أيام ترامب انتهت.. هل تتجه إدارة بايدن نحو سياسة أكثر تشددا مع روسيا؟

آدم يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يبدو أن العلاقات الأميركية الروسية ستنعم بالهدوء خلال الفترات المقبلة، بعد أن فتح الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن النار على روسيا مؤذنا بمرحلة جديدة من التصعيد بين البلدين الكبيرين.

في مؤتمر ميونخ الذي عقد في 19 فبراير/شباط 2021، هاجم بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين، قائلا إنه يسعى إلى إضعاف المشروع الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، داعيا إلى إيقاف التحركات الروسية ومواجهة المخاطر الكثيرة التي تمارسها.

وتوعد بايدن بأنه سيعمل مع شركائه في الاتحاد الأوروبي على مواجهة ما سماها بـ"التحديات المشتركة التي تواجهها الولايات المتحدة وبروكسل"، مؤكدا أن المواجهة مهمة من أجل حماية الأمن الجماعي.

وكان من الواضح أن إحدى أدوات بايدن لمواجهة النفوذ الروسي هو تفعيل دور الناتو، الحلف الذي قوضه سلفه دونالد ترامب وتسبب بتراجع دوره في مواجهة روسيا.

كما فرض ترامب جمارك إضافية على بعض الصادرات الأوروبية، في تصرف انعكس بشكل سلبي على التعاون الأميركي الأوروبي في مواجهة توسع النفوذ الروسي.

ولقي موقف بايدن إزاء إعادة تفعيل حلف الأطلسي وإعادة دور الاتحاد الأوروبي في مواجهة النفوذ الروسي، ترحيبا من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي قالت إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية شركاء ويجب أن يعملوا على توحيد جداول أعمال مشتركة للتعامل مع روسيا.

وأضافت ميركل، خلال كلمة لها بالمؤتمر، أن التعامل مع روسيا والصين مهمتان رئيستان، ويتعين على الشراكة عبر الأطلنطي تبنيهما في السنوات المقبلة، مؤكدة أن هناك حاجة ملحة لأجندة مشتركة لمواجهة روسيا، مع التركيز بشكل خاص على وحدة أراضي أوكرانيا.

وعلاوة على التنافس الإستراتيجي الذي يشهده البلدان حول الهيمنة الاقتصادية والعسكرية، فإن واشنطن تتهم روسيا بتنفيذ هجمات سيبرانية إلكترونية لمواقع حكومية أميركية حساسة، وسرقة معلومات من وزارة الخزانة ومن وكالة مختصة بتحديد سياسة الإنترنت والاتصالات، واستخدامها في حملات إلكترونية للتأثير في نتائج الانتخابات الأميركية، بحسب وكالة رويترز.

أيام ترامب انتهت

وكان بايدن قد أدلى بتصريح في 26 فبراير/شباط 20121  قال فيه إنه أبلغ بوتين أن أيام تراجع الولايات المتحدة أمام روسيا قد انتهت.

وقال: "أكدت بوضوح للرئيس بوتين، بطريقة تختلف كثيرا عن تلك التي اتبعها سلفي (دونالد ترامب)، أن أيام تراجع الولايات المتحدة أمام التصرفات العدوانية لروسيا وتدخلاتها في انتخاباتنا وهجماتها السيبرانية وتسميمها للمواطنين قد انتهت"، في إشارة للمعارض الروسي ألكسي نافالني الذي تعرض للتسميم في أغسطس/آب 2020، في حادثة كادت تقتله.

وأضاف بايدن: "لن نتردد في رفع الثمن الذي سوف تدفعه روسيا، وسندافع عن مصالحنا الحيوية وعن شعبنا، وسنكون أكثر فاعلية في التعامل مع موسكو في عملنا ضمن التحالف، والتنسيق مع شركائنا الذين يتفقون معنا في نفس التوجهات".

وتطال ترامب انتقادات من قبل أعضاء في الحزب الديمقراطي بالتماهي مع روسيا، وفي المقابل تعتبر موسكو أنها من أوصلته إلى البيت الأبيض من خلال الحملات الإلكترونية التي قامت بها ومكنتها من التأثير في نتائج الانتخابات لصالحه.

وكان يوري شفيتس العميل السابق في الاستخبارات الروسية كيه جي بي، صرح في 30 يناير/كانون الثاني 2021 أن موسكو استثمرت في ترامب على مدى 40 عاما، وقد أثبت استعداده لترديد الدعاية الروسية المعادية للغرب.

وأضاف شفيتش في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية، "هذا مثال على الحالات التي يتم فيها تجنيد الأشخاص عندما يكونون مجرد طلاب، ثم يرتقون إلى مناصب مهمة. شيء من هذا القبيل كان يحدث مع ترامب".

من جانبها، اعتبرت موسكو تلك التصريحات عدوانية وتدخلا في الشؤون الداخلية لروسيا. وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف في 5 فبراير/شباط 2021: "مع أسفنا الشديد، فإن هذه التصريحات عدوانية، وغير بناءة، والتهديدات المبطنة التي حملها كلام الرئيس الأميركي أمر غير مقبول نهائيا".

في حين ذكر بيان لوزارة الخارجية الروسية أن الوزير سيرغي لافروف أبلغه نظيره الأميركي (أنطوني بلينكن) في اتصال هاتفي جرى بينهما في 4 فبراير/شباط 2021 ضرورة احترام قوانين روسيا ونظامها القضائي، مذكرا بما حصل لمواطنين أميركيين شاركوا في الاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات الأميركية. 

ذلك التصعيد، لم يقف عند هذا الحد، فقد صرح الرئيس الأميركي بأن بلاده لن تعترف مطلقا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، مؤكدا أنها ستواصل دعمها للشعب الأوكراني، وتقف إلى جانب كييف ضد ما سماها التصرفات العدوانية الروسية.

وقال بايدن في الذكرى السنوية لضم روسيا للقرم في 28 فبراير/شباط 2021: "لا تزال الولايات المتحدة تقف مع أوكرانيا وحلفائها وشركائها اليوم، كما كانت منذ بداية هذا النزاع".

وبهذه المناسبة الحزينة جدد بايدن ما أسماها حقيقة بسيطة: "القرم جزء من أوكرانيا، وسنقف معها ضد التصرفات العدوانية الروسية، ونواصل العمل من أجل معاقبة روسيا على عدوانها وانتهاكاتها لسيادة جارتها ومخالفتها القانون الدولي".

مطلوبون للعدالة

رافقت تلك التصريحات إجراءات تصعيدية من قبل مؤسسات أميركية، فقد وضع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي)، 15 مواطنا روسيا على قائمة المطلوبين لديه، وأصدر  بحقهم مذكرات توقيف فيدرالية، في 26 فبراير/شباط 2021، وذلك بتهم تتعلق بالتآمر والاحتيال على الولايات المتحدة بين عامي 2014 و2018.

ونشر موقع وكالة إف بي آي في صفحته الرسمية على الإنترنت صور وأسماء المطلوبين، من بينهم رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، الشخصية المقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومؤسس شركة فاغنر المتخصصة بتنفيذ عمليات عسكرية في مناطق عديدة بالعالم.

وأكد  أن المطلوبين نفذوا أنشطة تهدف لزعزعة الثقة بين السلطات الأميركية والمؤسسات الأخرى والتدخل في النظام السياسي، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية لعام 2016، وهي الانتخابات التي فاز فيها ترامب.

وبحسب وكالة الاستخبارات الأميركية فإن روسيا نفذت أعمال قرصنة إلكترونية هدفت من ورائها التأثير في نتائج الانتخابات الأميركية في 2016، من خلال إضعاف مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، ودعم المرشح الجمهوري ترامب، في ذلك الوقت.

وكانت السلطات الأميركية ألقت القبض في يناير/كانون الثاني 2019، على روجر ستون، صديق ترامب وأحد أعضاء فريق حملته الانتخابية ومستشاره غير الرسمي، بتهمة التخابر مع روسيا.

وأدان القضاء الأميركي ستون ورأت المحكمة أنه متورط بالتهم الذي وجهت له، بالإضافة إلى إدلائه بأقوال كاذبة وتعمد إعاقته للعدالة.

إلى جانب ذلك فإن إدارة بايدن تقدمت بملف للكونغرس الأميركي يحتوي على عدة أسماء لشركات وسفن لا تزال تعمل في خط غاز نورد ستريم 2 البحري الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، ويزيد من صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، وذلك من أجل فرض عقوبات عليها، لاستمرار عملها في هذا المشروع.

وكان دونالد ترامب قد وقع قانونا في ديسمبر/كانون الأول 2019، يفرض عقوبات على أي شركة تساعد شركة غازبروم المملوكة للحكومة الروسية في استكمال مد خط أنابيب غاز إلى أوروبا، وذلك لأنه يضعف من نفوذ دول معينة، من بينها أوكرانيا، ويقوي من نفوذ روسيا، حسب قوله.

بحسب الكاتبة والصحفية الأميركية إيميلي تامكين فإنه من المؤكد أن جو بايدن ليس مؤيدا لبوتين، فقد وصفه في وقت سابق بالسفاح، في حين وصف ترامب بـ"جرو بوتين".

 لكن هذا لن يعني أنه لن يكون هناك تعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في ظل إدارة بايدن، على الأقل في عدة ملفات من بينها اتفاقية الحد من الأسلحة النووية والتعاون في منطقة القطب الشمالي، وفق ما قالت في مقال لها على مجلة Newstatesman الأميركية في 29 ديسمبر/كانون الأول 2020.

تضيف تامكين: "ومع هذا فإن هناك عقوبات حالية على روسيا، تهدف إلى دق إسفين بين الطبقة الحاكمة والكرملين، وفي ذات الوقت تهدف إلى إجبار موسكو على مغادرة شبه جزيرة القرم أو وقف المزيد من الغزو لأوروبا الشرقية، وحماية النظام المالي الأميركي".