محمد بازوم.. فيلسوف من أصول عربية حارب الانقلابات وأصبح رئيسا للنيجر​​​​​​​

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فيما يعد أول انتقال ديمقراطي في تاريخ النيجر التي شهدت انقلابات عدة، فاز أول سياسي من أصول عربية بمنصب رئيس البلاد، بعد انتخابات تمت في أجواء مشحونة ومخاوف من اضطرابات محتملة.

في 23 فبراير/شباط 2021، أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في النيجر، فوز محمد بازوم مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي الحاكم في النيجر بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

بازوم حصل على 55.75 بالمئة من إجمالي الأصوات التي وصلت لنحو 7 ملايين ونصف المليون ناخب، في حين حصل منافسه مرشح المعارضة، الرئيس السابق الذي أطيح به في انقلاب عام 1996 ماهامان عثمان على 44.25 بالمئة.

ويعد بازوم، وزير الداخلية السابق، اليد اليمنى للرئيس المنتهية ولايته محمد يوسفو، الذي قضى فترتين بالرئاسة، مدة كل منهما 5 سنوات.

أصول عربية

ولد محمد بازوم عام 1960، في قرية "بلابرين" بولاية "ديفا" الواقعة جنوب شرقي النيجر، قرب الحدود مع نيجيريا، وينحدر من الأقلية العربية في النيجر، ولهذا فقد شكك منافسوه في الانتخابات بولائه للنيجر، قائلين إنه ينحدر من أصلي عربي، ولا يتمتع بالهوية النيجرية.

ينحدر بازوم من قبيلة "أولاد سليمان" العربية الليبية التي يوجد فرع منها في الدولة الجارة النيجر، في حين تتمركز أصل قبيلة أولاد سليمان في جنوب ووسط ليبيا، والتي تنحدر بدورها من قبائل بني سليم العربية العدنانية القيسية وسط الجزيرة العربية، والتي هاجرت إلى شمال إفريقيا في القرن الحادي عشر للميلاد.

يعد بازوم أصغر أشقائه الثمانية، وهو أب لـ4 أطفال: 3 بنات، وولد، وهو مسلم سني، ويتحدث 6 لغات، هي العربية والإنجليزية والفرنسية، والهوسا، والتوبو، والكانوري.

درس بازوم في جامعة داكار بالسنغال، وحصل على درجة الماجستير في الفلسفة (السياسة والأخلاق)، ودبلوم في المنطق والمعرفة، ويوصف بـ "الفيلسوف" نظرا لتخصصه في الفلسفة، وعمله كأستاذ لهذه المادة بين عامي 1984 و1991 في مدارس النيجر قبل أن ينطلق في مشواره النقابي والسياسي.

حتى الآن يمكن القول بأن بازوم (61 عاما)، قد وزرع عمره لشطرين، النصف الأول عبارة عن 30 عاما قضاها في التعلّم والتدريس حتى حصوله على الماجستير، ثم الشطر الثاني الذي مارس خلاله العمل السياسي والنقابي والذي بدأه عام 1991 حتى الآن.

عرف بازوم متفوقا في دراسته، وبارعا في ممارسة السياسة، حيث تمكن وهو من الأقلية العربية، من الوصول إلى كرسي الرئاسة رغم الأحداث التي عصفت بالنيجر، والمواقف التي تعرض لها وكان من بينها الاعتقال وفرض الإقامة الجبرية.

العمل السياسي

مارس بازوم العمل السياسي مبكرا، وتقلد مناصب وزارية منذ أن كان في مطلع الثلاثين من عمره، فقد تبوأ في 1991 منصب وزير الدولة للتعاون، وانتخب لعضوية الجمعية الوطنية كمرشح للحزب الديمقراطي الاجتماعي في انتخابات أبريل/نيسان 1993.

وفي يناير/كانون الثاني 1995 تبوأ بازوم منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون في حكومة حمة أمادو، وفي 2004، انتخب بازوم نائبا لرئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي.

خاض بازوم نشاطا معارضا، وكان من ضمن 14 برلمانيا تقدموا بمذكرة ضد رئيس الوزراء حماة أمادو في مايو/أيار 2007، بتهمة نهب الأموال العامة، وقد أفضت تلك المذكرة إلى سحب الثقة عن أمادو، ما تم اعتباره انتصارا لبازوم ورفاقه المعارضين.

عاصر بازوم 3 انقلابات عسكرية في النيجر، هي انقلاب 1996، وانقلاب 1999، وانقلاب 2010، وخاض بازوم معاركا مع الانقلابيين، ووضع على إثر ذلك تحت الإقامة الجبرية مع رئيس الحزب الوطني الديمقراطي محمد يوسفو، في يوليو/تموز 1996، قبل أن يطلق سراحه بأمر من القاضي بعد نحو أسبوعين.

لكن تم اعتقاله لاحقا مع سياسيين آخرين، في يناير/كانون الثاني 1998، بتهمة مشاركته في مؤامرة لاغتيال إبراهيم مناصرة الذي قاد الانقلاب العسكري في 1996، لكن سرعان ما تم إطلاق سراحه بعد أسبوع من اعتقاله بعد ثبوت براءته.

عمل بازوم منذ 1995 وحتى 1996 وزيرا للخارجية، ومرة أخرى من 2011 وحتى 2015، ووزيرا للدولة في رئاسة الجمهورية من 2015 وحتى 2016 ، ثم وزيرا للدولة للشؤون الخارجية منذ 2016 وحتى 2020، قبل أن يقرر ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2020.

 تحديات كبرى

أبرز تلك التحديات ترسيخ أسس للديمقراطية في البلد الذي عانى من عدد من الانقلابات العسكرية منذ استقلاله في 1960، وهي مرحلة كان قد بدأها سلفه محمد يوسفو الذي أمضى فترتين رئاسيتين وترك المنصب عند انتهاء فترته الرئاسية الثانية.

يوسفو، الذي يعد بازوم من أقرب مقربيه، كان قد أدلى بتصريح أثناء ترشيحه في مبنى البلدية بالعاصمة نيامي قائلا: "تحتاج النيجر إلى مؤسسات ديمقراطية قوية. أتمنى أن تسمح لنا الانتخابات الرئاسية والتشريعية بتعزيز مؤسساتنا".، في تصريح نال استحسان الكثيرين.

أما بازوم فصرح أثناء حملته الانتخابية قائلا: "إذا تم انتخابي فسأكون رئيسا خلفا ليسوفو، وسيحفظ التاريخ اسمينا، لأننا نجحنا في جعل بلدنا يحقق هذا الرهان"، وتعهد بالتركيز على الأمن والتعليم، خصوصا تعليم الفتيات، كما تعهد بالتركيز على دعم وتطوير قدرات الجيش وتعزيز الأمن في ظل الوضع الأمني المضطرب في منطقة الساحل".

وأثناء الانتخابات كتب بازوم تغريدة في حسابه بتويتر: "هذا الصباح، أديت واجبي المدني كمواطن في قاعة مدينة نيامي.أدعوكم جميعا إلى التصويت بشكل جماعي لتعزيز النضج الديمقراطي للبلد".

وعقب فوزه كتب منشورا في حسابه على فيس بوك قال فيه: "إنني ممتن للغاية لشعب النيجر على الثقة التي أبداها بانتخابي رئيسا للجمهورية.. سأكون خادما مخلصا له لمواجهة كل المشاكل التي تواجهها بلادنا".

وإلى جانب تحدي بازوم في قدرته على إحداث تحول ديمقراطي حقيقي، فإن بلده تواجه مشاكل أمنية، على رأسها الهجمات التي يشنها كل من "تنظيم الدولة" وجماعة "بوكو حرام".

وجماعة "بوكو حرام" تتخذ من نيجيريا البلد المجاور مقرا لها، وتستنزف ميزانية النيجر، حيث يذهب معظم الإنفاق الحكومي على الأمن، فضلا عن إعلان البلاد حالة الطوارئ جنوب شرق البلد بسبب تلك الهجمات، وما يترتب على إعلان حالة الطوارئ من ركود اقتصادي ونفقات أمنية.

وعلاوة على مشاكلها الأمنية، تواجه النيجر مشاكل اقتصادية وانتشارا للفساد المالي والإداري، ورغم كونها تنتج اليورانيوم والنفط، إلا أنها تحتل المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة.

وتسجّل النيجر أعلى معدل للخصوبة في العالم، بـ 7.6 أطفال لكل امرأة، واحتلت المركز رقم 114 من بين 142 دولة على مؤشر الرخاء لعام 2015 الصادر عن معهد ليجاتوم في بريطانيا.

وعلى صعيد العلاقات الخارجية، اقتربت النيجر أكثر من تركيا التي استثمرت بكثافة في البنية التحتية للمطارات والطرق والفنادق في النيجر التي تأمل أيضا في جذب المزيد والمزيد من المستثمرين الأجانب.