"فلترة على المقاس".. لماذا بدأ فيسبوك تقليص المحتوى السياسي؟

إسطنبول - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في العاشر من فبراير/ شباط 2021، نشر المدير التنفيذي لإدارة المنتج في فيسبوك آستا غوبتا، مقالا على مدونة الشركة، قال فيه إن موقع التواصل الاجتماعي بدأ بتقليص المحتوى السياسي على صفحاته تدريجيا.

المقال سبقه تصريح للرئيس التنفيذي للشركة مارك زوكربيرغ، قال فيه إن "الملاحظة الشائعة أن المستخدمين لا يريدون أن يسيطر المحتوى السياسي على موجز الأخبار الخاص بهم".

ولجأ الموقع إلى تجربة تقليص المحتوى السياسي، بعد حملة من التضييق على عدد من الناشطين السياسيين والحقوقيين في مختلف الدول.

أسباب التقليص

ستعفى، وفق إدارة الموقع، المعلومات الخاصة بفيروس كورونا من المنظمات الصحية الموثوقة مثل منظمة الصحة العالمية، وكذلك الوكالات والخدمات الصحية الوطنية والإقليمية من البلدان المتضررة، من هذه الاختبارات، وسيتم أيضا إعفاء المحتوى القادم من الوكالات والخدمات الحكومية الرسمية.

ولتحديد مدى فعالية الأساليب الجديدة، سيعمل فيسبوك على استطلاع آراء الأشخاص حول تجربتهم أثناء هذه الاختبارات.

وأوضح غوبتا: "من المهم ملاحظة أننا لا نزيل المحتوى السياسي تماما من فيسبوك، هدفنا هو الحفاظ على قدرة الأشخاص على العثور على المحتوى السياسي والتفاعل معه، مع احترام رغبة وتفضيلات كل شخص".

وذكر أنه بناء على تحليلات في الولايات المتحدة، لا يشكل المحتوى السياسي سوى حوالي 6 بالمئة مما يراه الناس على فيسبوك.

وعلى الرغم من اختلاف موجز الأخبار من شخص لآخر، فإننا نعلم أنه حتى نسبة صغيرة من المحتوى السياسي يمكن أن تؤثر على التجربة العامة لشخص ما، وفق قوله.

لكن يبدو أن هناك بعض التضارب وفقا للمناطق، فبعد أيام من القرار، رفع فيسبوك الحظر الذي فرضه على مشاهدة ونشر أي محتوى خبري في أستراليا، بعد محادثات "ناجحة" مع حكومة كانبرا، بحسب وسائل إعلام محلية.

وتعتزم شبكة "فيسبوك" استثمار ما لا يقل عن مليار دولار في المحتويات الإخبارية في السنوات الثلاث المقبلة.

 وكتب المسؤول عن الشؤون العامة في "فيسبوك" نيك كليغ، في 24 فبراير/شباط 2020: "استثمرنا 600 مليون دولار منذ عام 2018 لدعم قطاع الإعلام، ونعتزم استثمار ما لا يقل عن مليار دولار إضافية خلال السنوات الثلاث المقبلة".

أفادت إحصائيات صدرت في 2018، بأن 11 مستخدما جديدا يضافون لمستخدمي الشبكات الاجتماعية في كل ثانية في العالم، وعربيا، المملكة العربية السعودية هي صاحبة أسرع نمو في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وتربع موقع فيسبوك على عرش أكثر المنصات الاجتماعية استخداما في العالم، حيث فاق عدد مستخدميه ملياري شخص. وحظي الموقع الأزرق بشعبية عارمة في ربوع المنطقة العربية ناهزت 156 مليون مستخدم.

وتربعت مصر على هرم الدول الأكثر استخداما للموقع بنسبة 35 مليون مستخدم، تلتها الجزائر بـ19 مليونا، ثم السعودية (18 مليونا)، والمغرب (15 مليونا)، والعراق (14 مليونا).

ورغم مزاحمته من قبل منصات أخرى، فإن فيسبوك حظي بقاعدة مستخدمين نشطين في مختلف البلدان العربية، خصوصا بعد استحواذه على تطبيقي "واتساب" و"إنستغرام".

ترميم السمعة

في منتصف 2020، خاض فيسبوك حربا ضد المحتوى الفلسطيني، عبر حملات حذف مفاجئ لحسابات فلسطينيين، دون تقديم أي تبرير وأغلق صفحات وحسابات العشرات من الصحفيين والناشطين.

الحسابات المحذوفة، أغلبها من تلك التي تساهم في نقل الرواية الفلسطينية وتفضح الجرائم الإسرائيلية، وهو أمر يعكس محاولات فيسبوك المتكررة لاجتثاث الرواية الفلسطينية بشكل كامل، والانحياز لإسرائيل. 

ولقي فيسبوك انتقادات واسعة لتجاهله الحسابات الإسرائيلية التي تحرّض ضدّ الفلسطينيين، وتدعو إلى قتل الأطفال واعتقالهم وسلب الأراضي.

في الفترة نفسها، حذف الموقع نحو 60 حسابا من حسابات فيسبوك لعدد من المدونين والناشطين البارزين في تونس.

وشكك الناشطون في شفافية فيسبوك خصوصا بعد الانتخابات الرئاسية في 2019، رغم المطالب العديدة التي توجَّهَت بها المنظمات غير الحكومية لمعرفة الجهات التي تقدم الدعم.  

وفي 2019، قالت شركة فيسبوك إنها حذفت مئات الصفحات والمجموعات والحسابات على منصتها للتواصل الاجتماعي تتصل بثلاث عمليات في الإمارات ومصر ونيجيريا وإندونيسيا بسبب "سلوك زائف منسق".

وأعلنت بعدها أنها حذفت 2.2 مليار حساب وهمي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2019، وأنها تحاول "إبقاء منصتها خالية من الحسابات المزيفة والأنشطة غير القانونية التي يتم تنفيذها من خلال هذه الصفحات، ومحاولة المستخدمين السيئين المساس بسمعة الدور الحقيقي والأساسي لأكبر شبكة اجتماعية في العالم". 

حاول فيسبوك ترميم سمعته بعد الواقعة، فأعلن للمرة الأولى عن سلوك مزيف منسق" مصدره بلدان عربية لأجل أهداف سياسية.

 إذ كشفت الشبكة الاجتماعية وجود حملتين منظمتين، واحدة مصدرها الإمارات العربية المتحدة ومصر، والثانية مصدرها السعودية، ورغم عدم وجود ترابط بينهما، إلا أن الحملتين قامتا بنفس السلوك، حيث أنشأتا مئات الحسابات الوهمية لأجل "تضليل" الآخرين.

الأرقام التي نقلها فيسبوك أشارت إلى حذف 259 حسابا و102 صفحة وخمس مجموعات وأربع أحداث، زيادة على 17 حساب لإنستغرام (المملوك لنفس الشركة)، تنسق لسلوك مزيف، مصدرها الإمارات ومصر. 

أما الحملة الثانية ومصدرها السعودية، فقد استخدمت 217 حسابا و144 صفحة وخمسة أحداث على فيسبوك و31 حسابا على انستغرام. واتجهت الحملتان إلى عدة دول في الشرق الأوسط وشمال وشرق إفريقيا، منها ليبيا والمغرب والسودان ولبنان وتركيا وقطر.

وأكد عدد المتابعين لهذه المنشورات وجود جمهور واسع للمحتوى المضلل، فقد أحصى فيسبوك 13.7 مليون حسابا يتابع واحدة أو أكثر من صفحاته الخاصة بالحملة الأولى، فضلا عن 65 ألف متابع لحساباتها على انستغرام. 

وفي الحملة الثانية، اتضح أن هناك 1.4 مليون حساب يتابع واحدة أو أكثر من هذه الصفحات على فيسبوك، و145 ألف شخص يتابعون حسابات انستغرام.

وفي تقرير نشرته شبكة "دويتشه فيله" الألمانية، في أغسطس/آب 2019، قالت إن أموالا ضخمة رُصدت لأجل ترويج هذه المنشورات، فقد دفعت الحملة الأولى 167 ألف دولار، والحملة الثانية 108 ألف دولار.

وأشار فيسبوك إلى شركة تحمل اسم newwave في الإمارات وnew waves في مصر كمصدر لهذا المحتوى.

بينما تحدث تقرير الموقع ذاته عن أن أفرادا مرتبطين بالحكومة السعودية، هم من يديرون الحملة الثانية. ويعمل هذا المحتوى على دعاية للدول الثلاثة والمتعاونين معها كالجنرال الليبي خليفة حفتر، بينما يشن هجمات منسقة لضرب سمعة تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين. 

تويتر.. المنافس الأقوى

المعلن أن فيسبوك أجرى استطلاعات رأي كانت نتيجتها أن المحتوى السياسي عليه أن لا يسيطر على صفحات المستخدمين، بحسب خبير الإعلام الجديد، هيثم سعد الذي شكك في نتيجة الاستطلاع نفسه، والذي قد يكون استهدف بالأساس الشريحة الأكثر على الموقع الأزرق وهي التي تميل للمحتوى غير السياسي. 

توقع هيثم سعد في حديث مع "الاستقلال"، أن القرار هو محاولة من فيسبوك للخروج من المأزق الذي تورط فيه، وهو ادعاؤه أنه يكفل حرية التعبير، في حين أنه يذهب إلى حد حذف الحسابات التي تتناول عددا من المواضيع السياسة عبر العالم. 

مجموعة من التقارير أفادت بأن أكبر دولة تعدادا للسكان هي دولة فيسبوك، لوجود عدد كبير جدا من المشتركين عليه.

ومع هذا الوضع، يقول سعد: "لا يمكن تحديد ما يهتم به المستخدمون ويتابعونه، وأفضل وصفها بالتفصيلات الإنسانية البحتة، إذ يمكن لكل مستخدم أن يختار المحتوى الذي يتابعه، كما يمكن أن تحوي "فقاعة" كل مستخدم خليطا بين عدة محتويات يفضلها مع بعضها". 

وعن إذا ما كانت مواقع التواصل الاجتماعي أنشئت بالأساس لأجل المحتوى الترفيهي، قال خبير الإعلام الجديد، إن منصة تويتر مثلا حكم عليها منذ البداية بأنها نخبوية تهتم بالأحداث الجارية بشكل كبير، عكس "تيك توك" الذي خلق بالأساس للمحتوى الترفيهي.  

يرى هيثم سعد، أن المحتوى السياسي يجب أن يسيطر في الفترة المقبلة، وذلك بحسب احتياجات المستخدمين في كل دولة، إذ قاد فيسبوك في مصر مثلا "ثورة يناير"، وهو دليل على أن الهدف الذي خلقت لأجله هذه المنصات لا يهم بقدر ما تحدد احتياجات المستخدمين في أي اتجاه توجهها أو تستخدمها.

المناطق المأزومة والمناخ السياسي المضطرب، بحسب سعد، يحدد أيضا كيفية استخدام هذه المواقع، إذ لا يجد من يعيش تحت الاستبداد وسيلة أخرى للتعبير غير هذه المواقع. 

اعتبر سعد أن الأحداث التي يعيشها الوطن العربي، أحد أهم خلفيات تحول المسار الترفيهي إلى سياسي على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأوضح أنه في 2011، لم يكن من المقرر أن يوجه فيسبوك المتظاهرين على الأرض، لكن الشعوب عبّرت عن آرائها بكل الوسائل التي امتلكتها بين أيديها.

وعزا خبير الإعلام الجديد السبب في ذلك إلى سطوة الإعلام المركزي الحكومي في الدول المستبدة، والذي لا يعطي أي فرصة لباقي الأطراف للتعبير عن وجهة نظرها، ما دفع الشعوب إلى نقل معاناتها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي. 

في حال نفذ فيسبوك قراره، فإن المنصات البديلة التي يمكنها مناقشة المحتوى السياسي أبرزها تويتر، الذي يلبي ذلك بقوة واعتبره المنافس والأوحد، وفق سعد.

وأيضا "كلاب هاوس" الذي تتوفر فيه إمكانيات عالية لتحقيق ذلك، والذي يسمح بتوفر كل شخص على منبر صوتي يمكن أن يعبّر من خلالها بكل حرية، أما بخصوص الخصوصية فيمكن استخدام اسم وصورة مستعارين.