شكوك بشأن مموليه.. موقع أممي يحذر من صندوق إغاثة جديد في اليمن

قسم الترجمة - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة "ذا نيو هيومانتيريان" الحقوقية، التابعة للأمم المتحدة، إن ظهور صندوق إغاثة جديد موجه في اليمن يثير الكثير من الشكوك حول مموليه وأهدافهم، في ظل عجز المنظمات الإغاثية الدولية على مجابهة أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وفي الوقت الذي دعت فيه الأمم المتحدة إلى توفير 3.85 مليار دولار في مؤتمر دولي للتعهدات لمساعدة اليمن، علمت The New Humanitarian بظهور صندوق جديد بأموال طائلة  على الساحة. ويتطلع الصندوق إلى تقديم مئات الملايين من الدولارات للإغاثة ومكافحة الجوع في البلاد.

هذه الصحيفة تم تأسيسها من قبل الأمم المتحدة في عام 1995، في أعقاب الإبادة الجماعية في رواندا، لكن بعد ما يقرب من 20 عاما، أصبحت منظمة إخبارية مستقلة غير ربحية مما سمح لها بإلقاء نظرة أكثر انتقادا على صناعة مساعدات الطوارئ التي تقدر بمليارات الدولارات ولفت الانتباه إلى إخفاقاتها في وقت الحاجة الإنسانية غير المسبوقة، كما تقول عن نفسها.

وعن قضية اليمن، تقول الصحيفة في تقرير لها: "في حين أن بعض وكالات المعونة التابعة للأمم المتحدة واثنتين من المنظمات غير الحكومية الكبيرة على الأقل تجري محادثات مع صندوق الإغاثة من المجاعة الجديد، فإن البعض الآخر تراجع بسبب مخاوف بشأن مصدر الأموال والمتطلبات غير العادية لمدى سرعة إنفاقها".

وتعاني عملية مساعدة اليمن الكبيرة والمضطربة من نقص التمويل في وقت يعاني فيه العديد من المدنيين معاناة شديدة.  

وارتفعت الاحتياجات إلى الغذاء والوظائف والرعاية الصحية والمياه النظيفة والمأوى الآمن مع فوهات استمرار الحرب التي تسببت في نزوح جديد وتعطل التجارة وتضرر بالبنية التحتية المدنية.

وحتى أواخر العام 2020، كان 13.5 مليون يمني يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو رقم من المتوقع أن يزداد سوءا مع تصاعد القتال في محافظة مأرب بوسط البلاد، مما أجبر آلاف المدنيين على الفرار. 

 وتحذر مجموعات الإغاثة من أن "الكارثة تلوح في الأفق" إذا لم تكثف الحكومات المانحة وتساهم بشكل أكبر في جهود الإغاثة في اليمن.

ويشير التقرير إلى أن الصندوق الجديد يمكن أن يغير كل ذلك، فوفقا لوثيقة حصلت عليها الصحيفة الحقوقية من قبل مصادر في قطاع الإغاثة، يتطلع الصندوق إلى منع "المجاعة واسعة النطاق" بحلول منتصف العام من خلال "ضخ تمويل سريع" يتم إنفاقه في غضون أشهر.

وقد دعا الصندوق إلى تقديم مقترحات من مجموعات إغاثة دولية تعمل بالفعل في اليمن. وتشير مصادر قريبة من المفاوضات إلى أن لدى الصندوق الكثير لينفقه. 

وبينما لم يتم التوقيع على الاتفاقات بعد، قالت المصادر للصحيفة إن حوالي 400 مليون دولار من العقود مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية قيد المناقشة. 

ويشير التقرير إلى أنه إذا تم الوصول إلى هذا المبلغ، فسيكون الصندوق من بين أكبر 15 مانحا إنسانيا في جميع أنحاء العالم - أكبر من العديد من الدول الأوروبية - وفي المراكز الثلاثة الأولى للجهات المانحة لليمن.

"الكيانات الخليجية الخاصة"

لم يكن أحد تقريبا، بما في ذلك مجموعات الإغاثة التي أكدت أنها تقدمت بطلبات للحصول على أموال من الصندوق، على استعداد لتحديد مصدر الأموال.

 لكن الاستثناء الوحيد هو المتحدث باسم Action contre la Faim أو (Action against Hunger)، أو (ACF)، والذي أكد للصحيفة  أن المؤسسة الخيرية كانت "في طور تقديم اقتراح إلى الصندوق"، وأن المانحين هم "كيانات خليجية خاصة، حتى الآن، كما نعلم".

وتظهر وثائق التأسيس أن مدير الصندوق هو تيموثي كولينز، وهو مستثمر وممول أميركي والرئيس التنفيذي والشريك الإداري لشركة الأسهم الخاصة Ripplewood Advisors في نيويورك.

وبالإضافة إلى كولينز، وفقا لرسائل البريد الإلكتروني المسربة التي  حصلت عليها الصحيفة من مصادر في قطاع الإغاثة ومقابلات مع مسؤولي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، يرأس الإدارة اثنان من كبار الشخصيات في مجال المساعدات وهما جون جينج ونيل كيني جوير.

وحتى أواخر عام 2018، أشرف جينج على عمليات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وهي هيئة تنسيق المساعدات الطارئة التابعة للأمم المتحدة. 

وكان كيني جوير الرئيس التنفيذي لمنظمة Mercy Corps غير الحكومية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها من 1994 حتى عام 2019. 

واستقال بعد أن اعترفت المؤسسة الخيرية بأنها أساءت التعامل مع الاتهامات طويلة الأمد بالاعتداء الجنسي على الأطفال الموجهة ضد مؤسسها المشارك. ولم يستجب جينج ولا جوير لطلبات The New Humanitarian للتعليق، فيما رفض كولينز التعليق.

ويأتي ظهور الصندوق في الوقت الذي طلبت فيه الأمم المتحدة من المانحين في مؤتمر التعهدات الذي ينظم بالشراكة مع سويسرا والسويد، المزيد من الأموال للاستجابة لما أطلقت عليه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

وبعد ما يقرب من ست سنوات على الحرب بين المتمردين الحوثيين والتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذي يدعم حكومة معترف بها دوليا، يواجه اليمنيون عنفا مكثفا وانتشار الجوع وانهيارا اقتصاديا كبيرا.

وعلى الرغم من الأزمة المتصاعدة، كانت الحكومات المانحة أقل استعدادا للتبرع لليمن مع استمرار الصراع والمشاكل الاقتصادية المتعلقة بفيروس كورونا الذي واجهته.  كما أعرب البعض عن مخاوفهم بشأن عرقلة المساعدات وتحويل مسارها في البلاد.

وفي العام 2020، طلبت الأمم المتحدة 3.38 مليار دولار لعمليات المساعدة التي تنسقها في اليمن، وهو رقم تم تحديده في البداية عند  2.4 مليار دولار بسبب الاحتياجات الجديدة التي نتجت عن جائحة فيروس كورونا. 

تلقت الأمم المتحدة 57 في المائة فقط من هذا المبلغ، مما أدى إلى خفض الحصص الغذائية وإغلاق بعض برامج المساعدات. 

وبالمقارنة، فإن نداء الأمم المتحدة لدعم سوريا بـ 2.6 مليار دولار لعام 2020 تم تمويله بنسبة 83 في المائة.

"مركبة الأغراض الخاصة"

وجرى تسجيل صندوق إغاثة المجاعة في برمودا كشركة محدودة اعتبارا من 3 فبراير/شباط 2021، وفقا لوثيقة اطلعت عليها The New Humanitarian. 

وتشير الوثائق إلى أن كولينز الذي يشغل خطة المدير يشكل مع ثلاثة أفراد من برمودا  مجلس الإدارة المؤقت للصندوق.

وفي رسالة بريد إلكتروني إلى المستفيدين المحتملين حصلت عليها الصحيفة، كتب كيني جوير أن الصندوق هو "وسيلة ذات غرض خاص للتخفيف من الجوع ومنع المجاعة في اليمن". 

وتابع: "نعلم أن هذا الهيكل جديد. تم تصميم كل شيء لضمان إمكانية دعم صندوق الاستجابة السريعة وإدارته بالسرعة المثلى".

ووفقا لمصادر مطلعة، فإن برنامج الغذاء العالمي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واليونيسيف يتفاوضون حول مبالغ كبيرة مع الصندوق. 

وبين برنامج الغذاء العالمي والمفوضية الأممية للصحيفة أنهما قدما مقترحات لكنهما لم يوقعا بعد على أي اتفاقيات. ولم تستجب اليونسيف لطلبات التعليق.

وأكدت ACF وهي المجلس النرويجي للاجئين (منظمة غير حكومية كبيرة أخرى)، أنها أرسلت مقترحات إلى الصندوق ولكن لم يتم الانتهاء من الصفقات بعد.

واختارت منظمات غير حكومية أخرى معنية بالمساعدات الدولية عدم العمل مع الصندوق، بما في ذلك Mercy Corps والمجلس الدنماركي للاجئين ومنظمة CARE. 

وقالت لجنة الإنقاذ الدولية إنها لن تتلقى أي شيء من الصندوق، بينما لم ترد اللجنة الدولية للصليب الأحمر على طلب التعليق. وقالت الهيئة الطبية الدولية إنه لم يتم الاتصال بها.

وفي حديث غير رسمي، قالت بعض مجموعات الإغاثة إنها تشعر بالقلق بسبب شرط أن ينفق المستفيدون الأموال في غضون أربعة أشهر (من بين أمور أخرى).

 وهذا أمر غير معتاد في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية، حيث يتم منح المنظمات غير الحكومية ووكالات المعونة عادة ما لا يقل عن عام لتنفيذ المشاريع.

ومن المعروف أن وصول المساعدات إلى مستحقيها في اليمن أمر صعب، وقد اتُهمت جميع الأطراف - وخاصة المتمردين الحوثيين - بتأخير جهود الإغاثة.  

وأكد العديد من مسؤولي المنظمات غير الحكومية للصحيفة أنهم لا يستطيعون إنفاق منح كبيرة بشكل مسؤول في إطار زمني مدته أربعة أشهر، وأنهم قلقون من أن التسرع في الأمور قد يزيد من فرص الهدر والاحتيال وغير ذلك من العواقب غير المقصودة. ويستغرق إنشاء مرافق معالجة جديدة وشراء الإمدادات وقتا.

وقال مسؤول من إحدى المنظمات غير الحكومية العاملة في اليمن إن منظمتهم قررت رفض فرصة طلب الأموال من الصندوق بعد "نقاش مكثف" داخليا. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مهلة الأربعة أشهر، مما يجعل من الصعب ضمان جودة البرنامج وفعاليته. 

وأثارت العديد من المصادر في المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة  والتي طلبت عدم ذكر أسمائها لأنها غير مخولة للتحدث إلى وسائل الإعلام، أسئلة حول الشفافية والحوكمة في الصندوق.

وعلى الرغم من قدرته الشرائية المتوقعة، لم يكن هناك إعلان عام عن صندوق إغاثة المجاعة. ووفقا لرسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها الصحيفة، فإنه حتى وقت قريب كان يدير أعماله على حسابات Gmail الشخصية الخاصة بإدارته. 

وتم إنشاء وشراء حقوق الاسم  faminerelieffund.org في 16 فبراير/شباط، لكن الموقع لم يتم تشغيله بعد. وتجعل كل هذه المؤسسات من هذا الصندوق "غامضا بعض الشيء"، وفقا لمسؤول كبير في الأمم المتحدة، أصر على عدم الكشف عن هويته بسبب المفاوضات الجارية.

وقال العديد من المسؤولين في المجال الإنساني، تحدثوا أيضا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، إن حقيقة وجود الكثير من الأشياء المجهولة - بما في ذلك هيكل الصندوق والرقابة والموظفين باستثناء كولينز، وجينج، وكيني - جاير - جعلهم يشعرون بالقلق.

وأوضح مسؤول كبير في منظمة غير حكومية: "ليس من الواضح سبب إنفاق التمويل من خلال مثل هذا الهيكل بدلا من تمويل الاستجابة المنسقة من الأمم المتحدة مباشرة".

إجراءات لارضاء المتطلبات

وأدى عدم وجود إعلان حول مصدر الأموال إلى الكثير من التكهنات غير الرسمية. 

وقالت جميع المصادر التي تحدثت إليها الصحيفة، بما في ذلك مسؤولي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المطلعين على المسألة، إنهم يعتقدون أن أموالا كبيرة في الصندوق الجديد تأتي من منطقة الخليج، وتحديدا أعضاء التحالف السعودية والإمارات، وهي الجهات الرئيسة المانحة لليمن.

مع ذلك، في حين يعتقد البعض أن الأموال تأتي من الحكومات، ذكر آخرون، بما في ذلك المتحدث باسم ACF، إمكانية أن يكون أصل الأموال  خاصا أو أن يكون مصدرها تبرعات عامة أو أموالا من صناديق سيادية. ولم يرد مسؤولون من البلدين على طلبات للتعليق.

وقدمت الدولتان الخليجيتان إلى جانب الكويت، 32 بالمائة من التمويل لعملية الاستجابة التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن بالفترة من 2016 إلى 2020، وفقا لبيانات الأمم المتحدة. 

لكن هذه الأموال حجبت في السنوات القليلة الماضية، أو تأخر صرفها.

وفي العام 2020، تعهدت السعودية بتقديم 500 مليون دولار ومنحت 314 مليون دولار (بالإضافة إلى أموال أخرى من خلال قنواتها الخاصة)، في حين لم تقدم الإمارات شيئا من خلال مؤتمر نظمته الأمم المتحدة، والذي قدمت فيه الكويت 102 ألف دولار.

وقد تكون هذه علامة على عدم الرضا عن الطريقة التي أنفقت بها الأمم المتحدة أموالها في الماضي.

وفي حديثه إلى الصحيفة بعد مؤتمر المانحين في العام 2020، دعا الدكتور عبد الله الربيعة، المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة، هيئة الإغاثة في المملكة، إلى إنشاء "برامج مراقبة أقوى حتى لا يكون هناك توجيه خاطئ لهذه الأموال لأغراض أخرى".

وردا على سؤال من الصحيفة، قال العديد من المستفيدين المحتملين - بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمجلس النرويجي للاجئين  - إنهم بذلوا "العناية الواجبة" في التعامل مع الصندوق لكنهم لم يجيبوا على أسئلة حول المصدر النهائي لأموال صندوق الإغاثة من المجاعة. 

وقال متحدث باسم برنامج الأغذية العالمي، على سبيل المثال "تم إجراء العناية الواجبة  حول الكيان المدرج في الصندوق وتيم كولينز".

 وتحتفظ الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والصليب الأحمر بسياسات تحظر قبول التمويل من مصادر مثل منتجي الأسلحة أو التبغ، ومجموعة من المعايير الحساسة الأخرى. 

وقال كيني جوير في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى المتقدمين: "سيكون سيتي بنك من ممولي الصندوق، وسيضمن هذا أن الصندوق يفي بالمتطلبات الخيرية والمتطلبات التنظيمية الأخرى، بما في ذلك العناية الواجبة بشأن متلقي المنح".