جيش موحد.. هل ينجح "صقور الجديان" في ترويض الحركات المسلحة بالسودان؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وفقا لتصنيف موقع "غلوبال فاير باور" الأميركي، المتخصص في تقييم القوة العسكرية للدول، حل الجيش السوداني في المرتبة الـ77 عالميا، أثناء عام 2021، وهو تصنيف متأخر عن الأعوام السابقة.

قبل 2021، كان "صقور الجديان" وهي تسمية تطلق على الجيش السوداني، يحل في المرتبة ما بين "69" و"70"، ومع ذلك تعمل القوات المسلحة السودانية حاليا على عدة محاور أبرزها إحداث حركة تغييرات وصفت بـ"غير الاعتيادية"، بالإضافة إلى قرب إعلان توحيد الحركات المسلحة والقوى الانفصالية تحت رايتها.

لكن سياسيين يشككون في جدوى ما يحدث على وقع ضعف الدولة التي تمر بمرحلة انتقالية متعثرة، مع تساؤلات عن شكل الانصهار الذي سيحدث بين الجيش النظامي، والقوات الانفصالية المعبئة بالسلاح والعتاد، والتي تحمل أفكارا وعقائد قتالية مختلفة، بل كانت حتى فترات قريبة على النقيض من الجيش، وخاضت ضده صراعات مريرة.

جيش موحد

لم يكن الجيش السوداني غائبا عن مسرح الحياة السياسية كسائر جيوش الشرق، وقام بأربع انقلابات عسكرية ناجحة استولى من خلالها على السلطة، كان آخرها انقلاب 30 يونيو/ حزيران 1989، بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير.

وتتكون البنية التحتية للجيش السوداني أو "صقور الجديان" من قوة عسكرية تتجاوز 100 ألف مجند بالإضافة إلى الآليات الثقيلة، ومصانع المدرعات، والأسلحة والذخائر، مع وجود القوات الجوية السودانية كفرع من فروع الجيش بجانب القوات البرية والبحرية.

وتخوض القوات المسلحة السودانية منذ نوفمبر/ تشرين الأول 2020، معارك شرسة مع قوات ومليشيات إثيوبية تسيطر على نحو مليوني فدان من أراضي الفشقة السودانية منذ 25 عاما.

تحت عنوان "جيش موحد" نشرت القوات المسلحة السودانية عبر صفحتها الرسمية بموقع "فيسبوك" يوم 27 فبراير/ شباط 2021، قائلة: "من أجمل ما جاءت به ثورة الشعب السوداني هو اتفاق جوبا للسلام بين أبناء شعبه وهو نواة توحيد الجيوش لتنصهر في جيش قومي لحماية الوطن والمواطنين، وقريبا جدا هنالك مسميات سوف تنتهي، مثل الحركات المسلحة، الدعم السريع وغيرها".

وأضافت: "الترتيبات لتوحيد هذا الجيش، تسير على قدم وساق وستشاهدون كما العهد بالقوات المسلحة بإذن الله جيشا موحدا لا قبلية ولا جهوية ينتشر في كل ربوع السودان حاميا للأرض والعرض وداعما للتنمية موحدا في الزي الرسمي (الميري)".

ما أورده الجيش السوداني سرى بين التشكيك والاستبشار عند المواطنين، خاصة بعد القلق الذي أحدثه دخول قوات جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان فرع "مني ميناوي" مدججين بالسلاح إلى العاصمة ضمن اتفاقية السلام.

كلمة "توحيد الجيش" ليست بجديدة على الأسماع، ففي عام 1972 جاء ضمن بنود اتفاقية "أديس أبابا" بين حكومة الرئيس جعفر نميري ومتمردي الجنوب، نص يؤكد على "دمج قوات المتمردين السابقين" في قوات الشعب المسلحة السودانية.

وكذلك اتفاقية السلام الشامل، في نيفاشا عام 2005، جاء ضمن بنودها دمج قوات جيش حركة تحرير السودان في الجيش، وهو نفسه ما حدث في اتفاقية جوبا للسلام (الأخيرة) التي وقعت يوم 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، فقد ورد فيها "دمج مقاتلي الحركات المسلحة في الجيش السوداني على 3 مراحل، تنتهي بانقضاء أجل الفترة الانتقالية".

حرب أهلية

وهو ما دعا الكاتب السوداني "محمد التيجاني عمرقش" للرد على بيان القوات المسلحة، عبر صحيفة "سودانيل" المحلية، قائلا: "لا أكاد أفهم ما المقصود بالترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية سلام جوبا، التي وقعتها الحكومة الانتقالية مع بعض الحركات المسلحة، ونصت على دمج قوات الحركات في الجيش السوداني والقوات النظامية الأخرى!".

وأضاف: "كيف سمحتم لهذه القوات المدججة بكل أنواع الأسلحة الميدانية، الخفيفة والثقيلة، بأن تعسكر في وسط العاصمة؟".

وأردف: "نحن نتمنى أن يتحقق السلام ويتكون جيش سوداني له قدرات عالية وعقيدة عسكرية تعبر عن تطلعات الوطن وتستلهم هويته، بعيدا عن التجاذبات الجهوية والإثنية والقبلية والأيديولوجية التي من شأنها أن تنسف استقرار البلاد وتجعلها في مهب الريح، هذا إذا لم تنشب حرب أهلية شاملة". 

وفي 17 فبراير/ شباط 2021، دخلت نحو 300 عربة عسكرية مجهزة بكامل عتادها وسلاحها من حركة جيش تحرير السودان بقيادة "مني أركو مناوي"، إلى الخرطوم، في مشهد كان مهيبا ومفزعا للمواطنين، حتى أن البعض وصف الحدث "بقوات احتلال وصلت إلى العاصمة".

إحالات وترقيات 

في 25 فبراير/ شباط 2021، أصدرت القوات المسلحة السودانية النسخة الأولى من قائمة الترقيات والإحالة للتقاعد للضباط، واحتوى الكشف الأولي بشكل اعتيادي على ترقيات الضباط من الرتب الأدنى للأعلى حسب النظام المتبع مع إحالة عدد قليل للتقاعد.

أما الغريب وغير الاعتيادي في الحركة الأخيرة، ما نقلته صحيفة "مونتي كاروو" المحلية في 28 فبراير/ شباط 2021 على لسان مصدر عسكري، بقوله : "تكمن الغرابة في صدور الكشف بعد انتهاء شهرين من بداية العام وهو على غير عادة مؤسسة تقوم على الانضباط والالتزام الزمني، كما حمل الكشف قوائم إحالة لتقاعد ضباط لم تحدد لهم مادة تسوية حقوق ما بعد الخدمة". 

وأورد: "احتوت القوائم على ترقية بعض الضباط إلى رتبة النقيب المؤقتة، ومعروف أن الضابط يكون (تحت الاختبار) في مدة العامين الأوائل من خدمته وليس بعد رتبة النقيب التي يصلها عادة ضابط المشاة خريج الكلية الحربية بعد 8 سنوات قضاها في الخدمة".

وأوضح: أن "الكشوف احتوت على أسماء لضباط بدون رتبهم العسكرية وهو شيء غير مسبوق".

عامل مفصلي

وتعليقا على دمج الحركات المتمردة والقوات الانفصالية داخل الجيش، قال الصحفي السوداني محمد نصر، لـ"الاستقلال": "الأمر مستبعد ولا يقوم على أسس سليمة، فهذه المجموعات لها مكوناتها الضمنية من أفكار وإثنيات وإرث محمل بالعداء للدولة المركزية، وحملت السلاح ضد الجيش لسنوات طويلة، فكيف ستنضوي إذا تحت راية القوات المسلحة وتأتمر بأمر قادتها".

وأضاف: "التسلسل الطبيعي للعسكرية في جميع الدول الطبيعية، يبدأ بالانخراط هرميا في صفوف الجيوش، من الكليات والمعاهد العسكرية وصولا إلى الأفرع ومراكز الخدمات ثم الدخول إلى سلم القيادة، لا أن يكون متمردا لا يعرف كنهه، يأتي ويصبح ضابطا في الجيش أو فردا من أفراد القوات المسلحة". 

وأوضح نصر أن "حجم المعارك والصراعات أكبر من احتمال السودان، والخلافات بين مكونات السلطة أمر مقلق، ورأينا في الأيام الماضية ما لم يشهده السودان في تاريخه، على سبيل المثال دخول قوات (مني مناوي) إلى الخرطوم بهذه الصورة لا يمثل تحديا صوريا فقط للمواطنين، بل هو قنبلة موقوتة حقيقية".

وتابع: "وجود هذا العدد من الحركات المسلحة بأسلحتهم وتجهيزاتهم الضخمة، خطر على الأمن القومي، فنتخيل لو انفلتت الأوضاع وحدث اشتباك واسع بين هذه الفصائل، فستتحول وقتها الخرطوم إلى قطعة من الجحيم تخلف عشرات الآلاف من القتلى المدنيين". 

واختتم حديثه: "الدولة القوية هي من تفرض شروطها على الداخل والخارج، والمواطن سيخضع لها، ومع الأسف السودان تم تجريفه وإنهاكه على مدار عقود، وقيادته الحالية بسائر مكوناتها العسكرية والمدنية غير قادرة على انتشاله من أوضاعه المؤلمة، لغياب عامل مفصلي وهو الولاء الخالص للوطن والعمل لمصلحته فقط، لا لجهة ولا فصيل ولا فكرة غير السودان فقط".