك، حيث يرتبط مع برنس بعلاقة قوية علاوة على أنه ربما يكون أهم داعم خارجي لحفتر، بحسب الصحيفة.

وتقول نيويورك تايمز إن التسارع الهائل للأدلة في تقرير الأمم المتحدة المكون من 121 صفحة من الأسماء المشفرة والحسابات المصرفية الخارجية وعمليات نقل الأسلحة السرية عبر ثماني دول، ناهيك عن ذكر موجز لبرنس يقدم لمحة عن العالم السري للمرتزقة الدوليين. 

برنس والإمارات

توقف برنس عن العمل في أي عقود حكومية أميركية في عام 2010، عندما تفاوض على تسوية مع وزارة العدل بشأن سلسلة من انتهاكات تهريب أسلحة نفذتها بلاك ووتر. 

وانتقل برنس للإقامة في الإمارات وقدم الكثير من الأعمال والخدمات المشبوهة لولي عهد أبو ظبي. فمؤسس بلاك ووتر بنى وأنشأ قوة برية نخبوية بقيادة أميركية بقيمة 529 مليون دولار لصالح الإمارات.

ويوضح تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في مايو/أيار 2011 دخول جنود لجيش من المرتزقة الكولومبيون إلى الإمارات متنكرين في صورة عمال بناء مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2011 جلبهم مؤسس بلاك ووتر. 

وأشارت إلى أنه جرى تعيين برنس، من قبل ولي عهد أبو ظبي لتشكيل كتيبة من 800 فرد من القوات الأجنبية لدولة الإمارات، وفقا لموظفين سابقين ووثائق الشركات التي حصلت عليها الصحيفة.

وأظهرت الوثائق أن القوة كانت تهدف إلى القيام بمهام خاصة داخل البلاد وخارجها، والدفاع عن أنابيب النفط وناطحات السحاب من الهجمات الإرهابية، وقمع التمردات الداخلية.

 بالإضافة إلى إمكانية نشر مثل هذه القوات إذا واجهت الإمارات اضطرابات في معسكرات العمل المزدحمة بها أو تعرضت لتحديات من قبيل الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية مثل تلك التي اجتاحت العالم العربي في ذلك الوقت. 

كما ساهم برنس في تكوين جيش من المرتزقة نشره ابن زايد في حربي سوريا واليمن وهي أولى الصراعات الخارجية في تاريخ الإمارات بحسب تقرير لصحيفة ذي إنترسبت الأميركية (لم يفصح عن المدى الزمني الذي جرى فيه نشر المرتزقة). 

ونقل التقرير في مايو/أيار 2019 عن مصدر مقرب من ابن زايد أن الأخير نسب لبرنس الفضل في عدم وجود إرهابيين في الإمارات، وأن مؤسس "بلاك ووتر" قد حل مشكلة الإماراتيين مع القراصنة الصوماليين.

وفي عام 2012 اتهم محققو الأمم المتحدة قوة مكافحة القرصنة التابعة لبرنس في الصومال المعروفة بقوة الشرطة البحرية في بونتلاند بارتكاب "أفظع انتهاك لحظر الأسلحة من قبل شركة أمنية خاصة".

كما لعب برنس دورا في العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة والإمارات وتم التحقيق معه في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية في 2016.

إذ حضر برنس بصفته مستشار غير رسمي للإدارة الأميركية السابقة اجتماعا دعا له ابن زايد في جزر سيشل في يناير/كانون الثاني 2017 على اعتبار أنه من المؤيدين للرئيس الأميركي السابق وشريكا مقربا لستيف بانون المساعد السابق لترامب.

أمير الصراعات 

كشفت صحيفة إنترسبت في أبريل/نيسان 2020 قيام برنس بعرض خدماته كمقاول من الباطن لأنشطة مرتزقة فاغنر الروسية في كل من موزمبيق وليبيا. 

وقالت الصحيفة في تقريرها إن صاحب "بلاك ووتر" اقترح توفير منصبات مراقبة جوية وقوة برية، فيما كشف تحقيق أجرته مجلة رولينغ ستون الأميركية عن عدد من الصلات بين برنس وحفتر في عام 2019 للإطاحة بالحكومة الليبية. 

كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في مارس/آذار 2020 أن برنس جند خلال السنوات الأخيرة عملاء استخبارات سابقين للتسلل داخل حملات الديمقراطيين والمنظمات العمالية وغيرها من الجماعات التي تعتبر معادية لأجندة ترامب. 

وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2019 سافر برنس إلى فنزويلا للقاء أحد كبار مساعدي الرئيس نيكولاس مادورو رغم العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إدارته، وهو ما تسبب في إحالة برنس إلى وزارة الخزانة الأميركية واتهامه بانتهاكات محتملة للعقوبات المفروضة ضد حكومة كاراكاس.

وبحسب تقرير نيويورك تايمز، كان برنس جزءا من فرقة عمل تابعة لوكالة المخابرات المركزية تم إنشاؤها للانخراط في عمليات القتل المستهدف للإرهابيين المشتبه بهم، ما تسبب ربما في انتهاك للقانون المحلي والدولي. 

واكتشف مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك ليون بانيتا برنامج اغتيال سري يضم عملاء من بلاك ووتر كان نائب الرئيس السابق ديك تشيني قد أخفاه عن الكونغرس. 

وحينها شعر برنس بالمرارة، وألقى باللوم على إدارة باراك أوباما لتسريبها دوره في وكالة المخابرات المركزية.

علاقته بالصين

بحث برنس عن استثمار جديد في 2014 فأنشا شركة جديدة تحت عنوان Frontier Services Group (FSG) بتمويل صيني وهي شركة أمنية ولوجستية أسسها في هونغ كونغ، ولديها مكاتب أخرى في الصين وجنوب شرق آسيا ودبي. 

لم يقتصر الأمر على استهدافه في واشنطن بسبب تدريبه قوات الأمن الصينية، ولكن في وقت سابق من 2019، تعرض لانتقادات شديدة لقراره بناء قاعدة تدريب في مقاطعة شينجيانغ ذو الغالبية المسلمة، حيث تتهم بكين بانتهاك حقوق الإنسان في حملة قمع واسعة النطاق على أقلية الأويغور المسلمة.

وكشفت الغارديان البريطانية في فبراير/شباط 2019 عن توقيع شركة برنس صفقة أولية مع السلطات في الصين لبناء مركز تدريب في مدينة كاشغر الواقعة في إقليم شينجيانغ، وهو ما أعلنت عنه الشركة في بيان رسمي نشر على موقعها الإلكتروني الصيني.

وقالت الصحيفة إن وجود شركة برنس في شينجيانغ مثير للجدل بسبب الحملة الأمنية الشاملة التي شنتها السلطات الصينية في المنطقة المضطربة بما في ذلك الاعتقالات الجماعية المبلغ عنها.

وقالت إن شركة FSG قامت ببناء ثروة من العقود داخل الصين والشركات الصينية العاملة في الخارج، ولا سيما في إفريقيا.

كما يُظهر موقع FSG على الإنترنت أنها دربت سابقا "متخصصين أمنيين في الخارج" لمجموعة من الشركات الصينية، وساعدت في تدريب الجيش الصيني والشرطة.

يصور برنس نفسه على أنه كان دائما ضحية لأعدائه من الديمقراطيين وأنه يضعف باستمرار من قبل أعداء وصفهم بـ "عديمي الضمير في الحزب الديمقراطي"، لكن بعض زملائه يقولون إن مشاكله هو من صنعها. 

وبحسب تقرير لموقع رولينغ ستون، يقول زميل سابق له يعرفه منذ سنوات: "إن إريك برنس يبيع برنامج وهو لا يعرف ماذا يفعل".

ونقل الموقع في تقرير له في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020 عن محقق أمني دولي قوله وهو يضحك على ذكر اسم برنس "هل تقصد أسوأ مرتزقة في العالم؟"، فيما يقول زميل سابق آخر ساخرا: "أنا أحترم عقل إريك، لكن أخلاقه أقل من الصفر".